ترجمة وتحرير نون بوست
“يُعتبر قرار الحكومة البريطانية الذي اتخذه ديفيد كاميرون خلال الأسبوع الماضي بخصوص بدء التحقيق في أنشطة جماعة الإخوان المسلمين، انتصارًا كبيرًا للملكة العربية السعودية والتي ما فتئت تردد أن الإخوان وليس الوهابيون في السعودية هم أصل العنف الجهادي المتطرف. في الأحاديث الخاصة، يؤكد المسؤولون البريطانيون على أن السعودية تضغط منذ أشهر في هذا الاتجاه، لا سيما مع غضب الرياض من التحول في الموقف الغربي تجاه إيران، لذلك ليس غريبًا أن يكون سفير المملكة المتحدة في السعودية هو من يقود التحقيق بشأن الإخوان”.
هكذا بدأ “آندرو هاموند” من مركز العلاقات الخارجية الأوروبي مقاله عن الحملة الشرسة لحظر الإخوان المسلمين والتي تقودها السعودية.
يقول هاموند في مقاله إن أحداث 11 سبتمبر كانت كارثية على هيبة آل سعود، ليس فقط لأن 15 مهاجمًا من الـ 19 كانوا سعوديين، لكن لأن الأفكار التي تتبناها القاعدة يُنظر إليها على أنها نتاج المدرسة الفكرية الوهابية المتزمتة التي يرعاها النظام السعودي. بعد الهجمات تأثرت العلاقات (الأمريكية – السعودية) لكن الملك عبدالله بن عبدالعزيز أعاد الأمور إلى نصابها عبر عدة خطوات مثل المبادرة التي قادها للسلام بين العرب وإسرائيل، ودعمه الفج للغزو الأمريكي للعراق، وتبنيه خطابًا “للإصلاح” الداخلي اعتمد فيه على التقارب مع الغرب وليس على “دمقرطة” المجال السياسي السعودي.
لكن الغرب غالبًا ما ينسى مسارعة السعودية في إدانة الإخوان وإلقاء اللوم عليهم، فقد قال وزير الداخلية الراحل “نايف بن عبدالعزيز” في عام 2002 إن “الإخوان المسلمين هم مصدر كل مشاكلنا في العالم العربي”، وتعاملت السعودية في السنوات التي تلت ذلك مع الإخوان على أنهم هم من يحتاجون للإصلاح وليست المؤسسة الوهابية.
وقال الكاتب إنه على الرغم من أن إعدام سيد قطب وأفكاره كانت مؤثرة بشكل كبير في الحركة الجهادية العالمية، إلا أن الإخوان المسلمين تحت قيادة عمر التلمساني تطوروا في إتجاه مختلف تمامًا عن ذلك، فبينما فضل البعض الانسحاب من المجتمع ضمن إطار (التكفير والهجرة)، وفضل بعضهم ضرورة تحدي السلطات عبر الانقلاب والتمرد أو الاغتيال، رأى الإخوان في الانتخابات حلاً مناسبًا وابتكروا انتخابات داخلية نظمت عمل الحركة، لذلك من المنطقي أن نفهم القلق السعودي العميق من وجود بديل إسلامي متحضر يهدد شرعية آل سعود المبنية أساسًا على الإقناع بأن العائلة تمثل الوجه الحقيقي للشريعة.
الأمريكيون في هذه المرحلة كانوا عاملاً فعالاً للغاية، فقد حدث تحول واضح في المواقف تجاه الإخوان المسلمين وبضغط من إدارة جورج بوش ومشروع الديمقراطية بعد احتلال العراق في المنطقة، سمح مبارك بانتخابات نزيهة نسبيًا في 2005، فاز فيها الإخوان بشكل مذهل في الجولة الأولى إلى الحد الذي أعاد التزوير بقوة في الجولتين الثانية والثالثة من الانتخابات، لكن بالنسبة للولايات المتحدة، كانت تلك النتائج تعني ظهور مُحاور جديد يعكس روح العالم العربي المحافظ دينيًا بغض النظر عن كون حماس ما زالت خطًا أحمر.
في 2011 حدثت سلسلة من الأحداث التي أقلقت آل سعود، فوز الإسلاميين بالانتخابات أدى إلى إلهام الإسلاميين في المملكة، ولذلك كانت هناك جهود مبذولة لإعادة الأمور إلى ما كانت تجري عليه على قدم وساق، العام الماضي أزال الجيش المصري الإخوان من السلطة وانتقل النضال السعودي حينها إلى الحكومات الغربية من أجل الضغط عليها لإدانة جماعة الإخوان، وبالتالي فإن خطوة كاميرون هذا الأسبوع تُعد انتصارًا مهمًا في حملة السعودية.
السؤال الآن عما إذا كانت السعودية ستنجح في الضغط على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لحظر الإخوان؟!
ليست هناك أية أدلة تدعم الادعاءات المصرية أن الإخوان وراء الهجمات الإرهابية على الجيش والأمن في مصر (وتبنتها جماعات جهادية)، وكلا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي دعيا الحكومة بشكل واضح للدخول في حوار مع الإخوان
لكن الخلافات بين الأطراف بدأت تظهر بالفعل، هناك نقاشات ساخنة تدور في العواصم الأوروبية المختلفة بعد قرار كاميرون بشأن الإخوان، طارق رمضان (حفيد مؤسس الجماعة) ظهر اسمه كأحد مستشاري الحكومة البريطانية كدليل على عدم ارتباط الجماعة بادعاءات الإخوان رغم إصراره على عدم كونه عضوًا بالجماعة.
في الشرق الأوسط، الحملة السعودية تضمنت إعلان الإخوان جماعة إرهابية وسحب ثلاثة سفراء خليجيين من الدوحة وإعادة التأكيد الإعلامي على أن الإخوان وليس الوهابيون هم السبب في”“العنف الإسلامي”، ولذلك فلم يكن غريبًا أن يكتب جمال خاشقجي أن “الجهاديين المصريين هم من لوثوا عقول بن لادن وجهاديي السعودية في أفغانستان”، وليس غريبًا أن يكتب عبد الرحمن الراشد، مدير قناة العربية، قائلاً “إن الجماعات السلفية الجهادية هي اختراع سوريا وإيران وليست نتاج التفكير السعودي والتمويل السعودي والاستغلال السياسي السعودي”.
لكن الغريب بالفعل أن نجد من يزالون يصدقون الادعاءات السعودية في الغرب بعد أكثر من عشر سنوات على 11 سبتمبر.