تتواجد في الشمال السوري عدة فصائل معارضة للنظام السوري وهي تتنوع في الانتماء المنهجي بين ثورية وجهادية وأخرى إسلامية معتدلة. ففي ظل الحديث عن اقتراب النظام بفتح معركة تستهدف المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، كثرت التحاليل التي تتناول وضع الفصائل وخريطة تواجدها، بالإضافة إلى التكهنات حول استراتيجيتها العسكرية لمواجهة خطر النظام القادم.
حيث تعتبر هيئة تحرير الشام الجهادية أبرز الفصائل التي لها نفوذ أمني وعسكري في الشمال السوري، فهي تتحكم في كثير من مفاصل تلك المناطق من الناحية الإدارية والخدمية، كما تتحكم في القرار بشكل شبه كامل، وهي أكثر الفصائل تنظيمًا وخبرة عسكرية، إضافة إلى بنيتها العقدية، فهي الأعمق رسوخًا من غيرها، وتكمن قوتها في منهج وسطي تبلور بعد تركها للقاعدة من حيث أنها بدأت تتعامل بشكل براغماتي يتعاطى السياسة والحوار مع المنظومة الدولية، خاصة تركيا، وهو ما كان يعتبر جريمة وكفر في أدبيات الجهادين التقليدية، كما أن قوتها جاءت من خلال التعامل بشكل ليّن مع الخارج، مقارنة بعلاقة تنظيم الدولة مع المجتمع المحلي، مما أكسبها قوة اجتماعية كبيرة في الشمال.
أبرز الفصائل الثورية هو ما تم الإعلان عن تشكيله مؤخرًا من عدة فصائل، وسميت بالجبهة الوطنية للتحرير، حيث يبلغ تعداد عناصرها حوالي 80 ألف عنصرًا ويغلب على قادتها السمة العسكرية
ومن الفصائل الجهادية المتواجدة في الشمال السوري فصيل “حراس الدين” الذي ترك “تحرير الشام” بسبب انفصالها عن القاعدة و”تخليها عن أبرز الركائز الجهادية” بنظر هذا الفصيل، وبسبب تعامل “تحرير الشام” مع تركيا. ويعتبر هذا الفصيل قويًا من الناحية التنظيمية والعقيدة القتالية، لكنه متبعثر ويفتقد الإمكانيات المادية.
ومن الفصائل الجهادية الأخرى فصيل التركستان أو “الحزب الاسلامي التركستاني” الذي يتكون من “الإيغور” وهو فصيل متحالف مع تحرير الشام، ويعمل معها، وإن كان له إستقلالية بالقرار والإدارة، لكنه أبرز حلفاء تحرير الشام، وهو منظم عسكريا وإاداريا ويملك خبرة عسكرية من خلال تجاربه وخوضه لأبرز المعارك ضد النظام في الشمال السوري.
ولعل أبرز الفصائل الثورية هو ما تم الإعلان عن تشكيله مؤخرًا من عدة فصائل، وسميت بالجبهة الوطنية للتحرير، حيث يبلغ تعداد عناصرها حوالي 80 ألف عنصرًا ويغلب على قادتها السمة العسكرية، فهم أغلبهم عسكريون منشقون عن قوات النظام، وهذا الفصيل يعتبر الأكبر في الشمال السوري، وهو مدعوم من تركيا إذ ستجعله ورقة ضغط تتعامل بها مع روسيا، ومن جهة أخرى قد تستخدمه أنقرة للتعامل مع الجهادين في حين فشلت محاولات استقطابهم وتدجينهم، فتركيا ساهمت بتكوينه لكنه ضعيف من ناحية العقيدة القتالية التي تعتبر حجر أساس في كل نزاع، كما أنه يفتقد للمشروع والرؤية، ويتشكل من فصائل تنظر للمناطقية نظرة مهمة، فهي تحدد الإنتماء الفكرية لها، وفصائله محلية ساهمت في انطلاقة الثورة، كما ساهمت بالقتال بداية الحراك المسلح.
النظام يحشد للمعركة المنتظرة
النظام اليوم يتحشد عسكريًا في ريف اللاذقية وريفي حماة وحلب الجنوبي، وتتحدث مصادره عن اقتراب المعركة الكبرى في الصراع السوري، فقد ألقت طائراته منشورات طالبت الجميع بالرجوع لما سمته حضن الوطن، لكن مراغبون يعتبرون أن معركة النظام ضد إدلب مرتبطة بالتفاهمات الدولية ولاسيما التركية الروسية وحتى الغربية، لما لهذه المعركة من انعكاسات إقليمية ودولية، خاصة ما يخص تركيا، فهذه المناطق تحوي أكثر من 3 ملاين شخص سيشكلون عبئًا أمنيًا واقتصاديًا على تركيا مما يهدد بدوره أوروبا بموجة نزوح جديدة، فورقة اللاجئين تجبر الجميع على الاهتمام بمصير إدلب بسبب امتداد تأثيرها.
يسعى النظام عبر خلاياه لإقناع المدنيين وبعض الفصائل بالمصالحة مع النظام، وتتكون تلك الخلايا من وجهاء محلين وبعض شيوخ العشائر
ولذا يمكن أن يقوم النطام بحملة عسكرية محدودة تشمل ريف اللاذقية حيث يؤمن الساحل من صواريخ المعارضة التي هي الآن تطاله وتهدد قاعدة حميميم الروسية، كما أن النظام يمكن أن يسيطر على بعض مناطق ريف حماة الشمالي الغربي لتأمين قرى وبلدات مؤيديه الذين ينتمون للطائفة العلوية. تلك المناطق التي تقع ضمن مرمى صواريخ المعارضة، فمن هنا يمكن أن نشاهد حملة عسكرية سورية روسية تشمل المناطق المذكوره ولا تضر تركيا، فتكون قد أجلت ملف أدلب لمرحلة قادمة ليست بالبعيدة، علمًا أن روسيا تريد أن يستعيد النظام كل مناطق سوريا، وهي تسعى لذلك عسكريًا على الأرض وسياسيًا، بالتفاهم مع أنقرة التي تملك خيارات محدودة ومضطربة تجاه الوضع السوري، فهي قد حققت أبرز أهدافها بالقضاء على الكنتون الكردي بعفرين بتفاهمها مع روسيا.
النظام يمهد لتكرار نموذج درعا بالمصالحات
يسعى النظام عبر خلاياه لإقناع المدنيين وبعض الفصائل بالمصالحة مع النظام، وتتكون تلك الخلايا من وجهاء محلين وبعض شيوخ العشائر ،لكن الفصائل استبقت نجاح عمل هذه الوجاهات وقامت بشن حملة استهدفت تلك اللجان التي تدعوا للصلح مع النظام وتطلب ترك السلاح ،فقد قامت “تحرير الشام” و”الجبهة الوطنية للتحرير” بحملة مداهمات اعتقلت أغلب من يشك بأنهم يتعاملون مع النظام ويروجون للتصالح معه.
أما الفصائل فخياراتها بالتصالح مع النظام اوسع من تلك التي كانت بدرعا، حيث أن الفصائل بالشمال السوري خاصة الثورية ليست مضطرة للتصالح مع النظام فهي تملك خيارات واسعة من قبيل الذهاب بتجاه مناطق درع الفرات التي تسيطر عليها تركيا، وهنا يمكن القول بأن الفصائل بالشمال السوري لا تسمح لها الظروف ولا البنية الفكرية بالتصالح مع النظام.
مع احتمال وجود تسوية سياسية لإدلب تكون بتوافق روسي تركي على غرار ما حدث بالجنوب السوري، لكنها في كل الاحوال ستنصب في مصلحة النظام المدعوم روسيًا وإيرانيًا
علما أننا سنرى بعض القادة يعلن ولاءه للنظام، وهذا من الممكن أن تقوم به بعض الفصائل الثورية وليست الجهادية لأسباب منهجية عند الاخيرة تحتم عليها رفض ذلك، تلك الفصائل التي ستكون حجر الأساس بالمعارك مع النظام لما تملكه من عقيدة جهادية وخبرة عسكرية قائمة على العمل المنظم والشراسة الفردية ،ومن هنا سنشهد معركة ضارية يخوضها الجهاديون وستكون الاخيرة لهم لأن كل المعطيات سياسيا وعسكريا تشير الى نجاح النظام بالمعركة القادمة ،لكنه سيكون نصر بطعم الهزيمة إذ أنه سيخسر الكثير، أما الفصائل فمن المتوقع انها ستخوض المعركة الوجودية فهي ستعيش العشاء الأخير.
مع احتمال وجود تسوية سياسية لإدلب تكون بتوافق روسي تركي على غرار ما حدث بالجنوب السوري، لكنها في كل الأحوال ستنصب في مصلحة النظام المدعوم روسيًا وإيرانيًا ومدعوم من أصدقاء المعارضة كونهم لم يدعموا الاخيرة بشكل جدي، وكون المعارضة تفتقد ما يملكه النظام من بعد نظر وتخطيط واستثمار للدعم.
علاقة تحرير الشام بالفصائل بين المد والجزر
تحرير الشام والفصائل خففوا من توترهم بسبب قرب ضربة العدو الواحد للجميع وهو النظام، فالفصائل قامت بتوزيع القطاعات العسكرية دون اندماج عسكري بسبب الخلافات المنهجية والمناطقية بين الفصائل الثورية والجهادية، وإن كانت هناك معلومات أن الفصائل المدعومة من تركيا ربما تضغط بإعاز من أنقرة على تحرير الشام، وهي الآن تضيق عليها الخيارات إما بحل نفسها أو أنها ستعرض إدلب لحملة روسية بحجة محاربة الإرهاب، ومن هنا تعيش تحرير الشام ابتزازًا قد يفضي إلى خيارات صعبة، لكنها في كل الأحوال ستخوض المعركة بأقل الخسائر بحيث ستتعايش ضمن قاعدة ل”ا يموت الذئب ولا تفنى الغنم”.