أزعج المرسوم الذي أصدره الملك عبد الله وعين بموجبه أخاه غير الشقيق الأمير مقرن وليا لولي العهد فخذ عشيرة متنفذ داخل العائلة السعودية الحاكمة، وثمة ما يشير إلى أن ذلك سيطيل أمد الخلاف بشأن موضوع التوريث داخل المملكة.
فالسديريون، الذين يمتلكون معظم الثروة النفطية ونصيب الأسد من وسائل الإعلام السعودية، منزعجون بسبب مادة تضمنها المرسوم الأخير وتفترض احتمال حدوث شاغر فوري ومزدوج في الطريق إلى العرش، إذ تنص على أنه إذا ما طرأ طارئ على الملك وولي عهده الأمير سلمان في نفس الوقت، من تنحٍ أو موتٍ أو فقدان الأهلية لشغل المنصب، فإن العرش سيؤول بشكل تلقائي إلى الأمير مقرن.
يذكر أن الأمير سلمان هو السديري الوحيد المتبقي على قيد الحياة من الأشقاء السبعة أبناء حصة بنت أحمد السديري، إحدى النساء الاثنتين والعشرين اللواتي تزوجهن الملك عبد العزيز ليوسع من رقعة نفوذه في نجد موطن الحركة الوهابية.
ورغم أن سلمان كان قد نفى أنه يعاني من مرض الزهايمر، إلا أن مقربين منه أعربوا عن قلقهم من أنه في حالة وفاة الملك أو تنحيه فإن الادعاءات بأن سلمان مصاب بالمرض قد تستخدم من قبل مجلس البيعة لإعلان عدم أهليته لشغل منصب الملك، وبالتالي تنتقل السلطة مباشرة إلى أخيه غير الشقيق مقرن.
تساور السديريين الشكوك تجاه الدوافع من تسمية ولي عهد لسلمان قبل أن يصبح نفسه ملكاً، فمثل هذا الإجراء يسلب سلمان القدرة على تعيين ولي عهد له بنفسه، والذي كان من المرجح لو ترك له الخيار أنه سيعين وزير الداخلية السابق أحمد بن عبد العزيز، إلا أن مرسوم الملك بالنسبة للسديريين استبعد عشيرتهم تماما من سلسلة المرشحين لولاية العهد.
ومع ذلك، لا يزال بالإمكان الاستئناف ضد المرسوم. مجلس البيعة نفسه لم ينعقد، إلا أن الملك استفتى بشأنه وبشكل فردي كل واحد من الأمراء الاثنين والثلاثين الذين يتشكل منهم المجلس، ولن يحول دون أن يتوجه الأمير سلمان إلى مجلس البيعة مجتمعاً أو بشكل انفرادي مع كل واحد من أعضائه ليطلب التراجع عن المرسوم في حال مات الملك أو تنحى أو أعلن فقدانه للأهلية.
إذا ما أصبح مقرن ملكاً فإن حليفه الأمير بندر، رئيس الاستخبارات الذي تراجعت حظوظه السياسية وضعف نفوذه مؤخراً، سوف يستعيد قوته من جديد ويعود للصدارة مرة أخرى. مع العلم أن بندر يفترض أن يعتبر سديرياً لأنه ابن الأمير سلطان، أحد السديريين السبعة لولا أن أمه كانت جارية إفريقية (سوداء). ولذلك فقد نأى عنه والده ونشأ في إحدى ضواحي الرياض وشق طريقه نحو العناية الملكية من خلال العمل في سلاح الجو، حيث انتبه إليه عمه الملك فهد واستوعبه سعود الفيصل أكثر وزراء الخارجية في العالم مكوثا في منصبه.
يتعافى بندر الآن من بوادر إصابة بالسرطان، وهو منهمك في معركة استعادة نفوذه في أوساط العائلة الملكية بعد أن خسر ما اعتقد أنه أكبر ورقة في يده إثر نقل ملف سوريا منه ووضعه في عهدة منافسه محمد بن نايف؛ وزير الداخلية الذي يرفض إعادة تسليم الملف إليه اعتقاداً منه بأنه ينعم بحماية فولاذية لا تقهر.
إضافة إلى ما يجري من دسائس ومؤامرات داخل البيت الملكي، تتعرض سياسات وزير الخارجية سعود الفيصل لنقد شعبي، ومن أشد ناقدي سياساته رجل الدين المحافظ سلمان العودة الذي اشتهر بسبب نشره لخطاب مفتوح ينتقد فيه رد فعل النظام على الثورتين التونسية والمصرية. وكان العودة قد قال في مقابلة نشرت مؤخراً مع صحيفة نيويورك تايمز إن :الحكومات الخليجية تحارب الديمقراطية العربية لأنها تخشى وصولها إلى هنا. أنظر ماذا فعلوا في مصر، لقد حولوا إليها مليارات الدولارات بمجرد وقوع الانقلاب في الصيف الماضي. إن ذلك مشروع خليجي وليس مشروعاً مصرياً، والآن، تفقد الحكومة السعودية أصدقاءها. وإذا ما استمرت على هذا النهج فإنها ستخسر شعبها وستجلب على نفسها الكوارث”. ويحظى حساب العودة على تويتر بمتابعة أربعة ملايين ونصف المليون شخص.
يعرب ناقدو سعود الفيصل عن قلقهم بسبب عدد الأعداء الذين صنعتهم المملكة بعد أن جعلت دعم الانقلاب في مصر ركناً من أركان سياستها الخارجية. فمن ناحية، استعدت قطر بعد أن هددت بفرض حصار بري وجوي عليها مصرة على إغلاق قناة الجزيرة الفضائية واثنين من مراكز الأبحاث الأمريكية المرموقة التي تقيم لها في الدوحة فروعاً. ومن ناحية أخرى، فقدت الرياض إيران بشكل كامل.
ولا أدل على ذلك من الصفقة التي أبرمها الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال زيارته الأولى لمسقط، والمتعلقة بإنشاء خط لأنابيب الغاز بين إيران وعُمان تقدر كلفته بمليار دولار. كما نقل عن مسؤول إيراني رفيع المستوى قوله إن إيران تدرس فكرة إقامة منصة تصدير نفط خارج مضيق هرمز في بحر عُمان داخل ميناء بندر جاسك.
كلا الخطوتان غاية في الذكاء، إذ تمكنان إيران جيوسياسياً من تجاوز الموانئ النفطية الكبيرة داخل الخليج الفارسي، كما أن إيران بذلك تخرج عُمان من نطاق النفوذ السعودي بعد أن غادرته قطر وتبعتها الكويت التي كانت تتوسط لإبرام صفقة بين الدولتين الخليجيتين (السعودية وقطر)، إلا أنها شعرت بأن السعودية أهانتها من خلال صد الباب في وجه قطر. إذن، ماذا بقي من دول الخليج موالٍ للسعودية؟ فقط البحرين الصغيرة جداً والإمارات. ولذلك، يتساءل كثيرون داخل المملكة إلى أي مدى كانت مثل هذه السياسة الخارجية حكيمة؟