ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: يوليان روبكه و ألبرت لينك
في حواره مع صحيفة بيلد، حذر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، من أن تكون معركة تحرير إدلب الأكثر دموية منذ بداية الحرب السورية، التي اندلعت في سنة 2011. في هذا الصدد، أفاد غراندي أن “محافظة إدلب تعتبر آخر معاقل قوات المعارضة السورية، ولعل ذلك ما يفسر انتشار الأسلحة فيها. ومن المنتظر أن تستمر أي معركة هناك لوقت طويل وأن تخلف الآلاف من الضحايا”. ولئن كانت منظمة الأمم المتحدة تعمل على الحيلولة دون حدوث مجزرة في إدلب، إلا أن هذه المحافظة مهددة بأن تكون مسرحا للمعركة الأكثر دموية في حال لم يتم التوصل إلى حل سياسي. وتجدر الإشارة إلى أن الحرب السورية أسفرت إلى حد الآن عن مقتل حوالي نصف مليون مدني وفرار 11 مليون آخرين.
يوم الأربعاء، عمدت طائرات الهليكوبتر التابعة للنظام السوري إلى مواصلة استعداداتها لشن الهجوم المرتقب على محافظة إدلب، حيث نفذت سلسلة من الغارات الجوية على عدد من المدن التابعة لهذه المحافظة. ووفقا لموقع “أورينت نت” المقرب من المعارضة السورية، أسفرت هذه الغارات عن مقتل طفل يبلغ من العمر 8 سنوات وجرح أكثر من 10 مدنيين آخرين، وهو ما يطرح السؤال التالي، لماذا تعتبر محافظة إدلب في الوقت الراهن المنطقة الأكثر توترا في سوريا؟ في هذا التقرير، تجيب صحيفة بيلد عن سبع أسئلة ملحة.
1. لماذا يعتبر شن هجوم من قبل الوحدات الموالية للأسد أمرا متوقعا؟
يعمل الديكتاتور السوري، بشار الأسد، على استعادة السيطرة على كل المدن السورية. وفي أواخر شهر تموز/ يوليو الماضي، أكد الأسد في حوار أجراه مع إحدى وسائل الإعلام الحكومية الروسية أن هدف قواته القادم يتمثل في استعادة السيطرة على محافظة إدلب. ولتحقيق ذلك، اتجهت خلال الأيام الأخيرة قوات النظام السوري نحو هذه المحافظة. في الوقت نفسه، بادر أنصار الأسد بنشر مقاطع فيديو تصور عربات مدججة بالأسلحة قادمة من محافظتي حمص ودرعا، التي تمكن النظام السوري من استعادتها بالتعاون مع حليفه الروسي في شهر تموز/يوليو المنصرم، في اتجاه إدلب.
علل النظام السوري هجومه على إدلب بأن هذه المحافظة تُعد آخر مناطق خفض التوتر، التي أحدثتها روسيا في سنة 2017
من بين أكثر مقاطع الفيديو المثيرة للرعب، مقطع يصور منظومة صواريخ باليستية من طراز “إس إس- 21” معدة للمشاركة في الغارات الجوية، التي تستهدف إدلب. ومن المحتمل أن تلحق هذه المنظومة الصاروخية، التي تزن رؤوسها النووية حوالي نصف طن، أضرارا كبيرة بالمحافظة. وتتميز هذه المنظومة بقدرتها على ضرب أهدافها بدقة من مسافة تفوق 100 متر. على ضوء هذه المعطيات، يبدو أن الأسد لا يستهدف الإرهابيين كما يدعي، بل يسعى إلى تدمير مناطق سكنية بأكملها.
علل النظام السوري هجومه على إدلب بأن هذه المحافظة تُعد آخر مناطق خفض التوتر، التي أحدثتها روسيا في سنة 2017. وقد نجحت قوات النظام السوري بشكل تدريجي في استعادة السيطرة على مناطق خفض التوتر الأخرى بعد معارك خلفت آلاف القتلى وأجبرت 100 ألف شخص على الفرار من بيوتهم.
رجل يبكي متأثرا لوفاة أحد أقاربه جراء الغارة الجوية الأخيرة، التي شنها النظام السوري على مدينة خان شيخون
2. من هم المقاتلون الذين قد يصمدوا في وجه قوات النظام السوري؟
تضم محافظة إدلب 20 مجموعة مسلحة مختلفة لا تتصارع مع الأسد فحسب، بل تتصارع أيضا فيما بينها. وتسيطر هيئة تحرير الشام المقربة من تنظيم القاعدة على 40 بالمائة من هذه المحافظة في منافسة مع بقية الفصائل المسلحة على غرار جبهة تحرير سوريا، التي تعتبر أكبر فصيل مسلح. والجدير بالذكر أن البعض يدعي أن أغلب هذه الفصائل تخضع للسيطرة التركية.
يمكن أن تدعم أنقرة قوات الأسد وحلفاءها الروس، وذلك بهدف وقف القتال بشكل سريع وتجنب حمام دماء
منذ أواخر سنة 2017 وإلى مطلع سنة 2018، استهدف النظام السوري وحليفه الروسي بشكل مكثف محافظة إدلب. وعلى الرغم من الصمود الذي أبدته فصائل هيئة تحرير الشام، إلا أن القوات النظامية تمكنت من السيطرة على ربع هذه المحافظة ذات الكثافة السكانية المنخفضة. ولم تتوقف قوات النظام السوري عن التقدم، إلا عقب تدخل فصائل جبهة تحرير سوريا المدعومة من تركيا . ولعل الأمر المثير للاستغراب هو أن هيئة تحرير الشام وجبهة تحرير سوريا لم تقاتلا قط جنبا إلى جنب.
مناورة تقوم بها الجماعات المسلحة: تدريبات هيئة تحرير الشام استعدادا لهجوم إدلب
في خضم الهجوم المرتقب على محافظة إدلب، يبقى أسلوب تعاطي هذه الفصائل المسلحة مع قوات النظام السوري أمرا مفتوحا على عديد الاحتمالات. ومن المنتظر أن تتحالف الفصائل المتطرفة والمعتدلة بالنظر إلى حجم التهديد الذي ينتظرها خلال هذا الهجوم. وفي الوقت نفسه، يتوقع الخبراء أن تقف تركيا وحلفاؤها في مواجهة هيئة تحرير الشام. كما يمكن أن تدعم أنقرة قوات الأسد وحلفاءها الروس، وذلك بهدف وقف القتال بشكل سريع وتجنب حمام دماء. وعلى الأرجح أن هذا السيناريو قد وقع بالفعل في إطار الهجوم الذي استهدف جنوب درعا، والذي جد خلال الأسابيع الأخيرة، حيث تحالف المتمردون مع قوات الأسد ضد تنظيم الدولة. وبدلا من أن يحافظوا على استقلاليتهم، تحولوا إلى ميليشيات موالية للنظام السوري.
3.لماذا يعتبر الوضع متأزما أكثر مما كان عليه في حلب والغوطة الشرقية؟
على العكس من الهجمات السابقة لنظام الأسد، لا يبدو أن هناك أي إمكانية لانسحاب المقاتلين المسلحين هذه المرة. فبعد الهزائم العسكرية المتتالية التي تعرض لها المسلحون في المناطق الأخرى التي كانوا يسيطرون عليها، نُقل عشرات الآلاف من المقاتلين والمتطرفين إلى محافظة إدلب رفقة أسرهم عن طريق الحافلات، علما وأن المدينة تضم مخزونا كبيرا من السلاح. وبالتالي، يعتبر خيار الاستسلام شبه مستحيل.
4. كم يبلغ عدد المدنيين الموجودين في المدينة؟
يوجد قرابة 2.5 مليون نسمة في محافظة إدلب، التي تقع على الحدود التركية، من بينهم مئات الآلاف من النازحين من كافة أنحاء سوريا. وحسب ما أكدته اليونيسف، يوجد في المدينة نحو مليون طفل وشاب. ويعتبر واحد من بين ثلاثة أشخاص في إدلب نازحاً من مناطق مختلفة في البلاد. وتظهر الصور التي يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي أن عددا كبيرا من العائلات الموجودة في الجهة المقابلة لتركيا، بدأت في النزوح باتجاه الحدود السورية التركية.
أعلنت تركيا عن رفضها لمعركة إدلب، لأنها لن تتمكن من استقبال المزيد من اللاجئين، وخاصة بعد الانهيار الذي تعرضت له الليرة التركية
تخشى هذه العائلات أن يتم الإعلان عن الهجوم البري على المدينة في أي لحظة، في ظل الغارات الجوية التي تتالت في الأيام الماضية. وخلال تلك الفترة، استمرت المروحيات في إلقاء منشورات على سكان المدينة تحثهم فيها على الاستسلام. وتضمنت تلك المنشورات عبارات مثل “الحرب اقتربت من نهايتها”، وأيضا عبارة أخرى تقول: “ندعوكم للانضمام إلى الاتفاقيات المحلية للمصالحة، مثلما فعل الكثير من السوريين”. كما تضمنت المنشورات عبارات تحذيرية من الحكومة السورية، مثل “هذا القرار متعلق بعائلاتكم وأولادكم ومستقبلكم”. في المقابل، وصفت الأمم المتحدة كافة عمليات الإخلاء التي قامت بها الحكومة السورية خلال الفترة الماضية بأنها “تهجير جماعي”، وبالتالي فهي جريمة حرب.
كانت مدينة خان شيخون هدفا لسلاح المدفعية، التابع لقوات الأسد، في 10 من آب / أغسطس
5. ما الدور الذي تلعبه القوى الخارجية؟
أعلنت تركيا عن رفضها لمعركة إدلب، لأنها لن تتمكن من استقبال المزيد من اللاجئين، وخاصة بعد الانهيار الذي تعرضت له الليرة التركية. وتعتبر تركيا الملاذ الآمن لأكبر عدد من اللاجئين السوريين في العالم، حيث يعيش فيها الآن قرابة 3.5 مليون لاجئ سوري. وفي سياق آخر، لا زال الدور الذي سيلعبه الجانب الروسي غامضا. ولكن الكرملين أعلن رسمياً عن رفضه لأي هجوم يستهدف مدينة إدلب في الوقت الحالي. على الرغم من ذلك، من المؤكد أن الطائرات المقاتلة الروسية ستؤمن التغطية الجوية، في حال قررت القوات السورية مهاجمة المدينة براً.
أكد المراقبون أن مئات الآلاف من السوريين سيحاولون الهرب من الاشتباكات بين القوات السورية والمعارضة، وسيبحثون عن ملاذ آمن في الشمال، بيد أن الحدود مع تركيا مغلقة في الوقت الحالي
من جهة أخرى، أصبح الوجود الأمريكي في المنطقة يفتقر لأي تأثير فعلي. فحسب ما ذكرته بعض المصادر، لمّح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في لقائه الأخير مع فلاديمير بوتين إلى أنه يعترف بوصاية روسيا على سوريا. بالطبع، لا يمكن إنكار أن الولايات المتحدة و”إسرائيل” تسعيان إلى تقليص النفوذ الإيراني في سوريا. ولكن المقاتلين المدعومين من قبل نظام الملالي في إيران، يمتلكون قاعدة قوية في سوريا، وخاصة في حلب. ويتوقع المراقبون أن يساند هؤلاء المقاتلون قوات الأسد منذ بداية الهجوم على المدينة.
6. هل يوجد احتمال للهروب من المدينة؟
أكد المراقبون أن مئات الآلاف من السوريين سيحاولون الهرب من الاشتباكات بين القوات السورية والمعارضة، وسيبحثون عن ملاذ آمن في الشمال، بيد أن الحدود مع تركيا مغلقة في الوقت الحالي. وتخشى الأمم المتحدة أن تنتج تلك المعركة مليون لاجئ آخر. في الأثناء، توجد مخيمات اللاجئين داخل سوريا في المناطق الشمالية التي يسيطر عليها الأكراد. ويبدو أن تقديم المساعدات للمزيد من اللاجئين ستكون مهمة مستحيلة بالنسبة لمنظمات الإغاثة الموجودة الآن.
7. هل هناك أمل في وجود حل سلمي؟
سيقود الوضع الحالي إلى حرب مأساوية، التي ستؤدي بطبيعة الحال إلى حمام من الدماء، وسقوط عدد كبير من المدنيين. بناء على ذلك، يرى المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، أنه لأول مرة يجب أن تتدخل السياسة، لإيجاد حل تفاوضي حول الأزمة. وصرح غراندي لصحيفة بيلد، قائلا: “أتمنى أن تفكر كافة الأطراف والدول المشاركة في الحرب السورية لمرة واحدة فقط في الشعب السوري”.
لا يستطيع أحد منع معركة إدلب سوى بوتين وأردوغان، من خلال عقد اتفاق
في الحقيقة، يكمن مفتاح الحل في يد حليفة الأسد، روسيا، وكذلك تركيا. يوم الثلاثاء الماضي، تحاور وزير خارجية روسيا، سيرجي لافروف، مع نظيره التركي، مولود تشاويش أوغلو، في أنقرة حول إمكانية عقد قمة تضم ألمانيا وفرنسا للتباحث بشأن القضية السورية. بالطبع، جاء هذا الاقتراح على خلفية أن الدول الأوروبية تعتبر أكثر المتضررين من الحرب السورية، كما أنها ستدعم أي حل سلمي، حتى في حال عدم وجود الولايات المتحدة في هذه القمة.
صرح المتحدث باسم رئاسة الجمهورية التركية أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بصدد إجراء محادثات هاتفية مع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بشأن سوريا. ومن المتوقع أن يتحاور الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مع ميركل حول الأمر ذاته في برلين، عندما يلتقيان يوم السبت القادم. وتؤكد بعض المصادر أن الرئيس الروسي يأمل في دفع عملية إعادة إعمار سوريا إلى الأمام.
المصدر: بيلد