تُعتبر صناعة الأزياء واحدةً من أكثر الصناعات ديناميكيةً وازدهارًا في العالم. إذ تجمع بين الكثير من الأنشطة ما بين الإنتاج وتحويل المواد الخام وصناعة المنتج النهائي من ملابس وأحذية واكسسوارات. ويعدّ البيع والتسويق إحدى أهم الدعائم الهيكلية لهذا الصناعة ومفتاحها الرئيسيّ.
وبغض النظر عن نوع المتجر الذي تتجوّل فيه، كن موقنًا تمامًا بأنّ ثمّة خطة محكمةَ الوضع تحتوي على العديد من الحيل الهندسية والسيكولوجية التي تمّ تصميمها ووضعها بدقّة وعناية فائقتين لتجعلك تنفق قدرًا أكبر من نقودك، بدءًا من الرائحة ومرورًا بالألوان التي تراها والموسيقى التي تسمعها، وغيرها الكثير من الأساليب التي تؤثّر على شعورك وحواسّك بطريقةٍ لا واعية ودون أيّ إدراكٍ أو ملاحظةٍ منك.
معظم المتاجر الكبيرة تجنّد عددًا من دارسي علم النفس والتسويق بهدف خلق بعض الإشارات الدقيقة التي تؤدي بنا إلى شراء المزيد وإنفاق قدرٍ أكبر من المال
حاسة البصر: اللون والتصميم كفخٍّ محكم
لا ينبغي أن تستغرب إنْ قلنا أنّ أكثر ما تحاول تلك المتاجر التحايل عليه وخداعه هو حاسّة البصر لديك، معظم المتاجر الكبيرة تجنّد عددًا من دارسي علم النفس والتسويق بهدف خلق تلك الإشارات الدقيقة التي يمكن للمتجر أنْ يحويها فتؤدي بنا إلى شراء المزيد وإنفاق قدرٍ أكبر من المال. تلك الإشارات والتفاصيل الصغيرة لها تأثير كبير على ما نقرر شراءه من جهة، وعلى مدة الوقت الذي نرغب بقضائه داخل جدران المتجر من جهةٍ ثانية.
يمكن للّون أنْ يكون أحد أكثر العوامل المؤثرة على خيارات التسوّق لدينا تبعًا للنظرية التي تقول أنّ كلّ لونٍ يعكس غالبًا شعورًا معيّنًا ويمثّل حالةً مزاجية ما. فعلى سبيل المثال، يكون اللون الأحمر دائمًا هو اللون المرتبط بمبيعاتٍ أكثر نظرًا لأنه يحفّز الأفراد على اتّخاذ قراراتٍ مثيرة وسريعة، كذلك الأمر بالنسبةِ للّون البرتقاليّ. أمّا اللون الأسود فيرسل بالعادة إشارةً ترتبط بالأسعار العالية والرفاهية المرتفعة.
وإلى جانب خِدع الألوان، فتعمل تلك المتاجر على الاستفادة من لا وعيك عن طريق إجبار المتسوّق على الضياع بين جدران المتجر من خلال تصميمه بطريقةٍ تجعلك تمرّ على كافة أقسامه ما يمكّنك من رؤية احتمالاتٍ أخرى خارج نطاق رغبتك أو حاجتك، وبالتالي ينتهي بكَ الأمر بأكثر من قطعةٍ بين يديكَ على الرغم من أنّك قد تكون قادمًا بهدف شراء شيءٍ ما بعينه.
واحدة من الحيل الأكثر فعاليةً هي أنّ تلك المتاجر تقدّم لك نمطًا كاملًا تجده أمام عينيك بكلّ وضوح؛ تذهب لشراء سترةٍ فتجد بجانبه حقيبةً تليق عليها، أو حذاءً مناسبًا لها، أو بنطالًا يكمّلها، وفجأةً تصبح راغبًا بكلّ هذه المجموعة، فالهدف من هذا الأمر هو تحفيزك لتخيّل ورؤية نفسك مرتديًا إياها، لذا تقدّم المتاجر الملابس بطريقة تجعل دماغك يقوم بهذه الاتصالات والتخيّلات دون أن تدرك ذلك.
تعرض المتاجر لك نمطًا كاملًا من الثياب لتسهّل على دماغك تخيّل نفسك وأنتَ ترتديها
وهل فكّرتَ يومًا بالسبب الذي يدفع المتاجر الكبيرة لتقديم قطعها وسلعها بحيث تكون في متناول يدك، تمسكها بسهولة وتلمسها قدر ما تشاء؟ الفكرة بسيطة. فقد توصلت الأبحاث إلى أنّ لمسكَ لقطعة الثياب يرجّح شراءك لها أكثر. ولهذا كانت المتاجر التي تُبقي بضاعتها مطويةً أو تلك التي تعتمد على عاملٍ يساعدك بالحصول على القطعة من رفٍ ما، هي الأقل شراءً من تلك التي تجعل بضاعتها في متناول اليد، لأنّ الأفراد يشعرون براحةٍ أكبر في حال اختاروا ما أرادوه بأنفسهم، لا عن طريقِ مساعدة أحدٍ آخر.
وبشكلٍ أساسيّ، كلما زاد الوقت الذي تقضيه قطعةٌ ما في يدك، زادت فرصة شرائكَ لها. هذا يعني أنّ المتاجر منظمة بحيث يمكنك دائمًا انتقاء الأشياء بنفسك وتأمّلها لبعضٍ من الوقت، ما يعني سقفًا نهائيًا مملوءًا بالخيارات التي تريد لمسها وتأملها والتفكير بمدى رغبتك بها وحاجتك إليها.
الرائحة كحيلةٍ غير مُعلنة
هيَ قاعدة بسيطة باختصار: حواسّنا تتجاوز عقلنا الواعي، فاحذر من الرائحة. فقد تشمّ رائحة اللافندر وجوز الهند، فيسرح عقلك في تخيّلات الصيف والرحلات. وقد تشمّ رائحة بودرة أطفال، فتشعر بالدفء تجاههم وتتحرّك مشاعرك اللطيفة أكثر وأكثر. كما تميل المتاجر الفاخرة الراقية إلى استخدام العطور الثقيلة التي تشي بسعرها الباهظ، الأمر الذي يجعلك ترى المنتجات أمامك مرغوبة و متميزة.قد تكون ذلك بالفعل، لكنّ الشراء وإنفاق المال هو الفخّ، وما الرائحة سوى إحدى الطرق المعبّدة التي تؤدي إليه.
تحفّز الروائح مشاعرنا: نشمّ رائحة بودرة أطفال في متجرٍ ما فننفق أكثر على ملابسهم
ترتبط الروائح بالذاكرة ارتباطًا وثيقًا، لذلك يسعى خبراء التسويق إلى استحضار الذاكرة الصحيحة التي تتعلّق بالمنتج للوصول إلى الحالة المزاجية التي تحفّز الإنفاق والشراء. كما أنّ دور الرائحة هنا يشبه إلى حد بعيد كيفية تصميم المتاجر للتلاعب بصرك. فهم يريدون خلق نمط حياةٍ كامل ليقدّموه لك، سواء من خلال الألوان أو الروائح المُبهمة التي يستطيعون من خلالها إثارة المشاعر التي تتطابق مع نمط الحياة ذاك. أنت تكاد لا تلاحظ هذا أبدًا، ولذلك دائمًا ما تنفق وتقع في أفخاخ التسوق.
الموسيقى والأغاني: كيف تحرّكنا وتحرّك قراراتنا؟
تكمّل الأصوات التي تسمعها في المتجر الصورة التي يحاول المتجر إنتاجها. فعلى سبيل المثال، تميل المتاجر والمحلّات التي تستهدف الشباب إلى تشغيل موسيقى وأغاني البوب الشعبية ذات الشهرة الكبيرة، في حين أن صائغًا راقيًا قد يشغّل الموسيقى الكلاسيكية القديمة. أما عن السبب الكامن وراء ذلك، فالإجابة أيضًا مختصرة: الشعور.
الموسيقى مثيرة للمشاعر والعواطف، وهذا ما يريده التجّار وخبراء التسويق، يريدونك أنْ تشعرَ بالأشياء لا أنْ تفكّر بها
تمتلك الموسيقى قدرةً عالية على خلق شعور ما. لذا، ما تحاول المتاجر فعله بالموسيقى هو النقر على العاطفة. الموسيقى مثيرة للمشاعر والعواطف، وهذا ما يريده التجّار وخبراء التسويق، يريدونك أنْ تشعرَ بالأشياء لا أنْ تفكّر بها، الأمر أشبه بمشاهدة فيلمٍ ما بدون أيّ موسيقى ومشاهدته ثانيةً مع موسيقاه الصوتية.
ويذهب الأمر إلى أبعد من ذلك في بعض الحالات. فقد أشارت إحدى الدراسات التي أخرجتها “المجلة الأوروبية للبحوث العلمية” إلى أن الموسيقى الصاخبة والعالية تحفّز الناس على التجوّل والحركة بين أقسام المتجر بشكلٍ أسرع، في حين أنّ الموسيقى البطيئة والهادئة تجعلهم يبقون مدةً أطول. ويرى الخبراء أنّ كلّ قسمٍ يتطلّب إيقاعًا معيّنًا من الموسيقى، ففي بعض الأحيان ستتحرك بسرعة، وفي غيرها قد تتباطئ أو تتوقف لبرهةٍ من الوقت، والنتيجة أنّ قد تنفق المزيد من المال في سماعك للحنٍ ما في المكان الصحيح.
وبالنهاية، فالهدف الأساسي لأيّ متجر هو إنفاقك المزيد من المال، وواحدة من أهمّ وأفضل الحيل التي يلجؤون إليها هي من خلال توفير الراحة العقلية لك عن طريق تصميم وخلق نمط الحياة الجاهز ووضعه في متناول يدك، دون وعيٍ منك ولا شعور. فلا وعينا هو المحرّك في كثيرٍ من الأوقات، لكنّ معرفتك بتلك الخدع والحِيل قد تكون هي بداية طريقك للتحرّر من سطوة الاستهلاكية والرأسمالية التي تحاول التلاعب بنا وبخياراتنا.