ترجمة وتحرير: نون بوست
لعدة أعوام، كانت الشركات الألمانية هي الرائدة والمسيطرة على كل ما يتعلق بقطاع تصنيع السيارات. ولكن يبدو أن علامات التعثر وتبعات فضيحة انبعاثات الكربون بدأت تؤثر على مكانتها في السوق العالمية، وهو ما استفاد منه منافسون آخرون، كانوا لوقت طويل أقل مكانة من المصنعين الألمان. يأتي هذا في أعقاب تمكن شركات تصنيع السيارات الألمانية من تخطي سيطرة نظيراتها الأمريكية التي استمرت لعدة عقود، كما أنها كانت قد تجاوزت “الصدمة اليابانية” التي شهدتها ثمانينات القرن الماضي، حين نجحت شركة تويوتا في غزو كل أسواق العالم، وتلاها الدخول القوي للشركات الكورية.
رغم هذه المنافسة الشرسة على مبيعات السيارات بين الشركات المصنعة، فإن الاسماء الألمانية نجحت في شق طريقها نحو الريادة، لتصبح السيارات الألمانية هي المعيار في كل شيء على مدى العشرين سنة الماضية. ولكن هذه السيطرة المطلقة للألمان على قطاع الميكانيك يبدو أنها بدأت تشارف على النهاية. وهنالك العديد من المؤشرات التي تنذر بهذا التحول، على غرار مشكلة محركات الديزل، التي فشلت شركة فولكسفاغن في تطويقها وتجنب تبعاتها الكارثية. وهنالك أيضا مشكلة ظهور منافسين جدد قادرين على الابتكار وإذهال المستهلكين، خاصة شركة تيسلا وغيرها من الشركات التي ضخت مليارات من الاستثمارات لخوض هذا الغمار، مثل غوغل وآبل وأوبر.
تشير بعض الأرقام والتقارير المرجعية في هذا المجال، إلى ظهور أولى علامات ضعف المصنعين الألمان، وعودة المنافسة المتكافئة مرة أخرى، حيث تمكنت شركة تويوتا اليابانية من تجاوز الجميع وتصدر ترتيب أرباح مبيعات السيارات خلال الفترة الماضية.
تبدو التقارير المالية للشركات اليابانية مبشرة جدا، لدرجة أن المنافسين الألمان خسروا المركز الأول خلال هذا العام
كان المتابعون يعتقدون أن هؤلاء المصنعين اليابانيين، سوف يقعون هم أيضا في دوامة الأزمة المالية التي يواجهها المصنعون الأمريكيون، حيث تعرضت شركات تويوتا وهوندا ومازدا ونيسان لأضرار كبيرة، وهي لا تزال تفتقد للإشعاع الذي حققته خلال العام الماضي. ويبدو أن كل هذه الشركات اليابانية تخلت عن طموحاتها بغزو السوق الأوروبية، وفضلت الاكتفاء بمكاسبها السابقة، والاعتماد على خطة التوسع البطيء والحذر، من خلال الامتناع عن شراء حصص أسهم جديدة، خوفا من تقلبات وضعف السوق.
تويوتا حققت أعلى الأرباح
الآن، تبدو التقارير المالية للشركات اليابانية مبشرة جدا، لدرجة أن المنافسين الألمان خسروا المركز الأول خلال هذا العام، وهو ما أثبته تحليل مالي نشرته مؤسسة “إرنست أند يانغ” للتحليل المالي، إذ أن من حققوا أعلى مرابيح خلال الربع الثاني من العام الحالي على مستوى العالم هما شركتان يابانيتان. ولا تزال شركة فولكسفاغن الألمانية تحتل المركز الأول في الحصة السوقية في قطاع تصنيع السيارات، والمعيار المعتمد هنا هو أرقام المبيعات، حيث باعت فولكسفاغن خلال الربع الثاني 2.619 مليون سيارة، لتتقدم على تويوتا التي باعت 2.615 مليون.
لكن الشركة الألمانية، رغم ذلك، حققت رقم معاملات محدود خلال هذه الفترة المذكورة، لم يتجاوز 61 مليار يورو، فيما حققت تويوتا ارتفاعا في رقم معاملاتها الذي وصل إلى 57 مليار يورو. ولكن أرقام المبيعات تكون دلالاتها مرتبطة بمعايير أخرى، لأنه في النهاية، تكون العبرة بالأرباح الصافية والحقيقية. ومن هذه الناحية، حققت تويوتا تقدما، في المقارنة التي عقدتها مؤسسة إرنست أند يانغ بين 16 من أكبر مصنعي السيارات.
باحتساب النصف الأول من العام الجاري، لا تزال شركة بي أم دبليو متقدمة نسبيا على سوزوكي فيما يتعلق بهامش الربح، لكن أداء الشركة اليابانية يبدو مذهلا
لقد حققت الشركة اليابانية أرباحا صافية بعد دفع الضرائب والخصومات بلغت 5.3 مليار يورو خلال الربع الثاني، فيما حلت فولكسفاغن الألمانية بعدها، بأقل من 4 مليارات. وبالاعتماد على معيار هامش الربح بعد دفع الضرائب، الذي يعد معيارا موثوقا لاحتساب الأرباح التي تحققها الشركات ومدى فعالية خطتها الإنتاجية، حلت بي أم دبليو بعد منافستها اليابانية سوزوكي. وقد كانت بي أم دبليو على مدى سنوات طويلة محل إعجاب المتابعين لقطاع السيارات، حين كانت تحقق هامش ربح صافي يبلغ 11 بالمائة، ولكن سوزوكي حققت هذه المرة 11.8 بالمائة، لتحل في المركز الأول، فيما حققت تويوتا هامش ربح بنسبة 9.3 بالمائة.
لا تحتاج لتكون عملاق تصنيع سيارات حتى تفرض نفسك
باحتساب النصف الأول من العام الجاري، لا تزال شركة بي أم دبليو متقدمة نسبيا على سوزوكي فيما يتعلق بهامش الربح، لكن أداء الشركة اليابانية يبدو مذهلا. أولا، لأنها مرت من عنق الزجاجة وتجاوزت صعوبات كثيرة خلال السنوات الماضية، وبددت شكوك الخبراء في قدرتها على التعافي. وثانيا، لأن تحقيقها لهذه الأرباح كان أصعب بالنظر إلى أنها متخصصة في بيع السيارات الشعبية، على عكس بي أم دبليو، التي تميل لتصنيع السيارات الفاخرة والباهظة الثمن.
بعد خلافها السابق مع شركة فولكسفاغن، لم يكن المراقبون يراهنون على نجاح شركة سوزوكي. فبحسب فلسفة الخبراء في هذا القطاع، فإن الشركة اليابانية كانت صغيرة جدا ولا تمتلك مقومات البقاء على المدى الطويل. وقد رغبت شركة فولكسفاغن الألمانية في عقد شراكة مع سوزوكي لتصنيع سيارات رخيصة وغزو السوق الهندية.
عاد اليابانيون للتربع على المركز الأول في سوق السيارات، لأنهم نجحوا في تجاوز ماركات تاريخية مثل فولكسفاغن بسرعة لا تصدق، وذلك بفضل عملية إعادة هيكلة شاملة قاموا بها
لكن هذا المقترح كان مصيره الفشل، حيث شعر الجانب الياباني بأنه المتضرر من هذه الشراكة، ورغب في التخلص من الألمان المالكين لحصة في أسهم الشركة. وقد نجح اليابانيون في النهاية في تحقيق هذا الهدف، وهو ما كان له أثر إيجابي على أداء شركة سوزوكي. والدرس المستفاد من هذه التجربة اليابانية الممتازة، هو أنك لا تحتاج لأن تكون عملاق تصنيع سيارات حتى تفرض نفسك في السوق. ويعود ذلك إلى أن المصنعين الأصغر حجما يمكنهم أيضا تحقيق التقدم، إذا ركزوا على احتياجات القطاعات السوقية الصغيرة، وعقدوا شراكات في بعض المجالات، ونجحوا في السيطرة على المصاريف.
لقد التزمت سوزوكي بكل هذه القواعد، وهي الآن مصنفة ضمن المراكز الثلاثة الأولى خلال الربعين الأول والثاني من العام الحالي، وحققت أكبر ارتفاع في حجم الأرباح. ومن الملاحظ أنه خلال النصف الأول من العام، حققت ثلاث شركات يابانية أكبر ارتفاع في الأرباح، وهي تويوتا، وميتسوبيتشي وسوزوكي.
تويوتا لديها استراتيجية واضحة للمحركات البديلة
يبدو التغيير الذي حققته شركة تويوتا أكبر وأكثر إذهالا من سوزوكي، إذ أن هذه المجموعة اليابانية، التي احتلت المركز الأول عالميا لوقت قصير في 2009، بعد إعلان إفلاس شركة جنرال موتورز الأمريكية، كانت قد تعرضت بعد تلك الانتعاشة القصيرة لانتكاسة غير مسبوقة. وقد عانت من مشاكل في الجودة، وقامت باستعادة ملايين السيارات بعد طرحها في السوق، كما أن فقدانها لخطوط التزود على إثر كارثة فوكوشيما تركها في وضع لا تحسد عليه. وقد أجمع كل المراقبين حينها على أن النمو السريع الذي حققته هو الذي أدى في النهاية لسقوطها.
يعزى هذا النجاح لوجود بديل واضح لشركة تويوتا، حيث أنها ملتزمة تماما بتطوير محركات هجينة
الآن، عاد اليابانيون للتربع على المركز الأول في سوق السيارات، لأنهم نجحوا في تجاوز ماركات تاريخية مثل فولكسفاغن بسرعة لا تصدق، وذلك بفضل عملية إعادة هيكلة شاملة قاموا بها، إلى جانب خفض النفقات، وبرامج التقشف. كما أن اليابانيين يتمتعون بالقوة في الأسوق الآسيوية، وحتى في الصين والولايات المتحدة، لأنهم لم يواجهوا مشكلة محركات الديزل وتزوير معدلات انبعاثات الكربون، التي ألقت بظلالها على الشركات الألمانية.
أخيرا وليس آخرا، يعزى هذا النجاح لوجود بديل واضح لشركة تويوتا، حيث أنها ملتزمة تماما بتطوير محركات هجينة. ولا يزال هذا الخيار مثيرا للجدل، ولكن تويوتا ستكون أقل خوفا في هذا الصدد من نظيراتها الألمانية. وقد لا يتمكن اليابانيون من توفير منتج متكامل يستجيب لكل تطلعات الزبائن، ولكنهم يمتلكون حلولا واقعية لتوفير محطات شحن الكهرباء في كل المدن، وبطاريات صالحة لمسافات أطول إلى جانب محركات الاحتراق، حتى تجنب المستعملين الخوف من نفاذ الشحن في منطقة خالية.
من المؤكد أن الجدل الذي أثير حول محركات الديزل وتزوير معدلات انبعاث الكربون، قد تسبب في ضعف كبير في أداء الشركات الألمانية، خاصة وأن أبرز هذه الشركات، مثل بي أم دبليو ومرسيدس وشركة أودي التي تعد جزءا من مجموعة فولكسفاغن، استثمرت أموالا كثيرة في محركات الديزل. ولذلك، فإن هذه الشركات الثلاث هي الأكثر تضررا من تراجع مبيعات السيارات التي تعمل بالديزل. كما أنه من الواضح لكل الخبراء أن المصنعين الألمان لا يتبعون خطة صارمة للسيطرة على كلفة الإنتاج، أو على الأقل فإن خططهم لا تضاهي ما يعتمده منافسوهم في شرق آسيا.
اليابانيون كانوا مرغمين على الإصلاح
فيما يتعلق بالنسب المئوية للنمو، تراجعت نتائج الشركات الألمانية بواقع 1.2 بالمائة خلال النصف الأول من سنة 2018. وحتى المصنعون في الولايات المتحدة وفرنسا تعرضوا لخسائر. في المقابل، فإن اليابانيين حققوا ارتفاعا بنسبة 0.6 مقارنة بالعام الماضي. وباعتماد معايير الأرباح، فإن 6 أو 7 مصنعي سيارات فقط تضمنت تقاريرهم المالية أرباحا في الربع الثاني وفي النصف الأول من العام الجاري، أربعة منهم أو خمسة كانوا من اليابان.
من أجل الدخول في منافسة حقيقية مع العمالقة الجدد الذين اقتحموا مجال تصنيع السيارات، على غرار آبل، غوغل، وأوبر وتيسلا، يجب تطوير سيارات تعمل بالطاقة النظيفة، أو سيارات رقمية بالكامل، وسيارات تنتج طاقتها بنفسها.
يشار في هذا السياق إلى أن شركتي رينو وبي أس آي الفرنسيتين حققتا أيضا نتائج إيجابية بشكل مفاجئ، في وقت أعلنت فيه الشركات الألمانية خلال الفترة الماضية عن تراجع في الأرباح. وهنالك عدة أسباب تقف وراء ضعف الشركات الألمانية، إذ أنه إلى جانب أزمة محركات الديزل وارتفاع كلفة الإنتاج، هنالك أيضا قيام المنافسين اليابانيين بعملية إعادة تنظيم وإصلاح منذ سنوات. وهو أمر لم يره الألمان ضروريا إلى حد الآن، حيث كانوا دائما يسعون فقط لرفع المبيعات وقد نجحوا في ذلك إلى وقت قريب، ولكن هذه الاستراتيجية جعلتهم عرضة للهزات على المدى الطويل.
من أجل الدخول في منافسة حقيقية مع العمالقة الجدد الذين اقتحموا مجال تصنيع السيارات، على غرار آبل، غوغل، وأوبر وتيسلا، يجب تطوير سيارات تعمل بالطاقة النظيفة، أو سيارات رقمية بالكامل، وسيارات تنتج طاقتها بنفسها.
المصدر: فيلت