يعتبر عيدي الفطر والأضحى جامعة لأفراح المسلمين ودليل وحدتهم ، فكل المسلمين يصلون في وقت واحد ويهنئون أنفسهم ومن حولهم بهذه الأيام، وكذلك الحال في العراق، فعلى الرغم من تتابع النكبات والمعتركات المتعددة، إلا أن العيد له أهمية وخصوصية لدى العائلة العراقية، تبدأ التجهيزات قبل العيد بأيام من تحضير “الكليجة” وشراء ملابس العيد للأطفال عادات مستمرة رغم الجروح والألم التي يمر بها الشعب. وها هو العيد يعود لنا اليوم بعد تجاوز محنة الإرهاب وتحرير المدن العراقية من “داعش”، على أمل أن تكون الأعياد القادمة، أعياد خير وسعادة على الشعب العراقي.
صلاة العيد من جامع أبي حنيفة رحمه الله
هل تقاليد العيد واحدة في كل أنحاء العراق؟
يمتد العراق على مساحة جغرافية كبيرة تتوزع في هذه المساحة 18 محافظة، وفي نفس الوقت بعض هذه المحافظات حدودية تحد دولاً مختلفة، فهل يا تُرى أن العادات العيدية واحدة في جميع أنحاء العراق، أم هي متعددة تختلف بحسب المكون والقومية التي تسكن في هذه المحافظة أو تلك، فمن المعلوم أن العراق بلد متعدد المذاهب والقوميات والأديان، فهذا السبب يجعل العادات تختلف.
وفي هذا السياق يتحدث الباحث حسين السبعاوي أنه “بسبب التنوع العرقي والمذهبي والقومي والجغرافي في العراق فلا يمكن حصر عادة العيد بسلوكية واحدة لكن هناك تشابه في بعض السلوكيات والعادات العراقية في الأعياد وكذاك هناك اختلاف في بعض العادات العراقية”. وأوضح السبعاوي “أن للعراقيين ثقافة خاصة بهم تختلف عن بقية الثقافات في العالم العربي والإسلامي كذلك عاداتهم في الأعياد تختلف عن البقية من العرب في عاداتهم وتقاليدهم في الأعياد “.
السبعاوي: “عادات وتقاليد أهالي بغداد تختلف نوعًا ما عن مدينة نينوى وهي أن اليوم الأول من صباح كل عيد يكون الفطور الصباحي من القيمر وأكلة (الكاهي) وهي أكلة بغدادية مشهورة يطلق عليها في تركيا مثلا (البورك)
وعلى سبيل المثال يوردُ السبعاوي أن “مدينة نينوى لها عادات وتقاليد تختلف نوعا ما عن مدينة بغداد والبصرة وشمال العراق. فمن عادات أهالي نينوى في صباح كل العيد هو الفطور الصباحي وهو عادة ما يتناولون القيمر في صباح كل عيد وقسم آخر من أهالي نينوى يتناولون لحمة الرأس (الباجة) صباح كل عيد هذا بالنسبة لأهالي المدينة”.
ويضيف السبعاوي أن “عادات وتقاليد أهالي بغداد تختلف نوعا ما عن مدينة نينوى وهي أن اليوم الأول من صباح كل عيد يكون الفطور الصباحي من القيمر وأكلة (الكاهي) وهي أكلة بغدادية مشهورة يطلق عليها في تركيا مثلا (البورك)، أما الزيارت فتكون في اليوم الأول للنسائب والاقرباء وليس كما هو في نينوى تكون في اليوم الثاني”.
ويشير الباحث العراقي حسين السبعاوي لمدن عراقية أخرى لا يتسع المقام لذكرها، وقفنا عند أهم مدينيتبن في العراق بغداد ونينوى، إذا كانت هذه المدن تختلف بالعادات والتقاليد من باب أولى أن تختلف عادات المحافظات الجنوبية عن المحافظات الشمالية فلكل منها عادات لها نكهتها وجماليتها، وهو تنوع لاطياف اللون العراقي.
أجواء العيد من الموصل القديمة
ما هي أهم العادات والتقاليد في عيد العراقيين؟
العيد في العراق هو مصدرٌ لاجتماع العائلة، ومصدر لإعادة الفرحة على وجوه الاطفال، وفي كثير من الإحيان يكون العيد سبباً للمصالحة بين المتخاصمين، أما العيد في العراق، فله عادات وتقاليد جميلة تختلف عن بقية البلدان العربية، وعلى الرغم من اختلاف هذه العادات سنسلط الضوء على أهمها وهي المشتركة بين كل أطياف الشعب العراقي.
“الكليجة”.. حلوى العيد العراقية
الكليجة، تلك الحلوى التي يكاد أن يكون عليها اجماع وطني كامل، ففي كل المدن يسبق العيد تحضير وتجهيز الكليجة، قبل العيد بيومين تبدأ التحضيرات لهذه الحلوى العراقية الخاصة (الكليجة) تتجمع بنات الخالات والأخوات ونجلس سوية لتحضيرها، والأطفال يترقبون خروج أول قطعة حلوى ليتدافعوا عليها فرحاً لنيل شرف تذوقها كأول فرد من العائلة وخصوصاً تلك المحشية بالتمر فالجميع يحبها كباراً وصغاراً.
“كليجة” العيد
ليلة “أم الحلس”
التسوق وشراء الهدايا والملابس للعائلة العراقية من أهم الطقوس التي تسبق العيد بأسبوع أو أكثر، وفي ليلة العيد الكل يتسابقون على دخول الحمام للغسل والتنظيف، ونحن نطلق عليها بغسل العيد أما أجدادنا فقد كانوا يسمّونها بـ (أم الحلس)، ففيها الأولاد الصغار يحلقون رؤوسهم، والبنات يتسابقن بطول شعرهنّ مع بنات عمهنّ وأخواتهنّ، ووضع الحناء على أيديهنَّ وتزينيهن.
للعيدية طعم آخر
وللعيد فرحة خاصة لدى الصغار خصوصاً، صباح يوم العيد يذهب الأطفال إلى الأجداد والآباء لمعايدتهم والحصول على مبلغ من المال نطلق عليه اسم (العيدية) كنفس الحال في الدول العربية الأخرى، يتسابق الأطفال في النهوض باكراً ومعايدة أكثر عددٍ من الأهل والأقارب لجني أكبر مبلغ من المال.
من العادات السلبية التي استمرت منذ عهدٍ طويل ولم ينقطع الناس عنها مهما كانت الظروف زيارة المقابر، فزيارتها من طقوس العيد العراقي، وهي شيءٌ درج عليه الآباء والأجداد
صلاة العيد
تعد الصلاة هي الافتتاحية لبقية أيام العيد المقبلة، وبعدها تبدأ الفعاليات الأخرى، فبعد افتتاح الرجال يوم العيد بأداء الصلاة في المساجد والحسينيات أو الأماكن المفتوحة، وهم على كامل زينتهم من الملابس الجديدة، يتبادلون التهاني والتبريك بعبارة التهنئة (تقبل الله الطاعات، مبارك عليكم العيد)، وإعطاء “العيدية” للصغار. تبدأ الزيارات العائلية عقب تناول فطور الصباح الذي افتقدوه شهرا كاملاً، ثم الذهاب إلى بيت الوالدين والبقاء هناك لتناول طعام الغداء، وبعده معايدة الأرحام والأقارب والأصدقاء، والحرص على ذكر الفقراء وبرهم بالميسور من العطاء وكسوة العيد في عادة كانت ومازالت خالدة.
زيارة المقابر
من العادات السلبية التي استمرت منذ عهدٍ طويل ولم ينقطع الناس عنها مهما كانت الظروف، فزيارتها من طقوس العيد العراقي، وهي شيءٌ درج عليه الآباء والأجداد، فرغم سلبيتها وعدم انسجامها مع أجواء الفرح، إلا أنها مستمرة ودون انقطاع، رغم أن العيد شُرِع لزيارة الأحياء، ولم يشرع لزيارة الأموات.
ويبقى للعيد عادات أخرى تختلف باختلاف المحافظات والمدن، فزيارة الأقارب والاجتماع ببيت الجد، وكذلك الأضاحي وتوزيعها على الفقراء، وزيارة كبار السنّ ومعايدتهم، فرغم كل المعتركات لكن هذه العادات ما زالت مستمرة، لكنها بدأت تقل في السنوات الأخيرة.
الزوراء في أيام المناسبات
عيد العراقيين في عصر التكنولوجيا
بعد أن غزت التكنلوجيا حياتنا وتدخلت بتفاصيلها أصبح كثير من الناس وتحديداً فئة الشباب يقضون معظم الأوقات في أيام المناسبات كالأعياد على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد أوضح الباحث سامر شمعة أنه “في السابق كانت العائلة العراقية تتكبد عناء السفر للقاء الأهل وتقديم التهاني لهم في أيام العيد عبر وسائل النقل المتعددة واللقاء المباشر، إلا أن عصر السرعة والتكنولوجيا، قد اختصر لهم الطريق وباتوا يكتفون في بعض الأحيان بتبادل رسائل التهاني عبر وسائل التواصل الحديثة كالهاتف أو الشبكة العنكبوتية وتطبيقات الهاتف النقال، وهذا ما أضعف تماسك النسيج العائلي في بعض الأحيان، وخصوصًا في نظر الجيل السابق من الأباء والأجداد الذين يعدونها خرقًا لعاداتهم السابقة التي كانت تشدد على حضور الجميع دون تخلف أي فرد في أيام العيد في دار الجد الأكبر للعائلة”.
أخذت منصات التواصل الاجتماعي حيزاً كبيراً من حياة الناس والشباب على وجه الخصوص، فبينما كان الشباب يقضون أيام العيد في مدن الألعاب، واللعب على الدراجات الهوائية وتصادم السيارات وركوب لعبة (الأفعوانية)، ومشاهدة الأفلام في دور السينما، فضّل الجدد منهم صفحات التواصل الاجتماعي كشكل جديد للعيد بطقوس إلكترونية تكنولوجية خاصة.