“أتمنى زيارة قبر الرسول، ولكن حالي المادي لا يسمح لي فأنا بحاجة لإطعام أطفالي، وفي كلا الحالتين لا يمكنني زيارته لأن الحج مكلف”، هكذا بدا مطلع حديث أبو مصطفى (50 عامًا)، والذي يعيش في ريف حلب الشمالي هو وأسرته المكونة من ٧ أفراد. يعمل أبو مصطفى في البناء ولكن دخله المادي لا يؤمن له مصاريف الحج، لأن التكلفة التي يجب أن يدفعها لا يمكنه تأمينها وهو الآن يتمنى أن يزور قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ويؤدي كافة مناسك الحج، وكل عام يقول في العام الآخر يمكنني القيام بمناسك الحج إلا أن حاله المادي يزداد سوءًا مع ارتفاع نفقات السفر لقضاء مناسك الحج، ولعل الدخل المعيشي في الداخل السوري لا يتناسب أبدًا مع النفقات التي سيقدمها للوصول إلى المملكة العربية السعودية.
يواجه السوريون هذه المشاكل نظرًا لعدم وجود فرص عمل تؤمن لهم هذه الإمكانات لقضاء مناسك الحج. حيث يقول أبو مصطفى لـ”نون بوست”: “حاولت التسجيل في لجنة الحج العليا في معبر باب السلامة، لكن ارتفاع التكلفة لا يمكنني دفعها أبدًا، نظرًا لوضعي المعيشي والمادي”. وتبلغ كلفة السفر وغيرها من الأمور لتأدية مناسك الحج، ما يقارب 2600 دولار أمريكي أي ما يعادل مليون 200 ألف ليرة سورية، علمًا أن لجنة الحج العليا تأخذ على الحاج الواحد 45 دولارًا أمريكيًا، و2600 دولار لا تتناسب أبدًا مع مدخول العائلة الشهري، وقد يحتاج من يريد الحج بيع بعض من أرزاقه لقضاء هذه المناسك.
أم محمد: “أنتظر منذ خمس سنوات أن يقسم لي الله بحجة للبيت الحرام لكنني لا أستطيع، لأن ليس لدي دخل مادي يعينني على الحج، وفي هذا العام قررت أن أقوم بمناسك الحج لأنني في أي وقت يمكن أن أفقد حياتي”
يروي أبو مصطفى معاناته، حيث يحتاج إلى مبلغ مالي لإخراج جواز سفر خاص به فهو لا يستطيع الخروج إلى الدول الأخرى لعدم وجود جواز سفر خاص به، وبين أنه بحاجة لـ1000 دولار أمريكي لإخراج جواز سفر من مناطق سيطرة النظام لأنه لا يمكنه الذهاب إلى مناطق النظام خوفًا من الاعتقال. وإذا وجد المبلغ لإخراج جواز السفر سيحاول أن يرسل أحدًا من الذين يذهبون إلى مناطق النظام لإخراج جواز السفر، ويحتاج لتسيير المعاملات مبلغًا ماليًا ضخمًا لا يمكنه أن يتحمل هذه النفقات، حيث أنهى حديثه “أتمنى أن يقسم الله لي في العام القادم أن أكون من ضيوف الرحمن”.
أبو مصطفى ليس وحده من يتمنى تأدية موسم الحج ولا يستطيع، حيث تقول أم محمد (60 عامًا) في ريف حلب الشمالي: “أنتظر منذ خمس سنوات أن يقسم لي الله بحجة للبيت الحرام لكنني لا أستطيع، لأن ليس لدي دخل مادي يعينني على الحج، وفي هذا العام قررت أن أقوم بمناسك الحج لأنني في أي وقت يمكن أن أفقد حياتي”.
أم محمد أمنت نفقات الرحلة عن طريق بيع أرض ورثتها عن والدها في البلدة التي تقيم فيها بأرياف حلب الشمالية. تقول أم محمد: “في الأعوام السابقة قبيل اندلاع الثورة، ذهبت إلى العمرة وزرت قبر الرسول ولكن النفقات المالية التي صرفتها في تلك الرحلة لا تساوي هذه الرحلة أبدًا”.
في هذا العام 2018، استقبلت السعودية ما يقارب 19 ألف حاج سوري من مختلف البلدان التي يقيمون بها، حيث تتوزع مكاتب لجنة الحج العليا في الداخل السوري الواقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة، وفي تركيا ولبنان والأردن، لتضم السوريين كافة
نسبة الحجاج السوريين خلال الأعوام الأخيرة
بلغت نسبة الحجاج السوريين عام 2015 ما يقارب 12 ألف حاج، حيث رفضت في تلك الفترة لجنة الحج العليا السورية ما يقارب 1500 حاج، وتقترب الأعوام اللاحقة من نسبة الحجاج السوريين الذين دخلوا السعودية، وفي هذا العام 2018، استقبلت السعودية ما يقارب 19 ألف حاج سوري، من مختلف البلدان التي يقيمون بها، حيث تتوزع مكاتب لجنة الحج العليا في الداخل السوري الواقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة، وفي تركيا ولبنان والأردن، لتضم السوريين كافة.
واستكملت وزارة الحج والعمرة السعودية كل الترتيبات المتبعة لقدوم 19 ألف حاج من الجنسية السورية يضم 850 عضوًا من أعضاء الجهاز الطبي والإداري، كما أشاد الحجاج السوريون الذين قدموا في السنوات الماضية، بالخدمات والرعاية والتسهيلات التي قدمت لهم من حكومة المملكة العربية السعودية ولجنة الحج العليا السورية.
كما قدمت السلطات السعودية منحة ملكية للجنة الحج العليا السورية، حيث شملت المنحة 200 حاج عبر لجنة الحج العليا السورية، وخصصت لجنة الحج العليا السورية المنحة لشرائح واسعة من المجتمع السوري بعيدًا عن توجهاتهم السياسية من علماء دين وشخصيات وطنية ونشطاء وصحفيين وعاملين في الدفاع المدني ومنظمات حقوق الإنسان وأهالي الشهداء والمعتقلين، وجلهم من الداخل السوري حيث شملت المنحة 120 حاجًا، والـ80 الآخرين مقيمين خارج سوريا.
ملف الحجاج السوريين بيد الائتلاف وليس النظام
حالة التشتت والضياع التي تعيشها سوريا منذ أكثر من سبع سنوات، تعكس أحوال الحجاج والراغبين في تأدية مناسك الحج، وينقسم الحجاج إلى موالين ومعارضين، أو مناطق موالية وأخرى معارضة، كما أن المعارك والحرب الدائرة لها أثر كبير في انخفاض نسبة الحجاج السوريين، والدور الأبرز في الوقت الحاليّ هو الوضع الاقتصادي والمعيشي الذي يعاني منه السوريون في الداخل والخارج، بينما يتنازع النظام والائتلاف الوطني السوري لتمثيل الحجاج.
لجنة الحج العليا السورية
لكن السلطات السعودية أنهت الخلاف بقطع التعامل مع النظام السوري في ملف الحج منذ سنوات عدة وذلك عام 2013 وأصبح الائتلاف الوطني السوري هو الممثل لهذا الملف، وبدوره أنشأ الائتلاف الوطني لجنة الحج العليا السورية التي عملت على هذا الملف، وكان لها دور بارز في الخدمة الجيدة للحجاج السوريين، وتضم لجنة الحج العليا السورية عددًا من المجموعات لإدارة الحجاج، وبرزت لجنة الحج العليا السورية خلال الخدمات التي تقدمها والنشاطات خلال تأدية مناسك الحج، ووصفت بالأكثر انضباطًا في تأدية مناسك الحج.
يذكر أن وسائل إعلامية تداولت أنباءً تقول إن السعودية تمنع استقبال الحجاج السوريين إلا أن وزارة الحج والعمرة السعودية أكدت أنه لا صـحة لما يتم تداوله من ادعاءات عن منع السعودية لحاملي الجنسية السورية أو غيرهم من المسلمين من أداء مناسك الحج والعمرة، فـ”المملكة العربية السعودية تستقبل الملايين من ضيوف بيت الله، ومن جميع أقطار العالم، في كل الظروف أيًا كانت وتقدم لهم الخدمات والتسهيلات التي تمكنهم من أداء مناسك حجهم في يسر وسهولة وأمان”.