“احنا دخلونا في أمة ذات عوز، أمة الفقر ولما آجي أطلعكم منها تعملوا هاشتاج ارحل يا سيسي يبقى أزعل ولا لا؟ في دي أزعل” لم يتوقع البعض أن هاشتاغًا من شأنه أن يغضب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأنه سيكون إشارة بدء ومقدمة لقانون جديد يُطهى داخل المطبخ البرلماني والرئاسي في آن واحد، يقي الرئيس وفريقه من حملات الهجوم والنقد التي باتت تؤرقه بشكل كبير في الآونة الأخيرة.
في الوقت الذي تتقدم فيه قاطرة تكنولوجيا الاتصالات لتيسير الحصول على المعلومات من المصادر كافة، رسمية وغير رسمية، مستندة في ذلك إلى حزمة من القوانين والتشريعات التي تكفل ذلك وتضمن استمراره، يظل الوضع في مصر مختلفًا شكلًا ومضمونًا، إذ بات الإنترنت في حد ذاته مهددًا بالانقراض في أعقاب قانون جديد تم إقراره مؤخرًا.
الرئيس المصري صادق بالأمس على قانون يقضي بتشديد الرقابة على الإنترنت في البلاد، ويمنح القانون الجديد جهات التحقيق المختصة حق حجب المواقع الإلكترونية إذا ما نشرت موادًا تعد تهديدًا “لأمن البلاد أو اقتصادها”، كما يحظر نشر معلومات عن تحركات الجيش أو الشرطة، أو الترويج لأفكار التنظيمات الإرهابية.
القانون الجديد ينص على أن مستخدمي الإنترنت الذين يزورون المواقع التي تعتبرها الدولة تهديدًا لأمنها، ولو عن طريق الخطأ ودون سبب وجيه، يمكن أن يواجهوا عقوبات تصل للسجن وغرامة مالية تقدر بـ300 ألف دولار، في سابقة هي الأولى من نوعها عالميًا.
حالة من الجدل أثارها القانون بعد التصديق عليه، فريق يراه خطوة نحو تنظيم الإنترنت في ظل الفوضى المتفشية وفقدان السيطرة على آفاقه بصورة تشريعية، ويحافظ على أمن واستقرار البلاد من الفئات الضالة التي تستهدف الوطن والمواطنين، خاصة أن مصر ليست الدولة الوحيدة التي تصدر مثل هذا القانون، إذ إن معظم الدول الإقليمية بها نفس القانون على رأسها تركيا والسعودية، فيما اعتبره آخرون قيدًا جديدًا على الحريات العامة، يُضاف لسلسلة القوانين والإجراءات للحد من حرية المواطنين، فهل من الممكن وفي ظل هذا التضييق الواضح أن يتحول الإنترنت إلى ذكرى سيئة السمعة؟
مثير للجدل
في يونيو/حزيران الماضي وافق مجلس النواب المصري (البرلمان) على مشروع قانون مقدم من الحكومة بشأن مكافحة جرائم تقنيات المعلومات، ويعرف إعلاميًا بقانون “مكافحة جرائم الإنترنت”، ويعد الأول من نوعه في مصر في مجال مكافحة الجريمة الإلكترونية.
القانون حين عرض وقتها أثار ضجة كبيرة سواء داخل البرلمان أم خارجه لما يتضمنه من بنود اعتبرها البعض “شهادة وفاة” حقيقية لما تبقى من منظومة الحريات في مصر، فالقانون ينص على فرض عقوبات تصل إلى السجن وغرامة مالية قد تصل إلى 5 ملايين جنيه مصري ضد مستخدمي الإنترنت والشركات مقدمة الخدمة في حال مخالفة أحكام هذا القانون.
كذلك يمكن لرئيس المحكمة الجنائية المختصة إصدار أوامر “بضبط أو سحب أو جمع أو التحفظ على البيانات والمعلومات أو أنظمة المعلومات، وتتبعها في أي مكان أو نظام أو برنامج أو دعامة إلكترونية أو حاسب تكون موجودة فيه، ويتم تسليمها للجهة المنفذة للأمر، في حال كان لذلك فائدة في إثبات ارتكاب جريمة تستلزم العقوبة بمقتضى أحكام هذا القانون”، بحسب القانون.
مصر تأتي في المرتبة الـ5 بين أكثر الدول تشددًا في الرقابة على مواقع الإنترنت، بحسب الورقة التعريفية التي قدمها مركز “هردو” لدعم التعبير الرقمي عن كيفية رقابة الأجهزة والسلطات الأمنية على المواقع الإخبارية والتواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر
ليس كذلك فقط، بل يسمح القانون بـ”البحث والتفتيش والدخول والنفاذ إلى برامج الحاسب وقواعد البيانات وغيرها من الأجهزة والنظم المعلوماتية تحقيقًا لغرض الضبط “علاوة على “أمر مقدم الخدمة بتسليم ما لديه من بيانات أو معلومات تتعلق بنظام معلوماتي أو جهاز تقني موجودة تحت سيطرته أو مخزنة لديه، وكذا بيانات مستخدمي خدمته وحركة الاتصالات التي تمت على ذلك النظام أو الجهاز التقني أو في نطاقه”، هذا للمستخدمين داخل مصر وخارجها – إن تيسر ذلك – على حد سواء.
لم يكتف التشريع الجديد بالرقابة فحسب، بل ألزم مقدم الخدمة سواء كانت شركة أم أشخاص “بحفظ وتخزين وتأمين تقنية المعلومات ومحتوى النظم المعلوماتية، لمدة 180 يومًا متصلة، ومحدثة بصفة مستمرة، وعلى الأخص البيانات التي تمكن من التعرف على مستخدم الخدمة والبيانات المتعلقة بحركة الاتصال والبيانات المتعلقة بأجهزة الاتصال”.
هذا بخلاف منحه جهات التحقيق المختصة حق حجب موقع أو عدة مواقع أو روابط أو محتوى، إذا أمكن ذلك من الناحية الفنية، وفي حال وجدت أدلة على قيام تلك المواقع بوضع أي عبارات أو أرقام أو صور أو أفلام أو أي مواد دعائية تُشكّل تهديدًا للأمن القومي، أو تُعرض أمن البلاد أو اقتصادها القومي للخطر.
البعض عول على تصديق الرئيس عليه كشرط لدخوله حيز التنفيذ، بعد ما فشلت محاولات كبح جماح البرلمان الذي يسير في ركب الحكومة وقوانينها بشكل غير مسبوق في تاريخ مصر التشريعي، ما دفع عشرات المنظمات الحقوقية بتقديم مذكرات واعتراضات تناشد السيسي بالتراجع عن إقراره بصورة رسمية وطرحه للنقاش المجتمعي مرة أخرى، لكن دون جدوى، ليفاجأ المصريون أمس بخبر التصديق على القانون بصورة رسمية.
يذكر أن مصر تأتي في المرتبة الـ5 بين أكثر الدول تشددًا في الرقابة على مواقع الإنترنت، بحسب الورقة التعريفية التي قدمها مركز “هردو” لدعم التعبير الرقمي عن كيفية رقابة الأجهزة والسلطات الأمنية على المواقع الإخبارية والتواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر، في إطار الاحتفال بالأسبوع العالمي لرفض الرقابة على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مارس/آذار الماضي.
حزمة من القوانين المصادرة للحريات أقرها البرلمان المصري خلال العامين الأخيرين
تنظيم أم تضييق؟
رغم الانتقادات التي وجهت للقانون كونه فصلًا قاسيًا من مسلسل تضييق الخناق وكبت الحريات لما ينطوي عليه من تهديد وترهيب لمستخدمي الإنترنت كافة بلا استثناء، ويضع الجميع تحت مقصلة المحاكمات والاعتقالات، ويعيد مصر وإعلامها إلى عصر الستينيات إبان فترة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وهي الفترة التي طالما أثارت غبطة السيسي وتمنى عودتها مرة أخرى، فإن آخرين يرون غير ذلك.
محمد حجازي رئيس لجنة التشريعات والقوانين بوزارة الاتصالات، أشاد بالقانون بصورة كبيرة، موضحًا أن مصر لم يكن لديها إطار قانوني حاكم للجرائم الإلكترونية، ومضيفًا أنه يُجرم الاختراقات بهدف سرقة البيانات أو الأموال أو أي ابتزازات، إذ إن سرقة البيانات الشخصية في الفضاء الإلكتروني لم يكن مجرمًا خلال الفترة السابقة.
خبراء أمنيون: التشريع في هذا التوقيت يحمي المواطن ويحمي خصوصياته
رئيس لجنة التشريعات والقوانين بوزارة الاتصالات برر دفاعه عن القانون بأنه يحافظ على حُرمة الحياة الخاصة للمواطنين، بخلاف ما يتضمنه من بنود تنظيمية تقضي على الفوضى المتفشية في تلك الفضاءات التي باتت خارج السيطرة.
فيما ذهب اللواء محمود الرشيدي مساعد وزير الداخلية الأسبق لشؤون مكافحة الجرائم المعلوماتية، إلى أن هذا التشريع في هذا التوقيت يحمي المواطن ويحمي خصوصياته، مؤكدًا “أننا كنا في حاجة شديدة لمثل هذا القانون”، مضيفًا أنه شدد عقوبات الاستخدام غير المشروع للإنترنت.
الرشيدي أكد أن القانون سيكون رادعًا للخارجين على القانون، موضحًا أن هناك بعض المستخدمين يستخدمون حسابات شخصية وهمية في عمليات انتحال صفة آخرين، مناشدًا المواطنين بضرورة الإبلاغ عن أي جريمة معلوماتية لمباحث الإنترنت، على حد قوله.
استمرار لمصادرة الحريات
قانون الإنترنت يأتي في إطار سلسلة من التشريعات التي أقرها البرلمان منذ انتخابه في العام 2015، تهدف إلى غلق المجال العام وحرمان المواطنين من حقوقهم، وخاصة الحق في حرية التعبير والحق في حرية التنظيم، وعلى رأسها قانون الجمعيات الأهلية (1، 2).
التشريع الجديد الذي وافق عليه البرلمان من حيث المبدأ في 5 من مارس/آذار 2018 وصادق عليه السيسي أمس، قوبل بموجة من الانتقادات الحقوقية الحادة، حيت رأت منظمتا “مؤسسة حرية الفكر والتعبير” و”Access Now” المتخصصتان في الدفاع عن حريات الرأي، أنه يُقنن الرقابة على الإنترنت ويُمكن السلطة التنفيذية من حجب مواقع الوِيب، وهي الممارسة التي بدأت فعلها السلطات المصرية منذ 24 من مايو/أيار 2017 حتى الآن دون سند قانوني مُعلن، حتى وصل عدد المواقع المحجوبة في مصر إلى 500 موقع على الأقل.
الصحفيون يرون أن مشروع القانون بصيغته الحاليّة يصادر ما تبقى من مساحات للتعبير عن الرأي، ويخل بتعهدات مصر الدولية، عبر مواد تجافي روح الدستور ونصوصه المتعلقة بحرية الصحافة
المنظمتان في بيان صدر عنهما بشأن هذا القانون حذرتا من أن أسباب حجب مواقع الويب تم تحديدها بمصطلحات فضفاضة وغير منضبطة في تعريفها، مثل تهديد الأمن القومي، بخلاف ترسيخ مراقبة شاملة على الاتصالات، حيث تُلزم المادة الثانية من القانون شركات الاتصالات بحفظ وتخزين بيانات استخدام العملاء لمدة 180 يومًا.
لم يكن هذا القانون وحده من أثار الجدل، إذ تلاه قانون الصحافة الجديد الذي وصفه بعض أعضاء نقابة الصحفيين المصرية بـ”قانون إعدام الصحافة”، حيث نجح بعض أعضاء مجلس النقابة من جمع ما يقرب من 790 توقيعًا على بيان رافض لهذه البنود التي تضمنها مشروع اللائحة المقدمة، في خطوة احتجاجية عاجلة، إلا أن ذلك لم يؤخذ به وها هو المشروع على مشارف التصديق النهائي كذلك.
تنديد بين أوساط الصحفيين بقانون الصحافة الجديد
الصحفيون يرون أن مشروع القانون بصيغته الحاليّة “يصادر ما تبقى من مساحات للتعبير عن الرأي، ويخل بتعهدات مصر الدولية، عبر مواد تجافي روح الدستور ونصوصه المتعلقة بحرية الصحافة، ومن خلال تعبيرات مطاطة تتسع لتجريم كل صاحب رأي، وتهدر ضمانات أساسية للعمل الصحفي بإعادة الحبس الإحتياطي في جرائم النشر الذي أُلغي منذ عقود، ونصت على عدم مشروعيته مواد قانون الإجراءات الجنائية وقانون نقابة الصحفيين الحاليّ والقانون (96 لسنة 1996) بشأن تنظيم الصحافة، وذلك كله من أجل حماية حرية الممارسة الصحفية، وضمانة لحرية التعبير من سيف الترهيب والتهديد”.
يوليو/تموز الماضي أقر مجلس النواب المصري قانونًا آخر مثير للجدل يسمح للدولة بالإشراف على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، ووفقًا له يعد أي حساب شخصي على مواقع التواصل الاجتماعي أو أي مدونة أو أي موقع على الإنترنت يتابعه أكثر من 5000 شخص، منفذًا إعلاميًا يخضع لقانون الإعلام.
القانون أثار – كالعادة – موجة انتقادات لاذعة من بعض المؤسسات المعنية بالدفاع عن حرية التعبير، إذ رأت أن هذا التشريع سيزيد من قدرة السلطات على القضاء على حرية التعبير والمعارضة، خاصة أن الأمن المصري قبلها بأشهر قليلة اعتقل عددًا من النشطاء اتهموا بنشر أخبار كاذبة على الإنترنت تهدد أمن واستقرار الدولة بحسب الرواية المصرية.