ترجمة وتحرير: نون بوست
طورت شركة “لايف بيرسون” بنيويورك روبوت دردشة لفائدة شركتي “واتساب” و”آبل”، نظرا لأن المدير التنفيذي ومؤسس الشركة، روبرت لوكاسيو، يعتقد أن التكنولوجيا جردت صفحات الإنترنت من كل قيمة. ويبدو أن محرك البحث غوغل أصبح بدوره بلا قيمة.
انطلقت مسيرة نجاح رجل الأعمال الأمريكي، روبرت لوكاسيو، من أريكة اشتراها سنة 1995 ولا زالت إلى حد اليوم موجودة. عندما وصل إلى نيويورك، كان لوكاسيو مخيرا بين كراء بيت أو مكتب، لكنه لم يكن قادرا على كراء أي شيء ليختار في نهاية المطاف المكتب، حيث اكترى غرفة تمسح 15 مترا مربعا في جنوب مانهاتن جهزها بكرسي ومكتب وحاسوب، بالإضافة إلى أريكة تتسع لثلاثة أشخاص من صنع شركة “إيكيا” اتخذ منها منذ ذلك الوقت فراشا له. ومن هنا، بدأت أحلامه بتغيير العالم.
روبرت لوكاسيو وأريكته: اخترع هذا المستثمر نوافذ الدردشة الصغيرة، التي نراها اليوم على العديد من مواقع الإنترنت
بعد مرور 23 سنة، أصبحت ألوان الأريكة باهتة واهترأت الوسادة، ولعل الأمر الملفت للانتباه هو أن كل المحادثات والمخططات والعقود، التي أبرمها على هذه الأريكة، تركت آثارها. لقد عمل لوكاسيو على تطوير شركته لتحتل موقعا ضمن مصاف الشركات العالمية، أي شركة قادرة على التأثير على حياتنا اليومية كما تمناها مؤسسها.
لن يتحدث الإنسان على الويب إلا مع الآلات
سنة 1995، ابتكر لوكاسيو نوافذ الدردشة، التي نراها اليوم في العديد من صفحات الإنترنت. في الوقت الراهن، تستخدم 1800 شركة كبرى على غرار “تي موبايل” و”سيتي بنك” و”لوريال” هذه النوافذ للتواصل مع عملائها. ومن يحتاج لهاتف جوال أو يرغب في فتح حساب أو الاستفسار عن كريم وجه لا يتحدث مع مستشارين من جنس البشر فحسب، بل يتواصل أيضا مع الروبوتات، التي اخترعها لوكاسيو في شركته “لايف بيرسون” عن طريق الذكاء الاصطناعي.
لن نتلقى مكالمات مزعجة من الخطوط الساخنة، بل سيستخدم كل شخص يحتاج لمعلومة أو القيام بأمر ما بعض الخوارزميات الملمة بكل شيء عن طريق أحد برامج الدردشة.
يتميز المستثمر الأمريكي لوكاسيو، البالغ من العمر 50 سنة، ونظرته الاستشرافية ورؤيته المستقبلية. ووفقا لهذا المستثمر، لن نتحدث على شبكة الإنترنت إلا مع الآلات، أي أنه يتوقع أن العملاء لن يبذلوا أي مجهود للبحث عن المنتجات على مواقع الشركات أو مقارنة الأسعار أو الاطلاع على الأسئلة المتداولة في المستقبل. في وقت لاحق، لن يحتاج أي شخص لحجز تذاكر السينما أو طاولة مطعم على شبكة الويب.
في وقت لاحق، لن نتلقى مكالمات مزعجة من الخطوط الساخنة، بل سيستخدم كل شخص يحتاج لمعلومة أو القيام بأمر ما بعض الخوارزميات الملمة بكل شيء عن طريق أحد برامج الدردشة. بعبارة أخرى، سيحتاج كل شخص يريد الحصول على معلومة إلى روبوتات ويب تملك القدرة على فهم ما يريده المستخدم والاستجابة لرغبات الشركات تماما مثل الموظفين الحقيقيين.
في أحد الأيام الصيفية عندما كان جالسا على أريكته، قال لوكاسيو “سأشعر بالحزن في حال اختفت مواقع الويب”. ولئن بدا المستثمر الأمريكي شجاعا، إلا أن تصريحاته تنذر بأن مواقع الويب في طريقها للاندثار بداية من هذه السنة. في الواقع، يجب علينا أن نأخذ توقعات مؤسس شركة “لايف بيرسون” على محمل الجد خاصة بعد إدماج برامج الدردشة التي طورتها هذه الشركة في العديد من التطبيقات، على غرار “واتساب” و”آبل بيزنس شات”. وقد استنجد لوكاسيو بخبرة مسؤولين معروفين مثل أليكس سبينيلي، الذي شغل منصب رئيس قسم تطوير البرامج لدى شركة أمازون لمدة خمس سنوات وأشرف مؤخرا على تطوير المساعد الرقمي “أليكسا”.
اسأل الذكاء الاصطناعي بدلا من النقر على الشاشة
يتوقع سبينيلي بدوره أن تختفي مواقع الويب من شبكة الإنترنت في المستقبل. ويبدو أننا لن نحتاج البحث بين مئات الأصناف من البضائع لاقتناء الأفضل، بل يتعين علينا أن نسأل ببساطة الذكاء الاصطناعي. وقد أثبتت مختلف الدراسات أن تكهنات لوكاسيو وسبينيلي صحيحة. فوفقا لاستطلاع رأي أجرته شركة البرمجيات “أوراكل”، من المنتظر أن تستخدم أغلب الشركات روبوتات الدردشة بحلول سنة 2020. كما تبين أن المستخدمين يفضلون استخدام الخوارزميات على الجانب الآخر من نوافذ الدردشة.
يبلغ عدد روبوتات الدردشة النشطة على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من 300 ألف روبوت
حسب استطلاع رأي أجراه موقع “بيزنس إنسايدر”، يستخدم أغلب الأمريكيين الذكاء الاصطناعي بصفة منتظمة من أجل التواصل مع الشركات. وحيال هذا الشأن، صرح خبير التسويق الأمريكي المشهور غاري نيبلون بأن “كل المؤشرات تحيل إلى أن روبوتات الدردشة ستحقق نجاحا منقطع النظير في ظل انتشار التكنولوجيا”.
من جهته، أكد موقع فيسبوك أنه بإمكان المرء يمكن أن يشتري منتوجا إذا اتصل بالموزع عن طريق خدمة الدردشة، علما وأن العديد من الشركات توفر خدمة شراء المنتجات على صفحاتها الرسمية. ووفقا لآخر الدراسات، يبلغ عدد روبوتات الدردشة النشطة على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من 300 ألف روبوت.
في الحقيقة، لقد برمجت الشركة الرائدة “لايف بيرسون” أغلب هذه الروبوتات التي تقدم المشورة للأشخاص الراغبين في شراء السيارات أو مستخدمي الهواتف الجوالة أو المسافرين أو الأشخاص الراغبين في شراء مطبخ جديد. وحاليا، أصبحت الدردشة على موقع فيسبوك وسيلة تواصل عادية. ووفقا لشركة فيسبوك، يستخدم 80 بالمائة من الكهول الأمريكيين و90 بالمائة من المراهقين الأمريكيين أحد برامج الدردشة.
يبدو أن هذه التكنولوجيا قد وصلت إلى مفترق طرق، إذ ترى كل من فيسبوك وأبل وواتساب أن عصر الروبوتات المتحدثة قد بدأ. وتسعى هذه الشركات لمعالجة بعض المعضلات باستخدام الخوارزميات، لأنها تدرك أن المستخدمين هذه الأيام يريدون شيئين مهمين لا يمكن التوفيق بينهما في الحقيقة؛ الإجابة على الأسئلة بسرعة وبدقة متناهية وهي خاصية لا تناسب إلى الآلات، وفي الوقت ذاته خوض محادثات شخصية وودية مع تلك الآلات على غرار ما يفعله الإنسان.
البرنامج المناسب لكل عميل
يقول لوكاسيو إن “روبوتات الدردشة، أو شات بوتس، تستطيع فعل الأمريْن معاً”. في الأثناء، تسعى شركة “لايف بيرسون” إلى تطوير خوارزميات تتميز بطباع بشرية حتى تكون مهذبة وسريعة البديهة ومحنكة، أو باختصار تحويلها إلى إنسان طبيعي. وفي الوقت الحالي، يعمل العديد من الأشخاص في كافة أنحاء العالم في مراكز خدمة العملاء، ويدرسون كيفية الرد على المكالمات الهاتفية القادمة من العملاء، ولكنهم فيما بعد سيتركون الآلات تقوم بتلك الوظيفة.
حسب ما يراه لوكاسيو، تستطيع روبوتات الدردشة أن تعيد تعديل نفسها تلقائياً وفق الحالة المزاجية للشخص المتحدث، ويبدو أن هذه البرامج قادرة على التعرف على نوع شخصية العميل، وتحديدها من بين الست الفئات، انطلاقا مما يكتبه العميل نفسه
من هذا المنطلق، يؤكد لوكاسيو أن كل عميل سيتم تصنيفه ضمن فئة من بين ست فئات. ومن هذه الفئات، الأشخاص غير الصبورين الذين ليس لديهم الكثير من الوقت للتسوق، والعملاء الغاضبين ودائمي الشكوى، والأشخاص الذين لا يستطيعون التعامل مع مواقع الإنترنت، والأشخاص الذين يعرفون جيداً ما يفعلون ولكنهم في الوقت نفسه يرغبون في سماع مشورة أحد الخبراء حول اختياراتهم.
كما يوجد أيضا المتصلون كثيرو الكلام، حيث أن بعضهم لا يرغب في شراء شيء مطلقاً، وإنما يتصل لمجرد الثرثرة. وقد أشار لوكاسيو إلى أنه “لكل واحد من هؤلاء برنامج مناسب”. وحسب ما يراه لوكاسيو، تستطيع روبوتات الدردشة أن تعيد تعديل نفسها تلقائياً وفق الحالة المزاجية للشخص المتحدث، ويبدو أن هذه البرامج قادرة على التعرف على نوع شخصية العميل، وتحديدها من بين الست الفئات، انطلاقا مما يكتبه العميل نفسه. وفي هذه الحالة، يرد البرنامج عن الأشخاص المتعجلين بإجابة مقتضبة وسريعة، بينما يتحول مع المثرثرين إلى ما يسمى “السمول توك”.
حاليا، يعتمد أغلب مستخدمى مواقع الإنترنت على الكتابة، لذلك يتوقع لوكاسيو أن يتحول أغلب المستخدمين إلى التحدث مع الروبوتات. وفي ذلك الحين، سينسون تماماً أنهم يتحدثون مع برنامج مكون من آلاف الأسطر من الأكواد، وسيظنون أنهم بصدد التواصل مع رجل أو امرأة. وفي الواقع، يتحدث الكثير من الأشخاص هذه الأيام مع أجهزتهم الذكية، حيث أن مالكي أجهزة أبل يتحدثون مع “سيري”، في حين أن مستخدمي أمازون يتحدثون مع “أليكسا”.
بناء على ذلك، يرى لوكاسيو أن “الإنترنت ستطرأ عليها تغيرات جذرية”، ويعتقد أن الشبكة العنكبوتية العالمية بصورتها الحالية ستصبح قديمة. لن تستمر التجارة عبر الإنترنت، حتى لو كانت تلك التجارة عبر الشركة العملاقة “أمازون”، حيث أكد لوكاسيو أن “التجارة الإلكترونية قد فشلت بالفعل” مستشهداً بإحصائيات السلطات الأمريكية التي تظهر أن 90 بالمائة من عمليات الشراء تتم بصورة مباشرة وليس عن طريق الإنترنت.
قد لا تلبي شركات البيع عبر الإنترنت احتياجات العميل بصورة صحيحة، بل يتمنى العملاء التحدث مع البائع، على غرار ما يحدث في المحلات التجارية، وليس قراءة مجموعة من النصوص ورؤية بعض الصور حول المنتج
يرى مؤسس شركة “لايف بيرسون” أن “السبب وراء ذلك هو أن صفحات الإنترنت باتت عبارة عن قوالب ثابتة وغير مرنة، مثل المكتبات تماما”. وخير دليل على ذلك الكلمات التي نستخدمها في الإنترنت، على غرار “إشارات مرجعية” أو كلمة “تصفح”.
“بل ربما غوغل أيضا”
قد لا تلبي شركات البيع عبر الإنترنت احتياجات العميل بصورة صحيحة، بل يتمنى العملاء التحدث مع البائع، على غرار ما يحدث في المحلات التجارية، وليس قراءة مجموعة من النصوص ورؤية بعض الصور حول المنتج. ولكن روبوتات الدردشة ستغير ذلك تماماً. ففي الوقت الحالي، تقدم هذه الروبوتات خدمات جيدة في العديد من الشركات. ولكن قد يكون هذا التطور خطيراً بالنسبة لبعض الشركات، مثل غوغل.
عندما يقرر العديد من الأشخاص الدردشة مع الشركات، وطرح أسئلتهم من خلال واتساب وتطبيق ماسنجر التابع لشركة فيسبوك، سينخفض عدد الأشخاص الذين يدخلون صفحات الإنترنت، وحينها لن يغدو لمحرك البحث غوغل أي قيمة. قال لوكاسيو بينما يجلس على الأريكة القديمة، التي ابتاعها قبل أن يعرف أي شخص محركات البحث، التي توجد في مكتبه في مدينة نيويورك، “سأتحدث الآن بشجاعة، لا أتوقع أن تنقرض مواقع الإنترنت فحسب، بل ربما غوغل أيضاً”.
المصدر: فيلت