يشهد مشروع قانون “حق الحصول على المعلومة” في العراق نقاشات حادة بين الحكومة والمنظمات الحقوقية والصحفية، إذ تسعى السلطات العراقية إلى إقرار هذا القانون باعتباره خطوة ضرورية لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، بينما تعرب منظمات المجتمع المدني عن قلقها من أن بعض مواد القانون قد تؤدي إلى تقييد حرية التعبير والوصول إلى المعلومات.
وتشير بعض الأوساط العراقية إلى أن بعض مواد القانون تستثني فئات معيّنة من المعلومات الحيوية، مثل المعلومات الاقتصادية والتجارية والقرارات الحكومية، ما قد يقوّض الجهود الرامية إلى مكافحة الفساد ويحدّ من دور الصحافة في مراقبة الأداء الحكومي.
مضمون القانون
بحسب مسودة القانون، فإنه يهدف إلى تمكين طالب المعلومة من الوصول إليها والحصول عليها، بما ينسجم مع المواثيق الدولية وتعزيز مقومات الشفافية في عمل الجهات المعنية، وتمكين المجتمع من تنمية قدراته للاستفادة من المعلومات، ودعم روح المشاركة الواعية في الرقابة على أعمال الجهات المعنية.
ويمنع القانون الحصول على المعلومات من القوات المسلحة والدفاع والأمن الوطني والسياسة الخارجية، وكذلك الاتصالات والمراسلات الدولية، والوثائق السرية، ومداولات مجلس الوزراء والمجالس الوزارية، والمداولات الخاصة بعمل الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة.
ويرفض القانون إعطاء أي معلومة تخص الملفات الشخصية المتعلقة بالأشخاص الطبيعيين والمعنويين، أو فحوى التوصيات أو الاقتراحات أو الاستشارات التي تقدَّم لاتخاذ قرار معيّن من أي جهة.
ولا يسمح القانون بالإدلاء عن المعلومات التي يؤدي الكشف عنها إلى التأثير على المفاوضات بين العراق ودولة أخرى، أو محاضر التحقيقات الإدارية والتحقيقات الجزائية، أو المعلومات ذات الطبيعة التجارية أو الصناعية أو المالية أو الاقتصادية وغير ذلك.
ويعطي القانون الموظف المختص صلاحية رفض تزويد معلومات حول الممتلكات الحكومية من أسهم واموال منقولة وعقارات، فضلًا عن الصفقات والمناقصات التي تنوي الجهة المعنية عقدها.
وحددت المادة 16 من القانون عقوبة بالحبس مدة لا تزيد عن سنة وبغرامة، أو بإحدى هاتين العقوبتين، على كل من نشر المعلومات غير مرخصة، أو امتنع عمدًا عن تقديم المعلومات، إلا إذا كانت الأسباب معقولة ومقنعة.
ويؤكد عضو اللجنة القانونية النيابية النائب رائد المالكي، أهمية تشريع هذا القانون من أجل تدعيم جهود مكافحة الفساد وإتاحة المعلومات أمام المواطنين والجهات الرقابية والإعلام، وإلزام الجهات المعنية بالإفصاح عمّا يتعلق بالنشاط الحكومي.
وشدّد المالكي خلال مداخلته أثناء القراءة الثانية للمشروع في البرلمان العراقي، على ضرورة تعديل القانون ليشمل فئات أكثر بينها الشركات الخاصة والنقابات، مع توسيع نطاق المعلومات التي تكون متاحة للجمهور من دون طلب بهدف تعزيز الرقابة.
ردود رافضة
وقُوبلت مساعي مجلس النواب العراقي لإقرار قانون “حق الحصول على المعلومة” الذي قدمته الحكومة بموجة رفض واسعة، من خلال رسالة حملت توقيع أكثر من 465 جهة شملت منظمات وشخصيات وناشطين.
ويثير هذا القانون قلقًا بين المنظمات غير الحكومية والمجتمع الصحفي بسبب غياب إشراكهم في مناقشة مواده، ويُخشى أن يؤدي إلى تقييد حرية التعبير، التي لا تزال تواجه تهديدات رغم الجهود المبذولة منذ عام 2003.
وتمّت القراءة الثانية للقانون في أغسطس/ آب الماضي، دون مراعاة للملاحظات التي قدمتها منظمات مدنية وصحفيون، ممّن يعتقدون أنه يتعارض مع الدستور والمعايير الدولية، حيث تفرض بعض بنود القانون قيودًا غير مبررة على حق الحصول على المعلومات، وهو ما قد يعرقل الشفافية.
وأعربت المنظمات الحقوقية عن رفضها لصياغة القانون الحالية، وسط مطالبات بإجراء مشاورات واسعة تشمل منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام لتعديل النص بما يتوافق مع حقوق الإنسان، كما ترفض إعطاء صلاحيات واسعة للمسؤولين في تصنيف المعلومات على أنها سرية دون معايير واضحة، معتبرة أن ذلك يعزز الفساد ويضعف الشفافية.
وانتقد الناشطون محاولة القانون استثناء معلومات حيوية من حق الوصول إليها، مثل المعلومات الاقتصادية والعطاءات، من دون توضيح غاية مشروعة، مع منح الصلاحيات للمسؤولين لتصنيف المعلومات ومنع نشر عقود المناقصات، ما يشجّع على السرية والفساد.
واستنكر الموقّعون غياب ضمانات استقلالية الموارد لدائرة المعلومات التي ستُستحدث ضمن المفوضية العليا لحقوق الإنسان، إضافة إلى أن النقاشات حول القانون لم تكن شفافة أو شاملة، حيث لم يتم إشراك أصحاب المصلحة بشكل كافٍ.
وأعربت المنظمات الموقعة على هذا البيان عن استيائها من موقف العديد من النواب المعادي لحقّ الحصول على المعلومة، ودعت إلى إعادة النظر في مشروع القانون، وإشراك كافة الأطراف المعنية لضمان التزامه بالدستور والمعايير الدولية.
تأثيرات القانون
ويثير القانون بصيغته الحالية مخاوف تتعلق بإمكانية تقييد الوصول إلى المعلومات الحساسة والتي تهم الرأي العام، ما قد يعيق عمل الإعلام في تسليط الضوء على القضايا الهامة ومحاسبة المسؤولين.
وحذّرت عضوة لجنة الثقافة والإعلام النيابية نور نافع، في 12 أغسطس/ آب الماضي، من أن “صيغة قانون الحصول على المعلومة المرسلة إلى مجلس النواب ملغّمة وتحتوي على الكثير من القيود التي تفرض على الصحفيين والناشطين والمهتمين في الشأن السياسي”.
ويصف الصحفي والناشط العراقي ياسر الجبوري، قانون حق الحصول على المعلومة بأنه “ملغّم”، ويحتوي على الكثير من القيود التي تُفرض على الصحفيين والناشطين والمهتمين في الشأن السياسي.
وفي حديثه لـ”نون بوست”، شدد الجبوري على ضرورة تعديل القانون بما يخدم المصلحة العامة، وإزالة القيود التي فُرضت على الصحفيين والناشطين.
ويعتقد الجبوري أن القانون يهدد حرية الصحافة، لأنه سيكون فوهة الحكومة ضدّ كل من يتكلم بالشأن السياسي ويفضح عمليات الفساد المستمرة، لذا لا يمكن التصويت على القانون بصيغته الحالية.
ويرى أن تطبيق القانون لن يكون عمليًا في بيئة سياسية معقدة مثل العراق، بسبب الحاجة إلى قوانين تخفف البيروقراطية في دوائر الدولة، وإقرار قوانين مهمة للاستثمار وقوانين تمنع الفاسدين من تمرير أجنداتهم وسرقة المال العام، فقانون الحصول على المعلومة يتماشى مع بلد مستقر وليس في بلد مثل العراق.
ويرجّح الصحفي والناشط العراقي أن يكون السجن مصير كل مدون وإعلامي وصحفي وناشط سياسي يحاول أن يفضح الفساد داخل الدولة العراقية بسبب هذا القانون. ويلفت إلى أن شبهات الفساد التي طالت أعلى هيئة للنزاهة في العراق بحسب البصمات الصوتية المسرّبة، أثارت المخاوف من إمكانية تعاون الجميع على إسكات الكل في المستقبل بعد تمرير القانون.
من جانبه، حذّر مركز النخيل للحقوق والحريات الصحفية، في فبراير/ شباط الماضي، من وجود “ثغرات” في قانون “الحصول على المعلومة” الذي ناقشه البرلمان العراقي، لافتًا إلى أن هذه الثغرات قد تحوّل هذا القانون إلى “سوط” يهدد حرية الصحفيين.