تتردد في الولايات المتحدة أصداء متباينة لإقرار مايكل كوهين المحامي السابق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهم تتعلق بالاحتيال الضريبي والمالي وانتهاك قوانين تمويل الانتخابات بالتزامن مع إدانة بول مانافورت المدير السابق لحملته الانتخابية بتهم مماثلة.
أصداء اعتراف كوهين بالذنب وإدانة مانافورت سرعان ما استدعدت التساؤلات حول وضع الرئيس ترامب ومستقبله السياسي، وانعكاسات هذه القضايا على انتخابات الكونغرس المقبلة، وأسباب قلق حلفاء ترامب لا سيما السعودية من هشاشة وضعه السياسي.
ضربة مزدوجة لترامب
ساعات عصيبة يمر بها دونالد ترامب بعد انتكاسة قانونية تعرض لها اثنين من مقربيه السابقين، أولهما مايكل كوهين المحامي الشخصي السابق للرئيس الأمريكي، وهو مذنب في 8 قضايا، بينها الاحتيال المالي والضريبي ضمن تسوية مع الإدعاء الأمريكي في نيويورك، وخرق قوانين الانتخابات الأمريكية عام 2016بتوحيه مباشر من المرشح ترامب شخصيًا؛ أي الانتخابات التي أوصلت ترامب إلى البيت الأبيض.
أقر كوهين أمام القاضي الفدرالي وليام بولي في محكمة مانهاتن أيضًا باتهامات منسوبة له، من بينهما دفع أموال لامرأتين كان يعتقد أن لديهما معلومات مضرة بانتخابات 2016 وبالحملة الانتخابية، في مقابل التزامهما الصمت بشأن مزاعم عن إقامتهما علاقة مع المرشح ترامب.
وجاء رد ترامب سريعًا بعد ساعات قليلة عبر سلسلة من التغريدات اتهم خلالها كوهين بالبحث عن تسوية مع الإدعاء عبر اختلاق القصص من أجل التوصل إلى تسوية مع المحكمة، وكتب ترامب في أولى تغريداته ردًا على ذلك قائلاً “إذا كان أي منكم يبحث عن محامٍ جيد فإنني أقترح بقوة عدم الاستفادة من خدمات مايكل كوهين!”.
وتزامنًا مع اعترافات كوهين، كانت محكمة فيدرالية أخرى في فيرجينيا توجه إدانات في نفس اللحظة للمدير السابق لحملة ترامب، فبول مانافورت مذنب أيضًا في 8 تهم، واُسقطت عنه 10 تهم في أول محاكمة تنجم عن التحقيق في التدخل الروسي في انتخابات 2016.
اُدين مانافورت بتهم الاحتيال الضريبي والاحتيال المصرفي وعدم التصريح بامتلاكه حسابات في مصارف اجنبية؛ ما يعني أنه سيقضي سنوات في السجن. وكانت أجهزة المخابرات الأمريكية كشفت حدوث تدخل روسي في الحملة الانتخابية الرئاسية الأخيرة، لكن ترامب قال إن “تدخل موسكو لم يؤثر على النتيجة”.
إدانة مانافورت تناقض تمامًا وعود الرئيس بأنه وظَّف أفضل الشخصيات في طاقمه
لم يكن يسيرًا على ترامب استيعاب خبرين كل واحد منهما أسوأ من الآخر، فنتيجة لذلك حزن الرئيس الأمريكي كثيرًا عند سماع الخبر، وأبدى تعاطفه مع مانافورت، لكن بالرغم من إعرابه عن الأسف والحزن لإدانة المدير السابق لحملته الانتخابية، سعى ترامب إلى النأي بنفسه عن مانافورت الذي لعب دورا محوريًا في تحقيق فوزه بالسباق الرئاسي الأخير.
If anyone is looking for a good lawyer, I would strongly suggest that you don’t retain the services of Michael Cohen!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) August 22, 2018
وبالرغم من هذه الانتكاسات القانونية المتلاحقة جدد ترامب وصفه لهذه المحاكمات بـ”الملاحقة السياسية”، واعتبر الإدانه جزءًا من “حملة اضطهاد” أعقبت الانتحابات الرئاسية، وقال في تصريحات صحفية لدى وصوله فرجينيا الغربية “يجب أن أخبركم أن مانافورت رجل صالح، وما حدث أمر محزن لكنه لا يورطني، ولاعلاقة للأمر بالتدخل الروسي”.
وفي تغريدة ثانية خصَّ بها مانافورت، قال ترامب “أشعر بالأسى تجاه بول مانافورت وعائلته الرائعة.. القضاء استخدم ضمن أشياء أخرى قضية ضارائب عمرها 12عامًا، ومارس عليه ضغوطًا كبيرًا، لكن بعكس مايكل كوهين لم يختلق القصص من أجل التوصل إلى اتفاق.. احترامي لهذا الرجل الشجاع”.
وبالعودة إلى تصريحات ترامب، فإن إدانة مانافورت تناقض تمامًا وعود الرئيس بأنه وظَّف أفضل الشخصيات في طاقمه، وإقرار المحامي كوهين بانتهاكه لقانون الحملات الانتخابات قد يضر بترامب مباشرة في مرحلة ما من القضية التي يشرف عليها مولر.
وفي هذا الصدد، جاءت افتتاحية “نيويورك تايمز” تحت عنوان “كل محتالي الرئيس”، وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب ومنذ بداية التحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية حاول التحقيق في عمل المحقق مولر، وأشاد بأشخاص نصابين ومحتالين بوضوح وشدد على أنه لم يرتكب أي خطا وأنه لا يستخدم إلا أفضل الناس، ولكن الآن يظهر اثنان من هؤلاء ليصدما الأمريكيين باعترافتهما تحت القسم بارتكاب جرائم تم تنفيذ بعضها بأوامر من ترامب.
The American legal system is working its will in both the #PaulManafort and #MichaelCohen cases.
Thus far, there have yet to be any charges or convictions for colluding with the Russian government by any member of the Trump campaign in the 2016 election.
— Lindsey Graham (@LindseyGrahamSC) ٢١ أغسطس ٢٠١٨
وعقب اعترافات كوهين وإدانة مانافورت شهدت وسائل التواصل الاجتماعي تدفق كبير للتغريدات والردود عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتسائل المغردون عن مصير الرئيس ترامب ووصفوا أيامه القادمة بـ”العصبية” بينما قلل مؤيدوا الرئيس من أهمية تأثير المحاكمات على رئاسة ترامب.
فالسياسي الديمقراطي جون كوبر غرد قائلاً: “يجب إجبار ترامب على الاستقالة ثم اتهامه بالتآمر مع مايكل كوهين لارتكاب جرائم احتيال متعددة خلال الانتحابات”، أما عضو الكونغرس الجمهوري لينسي جراهام فقال في تغريدته: “حتى الآن هناك أي تهم أو إدانات للتواطؤ مع الحكومة الروسية لأي عضو في حملة ترامب خلال انتخابات عام 2016”.
تعد إدانة مانافورت انتصارًا وتأكيدًا لتحقيقات مولر
الجولة الأولى.. ترامب VS مولر
السجال بين الجمهوريين والديمقراطيين من ناحية، وبين مؤيدي ومعارضي ترامب من ناحية أخرى، استدعي التساؤلات عن وضع الرئيس ترامب ومستقبله السياسي، الذي قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض بشأنه إن “إقرر كوهين بالذنب لا يورط الرئيس ترامب، وإنه ليس قلقًا على الإطلاق من تعاون محاميه السابق مع المحقق مولر”.
ويرى مراقبون أن تبعات قضيتي كوهين ومانافورت ستمتد إلى ترامب بشكل مباشر، لاسيما في الانتهاك المحتمل لقوانين تمويل الحملات الانتخابية.، بينما حذر عدد من كبار الديمقراطيين في الكوتغرس ترامب من مغبة إصدار عفو عن مانافورت، كما اعتبروا أن محاولة القيام بذلك ستشكل إساءة لاستخدام السلطة وستؤدي إلى تحرك فوري من طرف الكونغرس.
وعلى عكس ترامب، ربما السعيد الآن هو المحقق روبرت مولر الذي يقود تحقيق منذ 15 شهرَا بشأن مزاعم حول تدخل روسيا في الانتخابات
وفي قراءتها الاستشرافية لتداعيات التطورات القضائية، نقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن خبراء قانونيين قولهم إن قضية كوهين تضع ترامب في أشد المخاطر، مستشهدين بإدانات الفساد الجديدة وأحكام السجن التي تلوح في الأفق لمستشارين سابقين لترامب.
وعلى عكس حالة ترامب وطاقمه، ربما السعيد الآن هو المحقق روبرت مولر الذي يقود تحقيق منذ 15 شهرَا بشأن مزاعم حول تدخل روسيا في الانتخابات، خاصة بعد إعلان محامي مايكل كوهين أن موكله مستعد لتقديم معلومات إضافية لفريق مولر، وتعد إدانة مانافورت انتصارًا وتأكيدًا لتحقيقات مولر؛ لأن مثول كوهين أمام المحقيين جاء نتيجة إحالة من المحقق الخاص الذي ينظر في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية والتنسيق المحتمل مع حملة ترامب.
واعتبر داعمو المحقق مولر إدانة كوهين مانافورت خطوة مهمة باتجاه النتيجة النهائية للتحقيق؛ لأن التطورات الأخيرة ستجعل الحصول على تعاون من الشهود أسهل من ذي قبل، أما الأصعب، فهو أن يتجاوز الرئيس ترامب كل هذه المتاعب دون خسائر مدمرة لفترته الرئاسية.
هشاشة الوضع السياسي لترامب تثير قلق الحلفاء الخليجيين
هل سيبدأ دونالد ترامب بالقلق على مستقبله السياسي؟
تحت هذا العنوان تسألت مجلة “جورنال دا دموند” الفرنسية، واعتبرت أن يوم الثلاثاء أسوأ يوم بالنسبة لترامب، فهذه الأحداث أضعفت موقف ترامب قبيل الانتخابات النصفية، ما يعزز احتمال عودة فكرة عزلة من الحكم، علمًا أن المحقق مولر لم يقدم تقريره بعد بشأن علاقاته مع روسيا.
والأخبار غير السارة للإدارة الأمريكية الحالية أنها تأتي قبل أقل من 100 يوم من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، فبعد كل هذه الانتكاسات القضائية كيف سيتمكن ترامب من الحفاظ على الأغلبية للجمهوريين وعدم تقدم الجمهوريين، والأهم “كم من جمهوري بقي مؤيدًا لكل قرارات وسياسات ترامب المثيرة للجدل داخليًا وخارجيًا”.
وبحسب تحليل الكاتب كريس سيلزا بموقع “سي إن إن” الأمريكي فإن مشكلة ترامب ليست مجرد اتهامه، لكن مشكلته ستكون عزله وإقالته من منصه، فالكثيرين يتساءلون الآن عما إذا الرئيس ترامب في ورطة قانونية حقيقة، ويحيب الكاتب أنه “ربما لا يكون كذلك بسبب قواعد وزارة العدل التي ترفض اتهام رئيس في الحكم، لكن الخطر الأكثر احتمالا بالنسبة لترامب أن يقوم مجلس النواب بتفعيل مواد عزل الرئيس”.
وحول تداعيات اعترافات كوهين ومانافورت قال موقع “يو إس إيه توداي” الأمريكي، إنها قد تكون لها تداعيات وخيمة حقيقة على ترامب، وبحسب الموقع، فإن التطورات الجارية لا يمكن أن تتوارى أو يتم تخطيها من خلال حُمَّى التغريدات على تويتر، فهذه المرة قد يتأثر الناخب الجمهوري، ليس بدرجة أن ينتخب مرشجًا ديمقراطيًا، ولكن بأن يبقى في بيته ولا يشارك في التصويت.
“يحق للسعودية القلق من هشاشة الوضع السياسي لترامب؛ لأنها رهنت مستقبلها جزئيًا بسياساته المؤيدة لها” يقول المعلق حول العلاقات الأمريكية الخارجية بصحيفة واشنطن بوست ديفيد إغناشيوس
وفي حال حاز الديمقراطيون على الأغلبية في مجلس النواب بعد انتخابات التجديد النصفي، عندها تأتي فرصة السيطرة على مجلس النواب، ما يزيد من احتمالات بدء تحقيقات مساءلة، وإصدار أوامر استدعاء وأخيرًا عزل الرئيس، وذلك ما لا يريده الرئيس الـ45 للولايات المتحدة.
أما خارجيًا، ففي الوقت الذي تتجه فيه الولايات المتحدة إلى انتخابات التجديد النصفية للكونغرس، فإن هذه الانتخابات تمثل مشكلة كبيرة لكثير من الدول التي راهنت على رئاسة دونالد ترامب، وإذا فاز الديمقراطيون بالسيطرة على مجلس النواب، فإن مساحة المناورة لترامب ستضيق كثيرًا، والمراهنون عليه مثل روسيا والسعودية وكوريا الشمالية والصين سيواجهون تحديات كبيرة.
وعن السعودية، قال المعلق حول العلاقات الأمريكية الخارجية بصحيفة واشنطن بوست ديفيد إغناشيوس إنه يحق لها القلق من هشاشة الوضع السياسي لترامب؛ لأنها رهنت مستقبلها جزئيًا بسياساته المؤيدة لها، فحرب الرياض الدموية في اليمن، وحملتها الأوسع ضد إيران، وسياسة التحديث الداخلية التي تنفذها بقوة ربما تواجه جميعها شكوكًا أميركية جديدة وقيودًا إذا سيطر الديمقراطيون على مجلس النواب.