قبل الـ2 من يوليو/تموز الماضي كان اسم المبعوث الأممي الخاص غسان سلامة المحسوب على فرنسا الاسم الطاغي في ليبيا، فهو الذي يقود مشاورات السلام هناك، لكن بعد ذلك التاريخ بيوم بدأ هذا الاسم في الأفول لفائدة الأمريكية ستيفاني وليامز التي عُينت في منصب نائب رئيس البعثة الأممية، فهل يعني ذلك استحواذ الإدارة الأمريكية على الملف الليبي وإقصاء فرنسا من هناك؟
ويليامز في منصب جديد
بداية الشهر الماضي أصدر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قرارًا بتكليف القائمة بأعمال السفارة الأمريكية لدى ليبيا ستيفاني ويليامز نائبًا لممثله الخاص للشؤون السياسية في ليبيا لدى بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
قبل توليها هذا المنصب، شغلت الأمريكية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط ستيفاني ويليامز منصب نائب رئيس بعثة الولايات المتحدة الأمريكية في العراق (2016 – 2017) والأردن (2013 – 2015) والبحرين (2010 – 2013)، كما تولت منصب كبير المستشارين لشؤون سوريا، وعملت في السفارات الأمريكية في كل من الإمارات العربية المتحدة والكويت وباكستان.
وفي واشنطن شغلت منصب الموظف المسؤول المعني بشؤون الأردن، ونائب مدير شؤون مصر والشام ومدير مكتب المغرب العربي، وقبيل التحاقها بالعمل في وزارة الخارجية الأمريكية عملت بالقطاع الخاص في البحرين.
مسار جديد للسلام
مع بداية تعيينها أخذت ويليامز المشعل عن غسان سلامة، بعد عجزه عن إحياء عملية السلام التي تعثرت هناك وإنجاح خطته لانتهاء الأزمة الليبية، نتيجة فشل محاولات إدخال تعديلات على وثيقة الاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات المغربية في الـ17 من ديسمبر/كانون الأول 2015.
تتمتع وليامز بضوء أخضر أمريكي يرغب في دور أكثر فعالية لواشنطن في الملف الليبي
ترتكز خريطة المبعوث الأممي غسان سلامة التي أعلنها في 20 من سبتمبر/أيلول 2017 على 3 مراحل رئيسية، تشمل تعديل الاتفاق السياسي وعقد مؤتمر وطني يهدف لفتح الباب أمام المستبعدين من جولات الحوار السابق، وإجراء استفتاء لاعتماد الدستور وانتخابات برلمانية ورئاسية.
عقب تعيينها في منصبها الجديد، بدأت المسؤولة الأممية مسارًا جديدًا لحل الأزمة الليبية، يبدأ بوقف اللواء المتقاعد خليفة حفتر عملياته العسكرية ومساعيه التوسعية ضمن التوافقات التي تجري في البلاد.
ويمر هذا المسار عبر مشاورات برعاية أمريكية لتوحيد مؤسسات الدولة السياسية، بما فيها الحكومة والبنك المركزي والجيش، للوصول إلى مرحلة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ويشمل أيضًا إعادة تشكيل المجلس الرئاسي مع احتفاظ فايز السراج بمنصبه كرئيس له، وتشكيل حكومة تسيير أعمال.
وترى ستيفاني أن إجراء الانتخابات نهاية هذا العام أمر متعذر بسبب الأوضاع في البلاد، وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد حصل من الأطراف الرئيسية في الأزمة الليبية، على رأسها رئيس المجلس الرئاسي الليبي فائز السراج وقائد قوات الكرامة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، على اتفاق شفهي دون توقيع في الـ29 من مايو/أيار في باريس، لإجراء انتخابات في الـ10 من ديسمبر/كانون الأول بهدف إخراج البلاد من الأزمة السياسية والأمنية التي تتخبط فيها منذ 2011.
ومن المقرر أن يتبين الموعد الثاني للانتخابات خلال مؤتمر روما المقرر عقده في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وكان كونتي قد أعلن في 12 من الشهر الماضي عزم بلاده تنظيم مؤتمر دولي عن ليبيا الخريف المقبل في روما، لمناقشة جملة من الملفات المتعلقة بالهجرة غير الشرعية والإصلاحات الاقتصادية والوضع السياسي.
تحركات كبيرة لوليامز سعيًا لإنجاح خطتها
يأمل حفتر الذي لا يعترف بشرعية حكومة الوفاق الوطني بقيادة فائز السراج في الحصول على منصب مهم داخل أي تفاهمات مقبلة، يحفظ له مكانة مرموقة في الدولة الليبية، وقبل أيام التقت ويليامز حفتر في بنغازي للمرة الأولى منذ تعيينها في منصبها مطلع يوليو/تموز الماضي.
ومن المنتظر أن تعلن ويليامز خطتها الجديدة لحل الأزمة الليبية (ستشمل الجوانب الأمنية والسياسية والاقتصادية) نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول أو بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبلين، حيث تسعى الآن لتقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف الليبية في شرق وغرب البلاد.
ضوء أخضر أمريكي
يؤكد متابعون للشأن الليبي أن وليامز تتمتع بضوء أخضر أمريكي يرغب في دور أكثر فعالية لواشنطن في الملف الليبي، ويمثل تعيين ستيفاني وليامز وإعلان رئيس وزراء إيطاليا جوزيبى كونتى عزم بلاده تنظيم مؤتمر خاص بليبيا من العاصمة الأمريكية واشنطن عقب لقائه الرئيس ترامب، إعلان رسمي لرجوع الولايات المتحدة الأمريكية للساحة الليبية للعب دور تخلت عنه منذ فترة.
ومنذ اصطدام مرشح أمريكا لمنصب المبعوث الأممي في ليبيا ريتشارد ويلكوكس بالفيتو الروسي في مارس/آذار من ذات الماضي وتعيين مرشح فرنسا اللبناني غسان سلامة في هذا المنصب خلفًا للألماني مارتن كوبلر، لم يسجل للإدارة الأمريكية أي وجود ملموس في الملف الليبي، فالرئيس الجديد للإدارة الأمريكية دونالد ترامب لم يعين مبعوثًا خاصًا له في ليبيا، خلفًا للمبعوث السابق جوناثان ونر، كما أن سفراءها المتعاقبين في ليبيا لم يصدر عنهم مواقف فاعلة موازية لمستجدات البلاد السياسية.
يرجع خبراء سبب فشل السياسة الفرنسية في ليبيا إلى محاولتها تغليب طرف على طرف رغم يقينها بخطورة تلك الخطوات
تأمل الولايات المتحدة الأمريكية بسط نفوذها في هذا البلد العربي في ظل التنافس الأوروبي خاصة بين فرنسا وإيطاليا على الاستفادة من الثروات الليبية في مجال النفط والغاز، وتنتج ليبيا حاليًّا أكثر من 1.05 مليون برميل يوميًا من النفط، وتأمل في زيادة ذلك والعودة إلى مستويات ما قبل ثورة 2011، حيث كانت ليبيا تنتج نحو 1.6 مليون برميل يوميًا.
ويشكل النفط نحو 94% من موارد البلاد، وأهم ما يميزه غزارة الآبار المستخرج منها وقربه من موانئ التصدير، وتفيد تقديرات نشرت عام 2010 أن الاحتياطات المؤكدة من النفط الخام في ليبيا تقدر بنحو 46.42 مليار برميل، أي نحو 3.94% من احتياطي العالم، و6.36% مما تنتجه المنظمة العربية المصدرة للبترول (أوابك)، و4.87% مما تنتجه أوبك (الدول المصدرة للنفط).
وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية لأن تكون قريبة من ليبيا، بدل الاعتماد على الأوروبيين في حل الأزمة الليبية، خاصة أن الولايات المتحدة تعرف أن الأوروبيين لن يتفقوا دون واشنطن، وهو ما يحصل الآن بين روما وباريس.
فشل الخطة الفرنسية؟
التحركات الأمريكية الأخيرة للرجوع للساحة الليبية واسترجاع مكانتها هناك، من شأنها أن تضع حدًا للمساعي الفرنسية في ليبيا، وما ابتعاد غسان سلامة عن الأضواء إلا دليل على تراجع الدور الفرنسي في ليبيا الذي شهد تطورًا كبيرًا مع بداية عهد إيمانويل ماكرون.
ويرى المسؤولون في البيت الأبيض أن مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة قد فشل في مساعيه، خاصة أنه تخلى عن خطته التي أعلنها في نيويورك بعد جولتين من المفاوضات، واعتمد على الخطة الفرنسية التي تقضي بالذهاب إلى الانتخابات قبل المصادقة على الاستفتاء.
تراجع الدور الفرنسي في ليبيا
كان الرئيس الفرنسي قد حصل من الأطراف الرئيسية في الأزمة الليبية على اتفاق شفهي دون توقيع في الـ29 من مايو/أيار في باريس، لإجراء انتخابات في الـ10 من ديسمبر/كانون الأول بهدف إخراج البلاد من الأزمة السياسية والأمنية التي تتخبط فيها منذ 2011، إلا أن الاتفاق قد فشل وسقط في الماء.
ويرجع خبراء سبب فشل السياسة الفرنسية في ليبيا إلى محاولتها تغليب طرف على طرف رغم يقينها بخطورة تلك الخطوات، وما فتئت فرنسا تدعي الحياد ووقوفها على مسافة واحدة بين جميع الفرقاء الليبيين وتقود الوساطات بينهم، غير أن موقفها على الأرض كان عكس ذلك، فباريس لا تخفي دعمها للواء المتقاعد خليفة حفتر الذي تُتهم قواته بارتكاب جرائم حرب، على حساب رئيس الوزراء المعترف به أمميًا فايز السراج الذي تسيطر قواته على العاصمة الليبية طرابلس وعلى غرب البلاد.