ترجمة وتحرير: نون بوست
بينما تستعر الحرب على غزة، تنافست نائب الرئيس كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترامب على خشبة المسرح خلال المناظرة الرئاسية على من منهما الأكثر تأييدًا لإسرائيل ومعاداةً لإيران. وبعد لحظة وجيزة من الأمل في أن تُقدّم هاريس شيئًا مختلفًا للناخبين الأمريكيين، بدا أن هذا التنافس يؤكّد الوضع الراهن القاتم: بغض النظر عن هوية الرئيس الجديد، ستظل الولايات المتحدة منخرطةً بعمق في هياكل العنف والقمع في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وفيما يتعلق بإسرائيل، أمضت هاريس وقتًا خلال المناظرة في التأكيد على التزامها بمساعدة إسرائيل في “الدفاع عن نفسها”، وهو ما يعني – حسب هاريس – استمرار الدعم العسكري الأمريكي غير المشروط لإسرائيل. هذا الموقف الذي كرّرته هاريس، ويؤكد عليه الآن موقع حملتها الانتخابية، يقوض الأمل الذي كان يراود العديد من الناخبين الديمقراطيين في أن إدارة هاريس المستقبلية ستعطي الأولوية لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة.
حاول ترامب التفوّق على هاريس بادعاء أن هاريس “تكره إسرائيل” وأنها ستدمر البلاد. وفي واحدة من تصريحات ترامب السخيفة العديدة التي أدلى بها في تلك الليلة، قال: “إذا أصبحت رئيسة، أعتقد أن إسرائيل لن تكون موجودة خلال عامين”. ردت هاريس بتأكيدها على حُسن نواياها المؤيدة لإسرائيل: “لقد دعمت طوال حياتي المهنية والحياتية إسرائيل والشعب الإسرائيلي”.
وأدلت هاريس ببعض كلمات التعاطف مع الفلسطينيين في غزة، معلنةً مرة أخرى، أن “الكثير من الفلسطينيين الأبرياء قد قُتلوا”. ومضت تقول: “يجب أن تنتهي هذه الحرب، ويجب أن تنتهي فوراً، والطريقة التي ستنتهي بها هي أننا بحاجة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار ونحتاج إلى إطلاق سراح الرهائن”.
لكن مثل هذه التصريحات لن تكون ذات قيمة كبيرة إذا كانت سياسة هاريس الأساسية هي الحفاظ على الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل. وطالما أن هاريس ملتزمة بتسليح إسرائيل، فإنها لا تملك أي نفوذ يمكنها من خلاله إنهاء الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين.
ترتكز الهيمنة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط على ثلاث علاقات: التحالف مع إسرائيل، والتحالف مع ممالك النفط في الخليج، والعداء لإيران. وتعزّز هذه العلاقات الثلاث بعضها البعض وتُبقي الولايات المتحدة منخرطةً في التدخل العسكري الدائم في المنطقة. لهذا السبب غالبًا ما تدفع إسرائيل على وجه الخصوص إلى صراع الولايات المتحدة ضد إيران. فبدون الأعمال العدائية بين الولايات المتحدة وإيران، قد يتساءل المزيد من الأمريكيين عما إذا كانت الولايات المتحدة بحاجة إلى التحالف مع إسرائيل.
وفي المناظرة التي جرت بينهما، أكد كل من هاريس وترامب أيضًا تصميمهما المشترك على استخدام القوة العسكرية الأمريكية ضد إيران.
قالت هاريس: “سأمنح إسرائيل دائمًا القدرة على الدفاع عن نفسها على وجه الخصوص فيما يتعلق بإيران وأي تهديد تشكله إيران ووكلاؤها على إسرائيل”. ومن جهته، هاجم ترامب مرة أخرى من اليمين، وألقى باللوم على الرئيس جو بايدن وهاريس لضعفهما فيما يتعلق بإيران، معلنًا: “كانت إيران مفلسة في عهد دونالد ترامب… والآن هم دولة غنية” على الرغم من حقيقة أن إدارة بايدن لم تغير بشكل كبير من العقوبات المفروضة على إيران بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الذي عُقد في عهد أوباما. ثم ذهب ترامب خطوة أبعد من ذلك وحاول أن يجادل، على عكس الأدلة، بأن هجمات حماس على إسرائيل وأفعال الحوثيين في اليمن كانت نتيجة تهاون بايدن وهاريس مع إيران.
لكن تحالف الولايات المتحدة مع الأنظمة الملكية النفطية في الخليج لم يُذكر على الإطلاق، ويمثل هذا تحولًا جذريًا عن سياسة سنة 2020، عندما شعر بايدن بالحاجة إلى وصف الحكومة السعودية بأنها “منبوذة“. أظهر بايدن عِداءه للسعودية – الذي تخلى عنه منذ فترة طويلة – في الأصل في أعقاب مقتل المعارض جمال خاشقجي على يد المملكة، وتلاعب إدارة ترامب الواضح مع حكام الشرق الأوسط المستبدين.
ما يعنيه السكوت عن هذا الموضوع اليوم هو أن حملتي ترامب وهاريس متفقتان على الأرجح على الحفاظ على التحالفات الأمريكية الوثيقة مع السعودية وغيرها من ممالك النفط في المنطقة، وهي سياسة كانت مدمرة للحياة البشرية بقدر ما كانت مدمرة للتحالف الأمريكي الإسرائيلي.
وخلال إدارات أوباما وترامب وبايدن، كانت السعودية والإمارات كثيراً ما تستخدمان الأسلحة الأمريكية أثناء قتلهما الآلاف من المدنيين اليمنيين في حربهما ضد المتمردين الحوثيين، كما تدخلت كل من السعودية والإمارات بشكل متكرر لتقويض أي إمكانية للديمقراطية في جميع أنحاء المنطقة.
في قلب هذا الواقع حقيقة قبيحة لا يريد العديد من الديمقراطيين الاعتراف بها. فقد قامت إدارة بايدن-هاريس بتنفيذ سياسة ترامب الخارجية الأساسية وعملت على توسيع نطاقها: اتفاقيات أبراهيم. لقد همّشت هذه الاتفاقيات الفلسطينيين من خلال تأمين الاعتراف الدبلوماسي بين إسرائيل والعديد من الأنظمة الملكية في المنطقة، مثل الإمارات والبحرين والمغرب.
وسعي بايدن لتوسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم التي أبرمها ترامب من خلال تأمين اعتراف سعودي رسمي بإسرائيل سيكون بمثابة المسمار الأخير في نعش تضامن الحكومات العربية مع الفلسطينيين. وكان هذا على الأرجح عاملاً رئيسياً في قرار حماس مهاجمة إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
تمثّل جهود بايدن لتأمين اتفاق اعتراف متبادل بين السعودية وإسرائيل الإجماع النهائي في واشنطن، فالاعتراف المتبادل بين السعودية وإسرائيل هو لبنة أساسية في أجندة مشروع 2025 للتيار المحافظ. وعلى الرغم من كل الاختلافات بينهما حول السياسة الداخلية، كشفت المناظرة الرئاسية في نهاية المطاف عن مدى تشابه كلا المرشحين في السياسات التي تحافظ على الهيمنة العسكرية الأمريكية على الشرق الأوسط وتديم الوضع الدموي الراهن.
المصدر: إنترسبت