أقرّت الحكومة المغربية، عودة البلاد إلى التجنيد الإجباري في الجيش، الذي أنهي العمل به سنة 2006، بعد أن كان معمولا به طيلة 40 عاما، في انتظار مصادقة البرلمان عليه. قانون جديد يرى فيه البعض استعداداً مغربياً لحرب قادمة في المنطقة، فيما يراه أخرون تدريبا للشباب على المواطنة والشعور بالوطنية في هذا الظرف المهم الذي تمرّ به المملكة.
تفاصيل القانون
القانون الجديد الذي أقرته الحكومة والذي يحمل الرقم 44.18، الاثنين، حدّد الشريحة التي يهمها التجنيد وهي الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و25 عاما، لكن يمكن وفق الظروف استدعاء الأشخاص الذين يبلغون 40 سنة أيضا.
ويدوم أداء الخدمة العسكرية، وفق القانون 12 شهرا كاملة، مع استثناء “ذوي العجز البدني أو الصحي الذي يكون مثبتا بتقرير طبي صادر عن مصالح التكوين الاستشفائية العمومية المختصة، أو التحمل العائلي أو متابعة الدراسة“.
يستثني القانون أيضا “الأشخاص الذين حكم عليهم بعقوبة جنائية أو بالسجن النافذ لمدة تزيد عن ستة أشهر، ما لم يحصلوا على إعادة الاعتبار“. وبحسب القانون، فإن “الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 25 سنة، والذين استفادوا من الإعفاء لأحد الأسباب، يمكن استدعاؤهم لأداء خدمتهم العسكرية حتى سن 40، في حالة انتفاء أسباب الإعفاء“.
تزامن صدور قرار الغاء الخدمة العسكرية الاجبارية، مع تفكيك خلايا جماعة مسلحة يطلق عليها اسم “أنصار المهدي”
في حالة رفض الأشخاص الخاضعين للخدمة العسكرية، الذين تستدعيهم السلطة المختصة بهدف تسجيلهم أو اختيارهم بشكل قبلي، ويمتنعون عن المثول أمام تلك السلطة، دون سبب وجيه، يعاقبون بالسجن من شهر إلى ثلاثة أشهر وغرامة مالية.
بعد 12 سنة من توقيف العمل به
عودة المغرب إلى التجنيد الإجباري في الجيش، جاءت بعد 12 سنة من توقيف العمل بهذا الاجراء. وكان المغرب قد أطلق في يونيو/ حزيران سنة 1966 الخدمة العسكرية بموجب مرسوم ملكي أصدره الملك المغربي الراحل الحسن الثاني، استنادا إلى مجموعة من الأهداف؛ أولها تكوين المواطن المغربي تكوينا أساسيا يستطيع معه أن يقوم بواجب الدفاع عن حوزة وطنه في جميع الظروف وبصورة فعالة.
ويمتدّ التجنيد الإجباري سابقا إلى عام ونصف العام (موزعة بين فترة التكوين العسكري وفترة التكوين التقني والمهني) للذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و35 عاما. أما الإناث، فكان بإمكانهن التطوّع لأداء هذه الخدمة العسكرية إذا ما أردن ذلك بشرط أن يكنّ عازبات ولا يُعِلْن أي أطفال.، ولم يكن يستثنى منه سوى الذين يعانون من العجز البدني أو أصحاب المسؤوليات العائلية أو الطلبة في الجامعات.
هذا الاجراء تم الغاؤه في شهر آب/أغسطس 2006، بقرار من العاهل المغربي محمد السادس. وبرّرت السلطات آنذاك سبب الالغاء إلى تطوّر الجيش المغربي، غير أن العديد من الخبراء أرجعوا الأمر إلى تخوّف الحكومة من استغلال الجماعات الإرهابية لفرصة التجنيد الإجباري لاختراق الجيش المغربي وتمكين عناصرها من التدريب.
وتزامن صدور قرار الغاء الخدمة العسكرية الاجبارية، مع تفكيك خلايا جماعة مسلحة يطلق عليها اسم “أنصار المهدي”، وأثبتت التحقيقات حينها أن مجموعة من الجنود في الجيش المغربي متورطون في الجناح العسكري لهذه الشبكة الإرهابية المسلحة.
وتُظهر تقارير أن عدد أفراد القوات المسلحة المغربية، المقدّر بـ220 ألف عنصر في سنة 2015، يمثل 0.67 % من مجموعة سكان البلاد، البالغ عددهم 33.4 مليون نسمة خلال السنة ذاته. وبذلك، مثل عدد أفراد الجيش المغربي 1.8 بالمئة من مجموع اليد العاملة سنة 2015، في حين بلغت هذه النسبة 1.6 % سنة 2007.
الاستعداد لحرب قادمة؟
عودة العمل بنظام التجنيد الإجباري في الجيش، ربطه عديد المغاربة بالتطورات التي تشهدها المنطقة، وحالة التأهب والاستعداد القصوى في المملكة ترقبا لأي حرب قادمة مع جبهة البوليساريو التي تسعى لانفصال الصحراء الغربية عن المغرب.
ويرى هؤلاء أن المغرب يسعى إلى من خلال إقرار خدمة التجنيد الإجباري على الشباب إلى دعم أفراد القوات المسلحة الموجودة في الصحراء، ضد أي حرب محتملة مع عناصر جبهة البوليساريو في هذه الظروف العصيبة التي تعيشها الوحدة الترابية للبلاد.
يترقب مغاربة نشوب حرب في أي وقت مع جبهة البوليساريو
غير أن عبد الرحيم المنار اسليمي، رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني، ذهب عكس ذلك حيث قال إنّ “الأمر شأن قيمي وطني مغربي لا علاقة له بالحرب مع البوليساريو والجزائر، فسيناريو الحرب دائما موجود ومستمر وازدادت حدته منذ سنة 2012، لأنه كما يفكر المغرب في السلم يفكر في الحرب، ولكن سيناريو الحرب لا علاقة له بقانون التجنيد العسكري الإجباري.”
وعقب هذا القرار قالت جبهة البوليساريو المطالبة بانفصال الصحراء عن المملكة إن “الخطوة المغربية تتناقض مع الجهود التي يقوم بها المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي هورست كولر”. واعتبرت الجبهة في بيان لها أن “إعلان قانون الخدمة العسكرية الإجبارية في المغرب يعد إشارة واضحة إلى أن الرباط غير جادة في التوصل إلى أي حل سلمي لقضية الصحراء”، مردفة أن الرمي بالشباب العاطل في الحرب ستكون عواقبه دون شك وخيمة على الأمن والاستقرار بالمنطقة”.
وتعقيبا على هذا البيان قال عبد الرحيم المنار اسليمي، “تعليق البوليساريو ومحاولة ربطه بين التجنيد العسكري والحرب يدخل في إطار الحرب النفسية وتسميم الأجواء داخل المغرب، فحتى تغيير مدرب الفريق الوطني المغربي لكرة القدم يعتبرها البوليساريو ضده وهذا تعبير عن أزمة سيكولوجية عميقة يعيشها البوليساريو وهو يتابع ما يجري داخل المغرب.
تكريس القيم الوطنية
في مقابل ذلك، قال مسؤولين في الدولة إن هذا القانون يهدف إلى “تكريس القيم الوطنية والاعتماد على الذات، لدى الناشئة، ورفع منسوب الواجب، في سياق العولمة والثورة الرقمية التي افرزت تضخيم من حجم المشاكل السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية في البلاد بهدف تحطيم معنويات المواطنين جميعا والشباب على وجه الخصوص.”
اسليمي: عودة التجنيد محاولة من الدولة لبناء توازن بين الحقوق والواجبات
يعتبر التجنيد الإجباري، واجبا وطنيا وكذلك محطة تربوية وبيداغوجية في حياة الشاب نظرا لما يكتسبه خلال فترة التجنيد من مهارات فكرية ونفسية وعملية، فهو بمثابة المدرسة التي تساهم في تلقين الشباب قيم حب الوطن وتقوي في نفوسهم روح المواطنة. كما أنها تساهم في صقل مواهب الشبان وتهذيب سلوكهم وتقوية روح المسؤولية لديهم وتعويدهم على الانضباط والصبر وقوة الإرادة.
ويقول مغاربة إن هذه الخصال باتت ضعيفة اليوم في البلاد بفعل تراجع المدرسة ومؤسسة الوساطة، خاصة الاحزاب السياسية في التأطير والتوجيه والإحاطة لاسيما وأن المنظومة التربوية المغربية تلفظ سنويا مئات الآلاف الشباب في براثين البطالة والشارع والانحراف والتطرف.
في هذا الشأن يقول عبد الرحيم المنار اسليمي، رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني لنون بوست، “من الواضح جدا أن عودة التجنيد الإجباري في المغرب له علاقة بتطورات قيم الوطنية، فالأمر يتعلق بمبادرة تنظيمية لها أبعاد مرتبطة بإعادة تطعيم الدولة الأمة في المغرب.”
ويضيف عبد الرحيم المنار اسليمي، “الانتقالات الجيلية في المغرب أفرزت لنا جيلا يحتاج إعادة البناء القيمي للوطنية على أسس جديدة يندرج ضمنها وضع قانون للتجنيد الإجباري، فالمتتبع لتطور الدولة المغربية ومنظومتها القيمية سيلاحظ أن التجنيد الاجباري كان ضمن مقومات بناء الدولة المغربية وتوقف وسط مناخ جديد عرف تضخم على مستوى النصوص القانونية المنظمة الحقوق والحريات، الشيء الذي أضعف منظومة الواجبات داخل معادلة المواطنة وأثر على قيم الوطنية”.
تراجع قيم الوطنية في المغرب
رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني، اعتبر أنّ عودة التجنيد الإجباري هي “محاولة من الدولة لبناء توازن بين الحقوق والواجبات، هذا التوازن الذي سيكون له تأثير على فكرة الوطنية بإعادة تجديدها وتطعيمها الذي هو في الواقع تطعيم لمعادلة الأمة الدولة بالمغرب.”
بدوره شدّد الخبير القانوني، والمحامي بهيئة تطوان، محمد الهيني، في تصريح لنون بوست على ضرورة “الحرص على تطبيق التجنيد الإجباري في إطار المساواة أمام القانون وعدم التمييز بين جميع فئات الشعب، لأن هذا يدخل ضمن الواجب الذي يتعين أن تجند من أجله جميع الأسر المغربية، بل ويكون مدعاة للافتخار بالتحاق أبنائها بالجيش والعمل العسكري لأنه عمل بطولي وطني لا ينبغي التهرب منه.”
وأضاف الهيني، “حتى بالنسبة للموظفين والشباب الذين يزاولون الدراسة يمكن التفكير في صيغة أخرى لتجنيدهم خلال العطلة الصيفية لمدة ثلاثة أشهر، فهي كافية لهم عوض سنة أو سنتين بدل التهافت على المخيمات. ولهذا أرى أن على الدولة بالمناسبة أن تحرك تنظيم المخيمات العسكرية، حيث يقوم الجيش بمثل هذه المخيمات باستقطاب فئات من الأطفال والشباب وفي ظرف ثلاثة أشهر يمكن أن يتعلموا عدة أشياء أهمها الانضباط واحترام الآخر وقيم المواطنة.