بعد أن فشلت “إسرائيل” في إحراز أي تقدم بكل العروض السياسية والإغراءات الاقتصادية التي قدمتها لنيل ود المقاومة الفلسطينية، لتهدئة الأوضاع المشتعلة على حدود غزة، أو حتى الوصول لطرف خيط يكشف مصير جنودها المحتجزين، بدأت في التلويح مؤخرًا بسلاح الاغتيالات كورقة أخيرة تملكها للتعامل مع غزة.
دولة الاحتلال منذ شهر تقريبًا سلكت طريقًا جديدًا لتهيئة جبهتها الداخلية وكذلك الدول العربية والمجتمع الدولي لمرحلة الاغتيالات لقادة المقاومة في غزة وعلى رأسهم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية وقائد الحركة بغزة يحيى السنوار.
التهديدات الإسرائيلية الأخيرة عن إمكانية اللجوء لتفعيل خيار الاغتيالات بحق قادة الفصائل والأجنحة العسكرية المقاومة بغزة فتح الباب واسعًا من أجل التنبؤ بطبيعة التحولات التي قد يشهدها القطاع خلال الساعات والأيام القليلة المقبلة.
صحيفة “هآرتس” العبرية، كشفت أن الجيش الإسرائيلي وجهاز المخابرات العامة “الشاباك” أعدّا خططًا لتنفيذ عمليات اغتيال تستهدف قادة كبار في حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في قطاع غزة
“إسرائيل” تعلم تمامًا أن دخولها بنفق الاغتيالات لن يخرجها منه إلا بحرب رابعة وجديدة على قطاع غزة، وأن الخسائر في الأرواح والجنود ستكون قاسية، إلا أنها وبحسب مراقبين ومحللين، تعتبره الطريق الأقصر لتغيير قواعد اللعبة بأكملها وإعطاء قبلة الحياة لحكومة بنيامين نتنياهو التي تعاني من موت سريري واقتربت من السقوط.
ساعة الصفر
صحيفة “هآرتس” العبرية، كشفت أن الجيش الإسرائيلي وجهاز المخابرات العامة “الشاباك” أعدّا خططًا لتنفيذ عمليات اغتيال تستهدف قادة كبار في حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في قطاع غزة.
وقالت الصحيفة العبرية، إن “إسرائيل” أجرت الاستعدادات في الأشهر الأخيرة لقتل كبار مسؤولي حماس في غزة، وذلك في أعقاب حالة التصعيد الميداني المستمرة منذ عدة أشهر، موضحة أن هذا السيناريو يعدّ بديلاً عن شن هجوم عسكري في قطاع غزة، وأشارت إلى أن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى خشية من أن تؤدي سياسة الاغتيالات إلى ردّ فعل عنيف من حركة حماس يقود إلى حرب.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين عسكريين كبار، ما مفاده بأن خطط اغتيال قادة حماس وصلت إلى مرحلة متقدمة، لكنها ما زالت بحاجة لتحضيرات إضافية في حال طلبت القيادة السياسية الإسرائيلية الشروع بتنفيذ الاغتيالات.
أظهر استطلاع للرأي لدى الإسرائيليين نشرته صحيفة “يديعوت أحرنوت” أن 86% من الإسرائيليين يؤيدون عودة سياسة الاغتيالات ضد قادة حماس بداعي استعادة الردع
وفي إطار التحريض المستمر على قادة المقاومة لاغتيالهم، قال جنرال إسرائيلي إن أي حرب قادمة في قطاع غزة يجب أن تبدأ بما وصفه بـ”برأس الأفعى”، معتبرًا أنه من الضروري استئناف سياسة الاغتيالات ضد قادة حماس.
وأضاف الجنرال منير ضاهر العضو السابق في قسم الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الإسرائيلية أنه “آن الأوان لوقف مسلسل الاستنزاف من حماس، وقد حان وقت التعامل مع قادتها؛ لأن الحرب غير التناظرية التي تجريها الدولة مع الحركة لا بد لها من حسم نهائي، وفق صيغة أن رب البيت أصيب بالجنون”.
وختم بالقول: “يتطلب من “إسرائيل” استئناف القتال ضد حماس، انطلاقًا من سياسة الاغتيال الموجه لقادتها، كي تجبرهم على وقف الكارثة القادمة إليهم في الطريق، وأي حرب قادمة لا بد أن تبدأ برأس الأفعى، كما قمنا بذلك متأخرين في (الجرف الصامد) 2014، بجانب إشعار العالم بأن “إسرائيل” في طريقها للجنون لجباية ثمن باهظ من حماس، لمنعها من التحرش بنا من جديد”.
إلى ذلك، أظهر استطلاع للرأي لدى الإسرائيليين نشرته صحيفة “يديعوت أحرنوت أن 86% من الإسرائيليين يؤيدون عودة سياسة الاغتيالات ضد قادة حماس بداعي استعادة الردع. وحسب الاستطلاع، فقد رفض 14% فقط عدم العودة لسياسة الاغتيالات في غزة؛ كونهم يرون أن ذلك “سيزيد الأمور سوءًا”.
بدوره حذر الكاتب والمختص بالشأن الإسرائيلي الدكتور صالح النعامي، من شن الاحتلال الإسرائيلي ضربات جديدة على قطاع غزة من مبدأ أن جولة التصعيد الأخيرة ما زالت قائمة
القيادي وعضو المكتب السياسي لحركة حماس حسام بدران، عقب على التهديد الإسرائيلي باغتيال قادة المقاومة في غزة بأن الاحتلال وعبر بثه لتهديداته باغتيال قيادات موقف يثير السخرية ويدل على حالة الإرباك والتخبط التي يعيشها المحتل، وأضاف بدران في تصريح نشره على حسابه الشخصي على فيسبوك: “من جهة فإن هذه التهديدات لا تخيف طفلاً فلسطينيًا فما بالك بقيادات المقاومة، ومن جهة أخرى فإن دماء أبناء شعبنا كلها غالية، مضى الزمن الذي يوغل العدو فيه في دماء الفلسطينيين دون أن يصله الرد على جرائمه”.
فرصة الحرب الرابعة
بدوره حذر الكاتب والمختص بالشأن الإسرائيلي الدكتور صالح النعامي، من شن الاحتلال الإسرائيلي ضربات جديدة على قطاع غزة من مبدأ أن جولة التصعيد الأخيرة ما زالت قائمة، ودلل النعامي على ذلك بإصرار الحكومة الإسرائيلية على نفي التوصل لوقف إطلاق النار في أعقاب التصعيد الأخير وتأكيد بنيامين نتنياهو، خلال اجتماع حكومته الأحد الماضي أن كلاً من “إسرائيل” وحماس حاليًّا في مرحلة ” تبادل الضربات”.
وانتهى اجتماع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر “الكابينت”، بعد أربع ساعات من النقاش عن الأوضاع الأمنية بغلاف غزة، دون الإفصاح عن نتائج، وقال موقع “كان” العبري إن “خلافات حادة، وتبادل للصراخ، حدث خلال اجتماع الكابينت، بين الوزيرين يسرائيل كاتس وأفيغدور ليبرمان”. وذكر الموقع العبري، أن الوزير كاتس وجه سؤالاً للوزير ليبرمان، عن وعوداته باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، فرد عليه ليبرمان، وماذا قدمت أنت؟
الخبير في الشأن الإسرائيلي النعامي: “في حال لم تسفر الجهود الهادفة إلى التوافق على مسار تهدئة، يلبي الخطوط الحمراء الصهيونية، فإن تل أبيب، بإمكانها مفاجأة حماس من منطلق أن جولة التصعيد الأخيرة ما زالت قائمة”
الخبير في الشأن الإسرائيلي النعامي أضاف أن “هذا يعني أنه في حال لم تسفر الجهود الهادفة إلى التوافق على مسار تهدئة، يلبي الخطوط الحمراء الصهيونية، فإن تل أبيب، بإمكانها مفاجأة حماس من منطلق أن جولة التصعيد الأخيرة ما زالت قائمة”.
مواصلاً حديثه: “من هنا، فإن هذه الموقف يعني منح الصهاينة القدرة على تكرار سيناريو حرب 2012 التي بادرت إليها “إسرائيل” باغتيال الشهيد أحمد الجعبري”، لافتًا إلى أن هذا ينسجم مع ما كشفته “هارتس” من أن جيش الاحتلال يخطط لشن عمليات اغتيال ضد قيادات حماس تكون مدخلاً لحرب شاملة، وبالطبع لا أنصح أحدًا أن يراهن على ضمانات الوسيط المصري”.
وفيما يتعلق بجولة التصعيد الأخيرة قال النعامي: “في تقديري ، بعد جولة التصعيد الأخيرة، لم يعد من المجدي مناقشة ما إذا كانت خريطة المصالح الإستراتيجية لـ”إسرائيل” تسمح لها أو تمنعها من شن حرب جديدة على غزة.
منوهًا إلى أن “نتائج الجولة الأخيرة تزيد من فرص شن الحرب، ليس لأن مثل هذه الحرب تخدم مصالح تل أبيب، بل لأن مستوى الضغوط التي تمارس على القيادة الصهيونية من الرأي العام والشركاء في الائتلاف الحاكم والمعارضة تقلص هامش المناورة أمام دوائر الحكم في تل أبيب وتدفعها نحو شن الحرب”.
منذ تأسيس حركة حماس في ثمانينيّات القرن الماضي، استهدف الاحتلال الإسرائيلي عددًا من قادة الحركة أبرزهم المهندس يحيى عياش (1996) في غزة وعدنان الغول (2004) رئيس الجناح العسكري لحركة حماس وصلاح شحادة (2002) مؤسس حركة حماس
“التصريحات والتلويحات الأخيرة بالعودة لسياسة الاغتيالات، تأتي في إطار حرج الحكومة الإسرائيلية التي يتضح تآكل قوة الردع، وما يجري يؤثر على شعبية حكومة الاحتلال ويدفعها لمحاولة ترميم سمعتها وقد يكون المخرج الوحيد هو التصعيد”، يقول الكاتب والمحلل السياسي أكرم عط الله.
ويشير إلى أن دولة الاحتلال معنية بكل شيء وترميم كل شيء سواء عبر التهدئة المبنية على تلبية شروطها وعلى رأسها استعادة جنودها الأسرى أم خيار التصعيد وتنفيذ عمليات اغتيال بحق شخصيات وقيادات فلسطينية.
ونوه الخبير في الشأن الإسرائيلي إلى استطلاع للرأي الإسرائيلي أيد فيه 86% من الإسرائيليين خيار الحرب على غزة واستهداف قادة الفصائل الفلسطينية، مبينًا أن الوسطاء وإن حصلوا هدنة هشة لكن تكرار التدخل أضعف استمرار المبادرات الخاصة بالتوصل لاتفاق تهدئة.
وتابع قائلاً: “خيار التصعيد الذي انتهت فيه الجولة الأخيرة قلب الصورة التي تحولت إلى ضبابية بشكل كبير في الفترة الأخيرة، فهي بين مصالحة ولا مصالحة وحرب ولا حرب ولكن الحكومة الإسرائيلية تشعر بحرج شديد ونتنياهو صورته حاليًّا يتم النيل منها”.
منذ تأسيس حركة حماس في ثمانينيات القرن الماضي، استهدف الاحتلال الإسرائيلي عددًا من قادة الحركة أبرزهم المهندس يحيى عياش (1996) في غزة وعدنان الغول (2004)، رئيس الجناح العسكري لحركة حماس، صلاح شحادة (2002)، مؤسس حركة حماس، الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي (2004)، المهندس إسماعيل أبو شنب (2003) أحد أبرز مؤسسي وقياديي حماس، وأحمد الجعبري الذي قاد اغتياله في العام 2012 إلى اندلاع حرب بين الحركة و”إسرائيل” قصفت المقاومة خلالها تل أبيب.