ترجمة وتحرير: نون بوست
طيلة أكثر من سنة، قادت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها، خاصة الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر الذين يشار إليهم مجتمعين بالرباعي، حملة لا هوادة فيها ضد قطر في محاولة عاجزة لإدانة الدوحة وترهيبها. وإلى جانب الحصار المفروض على قطر، هناك مزاعم تفيد بأن السعوديين يمضون قدما لتنفيذ مخطط لحفر قناة على طول حدودهم يهدف إلى تحويل قطر إلى جزيرة.
في الواقع، لقد ضاقت المملكة العربية السعودية والرباعي ذرعا بالسياسة الخارجية المستقلة التي تتوخاها قطر، التي مثلت رمزا لفشل الدوحة في الإذعان الكامل للمطالب السعودية، في حين تعكس قبولها لسعي المملكة لتحقيق الهيمنة الإقليمية. ولكن في الحقيقة، كانت هذه التوترات نتيجة تراكمات امتدت على مر السنين.
من بين الشكاوى الأخرى التي قدمها الرباعي، علاقة قطر الودية بالإخوان المسلمين، والدعم المقدم لمختلف الجماعات الإسلامية المتطرفة في سوريا. ولكن قلق الرباعي بشأن مسألة تمويل الإرهاب مثير للسخرية، على مختلف الأصعدة، لاسيما أن المملكة العربية السعودية هي المصدر الرئيسي للوهابية الأصولية، وهي الأيديولوجية الأساسية التي تبناها الجهاديون حول العالم طوال العقود الثلاثة الماضية. ومؤخرا، تبين أن أحد هؤلاء الرباعي، الإمارات العربية المتحدة، يدفع المال لمقاتلين من تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية للانسحاب من مدن اليمن.
أدى انشغال المملكة العربية السعودية بمحاولة إخضاع قطر إلى تحويل مواردها واهتمامها بعيدا عن مواجهة النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة
خلال شهر حزيران/ يونيو من سنة 2017، حاول الرباعي تخويف قطر من خلال تقديم قائمة تضم 13 طلبًا، مع العلم أن معظمها لم يكن موجودا منذ البداية. ومن أهم المطالب وجوب قطع الدوحة علاقاتها بإيران، البلد الذي تشترك معه في إدارة حقل الغاز الموجود شمالي دوم وجنوبي بارس، أحد أكبر الحقول وأكثرها درا للأرباح في العالم. لكن العائلة المالكة في قطر ترفض استيعاب وجهة نظر الرياض حول إيران، وتحتفظ بدلا من ذلك بعلاقة براغماتية وعملية مع نظام الملالي.
في المقابل، أدى انشغال المملكة العربية السعودية بمحاولة إخضاع قطر إلى تحويل مواردها واهتمامها بعيدا عن مواجهة النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة. وهذا يفسح المجال للادعاءات الإيرانية التي تتحدث عن مؤامرة تقودها الولايات المتحدة و”إسرائيل” والخليج للإطاحة بالصفقة النووية الإيرانية تمهيداً لإثارة الحرب. وإذا كان الهدف الرئيسي هو إضعاف إيران، فإن الهوس المستمر بقطر كان له تأثير معاكس، فهو بطبيعة الحال يدفع الدوحة إلى توطيد علاقتها مع طهران كوسيلة للتخفيف من العواقب الاقتصادية السلبية للحصار المستمر.
نتيجة لذلك، لم يكن التأثير الأكثر وضوحا للحصار هو عزل إيران وإنما إضعاف مجلس التعاون الخليجي، الذي يعد أحد الحصون الرئيسية لمجابهة التوسع الإيراني. وبالنسبة لبعض الأطراف من العالم العربي والإسلامي، اعتبرت الحملة العقابية التي فرضتها المملكة العربية السعودية على جارتها الصغيرة من العمليات الانتقامية التي لم يكن لها داع.
من جهته، لاحظ الخبير الإقليمي حسن حسن أن “العرب عبر الشرق الأوسط باتوا يميلون بشكل متزايد إلى رؤية الرباعي بحد ذاته بمثابة مؤامرة استبدادية ضد تطلعات التغيير السياسي التي يعارضونها باستمرار منذ اندلاع الانتفاضات العربية خلال سنة 2011”.
منذ الأيام الأولى للخلاف السعودي القطري، أرسلت إدارة ترامب إشارات متناقضة
لقد امتد النزاع إلى ما وراء الخليج ما يهدد بمزيد زعزعة الاستقرار في مناطق أخرى بما في ذلك القرن الإفريقي، حيث علقت الإمارات برامج المساعدات وسحبت بعض الشخصيات البارزة من الصومال بعد أن حاول رئيسها محمد عبد الله محمد “فارماجو” البقاء على الحياد وتجنب مساندة أحد طرفي النزاع الدائر بين قطر والرباعي.
حتى في الوقت الذي لا تزال فيه إدارة ترامب تركز على ما تعتبر التهديد الإيراني، يجب عليها الحرص على ألا تعزل قطر التي تعد في الواقع أحد أهم شركائها في المنطقة. فمنذ الأيام الأولى للخلاف السعودي القطري، أرسلت إدارة ترامب إشارات متناقضة. ففي حين دعم الرئيس الأمريكي السعوديين، دعا وزير خارجيته ريكس تيلرسون إلى العودة إلى الوضع الطبيعي والتفاوض على مذكرة تفاهم للتعاون في مجال مكافحة تمويل الإرهاب، في منتصف سنة 2017.
في أعقاب هذه المذكرة، أجري حوار إستراتيجي بين الولايات المتحدة وقطر لمكافحة الإرهاب، الذي استأنف في أوائل سنة 2018. وتجدر الإشارة إلى أن قطر تحتضن قاعدة العُديد الجوية، التي يتمركز فيها 10 آلاف عسكري أمريكي، ويركز التحالف المناهض لتنظيم الدولة قاذفات بي -52 لاستهداف معاقله. وتلعب قطر دورا حاسما في إحراز تقدم مستمر في الحرب ضد تنظيم الدولة.
في الوقت الراهن، تنحى تيلرسون عن منصبه ومن المحتمل أنه فقد وظيفته بسبب جهوده الحثيثة لثني السعودية، المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، عن غزو الإمارة الحليف القوي للولايات المتحدة. كان ترامب بطيئًا في إدراك أهمية العلاقة التي تربطه بقطر، وعلى الرغم من وجود بعض الإشارات المتغيرة، إلا أن تعنته المبكر أدى إلى استمرار النزاع، وتعثر الجهود الرامية لحل هذه المشكلة.
إذا كانت المملكة العربية السعودية مهتمة للغاية بمكافحة التهديد المتنامي الذي تشكله إيران، فمن الأفضل أن تعيد تقييم هوسها المستمر بقطر
في الأيام الأخيرة، وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهديدات بشكل مباشر للرئيس الإيراني حسن روحاني، ثم أعلن عن استعداده للاجتماع مع الإيرانيين دون شروط مسبقة (وقد عارض الإيرانيون ذلك). ومن المحتمل أن هذا التصريح جذب انتباه القادة في الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية. ففي أواخر شهر تموز/ يوليو، نشر سفير المملكة لدى الولايات المتحدة خالد بن سلمان مقالة افتتاحية في “عرب نيوز” قارن فيها النظام الإيراني الحالي بألمانيا النازية لأدولف هتلر.
ليس سراً أن إيران تتصدر أجندة السياسة الخارجية لإدارة ترامب وتشغل بالهم، ويبدو ذلك جليا عندما يزور قادة الخليج بمن فيهم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان البيت الأبيض. وبالنظر إلى تصرفات إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك الدعم المستمر الذي تقدمه للمتمردين الحوثيين في اليمن، وجماعة حزب الله اللبنانية، فضلا عن نظام بشار الأسد الإجرامي في سوريا، فلا شك في أنها تشكل تهديدًا كبيرًا على الاستقرار الإقليمي والعالمي.
لا يتعلق هذا التهديد بالدوحة، وإذا كانت المملكة العربية السعودية مهتمة للغاية بمكافحة التهديد المتنامي الذي تشكله إيران، فمن الأفضل أن تعيد تقييم هوسها المستمر بقطر. فمن الناحية العملية، يجب على المملكة العربية السعودية إعادة النظر في قائمة المطالب واسعة النطاق التي يبدو أنها مصممة لإدامة النزاع بدلاً من حله. ولتحقيق أي تقدم ملموس ودائم، يجب على الجهود الدبلوماسية الأمريكية المتضافرة كسب تأييد كبار المسؤولين في إدارة ترامب. ومن دون اتخاذ هذه الخطوات، سوف يستمر الخلاف وستواصل طهران حصد الفوائد.
المصدر: لوفير