مع دخول الحزمة الأولى من العقوبات الأمريكية على ايران حيز التنفيذ في 7 اغسطس (آب) الجاري، برزت عدة تساؤلات عن تأثير هذه العقوبات الأمريكية على الوضع الاقتصادي العراقي، وعن مدى تأثير تلك العقوبات في الاقتصاد العراقي، وكيف ستتعامل الحكومة مع العقوبات في ظل التبادل التجاري الكبير بين العراق وإيران. في الأسطر التالية نقرأ في حيثيات هذه العقوبات ومدى تأثيرها في الوضع الاقتصادي العراقي.
ما حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران؟
وفقًا لتصريحات السفير الإيراني إيرج مسجدي في العراق، فإن حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران يبلغ 13 مليار دولار سنويًا، وأضاف مسجدي أن 6.5 مليار دولار منها تتعلق بالبضائع غير النفطية، وكانت الحكومة العراقية قد منعت البنوك وشركات الصيرفة من إجراء أي تحويلات مصرفية إلى الداخل الإيراني.
يشير المحلل الاقتصادي العراقي ضرغام الحيدري إلى أن منع التحويلات المصرفية بين العراق وإيران لم يؤثر كثيرًا على عمليات التبادل التجاري، لكن هذه العقوبات أضرت بالعراق بالدرجة الأولى، إذ انتعشت السوق السوداء للدولار
يقول الخبير الاقتصادي العراق رياض الزبيدي في حديثه لـ “نون بوست” إن الوضع الاقتصادي الإيراني والعراقي سيتأثر بشكل كبير على حد سواء نتيجة العقوبات وإيقاف التحويلات البنكية، الزبيدي أضاف أن العراق سيواجه ضغوطًا إيرانية كبيرة لجهة عدم الالتزام بالعقوبات وإن الإيرانيين سيسعون في الحصول على الدولار من الداخل العراقي، واختتم الزبيدي حديثه لـ “نون بوست” بالقول إن التحويلات البنكية والمصرفية مع إيران أصبحت من الماضي، وأن العراق لن يستطيع بأي حال من الأحوال تجاوز هذه العقبة، وفي حال كشف الولايات المتحدة لأي تحويلات أو تسهيلات مصرفية، فإن واشنطن لن تتردد في فرض عقوبات على البنوك العراقية، بحسبه.
بعد فرض العقوبات.. كيف سيتم التبادل التجاري بين العراق وإيران؟
تميل كفة الميزان التجاري في التبادل بين العراق وإيران لمصلحة الأخيرة، إذ يشير محمد الموسوي صاحب شركة المتوكل للتجارة العامة في بغداد إلى أن إيران هي المستفيد الأكبر من التجارة مع العراق، الموسوي يضيف في حديثه لـ “نون بوست” إلى أن أغلبية المواد العذائية المستوردة في العراق مصدرها إيران بالدرجة الأولى ثم تركيا، كما أشار الموسوي إلى أن جميع المواد العذائية ومشتقات الألبان المستوردة تسيطر عليها الجمهورية الإيرانية، وبالتالي فإن عملية التبادل والميزان التجاري ستبقى في مصلحة إيران حتى في حالة العقوبات الأمريكية، وعن طريقة تحويل الأموال بين العراق وإيران.
يختتم الموسوي حديثه لـ “نون بوست” بالقول إنه “مع بدء تطبيق العقوبات الأمريكية امتنعت المصارف العراقية عن إجراء أي تحويل مالي بين العراق وإيران، وأضحت التحويلات المالية تتم يدويًا بين التجار العراقيين والإيرانيين في بغداد أو داخل الأراضي الإيرانية، وهذا يضيف صعوبة في نقل الأموال لكنه لا يمنعها بحسبه”.
أشار الحيديري إلى أن “الولايات المتحدة تراقب عن كثب الحركات التجارية بين العراق وإيران، ولا يمكن لواشنطن أن تمنع تسرب العملة من العراق إلى إيران ما دامت المعاملات تتم يدويًا بين التجار
من جانبه يشير المحلل الاقتصادي العراقي “ضرغام الحيدري” إلى أن منع التحويلات المصرفية بين العراق وإيران لم يؤثر كثيرًا على عمليات التبادل التجاري، لكنه وبحسب الحيدري فإن هذه العقوبات أضرت بالعراق بالدرجة الأولى، إذ انتعشت السوق السوداء للدولار، وباتت كميات العملة الصعبة الخارجة من العراق تفوق أضعاف ما كانت عليه قبيل فرض العقوبات. ويضيف الحيدري أنه في حال استمرار الوضع على ما هو عليه، فإن سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار سيشهد تراجعا مطردًا خلال الاسابيع القادمة بسبب استنزاف الاسواق من العملة الصعبة.
وعن الاجراءات الأمريكية التي قد تتخذها واشنطن إزاء ذلك، أشار الحيديري إلى أن “الولايات المتحدة تراقب عن كثب الحركات التجارية بين العراق وإيران، ولا يمكن لواشنطن أن تمنع تسرب العملة من العراق إلى إيران ما دامت المعاملات تتم يدويًا بين التجار، ولا حل لهذه المعضلة إلا بضغوط قد تمارسها الولايات المتحدة للحد من الحركة التجارية عبر المنافذ الحدودية بين البلدين، وهذا ما لن يكون سهلاً نظرًا للنفوذ الإيراني الكبير في مؤسسات الدولة العراقية والتمدد الإيراني الاقتصادي في العراق وامتلاكها لعشرات الأذرع التجارية داخل بغداد، بحسبه.
عمليات استنزاف الدولار في العراق لمصلحة إيران
مع بدء تطبيق الحزمة الأولى من العقوبات الأمريكية، بدات تنتشر في الأسواق العراقية فئات نقدية مزورة من الدينار والدولار على حد سواء، إذ يشير صلاح القيسي صاحب شركة الودق للصيرفة في بغداد إلى أنه ومع بدء تطبيق العقوبات الأمريكية على إيران، انتشرت في الاسواق العراقية كميات كبيرة من العملات المزورة من فئة المائة دولار وفئة 25 ألف دينار و50 ألف دينار، القيسي يضيف في حديثه لـ “نون بوست” أن العملات المزورة باتت تؤرق الناس لصعوبة كشفها من غير ذوي الاختصاص، وإن كثيرًا من المواطنين وقعوا ضحية لهذه الفئات المزورة، واختتم القيسي حديثه لـ “نون بوست” أن شركات الصيرفة باتت تعاني من هذه الفئات مع عزوف كثير من المواطنين عن استلام فئتي الـ 25 والـ 50 ألف دينار بسبب التزوير.
تشهد الأسواق العراقية في محافظات الجنوب العراق تباطؤا تجاريًا بسبب انخفاض قيمة العملة الإيرانية التومان، إذ يتوجه الكثير من سكان محافظات وسط وجنوب العراق إلى الداخل الإيراني وإلى المدن الحدودية للتبضع
وعن الجهات التي يعتقد القيسي أنها مسؤول عن ترويج مثل هذه العملات، أشار إلى أن المافيات الاقتصادية الإيرانية في العراق متغلغلة بقوة داخل الاسواق العراقية، وإن جهات سياسية ذات ميول إيرانية قد تكون شريكة في الأمر.
العقوبات الامريكية على إيران وتأثيرها على الحركة التجارية داخل العراق
تشهد الأسواق العراقية في محافظات الجنوب العراق تباطؤا تجاريا بسبب العقوبات الامريكية على طهران وانخفاض قيمة العملة الإيرانية التومان، إذ يتوجه الكثير من سكان محافظات وسط وجنوب العراق إلى الداخل الإيراني وإلى المدن الحدودية للتبضع من الداخل الإيراني مستفيدين من انخفاض أسعار السلع داخل إيران. علي كاظم تاجر بصري، يروي لـ “نون بوست” قصة تباطؤ الحركة التجارية داخل العراق بسبب انخفاض قيمة التومان الإيراني، ويشير كاظم إلى أن المواطنين في محافظات البصرة وواسط وميسان باتوا يتسوقون من المدن الحدودية الإيرانية بدلاً من الأسواق المحلية مستفيدين من فرق الأسعار، بحسبه.
وشهد الاسبوع الحالي مزيدًا من الانخفاض في سعر صرف التومان الإيراني أمام الدولار ليسجل أكثر من 6000 تومان للدولار الواحد، وفي هذا الصدد، يقول “علي محمد” من محافظة ميسان في حديثه لـ “نون بوست”: “نذهب كل أسبوع إلى المدن الحدودية الإيرانية للتبضع والتسوق من إيران، حيث أن ١٠٠ دولار تكفي الآن لشراء مواد غذائية تكفي لمدة شهر، بينما في العراق لا تكفي مؤونة أسبوعين على أعلى تقدير.
يترقب العراقيون ما ستؤول إليه الأوضاع الاقتصادية في البلاد وإلى الطرق التي قد تلجأ إليها الحكومة العراقية في سبيل التوفيق بين الضغوط الإيرانية والأمريكية مع قرب تطبيق حزمة العقوبات الأمريكية الثانية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.