ترجمة وتحرير: نون بوست
مع اقتراب ذكرى مرور نصف قرن منذ أن قام الإنسان بأولى خطواته على القمر، التي سيتم الاحتفال بها في 21 تموز/ يوليو سنة 2019، تستعد دفعات من البعثات الفضائية الروبوتية لاستهداف قمرنا الصناعي. ففي الأشهر القليلة المقبلة، ستتتالى عمليات إرسال بعثات شندارايان2 الهندية، وشانغي4 الصينية، وسبارو الإسرائيلية، فضلا عن بعثة ألينا الألمانية في أواخر سنة 2019، إلى القمر. وتتمتع هذه البعثة الأخيرة بخاصيتين، تتمثل أولاهما في أنها ستعتمد أول مركبة إنزال قمرية تابعة لشركة خاصة، وهي “بي تي ساينتيستس”. أما الثانية، فتتعلق بعزمها حمل شهادة على “إنسان اليوم” على متنها موجهة إلى “هومو سابينس الغد” أو ربما إلى زوار قادمين من كواكب أخرى.
يُدعى صاحب مشروع “سنكتياري”، بينوا فيفالاي، وهو مهندس وصحفي تحت التدريب، فضلا عن أنه قارئ لكتاب “مورمورز أوف إيرث”، الذي صدر سنة 1978. وفي هذا الكتاب، يشرح الفلكي العظيم، كارل ساجان، (1934-1996) والمعروف بتبسيطه لعلوم الفلك والفيزياء، مع عدد من معاونيه، كيفية قيامهم بتصميم المسباريْن الفضائييْن، فوياجر، التابعيْن لوكالة الناسا، الذيْن تم إطلاقهما إلى الفضاء الخارجي سنة 1977.
أراد بينوا فيفالاي تطوير تجربة رمي “الزجاجة في البحر الكوني” الرمزية من خلال “بعث رسالة إلى الأجيال القادمة”
تحمل “لوحة فوياجر الذهبية”، المرسلة إلى كائنات ذكية قد تكون متواجدة في المجال الخارجي، صورا وتسجيلات صوتية عن الحياة الأرضية. وتتنوع هذه الشهادات بين تصوير للجنين البشري وتصوير “لتاج محل”، فضلا عن معزوفات لباخ أو لموزارت أو جوني بي غود. كما تم تسجيل أصوات تشاك بيري، ودوي صاروخ ساتورن 5، ونقيق الضفادع.
زجاجة في البحر الكوني
أراد بينوا فيفالاي تطوير تجربة رمي “الزجاجة في البحر الكوني” الرمزية من خلال “بعث رسالة إلى الأجيال القادمة”. وحين سألناه لم لا يتم ببساطة ترك هذه الدليل الزمني على سطح كوكبنا، أجاب هذا الفلكي الفرنسي أنه “على الأرض، نحن معرضون لأنواع مختلفة من التعرية الطبيعية، على غرار المطر والرياح وتحركات الصفائح التكتونية، وحتى تهديدات تستهدف التواجد البشري”.
من هذا المنطلق، “وبسبب عدد امتلاكه لغلاف جوي، كما أنه ليس هناك بشر يعيشون على سطحه، يتمتع كوكب القمر ببيئة مستقرة للغاية. ورفَع هذا الأمر من سقف آمالي وأحلامي، كأن أعرف مثلا ما إذا كانت آثار الأقدام التي تركها آرمسترونغ وألدرن على سطح القمر، خلال مهمة أبولو 11 سنة 1969 لا تزال واضحة اليوم أم لا”، وفقا لما أفاد به فيفالاي.
بدأ منتج “سنكتياري”، كما يُحب أن يُعرف نفسه، عمله في هذا الميدان بالإصرار على طلب الحصول على مكان صغير في إحدى الرحلات الفضائية، ولكن دون جدوى. على إثر ذلك، نجح في الالتحاق بفريق “بي تي ساينتيستس”، وقد أفاد قائلا: “لقد طلبت من هذا الفريق السماح لي بحمل مقتنيات تزن 30 غراما، إلا أنهم منحوني إمكانية تحميل 700 غرام”. وبما أن سعر الكيلوغرام الواحد من الحمولة التي سيتم إرسالها إلى القمر مرتفع، بدى اقتراح الشركة الألمانية بمثابة هدية لطيفة.
بما أن الأمر يتعلق بتحدي الإشعاعات الشمسية العنيفة التي تصل إلى سطح القمر، الذي لا يحميه غلاف جوي، تم اختيار مواد ذات قدرات عالية على مقاومة الحرارة
في الأثناء، اضطر بينوا فيفالاي إلى التفكير في الأشياء التي بإمكانه حملها معه، خاصة بعد أن طرح عليه رولاند ليهوك، عالم الفيزياء الفلكية في لجنة الطاقة الذرية وعضو في فريق “سنكتياري”، سؤالا غير متوقع، وهو: “إذا خُصصت لك 700 غرام من الحمولة مجانا، فما الذي ستضعه فيها؟”.
اختيار الدعامة المناسبة
في الواقع، وقبل اختيار العبارات، يجب أولاً اختيار الدعامة التي ستُدون عليها هذه الكلمات. وبما أن الأمر يتعلق بتحدي الإشعاعات الشمسية العنيفة التي تصل إلى سطح القمر، الذي لا يحميه غلاف جوي، تم اختيار مواد ذات قدرات عالية على مقاومة الحرارة. وسيأخذ برنامج “سنكتياري” شكل أقراص صغيرة قطرها تسعة سنتيمترات ومصنوعة من الياقوت الصناعي شديد الصلابة والقادر على تحمل درجات حرارة عالية جدا. وعلى عكس الحمولة التي تم تضمينها في مسباريْ فوياجر، ستكون جميع المحتويات أو النصوص أو الصور مرئية.
في هذا الصدد، وبفضل النقش شديد الدقة، سيكون لكل قرص أكثر من ثلاث مليارات بيكسل من حجم 1.4 ميكرون. وستحتاج عملية التدقيق في أصغر محتوى إلى مجهر. لكن، يأمل رولاند ليهوك في أنه “إذا عثر كائن ذكي على هذه الأقراص، فسيتكمن من فهم مضمونها مع مرور الوقت”. إجمالا، سيتم تخزين 17 قرصا في حاوية صغيرة، معلقة هي الأخرى في أجنحة مركبة الإنزال “ألينا”. وسيتم حجز سبعة منهم لصالح شركاء البعثة بينما ستحمل أربعة أقراص أخرى، بعنوان “الفضاء” “والمادة” “والماء” “والحياة”، المحتوى الذي تم إنشاؤه واختياره من قبل فريق “سنكتياري” الذي يتكون أساسا من عدد من الباحثين.
قال فيفالاي أنه “بفضل سنكتياري، سيصبح القمر مالكا للوصفة البيولوجية للهومو سابينس. ويدفعنا هذا الأمر إلى تصوّر سيناريو خيال علمي، تمكنت فيه البشرية من تدمير نفسها على وجه الأرض، قبل أن تكتشف كائنات خارج الأرض الوسيلة لإعادة إحياء الإنسانية”
من جانبه، يشرح بينوا فيفالاي أن “الهدف من وراء ذلك يتمثل في إظهار معارفنا خلال فترة زمنية معينة، بطريقة ذكية. لكن لن يتكون المحتوى من نصوص فقط، ذلك أن مكتبة الكونغرس الأمريكي اختارت، على سبيل المثال، حوالي 30 خريطة ستعرض حالة استكشاف الأرض”.
قرص من أجل صوركم الشخصية
فوق خمسة أقراص أخرى، سيتم نقش المحتويات الوراثية الكاملة لشخصيْن؛ وهما رجل وامرأة مجهولي الهوية تم اختيارهما عن طريق تجربة عمياء في مركز مايكل سميث للعلوم الجينية. ويعترف بينوا فيفالاي أنه “بالنسبة لي، يُعد هذا الجزء أهم وأفضل مراحل البرنامج التي تمسّني عن قرب. فمن الناحية الفلسفية والأنثروبولوجية، تحمل هذه المسألة معاني عميقة للغاية، إذ ستكون هذه المرة الأولى التي تنجح فيها الأنواع في المحافظة على وجودها في عالم آخر غير العالم الذي وُلدت فيه”.
كما أضاف فيفالاي أنه “بفضل سنكتياري، سيصبح القمر مالكا للوصفة البيولوجية للهومو سابينس. ويدفعنا هذا الأمر إلى تصوّر سيناريو خيال علمي، تمكنت فيه البشرية من تدمير نفسها على وجه الأرض، قبل أن تكتشف كائنات خارج الأرض الوسيلة لإعادة إحياء الإنسانية”. وهكذا، يتبقى قرص، سيكون مخصصا لك، الذي سيجمع شهادات عن الإنسانية اليوم. فعلى الموقع الإلكتروني للبعثة، من الممكن بالفعل إرسال مساهمة في شكل صورة شخصية مصحوبة برسالة.
لكن، حتى إذا تم تصغير كل صورة كي تبلغ مساحتها 0.7 مليمتر مربع، فلن تكون هناك مساحة كافية لصور جميع البشر. مع ذلك، وكما يُفيد بينوا فيفالاي، بشكل موجز، “لا زال هناك مجال”. وفي ذلك تحفيز لعشاق “الخلود” الذين يرغبون في متابعة بعثة 1977 أبولو – 17، التي ستنزل “ألينا” بالقرب منها، في مكان ما في وادي توروس – ليترون القمري.
المصدر: لوموند