كارثة جديدة في النظام السياسي الفلسطيني كشفها أعضاء في المجلس المركزي خلال الجلسة الختامية له في رام الله 17من أغسطس 2018 حيث أعلن الرئيس الفلسطيني حل المجلس التشريعي بعد شهرين واعتبار أعضاء المجلس المركزي مشرعين، قائلًا: “من اليوم أنتم أعلى سلطة في البلد، وبعد شهرين سيتم تحويلكم بشكل رسمي إلى أعضاء في المجلس التشريعي”، تأتي الكارثة الجديدة بعد تغيب فصائل العمل الوطني التي تمثل الشريحة الأكبر من المجتمع الفلسطيني عن حضور المجلس المركزي. خلال هذه المادة سنبحث التأطير القانوني لقرار حل المجلس التشريعي وتأثيراته على الحياة السياسية الفلسطينية ومجتمع المانحين للفلسطينيين.
بفعل الاحتلال أولًا تم تعطيل المجلس التشريعي من خلال اعتقال معظم نوابه على الدوام وبشكل دوري في الضفة الغربية، وبسبب الانقسام ثانيًا أوقف عقد جلسات المجلس بين الضفة وغزة، إلا أنه ينعقد دون تأثير واضح في الحياة السياسية الفلسطينية في غزة التي تسيطر عليها حركة حماس، وتتخذ قراراتها وفق ما يقتضيه واقع بقائها، ولكن هل يبرر ذلك حل المجلس التشريعي (أكبر مؤسسة تشريعية في فلسطين وأحد أهم مفاصل النظام السياسي والديمقراطية في فلسطين)؟ ما يعنيه مستقبلًا أن كل شيء سيتم بالتعيين من رئيس السلطة الفلسطينية، بمشاركة أشخاص معروفين في السلطة دون التمثيل الفصائلي.
قانونية حل المجلس التشريعي
حتى نحسم المسألة القانونية رغم عدم أهميتها اليوم في السياق الفلسطيني الذي لا يخضع لقانون واضح بسبب الانقسام والضغوطات الدولية على السلطة الفلسطينية، وفق القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2003 وتعديلاته عام 2005 وفق المادة 47 المكررة فإن “مدة ولاية المجلس التشريعي القائم تنتهي عند أداء أعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستورية”.
في حالة الطوارئ كوجود تهديد للأمن القومي بسبب الحرب أو الغزو أو العصيان المسلح أو الكارثة الطبيعية لم يعط للرئيس أيضًا حق حل المجلس التشريعي، وفق الباب السابع من القانون الأساسي بنص المادة 133
ورغم أن النائب الثاني للمجلس التشريعي حسن خريشة اعتبر أن الرئيس بحاجة لقرار من اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي اللذين أسسا السلطة لحل المجلس التشريعي، فإنه أكد قائلًا: “الرئيس لا يستطيع أن يضيف أي بند إلى القانون الأساسي، والأصل بأن يجتمع المجلس التشريعي، وأن يقر ذلك بثلثي الأعضاء، حتى يحدث النصاب، لكي يتم أي تعديل على القانون”.
وفي حالة الطوارئ كوجود تهديد للأمن القومي بسبب الحرب أو الغزو أو العصيان المسلح أو الكارثة الطبيعية لم يعط للرئيس أيضًا حق حل المجلس التشريعي، وفق الباب السابع من القانون الأساسي بنص المادة 133 على السلطة التنفيذية مفادها “لا يجوز حل المجلس التشريعي الفلسطيني، أو تعطيله خلال فترة حالة الطوارئ أو تعليق أحكام هذا الباب”.
حقيقة الوضع القانوني للنظام السياسي الفلسطيني معقد جدًا، وبحاجة لمعالجة بدل التعطيل، فكل فصيل سياسي فلسطيني مشارك بالسلطة يحاول تفسير القانون وفق ما يخدم مصالحه، فمثلًا تتحدث المادة 47 من القانون الفلسطيني المعدل لعام 2003 التي تتمسك بها حركة فتح “مدة المجلس التشريعي 4 سنوات من تاريخ انتخابه وتجرى انتخابات كل أربع سنوات بصورة دورية”، وفي نفس المادة 47 مكررة تتمسك حماس بأن انتهاء عمل المجلس الحاليّ يكون “بحلف الأعضاء المنتخبين الجدد اليمين الدستورية”.. إذًا ما الحل القانوني؟
بفرض الواقع لا تسيطر السلطة على قطاع غزة – مركزية القرار سابقًا في عهد الراحل ياسر عرفات -لكنها تقدم مساعداتها بشكل متقطع للموظفين الجالسين بمرسوم رئاسي في بيوتهم
إن كانت الأطراف المنقسمة فعلًا تريد حلًا للمأزق الحاليّ عليها التوجه للانتخابات الشاملة البلدية أولًا ثم البرلمانية والرئاسية، لكن ذلك لن يحدث، فالخلاف وصل جذوره وكلا الطرفين – حماس وفتح – يخشيان صندوق الاقتراع ضمن الفجوة الحاصلة، بين غزة والضفة، كما أن حركة الجهاد الإسلامي (الفصيل الثالث في الشارع الفلسطيني) قاطعت أي انتخابات قادمة باعتبارها أحد إفرازات أوسلو.
تأثيرات حل المجلس التشريعي على الحياة السياسية الفلسطينية
بفرض الواقع لا تسيطر السلطة على قطاع غزة – مركزية القرار سابقًا في عهد الشهيد الراحل ياسر عرفات – لكنها تقدم مساعداتها بشكل متقطع للموظفين الجالسين بمرسوم رئاسي في بيوتهم، إضافة لمساعدات أخرى تتعلق بإدخال المواد الصحية وقطاع التعليم الذي يحوز نوعًا من الاستقلالية والوحدة بين غزة ومركزيته الضفة الغربية، ومن خلال مطالبها لسيطرتها بالكامل – بما تحدث به رئيس السلطة على قطاع غزة – فوق الأرض وتحت الأرض يقصد سلاح المقاومة يتعارض مع خط سير الفصائل الفلسطينية التي لا تقبل أي حل لسلاح المقاومة إلا بزوال الاحتلال.
سيذهب حل المجلس التشريعي نحو القطيعة التامة بين غزة والضفة، وما يحدث من محاولات لرأب الصدع ستظل في إطار المحاولة، ولن تخرج إلى حيز التنفيذ ما دام لم تجرِ أي انتخابات قادمة، والمستفيد الأهم من حل المجلس التشريعي هو الاحتلال الإسرائيلي أولًا، ثم الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت تتعامل مع غزة على انفراد باعتبار حماس ومن خلفها الفصائل سلطة أمر واقع، وهي القادرة على فرض التهدئة هناك وعدم استمرار إطلاق الصواريخ، كما أن طبيعة العلاقة بين حماس ومصر متغيرة حسب الظروف.
تم تأسيس المجلس التشريعي بأول انتخابات جرت له 1996، وفق اتفاقية أوسلو الموقعة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي لمهمة سن القوانين والرقابة على السلطة التنفيذية
قد يذهب الرئيس عباس لإعلان غزة إقليم متمرد، وذلك لا يغير الأمر الواقع، فقد بدت الأطراف الدولية خصوصًا أمريكا الوسيط غير العادل في المفاوضات بين الاحتلال الإسرائيلي والسلطة غير راضية عن السلطة الفلسطينية سياسيًا، وتتعامل مع حماس كسلطة أمر واقع، وقد فض عباس يده من الفصائل، وقال سابقًا إنه لا حاجة له بالفصائل الفلسطينية، لكن المؤسساتية أو الحوكمة التي سعى لتعزيزها عندما كان سلام فياض في رئاسة الوزراء عبر الخصخصة أيضًا فشلت، وبخسارته للفصائل سيخسر نقطة قوة مركزية في إدارة الصراع نحو الاستقلال أو الدولة على حدود 67 حسب توجهه.
تأثير حل المجلس التشريعي على مجتمع المانحين
مجتمع المانحين يشمل كل المانحين للسلطة الفلسطينية سواء من يقدمون مساعدات ثنائية مباشرة موجهة مباشرة لدعم موازنة السلطة وقوى الأمن بالضفة، أم مساعدات متعددة الأطراف غير مباشرة عبر الأمم المتحدة ويشارك فيها دول كثيرة أهمها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر وتركيا والنرويج والدنمارك واليابان، إلخ.
في السياق التاريخي تم تأسيس المجلس التشريعي بأول انتخابات جرت له 1996، وفق اتفاقية أوسلو الموقعة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي لمهمة سن القوانين والرقابة على السلطة التنفيذية، وفق حاجة المجتمع الدولي لكيان سياسي ديمقراطي تحت الاختبار يتم توجيه المساعدات له، لكن هذا الكيان تم إفشاله في تحقيق سيادة سياسية واقتصادية على الأرض نتيجة سياسات الاحتلال وارتهان المساعدات الدولية للقرارات السياسية من السلطة الفلسطينية التي تمر عبر التقدم في مسار المفاوضات الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي برعاية أمريكية.
أصبح الفلسطينيون أكثر وعيًا بمتطلبات المرحلة سياسيًا وتحرريًا، فهم بحاجة لكيان شامل لهم خوفًا من تهجير جديد
حل المجلس التشريعي يعني تعامل المانحين مع كيانين منفصلين دون إفرازات ديمقراطية، يعني سلطة أمر واقع في الضفة وفي غزة، وسيرتهن التمويل القادم بالسلوك الأمني لكلا الطرفين، حتى يتم ترتيب تسوية مؤقتة تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على الفلسطينيين أو وقف التمويل، وفي كلا البقعتين الجغرافيتين سيتم التعامل مع الفلسطينيين كحالة إنسانية وليسوا كيانًا سياسيًا ديمقراطيًا، أي عدم ترك الأوضاع لتتدهور إنسانيًا مع استخدام حالة الإفقار وإرهاب المعونة وفق مقتضيات حالة الاستقرار.
ختامًا؛ أصبح الفلسطينيون أكثر وعيًا بمتطلبات المرحلة سياسيًا وتحرريًا، فهم بحاجة لكيان شامل لهم خوفًا من تهجير جديد، وهم بحاجة لحركة تحرير وطني خوفًا من جرائم جديدة للاحتلال، أو لتأمين بعض السيادة، لذا يبدو المخرج المتاح أمام الأطراف جميعًا التوجه إلى انتخابات شاملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة كافة تلبية لحاجة الفلسطينيين من صناع قراراهم.