ترجمة وتحرير: نون بوست
تنطوي الحرب على عنف لا يوصف، وكثير منه قانوني تمامًا. ومع ذلك، هناك بعض أعمال العنف بغيضة لدرجة أنها تقع خارج حدود القانون. وعندما يكون الجناة من أفراد الخدمة الأمريكية، يُفترض أن يحاسبهم الجيش الأمريكي، كما يُفترض أيضًا أن يحتفظ الجيش بسجلات المخالفات بطريقة منهجية؛ لكن الجيش فشل في القيام بذلك، مما جعل الجمهور غير قادر على معرفة ما إذا كان سيقدم الجيش أفراده إلى العدالة عن الفظائع التي ارتكبوها.
ولمعالجة هذا الفشل؛ قام فريق إعداد التقارير في برنامج “في الظلام” بتجميع أكبر مجموعة معروفة من التحقيقات في جرائم الحرب المحتملة التي ارتكبت في العراق وأفغانستان منذ أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، حيث بلغ العدد حوالي 800 حادثة في المجموع. وخلص التقرير إلى أن الجيش لا يوفر الشفافية ولا العدالة في كثير من الأحيان.
تتيح قاعدة البيانات، لأول مرة، إمكانية الاطلاع على مئات المزاعم المتعلقة بجرائم الحرب – التي تلطخ سمعة الأمة – وذلك في مكان واحد، إلى جانب نتائج التحقيقات والملاحقات القضائية. إن الصورة التي تظهر من خلال هذه المعلومات مثبطة للهمم؛ حيث إن غالبية الادعاءات المدرجة في قاعدة البيانات قد تم رفضها ببساطة من قبل المحققين. أما تلك التي لم يتم التعامل معها، فعادةً ما تُترك لتتعامل معها القيادة في نظام قضائي يمكن أن يكون متسامحًا مع المتهمين وغير مصدق للضحايا.
بدأت قاعدة البيانات بتقرير “في الظلام” عن قتل المدنيين في حديثة بالعراق في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2005. ففي ذلك الصباح، أصيبت فرقة من مشاة البحرية بقيادة الرقيب فرانك ووتريتش بعبوة ناسفة بدائية الصنع، مما أدى إلى مقتل عريف بحري محبوب. وفي الساعات التي تلت ذلك، قتل جنود المارينز رجالاً ونساءً وأطفالاً في الشارع وفي المنازل المجاورة. واتُهم أربعة من هؤلاء المارينز، بمن فيهم ووتريتش، بالقتل. وأُسقطت ثلاث من قضاياهم فيما بعد، وعندما ذهب ووتريتش للمحاكمة، سُمح له بالاعتراف بالذنب في تهمة واحدة هي التقصير في أداء الواجب.
وقام القاضي بتخفيض رتبة ووتريتش. وقال هيثم فرج، محامي ووتريتش، عن الحكم: “إنها في الأساس مخالفة وقوف السيارات؛ إنها بلا معنى”. لقد أردنا أن نفهم كيف توصلت محاكمة كبيرة ومعروفة جيدًا لجرائم الحرب إلى نتيجة بهذا القدر الضئيل من الأهمية. وهل كانت هذه حالة شاذة أم أنها نموذجية في نظام القضاء العسكري؟
بدأنا بتقديم طلبات إلى الجيش بموجب قانون حرية المعلومات. ففي سنة 1974، في أعقاب المذبحة التي راح ضحيتها مئات المدنيين في ماي لاي بفيتنام، والملاحقات القضائية الفاشلة لنحو عشرين من أفراد الجيش بتهمة القتل، بدأت وزارة الدفاع في مطالبة كل فرع من فروع الجيش بالاحتفاظ بـ “مجموعة مركزية من التقارير والتحقيقات” حول مزاعم ارتكاب أفراده جرائم حرب.
ومع ذلك، عندما قدمنا طلبات للحصول على السجلات العامة لمحتويات مجموعة كل فرع، لم نحصل على الكثير في المقابل. وأرسلت لنا وزارة البحرية، التي تضم سلاح مشاة البحرية، رسالة تقول فيها إنها حددت موقع “مستودعها” ولكن “لم يكن المستودع يحتوي على أي سجلات”.
ومع عدم وجود خيار آخر، بدأنا في البحث في المقالات الإخبارية المؤرشفة، وتقارير حقوق الإنسان، والمجلات القانونية والطبية، ومستودع هائل من السجلات المتعلقة بالتعذيب وإساءة معاملة المعتقلين التي حصلت عليها وحدة مكافحة التعذيب خلال أربعة عشر سنة من التقاضي.
بحثنا عن حوادث مثل إطلاق النار العشوائي على المدنيين، وقتل أو تعذيب جرحى الأعداء، وإساءة معاملة المعتقلين أو إهمالهم المتعمد، وكلها أمثلة على جرائم الحرب. لقد قصرنا بحثنا على الأحداث التي يمكن مقارنتها بشكل عام بحادثة حديثة: مزاعم العنف التي ارتكبها أفراد الخدمة الأمريكية أو الوفيات التي حدثت في العراق وأفغانستان بعد 11 أيلول/ سبتمبر 2001. واستثنينا الحوادث غير العنيفة، مثل سرقة القطع الأثرية وعمليات القتل بواسطة غارات الطائرات المسيرة، والتي لا يتم التعامل معها عادةً كجرائم.
وعندما اكتشفنا معلومات جديدة عن حوادث، قدمنا طلبات بموجب قانون حرية المعلومات للحصول على السجلات ذات الصلة. وفي كثير من الأحيان، قيل لنا إنه ما لم نتمكن من تقديم الأسماء، وخاصة أسماء الجناة، فإن الوكالات لن تتمكن من إجراء عمليات البحث عن الوثائق. وعندما قدمنا الأسماء؛ رفضت بعض الإدارات الإفصاح عن السجلات، متذرعةً بحقوق الخصوصية للأشخاص الذين حددنا هويتهم.
وتبين لنا أن العديد من القضايا تم التعامل معها بشكل غير قضائي، حيث اعتُبرت مسائل شخصية في الأساس، وأن تلك السجلات معفاة من قانون حرية المعلومات. كما أن القضايا التي انتهت بالتبرئة أو الرفض كانت معفاة أيضًا، وغالبًا ما يتم إتلاف الملفات المتعلقة بها. وبالتالي؛ فإن العديد من السجلات الأساسية التي يمكن الوصول إليها بسهولة في أي محكمة مدنية في أمريكا تبقى بعيدة المنال في نظام القضاء العسكري.
وبمساعدة فريق متخصص في قضايا قانون حرية المعلومات، رفعنا دعاوى قضائية ضد الجيش مرارًا وتكرارًا. وعلى مدى أربع سنوات؛ قدمت لنا الوكالات ما يكفي من الوثائق التي ساعدتنا، بمساعدة مصادر أخرى، في تجميع مجموعة تضم 781 جريمة حرب محتملة، ارتُكبت ضد أكثر من 1800 ضحية مزعومة، والتي أخذها الجيش الأمريكي على محمل الجد بما يكفي للتحقيق فيها.
ولتحليل قاعدة البيانات، استشرنا جون رومان، الباحث في مركز أبحاث القانون الجنائي بجامعة شيكاغو، والمتخصص في التحليل الكمي لنظام العدالة الجنائية المدنية. وأبدى رومان انزعاجه من النتائج. وقال رومان: “لقد وصل الأمر إلى حد التساؤل عما إذا كانت العدالة تشكل أولوية هنا أم أن هناك أمرً آخر يشكل أولوية أكبر من العدالة”.
ومن بين الحالات الـ781 التي توصلنا إليها، رفض المحققون ما لا يقل عن 65 بالمائة من هذه الحالات، لأنهم لم يصدقوا أن جريمة ما قد وقعت. وكان الجنود يعودون إلى الولايات المتحدة ويعترفون ـ أمام النساء والعاملين في مجال الرعاية الصحية ومسؤولي مقابلات التوظيف ـ بأنهم قتلوا مدنيين أو سجناء، ولكن المحققين العسكريين كانوا يجدون أن هذه المزاعم لا يمكن إثباتها.
كما أبلغ المعتقلون في سجن أبو غريب عن تعرضهم للإساءة من قِبَل حراسهم، ولكن المحققين لم يجدوا أدلة كافية تؤكد حدوث ذلك. وكان المدنيون الذين كانوا يقودون سياراتهم بسرعة مفرطة أو يتصرفون بتهور يُقتَلون بالرصاص عند اقترابهم من نقاط تفتيش المرور، واعتبر المحققون أن هذه عمليات القتل تشكل تصعيدًا مقبولاً لاستخدام القوة، كما عُثر على شباب فاقدين للوعي في سجن معسكر بوكا، وعُزِيَت وفاتهم إلى أسباب طبيعية.
ولكن في 151 حالة، وجد المحققون أسبابًا محتملة للاعتقاد بأن جريمة قد وقعت، أو أن قواعد الاشتباك قد انتهكت، أو أن استخدام القوة لم يكن مبررًا. وتشمل هذه الحالات حالة اغتصاب الجنود لفتاة تبلغ من العمر أربعة عشر سنة ثم قتلها هي وعائلتها، ومقتل رجل على يد جندي من القوات الخاصة الأمريكية والذي قطع أذن ضحيته واحتفظ بها، والقسوة في التعامل مع المعتقلين في سجن أبو غريب وفي مركز الاحتجاز في قاعدة باغرام الجوية.
وكانت هذه جرائم – حتى نظام العدالة العسكرية الذي يعاني من صعوبة جمع الأدلة في مناطق الحرب والتسامح مع الأخطاء القاتلة في الحكم – قد حددها باعتبارها جرائم تستحق الملاحقة القضائية أو العقوبة. ولكن حتى في هذه الحالات، كانت المساءلة الحقيقية نادرة.
لقد حددنا 572 متهمًا مرتبطين بهذه القضايا الجنائية الـ151. ولم تتم إدانة سوى 130 منهم. وتُظهِر السجلات أنهم نادرًا ما تلقوا أحكامًا بالسجن لفترات طويلة. وفي كثير من الأحيان، كانت قضاياهم تُدار من قِبَل القادة، الذين يتمتعون بسلطة تقديرية واسعة لمعاقبة قواتهم بواجبات إضافية، أو خفض رتبهم، أو توبيخهم، متجنبين بذلك الملاحقة القضائية الرسمية بالكامل. (ولم يواجه القادة أنفسهم أبدًا تقريبًا عواقب أفعال مرؤوسيهم السيئة).
ويبدو أن أقل من واحد من كل خمسة متهمين حُكِم عليهم بأي نوع من أنواع الحبس، وكان متوسط الحكم ثمانية أشهر فقط. وقال رومان: “إن معدلات الإدانة ومعدل الحكم على هذه الأنواع من الجرائم الخطيرة للغاية أقل كثيرًا مما قد تراه في النظام المدني”.
لقد أرسلنا ملخصات لنتائجنا إلى الجيش والبحرية وسلاح مشاة البحرية والقوات الجوية، وطلبنا فرصة لتقديم تفاصيل تحليلنا إلى قادتهم. ولم يقبل أي منهم العرض. ورد الجيش بأنه “يلزم الجنود والمدنيين في الجيش بأعلى معايير السلوك الشخصي”، كما لم يستجب سلاح مشاة البحرية للرد.
إن ما ننشره ليس سجلاً كاملاً للفظائع التي ارتكبتها القوات العسكرية منذ 11 أيلول/ سبتمبر، فمن المستحيل أن نعرفها جميعًا. وهذا مستودع لـ 781 جريمة حرب محتملة حقق فيها الجيش الأميركي وتمكنا من تحديدها. ويمكنك استكشاف فهرس المعلومات حول الحوادث، ونتائج التحقيق، ونتائج التحكيم، والمواد المصدرية التي نعتمد عليها.
وفيما يلي نعرض روايات مفصلة عن الـ 151 حالة حددها المحققون على أنها جنائية. فلكل منها قصتها الخاصة، ولكن الكثير منها تبدأ وتنتهي بنفس الطريقة: بعمل مروع ارتكبه أفراد من الجيش ثم عوقبوا عليه بشكل خفيف أو لم يعاقبوا عليه على الإطلاق.
151 حالة
572 متهمًا
130 مدانًا
طبيعة الحادث |
الموقع |
الخدمة |
الاعتداء 56 – السرقة 6 جريمة قتل 39 – اختطاف 2 إساءة 30 – الاعتداء الجنسي 1 جرائم قتل متعددة 17 |
العراق 119 أفغانستان 30 غير معروف 2 |
الجيش 125 مشاة البحرية 19 البحرية 6 غير معروف 1 |
المصدر: نيويوركر