ترجمة وتحرير: نون بوست
تعتبر المملكة العربية السعودية من أبرز الدول التي تتبع سياسة التمييز ضد المرأة. لكن، يبدو أن الرجال السعوديين بدورهم غير راضين عن تقسيم الأدوار داخل مجتمعهم.
كان شاب سعودي يبلغ من العمر 35 سنة ويدعى محمود عبد المجيد، جالسا في مطعم أسماك أمريكي بمدينة جدة الساحلية المطلة على البحر الأحمر. وفي الأثناء، طلب عبد المجيد من النادل أن يجلب له صحن صلصة بالجمبري في الوقت الذي كان يلمع فيه قفازاته. وبعد لحظات، أحضر النادل قفازات، بالإضافة إلى منديل، كي لا ينسكب الطعام على ثياب الحريف. آنذاك، بدا محمود وكأنه طبيب جراح يستعد للدخول إلى قاعة العمليات الجراحية.
في الواقع، لا يمكنك تناول الطعام بسرعة في السعودية خاصة وأن الذهاب إلى المطعم يعد بمثابة تجربة. كما يبدو أن المواطن السعودي غير معتاد على العيش في الأجواء غير المألوفة وعلى اقتناء الأكسسوارت الثمينة، علما وأن السعوديين يقبلون على استيراد القلائد من كندا وأوروبا بهدف الاطلاع على ثقافات أخرى. ومنذ وقت طويل، اعتاد السعوديون على العدد القليل لوسائل الترفيه في بلادهم.
يلعب رجال الدين دورا بارزا في المملكة، حيث أنهم رسموا الخطوط العريضة لسياسة المجتمع وأسسوا الشرطة الدينية، التي تفرض قيودا صارمة على المرأة
يعمل محمود عبد المجيد في قطاع صناعة الأدوية، ولعل هذا ما يفسر سبب استخدامه للقفازات، التي يرتديها عادة الجراحون. وعند دخوله للمطعم، اضطر محمود للانتظار لمدة نصف ساعة قبل أن يعثر على مقعد شاغر. وفي الحقيقة، يعد العثور على مقعد شاغر في إحدى المطاعم السعودية أمرا صعبا نظرا لأن المملكة العربية السعودية تعتمد مبدأ الفصل بين الجنسين في المطاعم وغيرها من المحلات. والجدير بالذكر أن السعودية استوردت مفهوم المطاعم من الولايات المتحدة الأمريكية.
وداخل المطاعم السعودية، يتناول الرجال الطعام في فضاء منفصل عن العائلات، حيث تخصص المطاعم الطابق الأول للرجال أو توفر لهم فضاء مفصولا بستار يحجبهم عن العائلات. كما تخصص المطاعم فضاء للنساء. ولعل الأمر الملفت للنظر هو أن النساء يزرن المطاعم في أبهى الحلل، حيث تخير بعضهن زيارة المطاعم دون ارتداء الحجاب. من جهته، كان محمود جالسا في المطعم يحدق في هاتفه الجوال، ويسترق النظر بين الفينة والأخرى باتجاه الفضاء المخصص للنساء.
على الرغم من أن المملكة العربية السعودية المحافظة تعتبر بالنسبة للكثيرين من أبرز الدول التي تنتشر فيها ظاهرة التمييز ضد المرأة، إلا أن الكثير من الرجال السعوديين غير راضين عن توزيع الأدوار داخل المجتمع، وعن القيود التي تكبلهم. في هذا الصدد، أورد محمود عبد المجيد بألم وهو يدلك يديه أن “جميع الرجال السعوديين ينظرون إلى النساء اللاتي يتعرضن للتمييز. وفي الوقت نفسه، تضررنا نحن الرجال من المنهج الوهابي”.
تجدر الإشارة إلى أنه في شهر تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1979، احتل المتطرفون المسجد الحرام بمكة المكرمة واحتجزوا الحجاج كرهائن، وهو ما أسفر عن وفاة أكثر من 1000 شخص. وفي السابق، أبرمت الحكومة السعودية اتفاقا مع رجال الدين الوهابيين ينص على أن يتمتع الوهابيون بحق التعبير عن الرأي مقابل أن تحصل الحكومة على الشرعية الدينية.
وفقا للمنهج الوهابي، يبقى الرجال العزاب خارج المراكز التجارية كي تتمكن النساء من قضاء حوائجهن في كنف الهدوء دون أن يتعرضن للمضايقات
منذ عقود، يلعب رجال الدين دورا بارزا في المملكة، حيث أنهم رسموا الخطوط العريضة لسياسة المجتمع وأسسوا الشرطة الدينية، التي تفرض قيودا صارمة على المرأة. من جانبه، ترعرع محمود عبد المجيد في مصر، حيث يتناول الرجال والنساء الطعام على طاولة واحدة ويحضرون معا حفلات الزفاف ويجلسون جنبا إلى جنب في قاعات السينما. ومنذ 11 سنة، انتقل عبد المجيد إلى المملكة العربية السعودية، حيث يتقاضى أجرا يفوق الأجر الذي كان من الممكن أن يتقاضاه في مصر بأربع مرات، ولعل هذا ما دفعه للتأقلم مع القيود المفروضة في السعودي.
في هذا السياق، أفاد عبد المجيد بأن “العيش تحت الضغط المستمر مهين”، علما وأنه مطالب بعدم استخدام المصعد في حال وجد امرأة بمفردها داخله نظرا لأنها قد تمنعه من ذلك. وفي حال كان يسير في الشارع، فقد يدفعه أحد الرجال بعيدا ليفسح المجال لزوجته للمرور. كما قد يصرخ أحد الرجال في وجهه كما لو أنه تحرش بزوجته. بالإضافة إلى ذلك، لا زال هذا الشاب يتذكر الموقف المحرج الذي تعرض له منذ سنوات، حين طلبت منه إحدى النساء أن يبتعد عنها قليلا.
عندما جلب النادل غلال البحر، نسي عبد المجيد لفترة قصيرة ما كان يشعر به من غضب، حيث قال: “على الأقل، توجد هنا مطاعم رائعة”. وفي المملكة العربية السعودية، يعيش عبد المجيد كغيره من الأجانب في غربة. ولعل ما يفسر شعوره بذلك في المملكة هو أن معظم أصدقائه منحدرون من أصول سورية ولبنانية ومصرية، لكنه لا يملك الكثير من الأصدقاء السعوديين، وهو ما يطرح تساؤلا حول السبب الكامن وراء ذلك. في الحقيقة، يخيّر عبد المجيد قضاء وقت فراغه رفقة زوجته وابنتيه على أن يجلس مع أصدقائه في غرفة المعيشة، في حين تضطر زوجته أن تذهب رفقة ابنتيها إلى غرفة أخرى.
أجبر انخفاض أسعار النفط الحكومة السعودية على الانفتاح الاجتماعي
في عطلة نهاية الأسبوع، يفضل عبد المجيد الذهاب إلى إحدى المراكز التجارية رفقة زوجته. ووفقا للمنهج الوهابي، يبقى الرجال العزاب خارج المراكز التجارية كي تتمكن النساء من قضاء حوائجهن في كنف الهدوء دون أن يتعرضن للمضايقات. في هذا الإطار، أوضح عبد المجيد أن “الرجل يعتبر هنا وحشا. ففي المملكة، نسيطر نحن الرجال على الحياة العامة”. لكن، منذ أشهر، أصبح بإمكان الرجال العزاب أن يذهبوا إلى المراكز التجارية. وفي ظل درجات الحرارة التي تفوق 45 درجة، تعد مراكز التسوق المكيفة والفخمة مكان الترفيه الوحيد في المملكة العربية السعودية.
لم يكن ماجد العليان يحلم بهذه التغييرات خاصة وأنه لم يختلط إلا بالذكور خلال فترة الدراسة، فضلا عن أنه لم يتعلم قط كيفية التعامل مع النساء الأجنبيات
عموما، تعود هذه التغيرات إلى عدة أسباب اقتصادية، حيث أجبر انخفاض أسعار النفط الحكومة السعودية على الانفتاح الاجتماعي، وذلك بعد أن تبين أن القيود الوهابية همشت المرأة في سوق الشغل. على ضوء هذه المعطيات، بادر ولي العهد السعودي البالغ من العمر 32 سنة، محمد بن سلمان، منذ سنتين بالتقليص من صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبسن قوانين تدمج المرأة في المجال الاقتصاد. فضلا عن ذلك، أقدم بن سلمان على إجراء إصلاحات تطور قطاع الترفيه، كما من المنتظر أن يتم التخلي عن الفصل بين الجنسين.
منذ ذلك الوقت، تغيرت الحياة العامة السعودية بشكل جذري، حيث ارتفعت أصوات الموسيقى في المقاهي وتم تنظيم العديد من الحفلات، التي يحييها النجوم العرب، كما تخلصت المرأة من العباية السوداء لتقبل على ارتداء الحجاب ذا الألوان الزاهية. علاوة على ذلك، أصبح الرجال والنساء يتجولون معا في المراكز التجارية دون أن يتعرضوا للمضايقة من قبل الشرطة الدينية. وتجدر الإشارة إلى أن كل ذلك كان أمرا يصعب تحقيقه منذ وقت قصير.
ماجد العليان: “لم أحلم بأن تعانقني أي فتاة”
لم يكن ماجد العليان يحلم بهذه التغييرات خاصة وأنه لم يختلط إلا بالذكور خلال فترة الدراسة، فضلا عن أنه لم يتعلم قط كيفية التعامل مع النساء الأجنبيات. حيال هذا الشأن، أفاد هذا الشاب البالغ من العمر 30 سنة بأن “عائلتي كانت محافظة للغاية”. وعند بلوغه 19 سنة، سافر لأول مرة في حياته إلى لندن، حيث تعرف على العديد من الطالبات، اللاتي كن يعانقنه. ونظرا لأنه لم يكن يرغب في تخويف أحد، كان العليان يقبل بأن تعانقه الفتيات. في هذا الشأن، أورد العليان، وهو يعدل نظاراته: “لم أحلم بأن تعانقني أي فتاة”.
بعض الرجال يعتقدون أن التغييرات تسير بنسق سريع، ولعل هذا ما يفسر سبب تمسك العديد منهم بنظام الوصاية
في الواقع، لم يكن هذا الشاب السعودي يعرف كيفية التصرف مع الجنس الآخر، لذلك فقد كان ينتظر المبادرة من الفتيات. وعندما سافر إلى شيكاغو، تعرف هناك على طلبة سعوديين. واليوم، يمكنهم أن يلتقوا لاحتساء فنجان من القهوة دون أي عائق، علما وأن بعض المناطق لا زالت تطبق الفصل بين الجنسين.
بعد الدراسة، سافر العليان إلى أمريكا اللاتينية، حيث عمل رفقة صديق ألماني في إحدى مزارع القهوة بنيكاراغوا. في ذلك الوقت، لم تكن عائلته تعلم بسفره، ولو أنها علمت بذلك لكانت طالبته بالعودة إلى السعودية بسرعة. ومنذ أن سافر إلى الخارج، تغيرت نظرة العليان إلى العالم. في هذا الصدد، قال الشاب السعودي: “تعرفت في البداية على أصدقاء جدد، وعلى الجنس الآخر”. أما فيما يتعلق بالفصل بين الجنسين في بلده، فيعتقد هذا الشاب أن هذه الظاهرة تطبق في المملكة بشكل مبالغ فيه،معربا عن أمله في أن تتخلى السعودية عن ذلك يوما ما.
من جهة أخرى، يعلم العليان أن بعض الرجال يعتقدون أن التغييرات تسير بنسق سريع، ولعل هذا ما يفسر سبب تمسك العديد منهم بنظام الوصاية. فإلى حد الآن، لا زالت النساء السعوديات في حاجة لإذن أحد أقاربهن من الرجال للسفر أو الدراسة أو العمل. من هذا المنطلق، تضطر العديد من الأرامل والمطلقات إلى طلب إذن أبنائهن أو أصغر إخوانهن للسفر إلى الخارج. وقد أكد العليان أن “الرجل لا زال إلى حد اليوم لا يثق في المرأة. ولكن، في حال تزوجت، فسأثق في زوجتي، وستخبرني بمحض إرادتها بالوجهة التي ترغب في السفر إليها”.
الصحيفة: زود دويتشه تسايتونغ