نجحت إدارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال السنوات الماضية في تحقيق نجاح منقطع النظير في الحرب ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني، وتجلت آخر تلك النجاحات في عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، فضلاً عن نجاح الجيش التركي في تحييد حركة مقاتلي الحزب داخل تركيا والحد من نفوذه.
هذه النجاحات التركية قد تدفع الجيش التركي إلى شن عملية عسكرية في مدينة سنجار العراقية أقصى شمال غرب العراق، متذرعًا بأن الحزب بات يمتلك في سنجار قواعد عسكرية ونفوذ كبير بعد استعادة قوات الأمن العراقية السيطرة على المدينة من مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” نهاية عام 2016. في الأسطر التالية تقرأ في حيثيات احتمالية شن الجيش التركي عملية عسكرية في سنجار ومدى إمكانية حدوثها في ضوء التوترات الإقليمية الحاليّة.
سنجار.. موطئ جديد لحزب العمال الكردستاني
في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2016، عاد الحديث التركي عن سنجار وضرورة تطهيرها من مقاتلي حزب العمال الكردستاني، حيث قال وزير الخارجية التركي حينها جاويش أوغلو ما مفاده أن تركيا لن تسمح لمنظمة PKK بجعل منطقة سنجار في محافظة نينوى العراقية، معقلاً جديدًا لها بعد قنديل، كما أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ذلك من خلال تصريحات تحمل ذات المعنى بقوله: “نفكر أن نطلق عملية مماثلة لدرع الفرات في العراق، ونطلب من القوى الفاعلة في المنطقة تقديم الدعم لتحركاتنا”.
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأحد 25 من مارس/آذار الماضي بدء عملية عسكرية في سنجار شمال غرب العراق للقضاء على مقاتلي حزب العمال الكردستاني (PKK) الذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية
وكان مقاتلو حزب العمال الكرسدتاني قد تسللوا إلى سنجار واتخذوها موقعًا خلفيًا لهم في العراق بعد أن استطاعت قوات البيشمركة الكردية مدعومة بالتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن تحرير منطقة سنجار من مقاتلي داعش في عام 2016، الأمر الذي أقلق تركيا من تمركز جديد للحزب في منطقة عراقية أخرى بعد قنديل، وهو ما استدعى تهديدات تركية صريحة بشن عملية عسكرية في سنجار لإخراج مقاتلي الحزب من المدينة.
عملية عسكرية في سنجار دون أي قوة برية
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأحد 25 من مارس/آذار الماضي بدء عملية عسكرية في سنجار شمال غرب العراق للقضاء على مقاتلي حزب العمال الكردستاني (PKK) الذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية، وجاء إعلان الرئيس التركي لهذه العملية عقب إعلان الجيش التركي السيطرة الكاملة على منطقة عفرين السورية بعد معارك استمرت عدة أشهر.
ورغم أن إعلان الرئيس التركي لهذه العملية قد مضى عليه أكثر من خمسة أشهر، فإن أي قوة عسكرية برية تركية لم تدخل مدينة سنجار حتى اللحظة، واكتفى الجيش التركي بتوجيه بعض الضربات الجوية مستهدفًا تجمعات مقاتلي الحزب ومراكز قيادته في المدينة.
المحلل العسكري العراقي حسن العبيدي وفي حديثه لـ “نون بوست” أرجع تباطؤ العملية العسكرية في سنجار إلى أسباب عدة أهمها أن الأهداف العسكرية التركية في سوريا لم تكتمل بعد وخاصة في استعادة مدينة منبج وتل رفعت وتطهير ضواحي عفرين، فالعبيدي يرى أن الحيش التركي يرى في استكمال ما بدأه في سوريا ضرورة قصوى قبل الشروع في أي عملية عسكرية جديدة في العراق ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني.
جاء في بيان الحزب حينها أن مقاتلي العمال الكردستاني أنهوا المهام المناطة بهم في سنجار، وسينسحب مقاتلوه بصورة كاملة من القضاء باتجاه الحدود السورية، وجاء تبرير الانسحاب حينها بأنه جاء بناءً على طلب من الحكومة العراقية والكرد الأيزيدين، وفق البيان
وأضاف العبيدي أن سببًا آخر قد يكون وراء تباطؤ العملية العسكرية التركية في سنجار على الرغم من إعلان الرئيس التركي البدء بها، ويتمثل في موقف الحكومة العراقية الرافض لأي تدخل عسكري بري في المدينة، خاصة أن النفوذ الإيراني في العراق قد غير من موقف رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، وأعقب ذلك إعلان حزب العمال الكردستاني بإيعاز إيراني البدء في انسحاب مقاتليه من المدينة، ما شكّل إحراجًا لتركيا وجعلها تبطئ من مساعيها العسكرية في سنجار، بحسب العبيدي.
وفي ختام حديثه لـ”نون بوست” أشار العبيدي إلى سبب ثالث في تباطؤ العملية العسكرية في سنجار، وهو تقديم موعد الانتخابات الرئاسية التركية إلى 24 من يونيو/حزيران 2018 بعد أن كانت في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2019، ما أدى بالحكومة التركية إلى تأجيل العملية العسكرية في سبيل التركيز على مجريات الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية وما سينتج عنها، بحسبه.
هل انسحب العمال الكردستاني من سنجار بالفعل؟
جاء إعلان حزب العمال الكردستاني في بيان له في 23 من مارس/آذار 2018 بدء سحب مقاتليه من قضاء سنجار التابع لمحافظة نينوى، وجاء في بيان الحزب حينها أن مقاتلي العمال الكردستاني أنهوا المهام المناطة بهم في سنجار، وسينسحب مقاتلوه بصورة كاملة من القضاء باتجاه الحدود السورية، وجاء تبرير الانسحاب حينها بأنه جاء بناءً على طلب من الحكومة العراقية والكرد الإيزيدين، وفق البيان.
أشار مسؤول حكومي في سنجار في حديثه لـ”نون بوست”، فضل عدم كشف هويته لأسباب أمنية، إلى أن مقاتلي الحزب لا يزالون يتمركزن في مواقعهم وأهل المدينة من الكرد والإيزيدين يخشون من تحرك عسكري تركي قد يؤدي إلى عمليات نزوح جماعية جديدة من المدينة
إلا أن الأنباء الواردة من سنجار تفيد بغير ذلك، إذ نفى قائم مقام قضاء سنجار الأنباء التي تواترت عن انسحاب مقاتلي الحزب من المدينة، مشيرًا إلى أن مسلحي الحزب لم ينسحبوا فعليًا من سنجار، متمنيًا أن لا يمنحوا الأتراك ذريعة للتدخل والسيطرة على المدينة، بحسبه.
وفي صعيد ذي صلة، أشار مسؤول حكومي في سنجار في حديثه لـ”نون بوست”، فضل عدم كشف هويته لأسباب أمنية، إلى أن مقاتلي الحزب لا يزالون يتمركزن في مواقعهم وأهل المدينة من الكرد والإيزيدين يخشون من تحرك عسكري تركي قد يؤدي إلى عمليات نزوح جماعية جديدة من المدينة، وأضاف المصدر أن العملية العسكرية التركية في سنجار في حال وقوعها، ستؤدي إلى تدمير ما بقي من المدينة، بعد أن تسببت الحرب ضد تنظيم داعش في تدمير أكثر من 70% من البنى التحتية لها، بحسبه.
متى قد تبدأ عملية عسكرية واسعة في سنجار؟
يختلف الوضع الجيوسياسي في العراق عن نظيره على الجانب السوري، إذ تتداخل عدة عوامل سياسية وعسكرية في احتمالية بدء عملية عسكرية تركية حقيقة في سنجار، يقول الصحفي العراقي مروان الجبوري في حديثه لـ”نون بوست”: “لا يمكن الجزم بموعد العملية العسكرية التركية في سنجار، وخاصة بعد الأزمة الأخيرة بين الولايات المتحدة وإيران والموقف التركي من ذلك وانعكاسات ذلك على الداخل العراقي”.
الجبوري أضاف أن الحراك السياسي الأخير في العراق والتقارب بين حلفاء أنقرة مثل أسامة النجيفي وخميس الخنجر وآخرين مع المالكي والعامري والحشد الشعبي يشير إلى أن تركيا تدفع باتجاه تشكيلة سياسية متناغمة مع موقفها الأخير المتقارب مع طهران، وهو ما سيؤدي إلى إضعاف الحضور الأمريكي في العملية السياسية العراقية.
وتوقع الجبوري في ختام حديثه لـ”نون بوست” أن العملية العسكرية التركية في سنجار لن ترى النور قبل إعلان تشكيل الحكومة العراقية الجديدة التي يمكن أن تكون ثمرة تقارب إيراني – تركي يضعف من حظوظ الولايات المتحدة في الساحة العراقية.