تدعي معظم حكومات العالم الديمقراطية والحرية في دساتيرها وخطاباتها، إلا أننا في الواقع نشاهد ممارساتها العنصرية والعنيفة ضد الأقليات العرقية والدينية بشكل ملحوظ، والأسوأ من ذلك أن هذا الموقف الحكومي انتقل تدريجيًا إلى الشعوب، ما جعل حالات التنمر وجرائم الكراهية في انتشار واسع.
اتضح هذا السلوك بصورة كبيرة، بعدما تولى دونالد ترامب الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، وحظر دخول المسافرين من الدول ذات الأغلبية المسلمة إلى الأراضي الأمريكية، ورغم هذا الاضطهاد الذي قد يصل في أحيان كثيرة إلى حد الترحيل والتهميش المجتمعي، برزت شخصيات من أصول أجنبية في مناصب مركزية ورفيعة المستوى وسط هذه المجتمعات الغربية، نذكر منها في هذا التقرير شخصيات صومالية نجحت في أن تصل لمراكز نجاح غير مسبوقة، في أمريكا، وكندا، وبريطانيا.
إلهان عمر.. أول مسلمة محجبة في الكونغرس الأمريكي
ولدت إلهان عمر في الصومال عام 1982، لكنها هربت من بلادها بسبب حرب عام 1991 إلى مخيم للاجئين في كينيا، بعد أن قضت 4 سنوات من عمرها في هذا المخيم، هاجرت مع عائلتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتبدأ رحلة مصيرية ستسجل في التاريخ الأمريكي.
توقعات بفوز إلهان عمر في الانتخابات المقبلة نهاية العام الحاليّ
بدأت عمر العمل كمترجمة في أمريكا بعد عامين من وصولها، حتى اندمجت في هذا المجتمع الجديد وبدأت بتحديد مشوارها المهني، فلقد حازت درجة البكالوريوس في العلوم السياسية وأخرى في الدراسات الدولية من جامعة “نورث داكوتا”، وهو ما ساعدها على الدخول إلى عالم السياسة.
عام 2012، عملت عمر كمديرة لحملة “كاري دزيدزيك” لعضوية مجلس شيوخ ولاية مينيسوتا عن الحزب الديمقراطي، ثم أصبحت تدير مجموعة نسوية تهتم بإعداد اللاجئات للاندماج في المجتمع الأمريكي، حيث كانت هذه أولى خطواتها الحقيقية في هذا العالم.
فازت إلهان عمر في الانتخابات التمهيدية بمقعد في الكونغرس عن الحزب الديمقراطي في ولاية مينسوتا، بعد أن حصلت على 48% من أصوات الناخبين
2016، لمع اسم عمر في الصحف والمواقع الإعلامية بعدما فازت بفرصة تمثيل الحزب الديمقراطي بدلًا من النائبة السابقة للحزب فيليس كاهن، ومنذ أيام قليلة فازت عمر مجددًا في الانتخابات التمهيدية بمقعد في الكونغرس عن الحزب الديمقراطي في ولاية مينسوتا، وذلك بعد أن هزمت أربعة مرشحين ديمقراطيين آخرين وذلك بدلًا من رئيس مجلس النواب السابق كيث إليسون، جدير بالذكر، أنها حصلت على 48% من أصوات الناخبين.
بعد هذه الجولة، ستواجه عمر مرشحة الحزب الجمهوري جينيفير زيلينسكي في الانتخابات العامة المقررة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ومن المرجح أن تكسب عمر هذا السباق خاصة أن دائرتها تتمتع بأغلبية ديمقراطية؛ ما يجعل فرصتها في الفوز أكبر من غيرها.
مع العلم، أن عمر ليست المرأة المسلمة الأولى التي تدخل المجلس التشريعي الأمريكي، ولكنها الأولى من ناحية الحجاب ومظهرها الإسلامي المتدين، فلقد سبقتها بهذا الإنجاز الفلسطينية رشيدة طليب التي فازت هي الأخرى في الانتخابات التمهيدية لمقعد في مجلس النواب عن ولاية ميشيغان خلال الأسبوع الماضي، ومن المقرر أن تخوض جولة أخرى في الانتخابات العامة، وفي حال فوزهما ستصبح الاثنتان أولى النساء المسلمات في الكونغرس الأمريكي.
تعرضت عمر مسبقًا للضرب في تجمع حزبي عام 2014 بسبب لون بشرتها السمراء وحجابها، ولكن هذه الحوادث لم تمنعها من تخطي هذه الصعوبات والإصرار على تقديم أفضل صورة ممكنة للمهاجرين المسلمين
ورغم قضاء عمر معظم سنوات حياتها في أمريكا، فإنها حافظت على هويتها الإسلامية من خلال مظهرها الخارجي وارتدائها الحجاب، وهو ما جعلها عرضة للعنصرية، إذ كتبت على موقع فيسبوك عن حادثة تعرضها للعنصرية، فقالت: “ركبتُ سيارة أجرة ثم تعرّضت لسخرية وتهديدات مقيتة ومعادية للإسلام وضد المرأة هي الأسوأ على الإطلاق، سائق سيارة الأجرة ناداني بداعش وهدد بإزالة حجابي عن رأسي، لا يمكنني أن أفهم كيف أصبح الناس يتجرأون على إظهار كراهيتهم تجاه المسلمين”.
كما تعرضت عمر مسبقًا للضرب في تجمع حزبي عام 2014 بسبب لون بشرتها السمراء وحجابها، ولكن هذه الحوادث والعوائق لم تمنعها من تخطي هذه الصعوبات والإصرار على تقديم أفضل صورة ممكنة للمهاجرين الأجانب من أصول مسلمة.
أحمد حسين.. أول عربي مسلم في الحكومة الكندية
العام الماضي، عين رئيس الحكومة الكندية جاستن ترودو، أحمد حسين صومالي الجنسية وزيرًا للهجرة وشؤون اللاجئين والمواطنة، ما جعله حديث العالم ومحط فخر واعتزاز بالنسبة للمهاجرين بشكل عام وللمسلمين والصوماليين بشكل خاص.
الرئيس الكندي يهنئ أحمد حسين الذي عينه وزيرًا للهجرة العام الماضي
وصل حسين إلى كندا عام 1993 عندما كان عمره 16 عامًا، وبدأ دراسة القانون في جامعة أوتاوا حتى امتهن المحاماة التي أهلته إلى ترؤس إحدى المنظمات الكندية الصومالية التي تعمل على تهيئة المهاجرين الصوماليين في المجتمع الكندي وتعزيز مشاركتهم المدنية في البلاد، ما أكسبه شعبية واسعة بين المهاجرين، كما انضم حسين إلى نقابة المحامين التي صنعت منه ناشطًا بارزًا في مجال حقوق الإنسان وقضايا المهاجرين.
تم اختيار حسين عام 2004 من موقع “تورنتو ستار” كأحد أفضل 10 شخصيات قاموا بخدمات اجتماعية وقدموا جهودًا مذكورة وملموسة في قطاعات مختلفة في مدينة تورنتو
وبناءً على أنشطته المتعددة، تم اختياره عام 2004 من موقع “تورنتو ستار” كأحد أفضل 10 شخصيات قاموا بخدمات اجتماعية وقدموا جهودًا مذكورة وملموسة في قطاعات مختلفة في مدينة تورنتو، هذا وحصل حسين على عدة جوائز تقديرية مثل جائزة هيئة أونتاريو وميدالية اليوبيل للملكة إليزابيث.
أما عام 2015، فكان بداية الإنجازات الجوهرية، فلقد فاز في الانتخابات التشريعية عن الحزب الليبرالي، رغم أنه تعرض للعديد من الاعتراضات بسبب ادعاء حزب الكيبيك الانفصالي أنه “لا يتقن اللغة الفرنسية”، لكن تصريحات ومواقف جعلته الخيار الأمثل لهذا المنصب، فلقد سبق وأن قال “جميع الكنديين مهاجرين، نختلف فقط في تاريخ الدخول إلى البلاد”.
ومن المهم الإشارة إلى أن اختيار الحكومة الكندية لحسين عزز من صورة السياسة الكندية التي تحاول أن تتبنى مبادئ الديمقراطية والمساواة، وتظهر توددها للقضايا الإنسانية، لا سيما أن الرئيس الكندي ترودو ظهر في عدة مناسبات وهو يستقبل المهاجرين بنفسه في المطار.
محمد فرح.. عدّاء المسافات الطويلة البريطاني
ولد محمد فرح أو “مو” كما يلقبه معجبينه في العاصمة مقديشو عام 1983، لكنه انتقل في سن مبكرة مع عائلته إلى المملكة المتحدة هربًا من الأوضاع السياسية المضطربة التي أحدثتها الحرب الأهلية آنذاك في بلاده، ومع ذلك لم تكن بداياته في البلد الجديد أمرًا سهلًا.
محمد فرح خلال تكريمه بلقب “سير” من الملكة إليزابيث
بعد أن وصل مو إلى المملكة في عمر الثامنة بدأ يكتشف موهبته في الأنشطة الرياضية بمساعدة مدرس التربية الرياضية في مدرسته، فعندما كان عمره 15 حصل على لقبه الوطني الرسمي الأول حين فاز ببطولة المدارس الإنجليزية في البلاد؛ ما دفعه لاحقًا إلى خوض سباقات ركض طويلة المسافات حيث كانت أولى مشاركاته الرسمية في بطولة أوروبا لسباق خمسة آلاف متر عام 2010 وهي السنة الذي لفت فيها مو أنظار العالم إليه؛ حاصدًا ميداليتين ذهبيتين لسباقي خمسة آلاف متر و10 آلاف متر في بطولة أوروبا لألعاب القوى.
في عام 2012 فاز بسباقي 5 آلاف متر وآخر 10 آلاف متر في أولمبياد لندن ليكون أول بريطاني في التاريخ يفوز بذهبية أولمبية في سباق 10 آلاف متر هذه النجاحات المتتالية، دفعت مو إلى محطة جوهرية جعلت منه عداءً عالميًا وذلك بعد أن أصبح أول عداء بريطاني يحصل على ذهبية سباق 5 آلاف متر في بطولة العالم لألعاب القوى وهذا بعد أسبوع واحد من خوضه لسباق طوله 10 آلاف متر لنفس البطولة.
استطاع مو أن يتحدى هذه الممارسات والسياسات بقوته البدنية ونجاحاته الأسطورية إذ توج مسيرته الذاتية بالحصول على لقب “سير” أو الفارس من ملكة بريطانيا إليزابيث
بدأ اسم مو في الانتشار بعد أن تعود العالم على أدائه الفريد في هذه السباقات، ففي عام 2012 فاز أيضًا بسباقي 5 آلاف متر وآخر 10 آلاف متر في أولمبياد لندن ليكون أول بريطاني في التاريخ يفوز بذهبية أولمبية في سباق 10 آلاف متر، كما توالت هذه النجاحات والإنجازات في ألعاب دولية أخرى مثل بطولة موسكو.
مو وعائلته
اشتهر مو أيضا من خلال مواقفه تجاه عدة قضايا إنسانية وحقوقية، على سبيل المثال انتقد قرار ترامب بمنع دخول مواطني سبع دول إلى أمريكا بحجة السيطرة على الأحداث الإرهابية، خوفًا من منعه من العودة إلى دياره لزوجته وأطفاله الذين يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية، بحسب ما نشرت صحيفة ديلي ميل. كما أضاف: “الآن أنا وكثيرون مثلي يتم إبلاغنا أننا قد نكون غير مرحب بنا، من الصعب جدًا أنني سأخبر أطفالي أن والدهم ربما لن يتمكن من العودة للوطن، وأن أشرح لهم لماذا تبنى الرئيس سياسة قادمة من موقع الجهل والتحيز”.
جدير بالذكر أن هذه لم تكن المرة الوحيدة التي يتعرض بها العداء صومالي الأصل للعنصرية، فلقد تعرض مسبقًا إلى الإهانة في عدة مطارات دولية بألمانيا وأمريكا، لكن في المقابل، استطاع مو أن يتحدى هذه الممارسات والسياسات بقوته البدنية ونجاحاته الأسطورية إذ توج مسيرته الذاتية بالحصول على لقب “سير” أو الفارس من ملكة بريطانيا إليزابيث.
هذه الشخصيات جزء بسيط من آلاف الصوماليين الذين اضطروا إلى الهجرة، وجزء مختصر من قصص الملايين الآخرين الذين حاربوا خارج بلادهم للدفاع عن وجودهم والتخلص من جميع الصور النمطية والاتهامات التي تضعهم في صورة المهاجر الذي يحتاج إلى إعالة.