ترجمة وتحرير: نون بوست
بدا السفير الروسي في الولايات المتحدة صبيحة يوم الخميس 9 من آب/أغسطس، في مزاج مرح، حيث كتب على حسابه في تويتر، قائلا: “صباح الخير قوة الفضاء”. وقد اعتاد المسؤول الروسي على السخرية بشكل لاذع من الأمريكيين منذ أن تسببت قضية “التخابر الروسي” التي يشرف عليها روبرت مولر، في تعكير الأجواء من البيت الأبيض إلى الكرملين. ومن الواضح أن السفير الروسي الذي يعد في منطقة معادية، حيث أن العاصمة الأمريكية تعتبر الأكثر تشكيكا في الجهات الروسية، قد وجد ضحية جديدة.
قبل بضع ساعات من نشر تلك التغريدة، أكد نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس على الولادة الوشيكة “لقوة فضاء”، التي تعتبر بمثابة الفرع السادس للقوات المسلحة الذي من المفترض أن يمنح المحاربين الأمريكيين ميزة أكبر في الجو، خاصة وأن الروس والصينيين بصدد صناعة أسلحة جديدة قاتلة. وصرح بنس: “لقد حان الوقت لكتابة الفصل الموالي ضمن تاريخ قواتنا المسلحة، والاستعداد لاقتحام ميدان المعركة القادم”. من جانبه، غرد ترامب، تماما مثل الأطفال، على تويتر، “قوة الفضاء، حتى النهاية!”
في حين وقع تحديد مصدر التهديد، تجلى مدى تأخر الولايات المتحدة في هذا المجال بوضوح مقارنة بدول أخرى. خلال سنة 2007، أطلقت الصين “صاروخا قاتلا” يستهدف الأقمار الصناعية، الأمر الذي لطالما كان الرئيس رونالد ريغان يحلم بتحقيقه. ففي سنة 1983، كان ريغان يعمل على إيهام الاتحاد السوفييتي، بوجود برنامج تحت مسمى “حرب النجوم”، أو ما يعرف بمبادرة الدفاع الاستراتيجي. وبالنسبة لمايك بنس، الذي يتسم بذاكرته الانتقائية، فهو يتطلع “إلى التصدي لقدرة الصين المتنامية في عسكرة الفضاء”.
تخطط الإدارة الأمريكية إلى ربط كل ما يتعلق بهذا المشروع بميزانية الدفاع 2020، عبر إنفاق 8 مليارات دولار على هذه “القوة” على مدى السنوات الخمس المقبلة
من جانبها، لا تعد روسيا بمنأى عن ذلك، فقد أجرت تجارب باعتماد الليزر والقذيفة المحمولة جواً، وهي قادرة على تدمير الأقمار الصناعية الأمريكية. ويصر بنس على أن هذه الدول “تسعى إلى تعطيل نظمنا الفضائي وتحدي التفوق الأمريكي أكثر من أي وقت مضى”.
8 مليار دولار على امتداد خمس سنوات
في ظل التنافس بين هذه الدول، كان من الضروري التصرف بسرعة، إلا أن هناك من يعرقل هذا المشروع. ففي غرة آب/أغسطس، تراجع البنتاغون عن إطلاع الكونغرس على البرنامج الإطاري الذي يقدم معلومات مفصلة عن الإجراء الجديد. وقد كان المشكل يتمحور حول مسألة إنشاء “قيادة فضائية” تتعامل مع المعارك المستقبلية بين النجوم، بالإضافة إلى مسألة تركيز “وكالة تنمية الفضاء” المسؤولة عن تصميم واقتناء أقمار صناعية جديدة وأنظمة عسكرية، وانتداب مجموعة من الخبراء من الفروع الخمسة التقليدية للجيش (البر والجو والبحرية ومشاة البحرية وخفر السواحل).
تخطط الإدارة الأمريكية إلى ربط كل ما يتعلق بهذا المشروع بميزانية الدفاع 2020، عبر إنفاق 8 مليارات دولار على هذه “القوة” على مدى السنوات الخمس المقبلة. وقال متحدث باسم الإدارة الأمريكية، جيمي ديفيس، : “نحن في المراحل النهائية من الإعداد والتنسيق”. في الأثناء، تسببت “القوة الفضائية” في إثارة ردود أفعال متباينة حتى قبل أن يتم البدء في إنشائها بصفة رسمية. ففي البنتاغون، أبدى البعض قلقهم إزاء هذا المشروع معتبرين أنه قد تم التخطيط له بشكل ضعيف ومتسرع، ولم يقع التفكير في مختلف جوانبه بالشكل المطلوب.
نجد أن الفرع الذي يجب أن يكون، من الناحية النظرية، الأكثر اطلاعا على الاستعدادات الجديدة بشأن قوة الفضاء، أي القوة الجوية الأمريكية التي تحظى بنصيب الأسد من النفقات الفضائية الحالية مقارنة بباقي الجيوش، والبالغة قرابة 85 بالمائة، قد وقع استبعاده من عملية التجهيز
خلال السنة الماضية، أعرب وزير الدفاع، جيمس ماتيس، عن الشكوك التي تنتابه تجاه الكونغرس، حيث كتب أن “الكونغرس لا يرغب في إضافة فرع آخر لأنه سيكون منفصلا عنه، كما أن نظرته ضيقة جدا للعمليات التي تجري في الفضاء، ومتشبث برأيه”. لكن هناك حقا ما يثير الريبة بشأن هذه المسألة.
ففي الواقع، نجد أن الفرع الذي يجب أن يكون، من الناحية النظرية، الأكثر اطلاعا على الاستعدادات الجديدة بشأن قوة الفضاء، أي القوة الجوية الأمريكية التي تحظى بنصيب الأسد من النفقات الفضائية الحالية مقارنة بباقي الجيوش، والبالغة قرابة 85 بالمائة، قد وقع استبعاده من عملية التجهيز. بالتالي، سيقع تشكيل “القوة الفضائية” انطلاقا من قوات الطيران المدنية، بدءا بقاعدة لوس أنجلوس الجوية، التي تضم ستة آلاف من الرجال والنساء من مركز الفضاء والأنظمة الصاروخية، الذي سيحل محله وكالة تنمية الفضاء…
في ظل حرصها على تجنب الدخول في جدل لا طائل منه مع الجيش، كانت الإدارة الأمريكية سعيدة بردود الفعل الإيجابية عقب الإعلان عن تشكيل هذه القوة فقد ساهم ذلك في تأجيج الحشود، وإيقاظ حس الاعتزاز بالانتماء الوطني وتغذية الموقف الإعلامي للرئيس دونالد ترامب، الذي يعمل على تقييد التجمعات الانتخابية. ولكن لماذا قد نحرم أنفسنا من هذا المشروع الذي يمكن أن نستخدمه كشعلة مضيئة نقود بها الحشود المتحمسة؟ في الواقع، لا يجب أن تقلق الولايات المتحدة في عهد ترامب، التي تكتسحها الحماسة الوطنية، إزاء الإنفاق المفرط والمضاعفات البيروقراطية المرتبطة “بالقوة السادسة”.
تناسي قضايا ترامب المحالة على القضاء
ينقسم الخبراء فيما بينهم بشأن هذا المشروع. وقد ذكر آدم روث، وهو أحد المؤيدين المتحمسين للمشروع في مركز الأمن الأمريكي الجديد، أن “الاقتصاد في مجال الفضاء ينمو بمعدل متذبذب. ولن تكلف مشاريع الدفاع المتعلقة بالفضاء مبالغ فلكية كما يخشى البنتاغون”. وبما أن إيلون مسك، وشركته سبيس إكس، يقودان المشروع، يقترح روث أن يسرعا في الإنجاز واستغلال الفراغ الحاصل في مجال الإبداع المدني.
تحظى شركة سبيس إيكس الآن بنصيب الأسد في إطلاق المشاريع الفضائية مع احتكارها قرابة 65 بالمائة من السوق
في سياق متصل، أكد روث أن “القطاعات الأكثر ربحا (في الاقتصاد العالمي) على غرار الزراعة، والتعدين، والنقل، وتكنولوجيا المعلومات، والبنوك، ستعتمد عاجلا أم آجلا على الخدمات التي تقدمها أنظمة الفضاء”. ولعل الخبر السار بالنسبة للإدارة الأمريكية الذي سيجعلها تندفع لتولي دور ريادي في هذا المجال، حقيقة أن الولايات المتحدة تسيطر على 44 بالمائة من سوق الأقمار الصناعية في العالم.
من جهتها، تحظى شركة سبيس إيكس الآن بنصيب الأسد في إطلاق المشاريع الفضائية مع احتكارها قرابة 65 بالمائة من السوق. ولكن لماذا تتردد الشركة إذن؟ يعزى ذلك لأن أي آليات دفاع مستقبلية ستكون “سهلة التدمير”، بحسب ما أفاد به بول شاري، محلل مركز الأمن الأمريكي الجديد. وقد اعتبر شاري، أن هذا البرنامج بمثابة “قلعة مبنية على الرمال، في حين أن أي قمر صناعي أو نظام أسلحة يعد ضعيفا بشكل جوهري في عالم الفضاء”.
من جانبه، أكد النائب الديمقراطي في مجلس النواب، جاك ريد، أنه “من المؤسف تسييس المشروع وجعله قضية أمن القومي”. وبالفعل، بدأ فريق حملة دونالد ترامب الانتخابية بالاستعداد إلى الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها سنة 2020. وقد دعي أنصار الرئيس الأمريكي إلى التصويت على اختيار شعار “القوة الفضائية” التي ستبعث قريبا، انطلاقا من ستة مقترحات. ومن بين هذه المقترحات ما يحيل بشكل جوهري إلى غزو المريخ، الأمر الذي لا يظهر في قائمة الأولويات العسكرية.
بصفة رسمية، أضحت الأقمار الصناعية المصغرة التي فصلت عن القمر الصناعي الأم، بمثابة ” أقمار صناعية تتولى مهمة التفتيش”، حيث يمكن استغلالها للتأكد من حالة القمر الصناعي السائر عبر المدار
لكن الأمر ليس مهما في النهاية، حيث يعتبر مجرد وسيلة لإلهاء الجماهير وصرف نظرهم عن القضايا السياسية والقضائية التي تلاحق بطلهم، ترامب. وسيحين الوقت دون شك الذي سيبادر فيه أحدهم بتثبيت هذه الشارة على الزي العسكري، علما وأن روسيا على الأرجح ستكون في انتظار تلك اللحظة.
التموضع الغريب للأقمار الصناعية الروسية التي تقلق الأمريكيين
ندد يليم بوبليت، وهو مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية، هذا الأسبوع بوجود قمر روسي غامض، تم إطلاقه خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر. وقد كان يعرض منذ بضعة أشهر “سلوكًا شاذًا للغاية” في المدار، مما يوحي بأن يمكن أن يكون نوعًا جديدًا من سلاح الفضاء. لم يتم تحديد اسم المركبة، ولكن كل العناصر تشير إلى اعتماد اسم القمر الصناعي “كوزموس 2519” الذي أطلق في المدار بواسطة صاروخ سويوز من قاعدة قوات الفضاء الروسية. ولا يزال دور هذا القمر الصناعي مجهولا إلى حد الآن، لكننا نعلم فقط أنه قد سقط منه في مناسبتين قمر صناعي مصغر تحديدا خلال شهري آب/ أغسطس وتشرين الأول/ أكتوبر من سنة 2017، وهما على التوالي كل من كوزموس -2521 وكوزموس -2523.
في وقت لاحق، ضاعفت الأقمار الصناعية الثلاث المناورات بطريقة غير عادية، كما ابتعدت عن بعضها البعض، فيما تم أيضا تغيير مدارها لفتح معابر تفصل بينها. وبصفة رسمية، أضحت الأقمار الصناعية المصغرة التي فصلت عن القمر الصناعي الأم، بمثابة ” أقمار صناعية تتولى مهمة التفتيش”، حيث يمكن استغلالها للتأكد من حالة القمر الصناعي السائر عبر المدار. ولكن، في حالة نشوب صراع، يمكن استغلال مثل هذه المناورات في خدمة، أو لشن هجوم، على الأقمار الصناعية المعادية. وقد تم مؤخرا تجربة قدرتها على التحمل من قبل عسكريين أمريكيين، عبر مكوكهم الفضائي الآلي الصغير إيكس-37.
المصدر: لوفيغارو