لا تزال مباحثات ملف إدلب في الشمال الغربي من سوريا على الطاولة بين تركيا روسيا، تركيا حليفة المعارضة المسلحة وروسيا حليفة النظام السوري، كل منهما تحاول مرارًا عدم خسارة حليفها الذي ترى فيه مستقبلًا لا حقًا يهم مصالحها في المنطقة، وعُقد الثلاثاء 13 من أغسطس/ آب الحاليّ مؤتمر صحفي مشترك بين وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو ونظيره الروسي سيرغي لافروف في العاصمة التركية أنقرة، إثر مشاركتهما في مؤتمر السفراء الأتراك العاشر، تحدثوا عن ملف إدلب والأزمة السورية بشكل عام.
وخلال المؤتمر الصحفي قال وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو: “قصف إدلب بأسرها والمدنيين فيها بذريعة وجود إرهابيين يعني القيام بمجزرة”، وأضاف: “قصف كل إدلب وقصف المستشفيات والمدارس والمدنيين، وقتلهم، بذريعة وجود إرهابيين، سيكون مجزرة، وسيخلق أزمة خطيرة”.
كما لفت إلى أن هناك تقديرات تقول إن أكثر من 3 ملايين مدني يعيشون في محافظة إدلب، وأوضح أن “ما ينبغي القيام به بسيط للغاية، وهو القيام بعمل إستراتيجي مع روسيا بمشاركة أجهزة الاستخبارات والقوات العسكرية من البلدين، لتحديد الإرهابيين وتحييدهم”.
فيما أكد أوغلو أن تلك المجاميع الإرهابية تشكل تهديدًا ليس فقط على المدنيين في إدلب بل حتى على فصائل المعارضة، ويقصد هنا الجبهة الوطنية للتحرير، من جانبه الوزير الروسي أكد أهمية إيجاد حلول مشتركة للقضايا العالمية، مبينًا أن موسكو وأنقرة تختاران هذا الطريق دائمًا في حل المشاكل بما في ذلك الأزمة السورية، ويشير بذلك إلى مباحثات أستانة التي أخضعت مناطق المعارضة لخفض التصعيد.
تركيا تحاول أن تتمكن من استلام زمام الأمور في مدينة إدلب عبر تشكيلها الجسم العسكري تحت دعمها المالي واللوجستي، الجبهة الوطنية للتحرير، إلا أن روسيا متمسكة برأيها في وجوب سيطرة النظام على الشمال السوري بحجة وجود إرهابيين
كما تحدث وزير الخارجية الروسي عن أنباء استعدادات النظام لشن حملة عسكرية على إدلب، قال لافروف: “إدلب أدرجت ضمن مناطق خفض التصعيد وفق شروط معينة”، وأضاف “وفق هذه الشروط فإن وقف إطلاق النار لا يشمل الإرهابيين وعليه فإن على الجماعات المسلحة الراغبة في البقاء خارج هذا التصنيف أن تفصل نفسها عنهم”، بينما اعتبر أن “أهم أهداف روسيا في سوريا القضاء على جبهة النصرة”، بحسب قوله.
من جهتها تركيا تحاول أن تتمكن من استلام زمام الأمور في مدينة إدلب عبر تشكيلها الجسم العسكري تحت دعمها المالي واللوجستي، الجبهة الوطنية للتحرير، إلا أن روسيا متمسكة برأيها في وجوب سيطرة النظام على الشمال السوري بحجة وجود إرهابيين للقضاء عليهم، ولكن تركيا تنفي وجود الإرهابيين في المنطقة، بمعنى آخر يجب أن يتم تحديد من الإرهابيون واستهدافهم للقضاء عليهم، وتقصد تركيا في هذا الرأي هيئة تحرير الشام المكون العسكري الجديد لجبهة النصرة سابقًا وعددًا من الفصائل العسكرية كفصيلي حراس الدين وأنصار الدين، وتحاول تركيا إظهار الجبهة الوطنية للتحرير التي تشكلت مؤخرًا كقوات معارضة معتدلة وليست إرهابية، كما تدعي روسيا.
ويبقى ملف المحافظة مفتوحًا دون حل نهائي بين كلا الدولتين، وعلى الرغم من ذلك تركيا تطمئن المعارضة بأن النظام لن يشن حملة عسكرية، فيما تقوم قوات النظام إلى الآن بقصف مناطق سيطرة المعارضة بقذائف المدفعية وغيرها، ويشير ذلك إلى عدم قدرة حليف النظام الروسي على ضبط الميليشيات المحيطة للجبهات العسكرية في إدلب، فيما تحاول تركيا طمأنة الأهالي تقوم تحرير الشام بطلب ترك منازلهم في القرى القريبة من الجبهات، وهذا يشير إلى عدم وجود تنسيق مباشر بين الحكومة التركية والهيئة التي صنفت على قائمة الإرهاب.
المعارضة المسلحة أخذت كامل استعداداتها في حال شن النظام معركة على إدلب
في حال شن النظام هجومًا على إدلب، هل استعدت قوات المعارضة للتصدي؟
أخذت قوات المعارضة المسلحة في إدلب على عاتقها الاستعدادات التامة لأي هجوم عسكري محتمل من قوات النظام على مناطق المعارضة في الشمال السوري، وتعد الخطوة التي اتخذتها المعارضة المسلحة في توحيد الفصائل العسكرية العاملة في إدلب، تحت الجبهة الوطنية للتحرير وبدعم تركي، أولى مراحل التصدي لقوات النظام التي تحاول الترويج لمعركة محتملة على المنطقة.
وتعتقد الفصائل العسكرية ضمن الجبهة الوطنية للتحرير أن الشمال السوري حصن متين يمكنه التصدي لكل الهجمات التي يمكن أن تشنها قوات النظام السوري على محافظة إدلب وأرياف المحافظات المجاورة، وأكدوا أن الشمال السوري يختلف تمامًا عن المناطق التي خضعت لتسوية مع النظام، وتحاول الجبهة الوطنية للتحرير أن تحافظ على معقل المعارضة الأخير نظرًا للخسائر التي تلقتها في الجنوب السوري.
والتقى “نون بوست”، النقيب ناجي مصطفى الناطق الرسمي باسم الجبهة الوطنية للتحرير الذي قال: “الجبهة الوطنية للتحرير رفعت جاهزيتها بالكامل وأنشأت تحصينات للتصدي لقوات النظام في حال شن هجوم للسيطرة على إدلب”، وجاءت التجهيزات التي اتخذتها الجبهة الوطنية للتحرير، في خطوط التماس مع قوات النظام، نتيجة استقدام النظام تعزيزات إلى خطوط الجبهة الأولى الواقعة تحت سيطرته، حسب النقيب ناجي.
تحاول قوات النظام استقدام تعزيزات عسكرية على الجبهات المحيطة في المنطقة المحررة، ومن المتوقع أن يشن النظام الحملات من جهة ريف حلب الغربي وريف إدلب الشرقي، وريف حماة الشمالي بالإضافة إلى ريف اللاذقية الشمالي
وأضاف ناجي: “اتخذنا كل التجهيزات العسكرية واللوجستية على المحاور المتاخمة لخطوط سيطرة النظام، وقواتنا على أهبة الاستعداد في كل الجبهات التي يمكن أن يشن النظام منها حملة عسكرية تجاه المنطقة”، وأوضح أن قوات الجبهة الوطنية للتحرير رفعت جاهزية عناصرها، وهيأت كل الأسلحة الثقيلة الخفيفة التي تمتلكها للتصدي لهجمات النظام، كما أعدت الجبهة خططًا عسكرية للتصدي لقوات النظام والرد على أي هجمات ممكن أن يشنها تجاه المناطق المحررة، ويمكنها مباغتة قوات النظام وامتلاك زمام المبادرة في أثناء محاولة النظام وميليشياته التقدم تجاه المنطقة.
وفي السياق أكد ناجي لـ”نون بوست”: “سنحافظ على المنطقة والجبهات من أي تقدم للنظام، وسنضحي بدمائنا وأرواحنا، للانتصار على قوات النظام وميليشياته الطائفية، وسنقلب الطاولة عليهم في حال شنوا هجوم تجاه المنطقة”، وتبدو الجبهة الوطنية للتحرير متماسكة في الشمال السوري، وهي التي تحاول منع تقدم قوات النظام وميليشياته على إدلب.
وأوضح النقيب ناجي: “إن حاولت قوات النظام شن حملة عسكرية نمتلك القدرة القتالية والعسكرية للدفاع عن المناطق المحررة، نظرًا لتماسكنا المتين فيما بيننا حيث تجمعنا منطقة واحدة ونحن الآن نحارب من أجل الوجود في المنطقة”، وتشير الجبهة الوطنية أنها جمعت بين كل المكونات من المناطق السورية المختلفة، وتعد الجبهة الوطنية للتحرير من أبرز الفصائل العسكرية في إدلب، حيث ضمت جميع التشكيلات العسكرية من مختلف المناطق التي تعرضت لحملات تهجير وهي الآن تحارب من أجل الوجود والثبات في المنطقة.
وتحاول قوات النظام استقدام تعزيزات عسكرية على الجبهات المحيطة في المنطقة المحررة ومن المتوقع أن يشن النظام الحملات من جهة ريف حلب الغربي وريف إدلب الشرقي وريف حماة الشمالي بالإضافة إلى ريف اللاذقية الشمالي، إلا أن قوات النظام إذا فتحت المعركة ستستمر بالتقدم في محور من المحاور، وتبقى المحاور الأخرى للضغط على الفصائل العسكرية في إدلب، ولكن الجبهة الوطنية تأخذ استعداداتها التامة لمباغتة النظام لأنها ستحاول أن تحافظ على المعقل الأخير، كما أنها تشن الآن حملات اعتقال ضد مروجي المصالحات مع النظام في الشمال السوري.
المناطق المحررة تعيش أيام تخبط وفشل في ضبط الأمن، نتيجة التفجيرات والألغام التي تستهدف المنطقة، من تنظيم الدولة الإسلامية، كما أن الموجة الإعلامية الأخيرة التي شنها إعلام النظام لها الدور الأبرز في الفشل الأمني الذي تتعرض له المنطقة
ومن جانبهم أهالي المدن والبلدات في المحيط القريب من مناطق الجبهات يلتقون الضباط في القواعد التركية التي أنشئت خلال اتفاق خفض التصعيد الذي أقر في أستانة وتشهد المنطقة اجتماعات مكثفة من الأهالي نظرًا لشدة الحملة الإعلامية التي روجت لها قوات النظام والميليشيات التابعة له في شن حملة عسكرية على المنطقة، وتحاول القواعد طمأنة الأهالي بأن النظام لن يشن حملة عسكرية على المناطق المحررة، كما دعا ضباط القواعد التركية الأهالي إلى عدم الخروج من منازلهم بعد أن أقدمت هيئة تحرير الشام بقرار خروجهم وذلك لمنع النظام من قتل المدنيين.
يذكر أن المناطق المحررة تعيش أيام تخبط وفشل في ضبط الأمن، نتيجة التفجيرات والألغام التي تستهدف المنطقة، من تنظيم الدولة الإسلامية، كما أن الموجة الإعلامية الأخيرة التي شنها إعلام النظام لها الدور الأبرز في الفشل الأمني الذي تتعرض له المنطقة.