ترجمة وتحرير: نون بوست
في السادس عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، بعد خمسة أيام فقط من هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، أعلن الرئيس جورج دبليو بوش بداية “حربه على الإرهاب” سيئة السمعة. وحذت بعض الحكومات الأخرى في العالم حذو نظيرتها الأمريكية، لكن قلة منها ضاهت سرعة وحِدّة تحالف المسؤولين المستبدين في بكين مع الرئيس بوش. وعمد الصينيون إلى استغلال هذه الفرصة، والتعلل بالاحتجاجات والثورة التي قادها الأويغور، الأقلية المسلمة الناطقة باللغة التركية في منطقة سنجان الحدودية ذاتية الحكم في آسيا الوسطى، أو شرق تركستان، من أجل اضطهادهم.
خلال الأسابيع والأشهر التي تلت أحداث 11 من أيلول / سبتمبر 2001، عمدت بكين إلى تقديم وثائق إلى الأمم المتحدة، مدعية أن حركة شرق تركستان الإسلامية، أي الحركة التي لم يسمع عنها سوى عدد قليل من الناس، ولا يمكن تأكيد وجودها بشكل كلي، مثلت المكون الرئيسي للشبكة الإرهابية التي يرأسها أسامة بن لادن وجزء هام من قواته الإرهابية. وبحلول شهر أيلول / سبتمبر 2002، كانت كل من منظمة الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية قد أدرجتا هذه الحركة في قائمة المنظمات الإرهابية، وهو ما أدى إلى إلقاء الأويغور في خضم صراع جيوسياسي ضخم.
بعد مرور 17 سنة، قال فريق من الخبراء في مجال حقوق الإنسان التابعين لمنظمة الأمم المتحدة إن الأويغوريين في منطقة سنجان يعاملون على أنهم أعداء للدولة، كما كشفوا عن حملات الاعتقال التعسفية الجماعية لما يقارب من مليون شخص داخل “مراكز مكافحة التطرف”، وذلك من خلال تقاريرهم الموثقة التي تم إرسالها في الغرض. ويعتبر رقم المعتقلين مفزعا للغاية، حيث أن تعداد الأويغوريين الذين يعيشون في سنجان يبلغ 11 مليون نسمة، وهو ما يعني أن واحدا من كل 10 أشخاص تم اعتقاله، وفقاً للأمم المتحدة. ويمكن القول إن هذه الأزمة تمثل واحدة من أكبر الأزمات التي لا يتم تسليط الضوء عليها في العالم اليوم.
العلم الصيني يرفرف فوق مسجد تم إغلاقه من قبل السلطات الصينية. امرأة من أصل أويغوري تبيع الخبز في 28 يونيو / حزيران 2017 داخل مدينة كاشغر في مقاطعة سنجان في أقصى غربي الصين
شن الصينيون حملات قمع وحشية ضد الأويغور في عدة مناسبات منذ أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، ولعل أبرزها حملة “اضرب بقوة وعاقب” سنة 2009. ومنذ احتلال القوات الشيوعية الصينية جمهورية تركستان الشرقية سنة 1949 واستعمارها لها، تحول اسم الجمهورية إلى منطقة سنجان ذاتية الحكم التابعة للأويغوريين. وتم بموجب ذلك القضاء على أي محاولات من جانب الأويغوريين للمطالبة بمزيد من الحرية أو الحصول على استقلال ذاتي عن بكين بشكل عنيف. وعلى ما يبدو أن هذه هي طريقة الصينيين لإظهار مدى استيعابهم لمثل هذه المطالب.
الصينيين، كما هو الحال مع نظرائهم الأمريكيين والإسرائيليين، لا يعيرون اهتماماً للتهديدات الإرهابية المزعومة لأن الأمر برمته يتعلق بالسياسة أكثر من أنه يتمحور حول الأمن
بالنظر إلى تصريحات نيكولاس بيكيلين، مدير برنامج شرق آسيا في منظمة العفو الدولية، يجب التعاطي مع الحجم الضخم للحملة الأخيرة على أنها “نقطة تحول”. وحيال الممارسات المجحفة بحق الأويغوريين، صرح بيكيلين قائلا: “تعمل الحكومة الصينية في الوقت الحالي على تنفيذ عملية غسيل دماغ جماعية تتطلب احتجاز مئات الآلاف من الأشخاص. وتتم هذه الاعتقالات بشكل تعسفي وخارج إطار القانون، وذلك بهدف إخضاع المواطنين للتلقين السياسي المكثف، على أمل أن يجعلهم ذلك كياناً سياسيا أكثر امتثالاً وإخلاصاً”.
في شأن ذي صلة، يرى بيكيلين أن مثل هذه السياسة التعسفية لا يمكن لها أن تنجح، ولا وجود لأي وسيلة يمكن أن تضمن ولاء شعب الأويغور بصفة كاملة للصين. على العكس تماما، سيخلق الصينيون بذلك جيلاً يكن ضغائن شديدة للحكومة، حيث احتجزوا خارج إطار القانون، ناهيك عن حقيقة أن كل مشروع استعماري قادر على توليد مشروع استعماري مناهض له.
امرأة من الأويغور تكنس خارج منزلها يوم 1 تموز/ يوليو 2017 في البلدة القديمة لمدينة كاشغر بمحافظة سنجان أقصى غربي الصين
يمكن للحرب على الإرهاب التي تشنها الصين في منطقة سنجان، كما هو الحال مع التمركز الأمريكي في أفغانستان واحتلال “إسرائيل” للضفة الغربية وغزة، أن تتحول إلى نبوءة تحقق نفسها بنفسها. لكن الصينيين، كما هو الحال مع نظرائهم الأمريكيين والإسرائيليين، لا يعيرون اهتماماً للتهديدات الإرهابية المزعومة لأن الأمر برمته يتعلق بالسياسة أكثر من أنه يتمحور حول الأمن.
من جهتها، تؤكد بكين فرض سيطرتها على المقاطعة التي تقع على حدود ثمانية دول مختلفة، بما في ذلك باكستان وأفغانستان. كما تلعب عدة عوامل اقتصادية أخرى دورا في دفع الصين إلى إحكام قبضتها على سنجان، حيث تمثل المقاطعة الصينية موطن أكبر احتياطي من الفحم والغاز الطبيعي في البلاد.
في هذا الصدد، يرى بيليكين، مدير برنامج شرق آسيا في منظمة العفو الدولية والباحث السابق في المركز الصيني بمدرسة ييل للقانون، أن مكافحة الإرهاب أمست غطاء تعتمده الحكومات الاستبدادية في جميع أنحاء العالم. وعمد بيليكين إلى رسم خط مباشر يربط بين حرب بوش على الإرهاب سنة 2001 وصولاً إلى قمع الصين للأويغور سنة 2018.
أوضح مايكل كلارك، الأكاديمي الأسترالي الذي أجرى عددا من الدراسات حول مقاطعة سنجان، أنه “ليس من المفترض ألا تشعر الصين بالقلق إزاء الروابط الإرهابية العالمية، بيد أن القضية الأساسية تتمثل في أن هذه الروابط قد تم تضخيمها من قبل الحكومة الصينية نفسها”
في سياق متصل، صرح بيليكين أن “الصينيين استفادوا من الخطابات الرنانة المتعلقة بالحرب على الإرهاب. وقد شهد خطاب الحكومة الصينية المتعلق بقدرتها على مكافحة الإرهاب في سنجان تحولا جذريا، من التقليل من شأن الإرهاب ومحاولة إخفاء معالمه إلى تكثيف جهودها وقمع أي شكل من أشكال المعارضة من خلال عمليات مكافحة الإرهاب. وبموجب ذلك، يمكننا إيجاد رابط مباشر بين حرب بوش على الإرهاب وممارسات الصين”.
في الواقع، لا يعني ذلك أن الجماعات المسلحة التابعة للأويغوريين هي مجرد أسطورة، ولكن الجماعات القليلة الموجودة فعليا عددها صغير ناهيك عن أنها ضعيفة ولا تشكل سوى تهديد ضئيل بالنسبة للحكومة الصينية، فضلا عن أن معظمها تشكّل بفعل العوامل المحلية ولا ينتمي لتحالفات إرهابية دولية. وقد أوضح مايكل كلارك، الأكاديمي الأسترالي الذي أجرى عددا من الدراسات حول مقاطعة سنجان، أنه “ليس من المفترض ألا تشعر الصين بالقلق إزاء الروابط الإرهابية العالمية، بيد أن القضية الأساسية تتمثل في أن هذه الروابط قد تم تضخيمها من قبل الحكومة الصينية نفسها”.
في سياق متصل، أشار بيكيلين إلى أن هذا الأمر لا يتعلق بالتشجيع الذي يمكن أن تتلقاه هذه الجماعات من تنظيم الدولة أو تنظيم القاعدة. وأضاف بيكيلين أن الاضطهاد المستمر في مقاطعة سنجان “سيقود بعض الأشخاص إلى تبني أشكال راديكالية من الاحتجاجات المناهضة للدولة، التي قد تتضمن العنف” وربما تدفعهم إلى “استخدام القواعد الجهادية”. فكروا في الأمر: منذ الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، نجحت الجماعات الجهادية في تجنيد الشباب المسلمين الغاضبين من جميع أنحاء العالم من خلال إيهامهم بأن أعداءهم يخوضون “حربًا ضد الإسلام”. ولكن، لماذا يجب على الأويغور مشاهدة أشرطة الفيديو الدعائية على الإنترنت بينما يشهدون ذلك ويرونه مباشرة أمام أعينهم؟
اعتبرت صحيفة “ذي إيكونوميست” البريطانية الحكومة الصينية “دولة بوليسية” ووصفت الفظائع التي ترتكبها في المقاطعة بأنها “تمييز عنصري بمعايير صينية”
يبدو أن الحكومة الصينية عازمة على إذلال مسلمي سنجان وإساءة معاملتهم. فخلال السنوات الأخيرة، منعت الحكومة العائلات الأويغورية من اعتماد اسم “محمد” في تسمية أبنائهم، وسعت إلى منع الأطفال من دخول المساجد، وحظر الصيام على الموظفين الحكوميين خلال شهر رمضان. كما منعت الرجال المسلمين من إطلاق لحاهم بصفة “غير طبيعية”، وحظرت على النساء المسلمات ارتداء الحجاب في الأماكن العامة.
خلال الأسبوع الماضي، أشارت لجنة الأمم المتحدة إلى وجود “معسكرات سياسية للتلقين” يتم فيها إجبار مئات الآلاف من المعتقلين على الهتاف بشعارات تمجد الحزب الشيوعي، والإعلان عن ولائهم للدكتاتور الصيني الرئيس شي جين بينغ، ويتلقون محاضرات “حول مخاطر الإسلام”. وفي الحقيقة، إن صفة “أورويلية” لا تعطي الروايات المروعة عن الانتهاكات والتجاوزات التي تحدث في مقاطعة سنجان حقها.
لقد اعتبرت صحيفة “ذي إيكونوميست” البريطانية الحكومة الصينية “دولة بوليسية” ووصفت الفظائع التي ترتكبها في المقاطعة بأنها “تمييز عنصري بمعايير صينية”. وأشارت لجنة الأمم المتحدة إلى أن هذه المنطقة تشبه إلى حد كبير “معسكر اعتقال مكثف” إلى جانب حقيقة أنها “منطقة تنعدم فيها الحقوق”.
متظاهرون قدموا للاحتجاج أمام القنصلية الصينية في إسطنبول في الخامس من تموز/ يوليو من سنة 2018، للتنديد بمعاملة الحكومة الصينية لمسلمي الأويغور خلال أعمال شغب دموية التي جدت في تموز/ يوليو سنة 2009.
لكن السؤال المطروح: أين التنديد العالمي؟ أين هي الاحتجاجات الصادرة من الحكومات الغربية، التي تنظّر لحقوق الإنسان وتدعي أنها فوق كل اعتبار؟ لقد سبق وأكد الرئيس دونالد ترامب أنه يكن “الكثير من الاحترام للصين”، ويحب أن يتباهى بالصداقة التي تجمعه بالرئيس الصيني شي جين بينغ.
في وقت سابق من هذه السنة، نالت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي استحسان وسائل الإعلام الصينية الرسمية في زيارتها للصين، حيث تم وصفها بأنها كانت “براغماتية” عندما تجاهلت الصحافيين والناشطين الغربيين الذين “ما فتئوا يضايقونها بهدف إجبارها على انتقاد بكين” بسبب انتهاكات حقوق الإنسان. أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فقد أدت 11 زيارة للصين خلال 12 سنة، لكنها لم تتطرق أبدا لقضية الأويغور في أي واحدة من زياراتها.
من المشروع طرح تساؤلات حول سبب التزام حكومات الدول ذات الأغلبية المسلمة الصمت حيال هذه الانتهاكات، خاصة أنها دائما ما تدعي أنها تتحدث باسم إخوانها وأخواتها المسلمين المضطهدين في جميع أنحاء العالم. ولكن هذه الدول هي نفسها التي تدين بصوت عال إخضاع إسرائيل للفلسطينيين وقضية التطهير العرقي للروهينجا في ميانمار. لكن هناك مليون مسلم وراء القضبان، بينما يُمنع البقية من إطلاق اللحية وارتداء الحجاب، فضلا عن تعرض الأئمة للإهانة.
في المقابل، قوبلت الأخبار الواردة من مقاطعة سنجان بالصمت من قبل أعضاء منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة. فعلى سبيل الذكر، تعمل الحكومة التركية، التي لطالما دافعت في الماضي عن الأويغور الناطقين باللغة التركية، خلال هذه الفترة على التقرب من الحكومة الصينية. كما أشادت الحكومة الإيرانية، التي أعلنت منذ وقت ليس ببعيد عن بداية “فصل جديد” في العلاقات بين طهران وبكين، بالدعم الذي قدمته الصين لها التي “وقفت إلى جانب الأمة الإيرانية خلال الأيام الصعبة”.
فشل الليبراليون في الغرب والمسلمون في الشرق فشلاً ذريعاً في سنجان حتى الآن، حيث مازال الأويغور يتعرضون لحملة وحشية من التطهير الثقافي والاعتقال الجماعي والتعذيب وغسيل الأدمغة على أيدي الحزب الشيوعي الصيني في بكين
خلال سنة 2015، صرح قائد الأويغور في المهجر أنور يوسف توراني “نحن أرض محتلة، نحن ندرك محنة إخواننا وأخواتنا المسلمين في فلسطين وكشمير، ولكن لماذا لا يعرف العالم الإسلامي عن كفاحنا؟” إنه سؤال وجيه. قد يرى البعض إنه من غير الواقعي أن نتوقع وقوف الدول الغربية أو دول الشرق الأوسط في وجه الصين، التي تملك مثل هذا النفوذ السياسي والاقتصادي الهائل في المنطقة.
وفقاً لمنظمة العفو الدولية، أفاد بيكيلين بأن هذا النفوذ يعمل في كلا الاتجاهين، مشيرا إلى حقيقة أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري للصين، وهذا يعني أنه “بإمكانه فعل الكثير”. ونوه بيكيلين بأنه “من السهل القول إن هذه الدول لا تستطيع ردع الصين، لأنها مهمة للغاية بالنسبة لها كمستثمر أو شريك تجاري. لكن إذا كان بإمكان مصر أو تركيا أو منظمة التعاون الإسلامي، أو أي تحالف في الأمم المتحدة، طرح أسئلة غير عدائية وتثير مخاوف مشروعة… فإن ذلك من شأنه أن يشعر الصين بالتهديد وقد يؤدي إلى إجبار مركز القيادة [في بكين] على إعادة حساباتها حول ما يحدث في مقاطعة سنجان”.
في حقيقة الأمر، فشل الليبراليون في الغرب والمسلمون في الشرق فشلاً ذريعاً في سنجان حتى الآن، حيث مازال الأويغور يتعرضون لحملة وحشية من التطهير الثقافي والاعتقال الجماعي والتعذيب وغسيل الأدمغة على أيدي الحزب الشيوعي الصيني في بكين. في الاثناء، نقف نحن هنا ونراقب، ونتساءل كيف يمكن لهذا أن يحدث خلال سنة 2018؟ يجب علينا جميعا أن نشعر بالعار.
المصدر: ذي إنترسيبت