ترجمة وتحرير: نون بوست
درس بشار الأسد في لندن، وتحصل نجل القذافي على درجة الدكتوراه هناك أيضا، بينما ارتاد زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون مدرسة سويسرية. ولكن يبدو أنهم لم يستفيدوا من ذلك. والسؤال المطروح، لماذا لا ينجب الحكام الديكتاتوريون سوى ديكتاتوريين جدد؟
في سويسرا، يُقابَل كل شخص يرغب في التأكد من صحة المعلومات المتعلقة بالزعيم الكوري الشمالي، التي غالبا ما يعرفها الجميع، بجدار من الصمت، حتى بعد تسع سنوات من الانقلاب الكبير. وخلال سنة 2009، كان كيم جونغ إيل لا يزال على رأس الحكم في كوريا الشمالية بيد أن تناوله الكونياك الفرنسي على مدار سنوات طويلة، أثر على صحته. وقد بلغ الديكتاتور الكوري الشمالي من العمر أرذله، وأصيب بجلطة دماغية حالت دون مواصلته ممارسة مهامه، ما أثار التساؤلات حول خليفته القادم.
في ذلك الوقت، طرح اسم الابن الثالث لزعيم كوريا الشمالية السابق، كيم جونغ أون، الذي اقتصر ظهوره على الرحلات المهمة التي كان والده الديكتاتور يصطحبه معه فيها عندما كان صغيراً. وبعد فترة، صدرت تقارير إعلامية يابانية وكورية جنوبية تفيد بأن خليفة زعيم دولة كوريا الشمالية الشيوعية الفقيرة، يتلقى تعليمه الأساسي في سويسرا في مدرسة شتاينهولزي، بمنطقة ليبافيلد في كانتون برن.
هناك بعض الأسئلة المهمة حول رئيس كوريا الشمالية، التي مازالت من دون إجابة إلى حد الآن، من بينها: كيف تنتج التربية الغربية براعم ديكتاتورية، على غرار كيم؟
على إثر هذا الخبر، سرعان ما توجه وفد من الصحفيين إلى المدرسة ليجد المعلمون والتلاميذ أنفسهم محاطين بكاميرات التصوير. ولكن ظلت إدارة بلدية كوينز المعنية بهذا الأمر متكتمة بعض الشيء عن وجوده، وأصدرت العلاقات العامة للمدينة تصريحات مثيرة للجدل، قالت فيها إنه “منذ آب/ أغسطس من سنة 1998 وحتى خريف سنة 2000، كان هناك طالب من كوريا الشمالية يزور تلك المدرسة، وهو نجل أحد موظفي السفارة. وقد اندمج ذلك الطالب في المدرسة بصورة جيدة، وكان مجتهداً وطموحاً. وكانت هوايته كرة السلة”. ولكن هذه المعطيات لم تشف غليل الصحفيين.
بالفعل، أكد معلموه وزملاؤه أنه كان شغوفا بكرة السلة، بيد أن مسألة اندماجه مع زملائه تبقى مجرد ادعاء، حيث ذكرت إحدى زميلاته التي رفضت الإفصاح عن اسمها، أنه كان من النوع العدواني فقد كان يدوس على أقدامهم عندما يكونون جالسين ويبصق عليهم. ومن المؤكد أن ذلك الطالب كان كيم جونغ أون، الحاكم الحالي لكوريا الشمالية. وخلال 2012، أجرت صحيفة “زونتاغ تسايتونغ” السويسرية تحليلا بيومترياً لوجه كيم جونغ أون عندما كان صغيراً وبعد أن كبر في العمر. وكانت نسبة التطابق بينه وبين ذلك الطالب الكوري الشمالي 95 بالمائة.
صورة لتلاميذ في أحد الفصول الدراسية في مدينة برن، وغالبا، يوجد في الصورة كيم يونغ أون.
في الوقت الحاضر، ترفض المدرسة والسلطات المختصة الاعتراف بأن زعيم كوريا الشمالية درس في ليبافيلد. ومؤخراً، ظهر دليل آخر لا يدع مجالاً للشك حول نشأة كيم جونغ أون في سويسرا. فخلال اللقاء، الذي جمع بينه وبين رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن، قبل اللقاء المرتقب مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قدم زعيم كوريا الشمالية لنظيره الكوري الجنوبي طبقاً من أكلة “روستي” السويسرية وشرح له كيف تنطق الكلمة بالكورية.
عموماً، لن تخبرنا سويسرا بالمزيد من الأسرار، فقد تعهد المتحدث باسم بلدية كوينز بالتزام الصمت وأكد أنه لن يتحدث مجددا في هذا الأمر قائلا “نحن نمتنع عن التواصل مع أي شخص يرغب في الحديث عن هذا الموضوع”. بطبيعة الحال، ستكون أي معلومات أخرى حول مهارات كيم جونغ أون في الاندماج داخل أحد المدارس الغربية مفيدة لفهم سياسته تجاه العالم.
في الواقع، هناك بعض الأسئلة المهمة حول رئيس كوريا الشمالية، التي مازالت من دون إجابة إلى حد الآن، من بينها: كيف تنتج التربية الغربية براعم ديكتاتورية، على غرار كيم؟ ولماذا لم يصب كيم بعدوى الحرية في سويسرا التي درس فيها وعايش ديمقراطيتها، وشاهد كيفية مراعاتها لحقوق الإنسان، وربما زار متاحف التاريخ الموجودة هناك؟ أليس ممكنا إحضار أبناء المستبدين إلى برن أو كامبريدج أو حتى مدينة سالم من أجل تغيير عقليتهم وجعلها مختلفة عن سلالتهم وعشيرتهم، الذين حكموا بلاد واضطهدوا شعبها؟
هل تعلّم الأخلاق في برن؟ على أية حال، لن يكون منظر الأبقار غريباً على رئيس كوريا الشمالية، باعتباره طالباً سابقاً في سويسرا.
حيال هذا الشأن، قال رئيس مركز أبحاث العالم العربي في جامعة ماينز، الدكتور جونتر ماير، إن “هناك فرصة جيدة أمام هؤلاء المستبدين، الذين أقاموا في الغرب ودرسوا مناهجه، لأنهم أصبحوا قادرين على تحديد المجالات التي تعاني قصورا في بلدانهم”. ويخطر في الأذهان سؤال آخر: ألم يتعلم هؤلاء أيضاً أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ أم أن الديكتاتوريين يرسلون أبناءهم إلى الغرب لأنهم يدركون مدى التخلف التقني وأحيانا الصناعي الذي تعاني منه بلدانهم، بيد أنهم لن يقبلوا المساس بطريقة التفكير الاستبدادية لأبنائهم، التي زرعت فيهم منذ نعومة أظافرهم؟
صورة في أيام الرخاء: سيف الإسلام، نجل معمر القذافي، مع سيدة الأعمال مارغاريتا ماثيوبولوس، سنة 2008 في برلين
يعتبر بشار الأسد من بين أحد الرؤساء، الذي ظن البعض في البداية أنه سيدفع ببلاده نحو الديمقراطية. لقد درس الرئيس السوري الطب في لندن، وتنتمي زوجته إلى أسرة مليئة بالأطباء، وتستقر في لندن. وهناك درست أسماء الأسد في مدرسة مسيحية تضم أبناء نخبة المجتمع. وفي سنة 1994، تعرض شقيق بشار الأسد الأكبر، وخليفة والده باسل الأسد، لحادث سيارة أودى بحياته. ومنذ ذلك الحين، دأب الرئيس السابق لسوريا، حافظ الأسد، على تقديم نجله الأصغر غير المعروف، بشار، على أنه وريث كرسي الرئاسة.
من المثير للسخرية أن رسالة الدكتوراه لسيف الإسلام التي ناقشها في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، كانت تتناول موضوع “التحول الديمقراطي والمجتمع المدني”، في وقت كان فيه يحرض أتباع والده بخطب عدائية حول الحرب الأهلية والتصدي للمعارضة بالقوة والعنف
لقد أعطى بشار الأسد الأمل للعديد من المراقبين الغربيين على أنه سيقود البلاد نحو إصلاحات ديمقراطية حقيقية، وذلك بسبب خلفيته التعليمية التي تلقاها في بريطانيا، ومظهره الأنيق غير العسكري، على خلاف مظهر شقيقه باسل. ودون الخوض في التفاصيل، خاب ظن الجميع في بشار الأسد، فقد أظهر للجميع استعداده لخوض حرب أهلية على غرار والده، حيث كان يلقي بالقنابل فوق رؤوس المدنيين كما قتل شعبه بالغاز السام دون رحمة.
في المقابل، تعامل الإعلام الغربي مع مرض زوجته، المصابة بسرطان الثدي، بصورة مؤثرة للغاية، حيث نشروا صورة له وهو يجلس بجوار زوجته الهزيلة في المستشفى، وهي تعلق المحاليل الطبية. ومثل هذه الشفافية في الإعلام الغربي قد لا نجدها إلا في الدول التي سنّت الديمقراطية، على غرار ما حدث مع الرئيس السابق للكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطي الاجتماعي، ورئيس ألمانيا الحالي، فرانك-فالتر شتاينماير، عندما تبرع بكليته لزوجته.
سيف الإسلام القذافي بعد القبض عليه سنة 2011
على نفس الشاكلة، لن يختلف سيف الإسلام القذافي كثيرا عن الأسد، فهو الابن الثاني للرئيس الديكتاتور المخلوع، معمر القذافي، الذي تمت الإطاحة به سنة 2011. لقد كان سيف الإسلام ذكياً، فرفض ارتداء الأزياء الغريبة أو العباءة البدوية التي كان يرتديها والده باستمرار، وكان يظهر في بدلة عصرية أنيقة.
من المثير للسخرية أن رسالة الدكتوراه التي ناقشها في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، كانت تتناول موضوع “التحول الديمقراطي والمجتمع المدني”، في وقت كان فيه يحرض أتباع والده بخطب عدائية حول الحرب الأهلية والتصدي للمعارضة بالقوة والعنف. بعد أن طالبت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بتسليم سيف الإسلام القذافي، حكمت إحدى المحاكم الليبية عليه بالإعدام، ولكن في سنة 2017، صدر أمر بالإفراج عنه في إطار عفو عام.
كان بول بوت ولينغ ساري مختلفين عن كيم جونغ أون، فقد كان كلاهما بالغين عندما درسا في باريس، ومن المفترض أن أوروبا قد أثرت في بناء شخصيتهما
إن قائمة هؤلاء الأشخاص لا تنتهي، ومن بينهم سالوت سار، الذي دمر كمبوديا في سبعينيات القرن الماضي بعد أن لقب نفسه “بول بوت”، وقاد البلاد إلى أكثر الفترات ظلاماً في تاريخها. وقد درس بوت في باريس خلال فترة الخمسينيات، وكان يرافقه في الدراسة شريكه في دمار البلاد، لينغ ساري، الذي عينه وزيراً للخارجية بعد أن أصبح رئيساً للبلاد. وقد كان كلاهما يتبنيان مبادئ الشيوعية.
كان بول بوت ولينغ ساري مختلفين عن كيم جونغ أون، فقد كان كلاهما بالغين عندما درسا في باريس، ومن المفترض أن أوروبا قد أثرت في بناء شخصيتهما. ويقول غونتر ماير إن “كلاهما لم ينشأ في منزل ديكتاتوري، على خلاف الأسد وكيم ونجل القذافي، الذين أرسلهم آباؤهم للدول الغربية بهدف تلقي العلم بصورة أفضل، والاطلاع على العلوم الحديثة، التي بالطبع لن يجدوا نظيراً لها في بلدانهم”.
من المفترض أن يصبح هؤلاء مؤهلين بصورة جيدة لقيادة بلدانهم، بعد تلقيهم تعليماً عالي الجودة. ولكن معظمهم يعود لبلاده بعقلية مطلعة على التكنولوجيات الحديثة، وبعد توليه المنصب يسخّر تلك التكنولوجيات من أجل تثبيت حكم عائلته.
ثلاثة رجال يتذكرهم الجميع: ماو تسي تونغ، في المنتصف، بول بوت، ولينغ ساري. تلقى كل من بول بوت ولينغ ساري الكمبوديين دراستهما في باريس.
بعد أن يقضي أبناء الديكتاتوريين وقتاً قصيراً في الغرب، يرجعون إلى بلدانهم ليصطدموا مرة أخرى ببعض المكونات الأساسية لمجتمعاتهم؛ ففي ليبيا تظهر الروابط القبلية، وفي سوريا ينتشر الانقسام الطائفي، أما في كوريا الشمالية يعتبر الخوف من أجهزة المخابرات وتقديس الأشخاص من الأمور الشائعة.
بناء على ذلك، يعتقد أستاذ علم النفس في جامعة كولورادو سبرينغس، فريدريك كوليدج، أنه بعد دراسة ملامح شخصية صدام حسين وكيم جونغ إل وأدولف هتلر، أصبح مقتنعا تماماً من أن صفات مثل النرجسية أو جنون العظمة الظاهر، قد تعتبر جينات وراثية انتقلت لهؤلاء الأشخاص، ولا علاقة لها بالتعليم أو التربية. وفي حوار له مع الصحيفة، قال فريدريك كوليدج إن “الشخص يولد بصفات وراثية معينة، وهو ما يفسر محدودية تأثير التعليم الغربي على شخصيات أبناء الديكتاتوريين”.
بعبارة أخرى، إن زيارة مدرسة في سويسرا لن يساهم في تغيير سلوك شخص ما، خاصة إذا ورث ذلك الشخص جينات جنون العظمة من والده الحاكم. ويرى كوليدج أن السبب وراء إرسال هؤلاء الحكام الديكتاتوريين أبناءهم إلى جامعات معروفة، على غرار جامعة ييل وهارفارد، هو الحفاظ على هيبة العائلة لاسيما أن ذلك يعتبر أمرا هاما للغاية في الدول النامية. وحتى الرئيس الأسبق لجمهورية مصر العربية، أكبر دولة في المنطقة، اتبع نفس المنهج ولكن بطريقة مختلفة.
سعيا منها لتحقيق التحول الديمقراطي، عمدت شعوب تلك الدول إلى قتل رؤسائها الديكتاتوريين دون محاكمة، مثلما حدث مع القذافي، أو إعدامهم مثل صدام حسين. وفي أحسن الحالات، قد يُنفى الديكتاتور من البلاد مثلما حدث مع الرئيس الأوغندي الأسبق، عيدي أمين
في الحقيقة، كانت كافة التوقعات تشير إلى أن جمال مبارك، سيرث كرسي والده، حسني مبارك، الذي ظلّ لسنوات طويلة رئيساً للبلاد. لقد تلقى جمال تعليمه داخل مصر، ولكنه درس في الجامعة الأمريكية في القاهرة. وحتى مع معايشة أبناء الديكتاتوريين للثقافة الديمقراطية الغربية لفترة من الوقت، ومن ثم العودة إلى بلدانهم، لماذا قد يغامر أحدهم في وضع مستقبل عائلته على المحك من خلال قبول إجراء انتخابات نزيهة؟
قد تكون الإجابة على ذلك السؤال أن كل ما يحيط بتلك العائلات الديكتاتورية يهدد حياتهم، وفي بعض البلدان، مثل سوريا، يهدد بالقضاء على العائلة من جذورها. ففي سوريا، تتحكم الأقلية العلوية الحاكمة في مستقبل بلاد يتّبع أغلب شعبها المنهج السنّي، ويعاملون معاملة سيئة. ومن المفترض أن تعتبر العائلات الديكتاتورية الحاكمة الموجودة حاليا في سدة الحكم، مثل عائلة الأسد وكيم، مما حدث في دولٍ انهارت بعد سقوط حكامها، مثلما حدث في ليبيا بعد القذافي، وفي العراق بعد صدام حسين.
سعيا منها لتحقيق التحول الديمقراطي، عمدت شعوب تلك الدول إلى قتل رؤسائها الديكتاتوريين دون محاكمة، مثلما حدث مع القذافي، أو إعدامهم مثل صدام حسين. وفي أحسن الحالات، قد يُنفى الديكتاتور من البلاد مثلما حدث مع الرئيس الأوغندي الأسبق، عيدي أمين. وتقريباً، لا يوجد أي نماذج إيجابية على حكم أبناء الديكتاتوريين. لكن بعد بحث عميق، من الممكن اعتبار الملك عبد الله الثاني بن الحسين نموذجاً قد نجى من تلك المقصلة. بالطبع، لا يمكن وسمه بأنه حاكم ديمقراطي، لأن النشطاء ينتقدون حقوق الإنسان في الأردن في ظل قمع حرية التعبير عن الرأي وحرية الصحافة.
تخرج الملك عبد الله الثاني من أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في بريطانيا، وهو يحظى بسمعة دولية طيبة باعتباره وسيطاً مناسباً في الشرق الأوسط لما يتمتع به من علاقات مع الغرب. وتتخذ زوجته، الملكة رانيا، موقفا عدائياً تجاه الإسلاميين، وتنتقد العالم العربي والإسلامي بشدة، وتعارض دوما الإساءة للإسلام، وتعتبر أن وصفه بالإرهاب هو تفسير خاطئ.
هل كان للتعليم الغربي أثر في شخصيتهما، على غرار نجل مبارك؟ مع العلم أن الملكة رانيا زاولت تعليمها في الجامعة الأمريكية في القاهرة. من الصعب الجزم، ولكن يعتبر ذلك جلياً بالنسبة لزوجها الملك عبد الله الثاني، الذي يعد من أحد المعجبين بسلسلة الأفلام المعروفة، ستار تريك، وقد ظهر بالفعل كضيف في فيلم، ستار تريك: فوياجر، وكان يمثل دور ضابط على السفينة الفضائية. ويبدو أنه على الرغم من تربيته العسكرية وزيه العسكرية، إلا أنه يحمل، في الوقت ذاته، الفلسفة الموجود في الفيلم، التي يتبعها سكان إمبراطورية رومولان والكلينغون، الذين يرون أن حقوق الإنسان غير قابلة للمساومة.
كلاهما حصل على تعليم غربي؛ الملكة رانيا والملك عبد الله الثاني، ملك الأردن
المصدر: فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ