باتت ظاهرة الانتشار الواسع لزراعة “الحشيش” وإغراق مدن الضفة الغربية المحتلة بالمواد المخدرة بأشكالها المختلفة، تُثير حالة من القلق الكبير لدى المواطنين والمؤسسات الرسمية، وتدق ناقوس الخطر داخل المجتمع الفلسطيني المحافظ، نظرًا للكميات الهائلة التي يتم ضبطها من مكافحة المخدرات التابعة للسلطة داخل البيوت والمشاتل الزراعية.
الضفة الغربية تعيش حالة مستعصية وغير مسبوقة من الصراع الدائر مع مروجي المخدرات منذ شهور طويلة، فيكاد لا يمضي يوم أو يومان إلا وتعلن فيه شرطة مكافحة المخدرات ضبط أشتال من الحشيش أو القبض على موزعين وتجار للمواد المخدرة، الأمر الذي أثار جدلًا واسعًا في الشارع الفلسطيني الذي يحاول تجنب هذا الخطر الذي يمس منظومته الاجتماعية والأخلاقية والوطنية وبات ينقر بها، فيما فُتح باب التساؤل واسعًا عن الأيادي الخفية التي تقف خلف مخطط إغراق الضفة بالمخدرات! وكيف وصلت هذه المواد بكل سهولة للمنازل وأيادي المواطنين؟ وأين الرقابة؟ رغم صرامة القانون الفلسطيني في التعامل مع هذه الظاهرة.
وخلال العام الحاليّ 2018، تم ضبط ما يزيد على 300 كيلو من الحشيش والقنب الهندي والكوكايين والكريستال في الضفة الغربية، بحسب شرطة مكافحة المخدرات التابعة للسلطة الفلسطينية.
وقالت الشرطة الفلسطينية إن “إجمالي ما تم ضبطه من الحبوب بلغ 1650 حبة أكستازي و6500 حبة مخدرة و1000 حبة كبتاجون و15000 شتلة قنب و34 مستنبت”، مبينةً أنه تم القبض على 1426 شخصًا من الضفة الغربية والداخل المحتل، متورطين بتهم المخدرات، والقيمة المالية لما تم ضبطه وصلت لما يقارب 15 مليون شيقل. فيما أوضحت أن مصير هذه المواد هو الإتلاف بعد إثبات التهمة على من يُقبض عليهم والحصول على أمر قضائي بذلك وبحضور العديد من الجهات.
العقيد أرزيقات: “هذه الظاهرة ليست مؤشرًا على أن كل الشعب يتعاطاها (محشش) كما يصفه البعض والأشخاص الذين أُلقي القبض عليهم في عمليات تعاطي أو ترويج وتجارة المخدرات منذ بداية العام هم 1400 شخص”
هجوم إسرائيلي
الناطق باسم الشرطة الفلسطينية العقيد لؤي أرزيقات، عقب على زيادة انتشار أشتال المخدرات في الآونة الأخيرة بقوله: “الأمر أصبح بمستوى الظاهرة في مختلف المحافظات في ظل وجود هجمة من جهات إسرائيلية تجاه الأراضي الفلسطينية بهدف زراعتها وإنتاجها محليًا لتخفيف التكاليف ولتوزيعها في الداخل”.
وتابع: “هذا ما توصلت له التحريات التي تقوم بها الشرطة والأجهزة الأمنية خاصة بعد منع عمليات الزراعة من الاحتلال في الداخل الفلسطيني والتشديد في ذلك وإغلاق حدود سيناء وجنوب لبنان بسبب الأوضاع الأمنية ومنع دخول المخدرات منها والسماح لحيازتها بكميات قليلة كتعاط شخصي (16) غرام على سبيل المثال”.
وأكد أرزيقات أنه “رغم ذلك فإن هذه الظاهرة ليست مؤشرًا على أن كل الشعب يتعاطاها (محشش) كما يصفه البعض والأشخاص الذين أُلقي القبض عليهم في عمليات تعاطي أو ترويج وتجارة المخدرات منذ بداية العام هو 1400 شخص”.
وأشار إلى أن العوامل المشتركة بين عمليات الضبط هذه أنها تقع في الأرياف والأماكن النائية والزراعية واشتراك أشخاص إسرائيليين يقومون بإغراء بعض المواطنين بالمال لاستئجار أراضيهم أو للعمل على رعايتها وفي أحيان أخرى مشاركتهم.
وختم العقيد أرزيقات بالقول: “نناشد القضاء بضرورة التشدد بالأحكام بحق التجار والمروجين والمتعاطين والزارعين لها والمساعدين لهم، ونناشد الآباء والأمهات ضرورة الانتباه لأبنائهم ومتابعتهم”.
سوق إنتاج للحشيش
الخبير بالقضايا القانونية ماجد العاروري، حذر من تحول الضفة الغربية المحتلة إلى أكبر سوق لإنتاج وتصنيع الحشيش، لتغطية احتياجات السوق الفلسطينية والإسرائيلية على حد سواء.
الخسارة التي يتلقاها المنتجون الحقيقيون نتيجة الملاحقة الفلسطينية واكتشاف المستنبتات واعتقال المزارعين لا تتعدى بغالبها ثمن البذور وتكاليف الزراعة، فضررهم من اكتشاف المستنبتات غير مؤلم
وقال العاروري إن “الإجراءات المشددة وقساوة الأحكام التي تتخذها السلطات الإسرائيلية بحق من يتورطون في زراعة المخدرات تحول دون انتشار زراعة المخدرات في الأراضي المحتلة عام 1948، فاستعاض كبار التجار اليهود عن ذلك بزراعتها في أراضي الضفة في المناطق الأكثر أمنًا لهم والقريبة من أراضي الـ48.
وأوضح أن هؤلاء استفادوا من سهولة نقلها بين الضفة وأراضي الـ48 بسبب غياب الحدود الضابطة، كذلك ضعف إجراءات الملاحقة القضائية الفلسطينية للفاعلين رغم إقرار قانون متشدد لمكافحة المخدرات إلا أن النتائج جاءت معاكسة وتزداد المخدرات انتشارًا.
مضيفًا “أن غالبية الأشخاص الذين يلقى القبض عليهم في عمليات مداهمة المنابت هم في الغالب أقرب إلى المستخدمين ولا يشكلون رأس صناعة وتجارة المخدرات، وهذا يفسر استمرار زراعة مستنبتات الحشيش رغم الكشف اليومي عنها دون أي تراجع في حجم زراعتها”.
ولفت العاروري إلى الحماية التي توفرها “أوسلو” للمتورطين من حملة الهوية الإسرائيلية وعدم القدرة على ملاحقتهم أمام المحاكم الفلسطينية ورفض النيابة الإسرائيلية الاعتماد على الملفات التحقيقية الفلسطينية في سلطة الشرطة في القانون الفلسطيني، بينما الشرطة الإسرائيلية هي سلطة استدلال وتحقيق توثق كل خطواتها وبالتالي لا تصلح إجراءات الشرطة الفلسطينية للاعتماد عليها في تحقيقات الشرطة الإسرائيلية عدا عن أن أجهزة أخرى تنافس الشرطة في عملها ولا خبرة لها في ضبط المخدرات وغالبًا ما تكتفي بالحد الأدنى من تغطية النيابة لإجراءاتها”.
العاروري ذكر أن الشركاء الفلسطينيين في عملية تصنيع وإنتاج المخدرات – بغض النظر عن ماهيتهم -، لا يتعدى دور غالبيتهم دور الوسطاء والوكلاء في الإنتاج والتوزيع، ويحمل غالبيتهم بطاقات إسرائيلية تحميهم في حال ألقي القبض عليهم من الشرطة في رام الله بموجب اتفاق أوسلو، وبهذا بقيت صناعة المخدرات مزدهرة بل وتزداد ازدهارًا في بيئة زراعية خصبة وقانونية وسياسية ضعيفة.
في نوفمبر من عام 2015، أقر الرئيس عباس قانونًا جديدًا يتعلق بمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، ويتم خلاله تشديد العقوبات بحق المروجين والمتعاطين، خلافًا لقانون عام 1960 الذي كان يعاقب تاجر المخدرات بالسجن 5 سنوات فقط دون غرامة مالية
وبيّن أن الخسارة التي يتلقاها المنتجون الحقيقيون نتيجة الملاحقة الفلسطينية واكتشاف المستنبتات واعتقال المزارعين لا تتعدى بغالبها ثمن البذور وتكاليف الزراعة، فضررهم من اكتشاف المستنبتات غير مؤلم، ويحاولون تدارك ذلك من خلال البحث عبر الوكلاء ومستخدمين جدد، وابتكار وسائل زراعة جديدة سواء في البراري أم في داخل المباني كما يتضح من المستنبتات التي يتم كشف بعضها.
قانون صارم
في نوفمبر من عام 2015، أقر الرئيس محمود عباس قانونًا جديدًا يتعلق بمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، ويتم خلاله تشديد العقوبات بحق المروجين والمتعاطين، خلافًا لقانون عام 1960 الذي كان يعاقب تاجر المخدرات بالسجن 5 سنوات فقط دون غرامة مالية، والمتعاطي يعاقب 3 أشهر حبس وغرامة مالية لا تتجاوز 16 دينارًا أردنيًا.
وجاء قانون رقم (18) لعام 2015، لتشديد العقوبات بهدف ردعها والتخفيف من ظاهرة انتشار المخدرات وتعاطيها، وطالعت “شاشة” القانون الخاص بمكافحة المخدرات. فقد نصت المادة 21 من القانون: “يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن عشر سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف دينار أردني ولا تزيد على عشرين ألف دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونًا، كل من ارتكب أي فعل من الأفعال التالية بقصد الاتجار.
أما المادة 22 من القانون نفسه فقد نصت على التالي: يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وبغرامة لا تقل عن خمسة عشر ألف دينار أردني ولا تزيد على خمسة وعشرين ألف دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونًا، كل من ارتكب أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة (21) من هذا القرار بقانون.