تحت عنوان “الموقف من النظام الإيراني” أصدرت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا في 7 سبتمبر/أيلول الجاري، وثيقة قدمت فيها رؤية شاملة حول سياسات إيران في المنطقة، وهي خطوة اعتبر الكثيرون أنها تأتي في سياق تبديد الشكوك المنتشرة بشأن نيتها التقارب مع النظام الإيراني.
وأكدت الوثيقة أن النظام الإيراني المعاصر أصبح يمثل بعدًا قوميًا ويحمل مشروعًا طائفيًا عقديًا توسعيًا لاختراق المنطقة العربية، ويوظف الوقود المذهبي الطائفي عبر مظلومية الحالة الشيعية ووجوب الانتقام لها.
وشددت الجماعة على عدم إقامة أي علاقات مع نظام إيران “ما دام محتلًا لبلدنا ويحمل فكرًا معاديًا لأمتنا، وميليشياته تقتل أهلنا”، رافضة الوجود الإيراني وميليشياته على الأرض السورية، كما ترفض عمليات التغيير الديموغرافي وعمليات التجنيس الممنهجة لهذه الميليشيات.
هذه الوثيقة قد تكون الأولى التي يصدرها “إخوان سوريا” بهذا الوضوح والشدة، إلا أن المراقب لمواقف الجماعة خلال الآونة الأخيرة يرى “تكثيف” إصدار البيانات التي تهاجم إيران، وتتبرأ من أي صلة أو تواصل معها، حيث أعادت الجماعة، في 4 سبتمبر/أيلول، نشر بيان سابق لها عبر موقعها الرسمي تؤكد فيه أن الثورة السورية فضحت الوجه القبيح للنظام الإيراني وخطر مشروعه إقليميًا ودوليًا.
وحذرت الوثقة من الخطر الناتج عن التغول الإيراني الأمني والعسكري والثقافي والاقتصادي، إذ يقدر عدد الميليشيات الإيرانية بـ100 ألف مقاتل، وهي تنتشر في 50 قاعدة و515 نقطة عسكرية في معظم المحافظات السورية، وقد تم تجنيس أكثر من 10 آلاف مقاتل منهم، هذا إضافة إلى ارتفاع عدد الحوزات العلمية إلى 69 حوزة بعد عام 2011، بعد أن كانت حوزة واحدة في كل سوريا عام 1976.
وفي 31 أغسطس/آب أصدرت الجماعة بيانًا بشأن تصريحات المرشد الإيراني خامنئي عن المعركة “الحسينية اليزيدية” حيث أكدت أن “التصريح الطائفي المقيت الذي صدر عن مسمى الولي الفقيه، ليفتح عينيّ كل مسلم، أن هؤلاء القوم قد فقدوا الرشد حتى ما عاد فيهم رجاء، لا في أمر دين ولا في أمر دنيا”.
مواقف الجماعة لم تتوقف على نفي العلاقة مع إيران، بل تجاوز ذلك إلى نفي علاقتهم بأي شخص يلتقي بأذرعها الإقليمية كما هو الحال في التوضيح الذي أصدرته الجماعة في 23 أغسطس/آب الماضي، أكدت فيه أن مدير مركز “جسور” محمد سرميني، الذي زار العراق والتقى قادة في الحشد الشعبي العراقي وتيار الحكمة، استقال من الجماعة منذ 10 سنوات، وقُبلت استقالته ولم يعد في صفوف الجماعة من تاريخه.
“إخوان سوريا” والثورة الإيرانية
قبل الخوض في أسباب ودوافع إصدار هذه البيانات المتكررة، يجدر بنا أن نتساءل: هل كانت هناك بالفعل علاقة أو تواصل بين “إخوان سوريا” والنظام الإيراني في مراحل تاريخية سابقة؟
على خلاف الموقف العام للإخوان المسلمين الذي رأى في الثورة الإيرانية التي سيطرت على النظام في إيران عام 1979، ثورة إسلامية تجمع بينه وبينها الكثير من المنطلقات الفكرية والنظرية، حيث تتلاقى المفاهيم الأيديولوجية والأفكار والمرجعيات بين الطرفين رغم اختلاف المذهب، اتخذت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا موقفًا مغايرًا لموقف الجماعة الأم، إذ أصدر أحد كبار قادتها في سوريا الشيخ سعيد حوى كتابه الشهير (الخمينية شذوذ في العقائد وشذوذ في المواقف) الذي صدرت طبعته الأولى عام 1987، وربما جرى تداوله في صفوف الجماعة قبل هذا التاريخ.
أكد الشيح حوى في كتابه أن صعود الخمينية هو مؤامرة على ما يسمّيه “الصحوة الإسلامية الرشيدة”، وأوضح أن “الخمينية تعيد إلى الأذهان كل مخططات البرامج الباطنية القائمة على التدليس والتلبيس، فتدعي نصرة الإسلام وهي حرب عليه، وتتظاهر بالغيرة على وحدة الصف الإسلامي وهي تدق صباحًا ومساءً إسفينًا بعد إسفين في أركان الأمة الواحدة، وتزعم نصرة المستضعفين في الأرض وهي تجند الأطفال والصغار وتدفعهم قسرًا وإلجاءً إلى محرقة الموت الزؤام”.
موقف الشيخ سعيد حوى سبقه موقف أكثر تشددًا تجاه النظام الإيراني، حيث أكدت الجماعة في بيان أصدرته في العدد 45 من مجلة النذير عام 1982، ردًا على تصريحات مسؤولين إيرانيين هاجموا فيها جماعة الإخوان بعد أحداث حماة.
وأوضح البيان أنه “لم يكن للإخوان المسلمين أي علاقة بحكام إيران في يوم من الأيام، بل كان حيف وتجاوزات من طرف المتعاقبين على الحكم في إيران تجاه الإخوان المسلمين، واتهمت الجماعة إيران بالتعاون والتحالف مع أعداء الإسلام في المنطقة العربية والمحافل الدولية، هذا إلى جانب تعاملهم مع الصهاينة، وتحالفهم مع الطاغية حافظ الأسد”.
من جانبه أوضح المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا دكتور عامر البوسلامة، أنه لا توجد أي علاقة بين النظام الإيراني وإخوان سوريا، والدليل على ذلك قرارات الجماعة وبياناتها منذ ثمانينيات القرن الماضي.
وشدد البوسلامة في حديثه لموقع “نون بوست” على أن الجماعة تطالب الذين يتهمونها بالتواصل مع إيران بدليل يثبت صحة ادعاءاتهم المبنية على نسج الخيال وكذب الرواة، على حد قوله.
العلاقة مع إيران بعد 2011
بعد انطلاقة الثورة في سوريا عام 2011، وجهت اتهامات عديدة لجماعة الإخوان في سوريا منها محاولة السيطرة على مؤسسات المعارضة والتواصل مع جهات خارجية وإقليمية ومنها إيران، ليكون لهم دور في أي حل سياسي يتعلق بمستقبل سوريا، وهو الأمر الذي تنفيه الجماعة باستمرار.
في هذا السياق أوضح القيادي في جماعة الإخوان المسلمين في سوريا ملهم الدروبي في شهر أغسطس/آب من العام 2012 أن مسؤولين إيرانيين اتصلوا بالجماعة لمحاولة الوساطة في حل سياسي مع النظام السوري.
في حين كشف قيادي آخر في الجماعة لصحيفة “الحياة” أن إيران اقترحت اتفاقًا يعرض على الإخوان إدارة الحكومة في دمشق بشرط أن يبقى بشار الأسد في منصبه، وأكد الدروبي وقتها رفض الإخوان لأي علاقة مع إيران إلى أن تكف عن تأييدها للنظام.
وأكد البوسلامة لـ”نون بوست” أن “قيادات الإخوان السوريين لم تزر إيران لا من قريب ولا من بعيد”، بل يجزم بأن “قيادات إخوان سوريا منذ الثمانينيات وحتى اليوم لم يروا إيران أبدًا، ولم يلتقوا بالنظام الإيراني لا داخل إيران ولا خارجها”.
إلا أن مدير قسم تحليل الدراسات بمركز “حرمون” سمير العبد الله يوضح أن العديد من التقارير والأخبار تشير إلى أن بعض قيادات إخوان سوريا قد زاروا طهران في السنوات الماضية، هذه الزيارات قد تكون جزءًا من التحركات الإقليمية أو بدعم من التنظيم العالمي للإخوان، الذي يملك علاقات جيدة مع إيران.
ويوضح العبد الله لـ”نون بوست” أن أحد الأمثلة على ذلك هو مؤتمر “الحوار العربي الإيراني” الذي عُقد قبل عدة أشهر، وشارك فيه العديد من قيادات الإخوان المسلمين من دول مختلفة، معتبرًا أن “هذا النوع من الاجتماعات قد يمهد الطريق لتواصل غير مباشر بين فروع الإخوان وإيران، وبالتالي قد يكون إخوان سوريا جزءًا من هذه القنوات الخلفية للتواصل”.
علاقات الإخوان
حرصت الوثيقة التي أصدرها إخوان سوريا مؤخرًا على إظهار تمايزها عن تنظيمات الجماعة في بلدان أخرى، إذ تتسم العلاقة بين تلك التنظيمات وطهران بالبراغماتية، ووصلت إلى التحالف في العديد من الحالات، كما هو الحال مع حركة حماس، لذا تتبرأ جماعة سوريا من ذلك تمامًا، فتحيل وثيقتها إلى “تقييم دقيق وموقف واضح من هذا النظام الباطني منذ أيامه الأولى، وأنه يمثل الخطر الداهم على الأمة والمنطقة”.
إلا أن بعض الباحثين في الحركات الإسلامية يرون أنه لا يزال هناك ارتباط بين التنظيم الأم للإخوان وباقي الفروع، ويؤكد الباحث الإسلامي بمركز “كاندل” للدراسات عباس شريفة، أن في الوقت الذي لا يوجد فيه ارتباط هرمي بين القيادة العامة للتنظيم وباقي الفروع، ما زال يوجد ارتباط على مستوى القيادة الفكرية والتنسيق.
ويتابع شريفة أن كل فرع له سياساته الخاصة، يعني مثلًا حماس في جهة، وإخوان سوريا في جهة وحزب الإصلاح اليمني في جهة، إذ يبدو أن هناك مساحة للاجتهاد متروكة لكل فرع أن يجتهد حسب مصلحته الوطنية.
وهذا ما يؤكده البوسلامة بالقول: “لكل قطر قراراته، فلا يتحمل قطر قرار الآخر جملة أو تفصيلًا، فلكل فرع من التنظيم سياسته المستقلة”.
هذا “الاستقلال” للفرع السوري يشكك به بعض الباحثين، إذ يعتبر العبد الله أن إخوان سوريا ما زالوا جزءًا من التنظيم العالمي للإخوان، ويواصلون التنسيق معه فيما يتعلق بالأهداف والرؤى العامة، لذلك من الممكن أن تكون هناك علاقة غير مباشرة بين إخوان سوريا وإيران نتيجة لعلاقات التنظيم العالمي.
لماذا بيانات الهجوم؟
يرى كثير من المراقبين والباحثين أن الدافع الأساسي لإصدار إخوان سوريا هذه البيانات المتكررة والمتشددة ضد إيران وسياساتها هو زيارة محمد سرميني الذي كان عضوًا سابقًا في الجماعة، إلى العراق، والتقائه بعدد من قيادات الأحزاب والميليشيات الشيعية.
ففي الوقت الذي ينوه فيه الباحث عباس شريفة أن هناك محاولة من بعض الجهات لتحميل سلوك بعض الأفراد للجماعة، حتى إن كانوا أعضاء سابقين أو منشقين عن الجماعة، يرى الباحث في مركز “حرمون” سمير العبد الله أن كثيرًا من السوريين لم يصدقوا ادعاء الجماعة بفصل السرميني، خاصة أن عدة قيادات من الجماعة دافعت عنه بشكل علني، لذا وجدت الجماعة نفسها مجبرة على إصدار بيان ينفي أي علاقات مع إيران بهدف تهدئة الجدل واستعادة بعض الثقة.
كل هذه الأسباب السابقة نفاها المراقب العام عامر البوسلامة، الذي أكد أن بيانات الجماعة في قضية النظام الإيراني قديمة وكثيرة ومنسجمة مع بعضها، ولا يوجد بينها تفاوت ولا تعارض، فـ”بيانات اليوم امتداد لبيانات الأمس”.
وأكد البو سلامة أن الوثيقة الأخيرة تلخيص لبيانات الجماعة القديمة والجديدة لكن في ورقة واحدة، فـ”هي تجمع ما تناثر من بيانات وتقديرات في شأن النظام الإيراني سيء الذكر”.