كان يوم الإثنين 13 من أغسطس 2018 حافلًا في السياسة اليمنية، خال للبعض أنه يوم سيخرج بقرارات مصيرية، نتيجة للمؤتمر رفيع المستوى الذي عقد في مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي في الرياض، ولقاء الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بنظيره المصري عبد الفتاح السيسي، ولقاء هادي أيضًا بأعضاء في المؤتمر الشعبي العام قيل إنها قيادية في الحزب.
في الظاهر العام، التقى الرئيس هادي مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، وكلاهما أكدا على عمق العلاقة التاريخية بين البلدين وإصرار هادي على المرجعيات الثلاثة (المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، واتفاق السلم والشراكة، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالشأن اليمني)، وأنه لا تراجع في ذلك، مع تأكيد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دعم بلاده لشرعية هادي ووحدة اليمن أرضًا وإنسانًا، ورفضه لأن يكون اليمن موطنًا لتهديد الملاحة الدولية وجيرانه في مجلس التعاون الخليجي.
حسب وكالة الأنباء اليمنية “سبأ” التي تبث من الرياض وعدن، فإن لقاء الرئيس اليمني بنظيره المصري “تكلل بالنجاح”
يبدو أنه حديث يشير إلى عمق العلاقة وقوتها بين الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لكن ما يثير الدهشة في الزيارة، أنه لم يتم التنسيق لها، وإنما أعلنت فجأة ودون سابق إنذار، مع أنه من المعتاد دائمًا أن يبدأ الرئيس هادي جولاته الخارجية عبر المملكة العربية السعودية، وعلى سبيل المثال لا الحصر زيارته إلى الإمارات العربية المتحدة التي تعد عضوًا فاعلًا في التحالف العربي منتصف شهر يوليو الماضي، لم يزرها هادي إلا بعد مشاورات أجراها مع الملك سلمان بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية.
مبادرة سياسية مفاجئة
حسب وكالة الأنباء اليمنية “سبأ” التي تبث من الرياض وعدن، فإن لقاء الرئيس اليمني بنظيره المصري تكلل بالنجاح، بعد أن تم مناقشة العديد من الملفات الأمنية والاقتصادية والسياسية، والخروج برؤية موحدة وموقفًا متماسكًا من مختلف القضايا وبما يصب في مصلحة البلدين.
وسائل الإعلام المصرية واليمنية، أشارت إلى رفض الرئيس المصري بشكل قاطع أن يتحول اليمن إلى موطئ نفوذ لقوى غير عربية أو منصة لتهديد أمن واستقرار الدول العربية الشقيقة أو حرية الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
لكن ما كان يتخفى وراء هذه التصريحات مبادرة سياسية قدمها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تدعو الحوثيين إلى الاعتراف برئاسة عبد ربه منصور هادي، والموافقة على بنود الدستور الذي تم استنباطه من مؤتمر الحوار الوطني في اليمن (18 من مارس 2013 – 25 من يناير 2014) لكن لم يتم طرحه للاستفتاء نتيجة لرفضه من مكون المؤتمر الشعبي العام ومندوب الحراك الجنوبي والحوثيين.
المبادرة التي قدمها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، ووفقًا لمصدر حكومي رفيع رفض كشف هويته، تتضمن عرضًا مغريًا للحوثي، وهي أن يتم الحفاظ على وضعهم السياسي والعسكري، مقابل إنهاء الأزمة السياسية في اليمن والاعتراف بشرعية الرئيس هادي إلى أن يتم إجراء انتخابات رئاسية، إضافة إلى أن يكون رئيسًا لأكبر الأحزاب السياسية في البلد خلفًا لمؤسسه الراحل علي عبد الله صالح الذي قتله الحوثيون في ديسمبر 2017.
قد يبدو الأمر مثيرًا في أن يقدم الرئيس اليمني مبادرة مثل هذه بعد ثلاث سنوات من الحرب، وخسارة التحالف الكثير من مليارات الدولارات والمقاتلين
وفقًا للمصدر، فإن الرئيس اليمني التمس من نظيره المصري بأن تكون المبادرة مصرية لما لمصر من قبول في الأوساط اليمنية وخصوصًا الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام، لكون مصر لم تشارك بشكل مباشر في عاصفة الحزم، وفقًا لحديث المصدر الذي شدد على عدم الإدلاء باسمه وهويته.
قد يبدو الأمر مثيرًا في أن يقدم الرئيس اليمني مبادرة مثل هذه بعد ثلاث سنوات من الحرب، وخسارة التحالف الكثير من مليارات الدولارات والمقاتلين، إلا أن ثمة إشارات تجعلنا نقرأ أسباب إقدام الرئيس اليمني على تقديم مثل هذه المبادرة التي لا تلبي طموح اليمنيين، ولن يقبل بها التحالف.
أولًا: الحراك الجنوبي أو الحزام الأمني الذي تدعمه الإمارات العربية المتحدة في جنوب اليمن الذي يضيق كثيرًا على الحكومة الشرعية وأدائها في عدن، وأصبحت دولة داخل دولة، وبمقدورها أيضًا أن تنفذ انقلابًا سهلاً على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، في ظل صمت التحالف العربي من تمادي المجلس الانتقالي الجنوبي.
ثانيًا: الوضع العسكري الميداني الذي يتحرك ببطء لتحرير المناطق التي يحتلها الحوثي، وهو ما جعل الرئيس اليمني يشعر بخيبة أمل، نتيجة تقدمه في العمر، ويخشى أن يباغته الموت دون أن يحقق ما وعد بتنفيذه وهو أن يحول النظام الجمهوري إلى فيدرالي.
ثالثًا: وضع الرئيس اليمني سواء في عدن أم مقر إقامته منذ الانقلاب عليه في سبتمبر 2014، يجرده عن موقعه الرئاسي، وبدلًا من أن يكون موجهًا للأوامر أصبح يستقبلها سواء من النظام السعودي أم المجلس الانتقالي الجنوبي.
الرئيس اليمني شعر خطأ بأن التحالف لا يريد أن تنتهي المعركة، أو بخيانة كما شبه له من بطانته أو المقربين له مستغلين بقائه في عدن بعيدًا عن أعين التحالف
رابعًا: رسالة وصلته من قيادة الجيش السوداني أن التحالف العربي لا يريد أن يحسم المعركة، وأنه جعل اليمن لتصفية حسابات إقليمية، متوعدًا بسحب قواته من الساحل الغربي نهاية شهر أغسطس الحاليّ نتيجة كما وصفها المصدر أن السودانيين أصبحوا حائط صد أمامي للقوات المشتركة، رغم أن السودانيين يقاتلون فقط في الحد الجنوبي للملكة العربية السعودية.
من ذلك يبدو أن الرئيس اليمني شعر خطأً بأن التحالف لا يريد أن تنتهي المعركة، أو بخيانة كما شبه له من بطانته أو المقربين له مستغلين بقائه في عدن بعيدًا عن أعين التحالف، وأوهموه أنه سيكون كبش فداء لهذه الحرب، وسيتم تقديمه قربانًا في سبيل إنهاء الحرب في حال تعهد الحوثيون بأن يتخلوا عن إيران ويصبحون جيرانًا صالحين للمملكة العربية السعودية.
لكن الرئيس اليمني بحسب المصدر، رأى أن يقطع بنفسه على اللاعبين الدوليين المسافات ويكون المبادر الأول مثل هذه المبادرة، ويقدمها إلى الرئيس المصري لتكون رؤية يمنية مصرية مشتركة، مخالفًا بذلك ومتجاوزًا التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.
حمل الرئيس المصري تلك المبادرة، وأبلغ شخصيًا الملك سلمان بن عبد العزيز في زيارته إلى المملكة يوم 14 من أغسطس الحاليّ.
هادي في لقائه بعدد من أعضاء المؤتمر الشعبي العام ومرافقيه وأعضاء الجالية اليمنية وموظفي السفارة اليمنية في القاهرة، شدد في كلمة له على إنهاء الخلافات لمواجهة المخاطر التي تمرّ بها البلاد حاليًّا والتوحّد ضد الحوثيين
استعدت المملكة العربية السعودية للرئيس اليمني الذي قطع زيارته إلى مصر، متوجهًا إلى الرياض، لتفسير ذلك، وهو ما يتوقع أن تمنعه الرياض من العودة إلى عدن خوفًا من أن يقلب الرئيس اليمني الطاولة على التحالف العربي.
لقاء مؤتمري القاهرة
وضمن زيارة الرئيس اليمني إلى القاهرة التي يبدو أنها كان مخطط لها بعناية، حينما يقدم مبادرة سياسية عن الحرب في اليمن، وأخرى لتوحيد صف المؤتمر الشعبي العام الذي انقسم إلى ثلاثة أجنحة منذ مقتل مؤسسة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، ليضمن مباركة المؤتمر، وليستطيع أن يضم بقية الأجنحة إليه، التقى هادي بعدد من قيادات المؤتمر الشعبي العام في القاهرة، لكن أبرز الشخصيات القيادية امتنعت عن مقابلته وهي: يحيى دويد وفهد دهشوش وقاسم الكسادي ومطهر رشاد المصري وناصر باجيل وعادل الشجاع، وآخرون يرفضون الظهور السياسي في الوقت الحاليّ.
هادي في لقائه بعدد من أعضاء المؤتمر الشعبي العام ومرافقيه وأعضاء الجالية اليمنية وموظفي السفارة اليمنية في القاهرة، شدد في كلمة له على إنهاء الخلافات لمواجهة المخاطر التي تمرّ بها البلاد حاليًّا والتوحّد ضد الحوثيين والوفاء لمؤسسيه.
واللافت في كلمته أنه لم يذكر الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح بالاسم، وإنما قال “الوفاء لمؤسسيه” وهو ما يشير إلى أنه يحاول أن يدغدغ مشاعر المؤتمريين، لكنه لم يفطن إلى أن مبادرة منه يمكن أن تزيل كل الخلافات، كالدعوة إلى المصالحة العامة ويبدأ بها عمليًا ورفع خطاب إلى الأمم المتحدة برفع الحظر عن السفير اليمني السابق في الإمارات أحمد علي صالح، لكن حديثه كان واضحًا أنه يرغب في ترؤس الحزب، وهو أمر ترفضه غالبية القواعد الحزبية في اليمن.
ترفض قيادات في حزب المؤتمر الشعبي ما تروج له دوائر قريبة من هادي برغبته في ترؤس الحزب، لأن الحزب تحكمه لوائح واضحة تقرر مستقبله
إن مقاطعة الاجتماع من غالبية قيادات الحزب الموجودة في مصر، يبدو أنه للتعبير عن الاحتجاج، ومن حضروا اللقاء من القيادات البارزة، وبينهم الأمين العام المساعد سلطان البركاني، لا يتجاوز عددهم عشرة أشخاص من إجمالي أعضاء الحزب المقيمين في القاهرة ويقدر عددهم بالمئات.
المقاطعة كانت بسبب عدم وصول المفاوضات مع هادي التي بدأت بين أطراف الحزب الموجودة في القاهرة وأبو ظبي منذ فترة، إلى قواسم مشتركة بشأن مستقبل الحزب الذي يعاني من اختلالات كبيرة، وعدم الاتفاق على آليات واضحة لإعادة تأهيل الحزب لقيادة المشهد السياسي المعارض للتمرّد الحوثي.
وترفض قيادات في حزب المؤتمر الشعبي ما تروج له دوائر قريبة من هادي برغبته في ترؤس الحزب، لأن الحزب تحكمه لوائح واضحة تقرر مستقبله، والصراع على منصب رئيس الحزب مضيعة للوقت وانحياز عن الحرب الحقيقية والعدو الوحيد لليمنيين (المليشيات الحوثية).
وتجري مفاوضات حاليًّا لتوحيد قيادات المؤتمر التابعة للرئيس الراحل علي عبد الله صالح والرئيس منصور هادي، بوساطات إقليمية، وهناك قوى دولية تؤيد خطوات توحيد الحزب تحت قيادة قوية تستطيع مواجهة التحديات السياسية والأمنية، دون تصميم على أن تكون هذه القيادة هي الرئيس هادي، طالما هناك معارضة قوية له.