استيقظت مصر، ثالث أيام عيد الأضحى المبارك، على حملة اعتقالات جماعية في صفوف المعارضة السياسية، على خلفية مبادرة طرحها السفير السابق معصوم مرزوق دعا فيها المصريين لاستفتاء شعبي على استمرار النظام.
والمعتقلون هم: معصوم مرزوق ويحيى القزاز الأستاذ بكلية العلوم بجامعة حلوان ورائد سلامة الخبير الاقتصادي والقيادي بحزب التيار الشعبي وعبد الفتاح سعيد البنا اﻷستاذ بكلية الآثار جامعة القاهرة، والنشطاء السياسيين سامح سعودي ونرمين حسين وعمرو محمد.
وقد قررت نيابة أمن الدولة، أمس الجمعة، حبس المعتقلين السبع 15 يومًا على ذمة التحقيقات في القضية رقم 1305 لسنة 2018 حصر أمن دولة، ووجهت لهم تهم “مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها وتلقي تمويل بغرض إرهابي والاشتراك في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب جريمة إرهابية”، باستثناء الناشط عمرو محمد الذي واجه تهمة “الانضمام إلى جماعة إرهابية” بدلًا من “المشاركة”.
بطل أكتوبر متهم بالإرهاب
ربما لا يعلم كثيرون أن أحد المتهمين السبع بالإرهاب، هو في واقع الأمر أحد أبطال حرب أكتوبر 1973، إنه السفير معصوم مرزوق الذي ترك دراسته بكلية الهندسة في بداية حياته من أجل الالتحاق بالكلية الحربية، بعد هزيمة يونيو 1967، في مرحلة دقيقة من تاريخ مصر العسكري، وبالفعل اشترك في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 1973 ضمن سلاح الصاعقة بالجيش المصري، وحصل على نوط الشجاعة من الطبقة الأولى.
كانت لمرزوق نجاحات عديدة خلال مشواره الدبلوماسي، منها نجاحه في تعديل اتفاقية استرداد الآثار المصرية في الخارج من خلال مؤتمر عُقد بروما
بعد ذلك، التحق مرزوق بوزارة الخارجية وعمل في السلك الدبلوماسي ما يزيد على ثلاثين عامًا، ووصل إلى منصب مساعد وزير الخارجية.
عمل كذلك سفيرًا لمصر في أوغندا وفنلندا وإستونيا، كما عمل كدبلوماسي في الإكوادور ونيويورك والأردن، وتولى رئاسة مجلس إدارة النادي الدبلوماسي المصري عام 2007.
وكانت لمرزوق نجاحات عديدة خلال مشواره الدبلوماسي، منها نجاحه في تعديل اتفاقية استرداد الآثار المصرية في الخارج من خلال مؤتمر عُقد بروما، حيث عمل على إلغاء بند “عدم الأثر الرجعى للاتفاقية”، كخطوة لاسترداد آلاف القطع المصرية من متاحف العالم.
وبعد ثورة يناير، شارك مرزوق في تأسيس حزب التيار الشعبي، وكان أحد مؤسسي جبهة الإنقاذ إبان حكم الرئيس المعزول محمد مرسى، كما كان المتحدث الرسمي باسم الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي حمدين صباحي في انتخابات 2014.
ومنذ تنصيب عبد الفتاح السيسي رئيسًا لمصر، منتصف 2014، وهو معارض شرس لسياساته، فكان أحد الوجوه المصرية البارزة التي أعلنت رفضها لتنازل النظام عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، وظل يدافع عن مصرية الجزيرتين في ساحات القضاء والإعلام، ويبحث في الوثائق والمستندات التاريخية التي تثبت ذلك، وسبق أن أعلن إضرابه عن الطعام اعتراضًا على مناقشة البرلمان لاتفاقية “تيران وصنافير”.
انتهاكات جسيمة
تضمنت حملات الاعتقال ضد المعارضين السبع انتهاكات جسيمة ضد حقوق الإنسان، حيث أكد المحامي الحقوقي خالد علي أن قوة الشرطة التي ألقت القبض على السفير معصوم مرزوق من منزله، صادرت بعض متعلقاته، وقد اتهمت ميسرة معصوم مرزوق، الداخلية، بسرقة مبلغ مالي كبير من المنزل خلال عملية التفتيش، مؤكدة أن والدها سحبه من رصيده البنكي ليسدد به مصاريفها الجامعية.
لم يكن الدكتور رائد سلامة أوفر حظًا من سابقيه، فخلال مداهمة قوات الأمن لشقته بمدينة 6 أكتوبر، لم يكن بالمنزل، وعندما عاد قال له حارس العقار إن قوة حكومية صعدت إلى شقته، وعند صعوده وجد أن القوة اقتحمتها بالفعل، ثم ألقت القبض عليه
أما الدكتور يحيى القزاز، فقد تم إلقاء القبض عليه خلال أدائه واجب عزاء بمدينة القصير بالبحر الأحمر، وفتشت قوات الشرطة منزله بمنطقة الأندلس بعزبة النخل واستولت على 3 أجهزة لاب توب وفلاشة، بحسب ما ذكره المحامي خالد علي.
ولم يكن الدكتور رائد سلامة أوفر حظًا من سابقيه، فخلال مداهمة قوات الأمن لشقته بمدينة 6 أكتوبر، لم يكن بالمنزل، وعندما عاد قال له حارس العقار إن قوة حكومية صعدت إلى شقته، وعند صعوده وجد أن القوة اقتحمتها بالفعل، ثم ألقت القبض عليه.
أما المأساة الأكثر رعبًا، فكانت من نصيب الناشط سامح سعودي الذي لم تجده قوات الشرطة في منزله خلال عملية الاعتقال، فاعتقلت زوجته وطفليه، ولم يتم إطلاق سراحهم إلا عند تسليم نفسه، بحسب ما أكد خالد علي.
كلمات ما قبل الاعتقال
قبل ساعات من عملية الاعتقال، أعاد السفير معصوم مرزوق نشر تدوينة قديمة له على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، قال فيها: “السلطة التي تطلق صبيانها وكلابها علي أي سياسي معارض، هي سلطة لم تفقد شرعيتها السياسية والقانونية فقط وإنما الأخلاقية أيضًا”، وقبل ساعات أيضًا من اعتقاله، رفض مرزوق طلب صحفية بإجراء حوار معه، معللًا بقوله: “أخاف عليكي في الوقت الحاليّ؛ لا نريد مزيدًا من الأسرى”.
يعود سبب اعتقال السفير معصوم مرزوق وبعض المعتقلين الآخرين إلى المبادرة التي سبق أن أطلقها، 5 من أغسطس الماضي، ووجه فيها نداءً للشعب المصري يدعو فيه لإنقاذ البلاد من الاحتراب الأهلي، ومعالجة الأزمة السياسية التي تعاني منها مصر منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي
أما الدكتور يحيى القزاز، فقد كانت آخر كلماته قبل الاعتقال: “شعار المرحلة ارحل يا سيسي، لا رحيل بغير مقاومة المقاومة هي الحل”، وفي تدوينة سابقة لاعتقاله بيومين، في أول أيام عيد الأضحى، تساءل: “ما هو شعور السيسي في يوم عيد، الناس لا تعرف فيه الفرح لغلاء الأسعار وغياب الحريات؟ وما هو شعوره في يوم العيد وأبنائه مختفين قسريًا أو مسجونين أو مقتولين”.
وأضاف: “اللهم عليك بالظالمين وأن تذقهم من نفس الكأس الذي يذيقون الناس منه ويلات العذاب، اللهم لا تدع هذا العام يمر إلا وقد قبضت كل طاغية جلاد سرق شعب مصر وفرط في أرضها، اللهم شتت جمعهم وفرق شملهم”.
مبادرة معصوم مرزوق
يعود سبب اعتقال السفير معصوم مرزوق وبعض المعتقلين الآخرين إلى المبادرة التي سبق أن أطلقها، 5 من أغسطس الماضي، ووجه فيها نداءً للشعب المصري يدعو فيه لإنقاذ البلاد من الاحتراب الأهلي، ومعالجة الأزمة السياسية التي تعاني منها مصر منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، استنادًا إلى عدم استجابة السلطة الحاليّة لمطالب المصريين الشرعية، وعدم إتاحة أي مجال للحوار مع القوى السياسية.
تأسيسًا على ذلك، دعا مرزوق إلى إجراء استفتاء شعبي عام وفقًا للمادة 157 من الدستور للإجابة عن سؤال واحد، هو: “هل تقبل استمرار نظام الحكم الحاليّ في الحكم؟”.
حسب المبادرة، إذا وافقت الأغلبية البسيطة (50% +1) على استمرار النظام الحاليّ، يعد ذلك بمثابة إقرار شعبي بصلاحية هذا النظام في الاستمرار والموافقة على سياساته المتبعة في كل المجالات.
وفقًا للمبادرة أو النداء، يتشكل المجلس الانتقالي من 13 عضوًا يمثلون بشكل متوازن: المحكمة الدستورية العليا ومجلس الدولة والأحزاب السياسية غير المتعاونة مع نظام الحكم الحاليّ
أما إذا كانت الإجابة بنفس أغلبية الأصوات رافضة لاستمرار نظام الحكم، يعد ذلك بمثابة إعلان دستوري يتوقف بمقتضاه العمل بالدستور الحاليّ، وتنتهي ولاية السيسي ويعتبر مجلس النواب منحلًا، وتعلن الحكومة القائمة استقالتها، ويتولى أعمال الحكم والتشريع مجلس انتقالي يكون مسؤولًا عن تسيير الأعمال لمدة ثلاثة أعوام.
وفقًا للمبادرة أو النداء، يتشكل المجلس الانتقالي من 13 عضوًا يمثلون بشكل متوازن: المحكمة الدستورية العليا ومجلس الدولة والأحزاب السياسية غير المتعاونة مع نظام الحكم الحاليّ، على أن يتخذ هذا المجلس القرارات بالأغلبية البسيطة، ويتولى وضع وتنفيذ إجراءات الفترة الانتقالية، ولا يجوز كذلك لأي عضو فيه أن يشارك كمرشح في أول انتخابات عامة يتم إجراؤها بعد انتهاء المرحلة الانتقالية.
تحظر مبادرة مرزوق على كل من اشترك أو ساهم في ولاية عامة في مؤسسات الحكم أو البرلمان خلال الأعوام العشر السابقة على الاستفتاء المشاركة في الترشح أو التعيين لأي منصب عام خلال العشرة أعوام التالية على انتهاء ولاية المجلس الانتقالي.
وتنص المبادرة كذلك على ضرورة إصدار قانون عفو شامل يتضمن تحصين قضائي كامل لكل من تصدى لمهام الحكم والتشريع ما بعد 25 يناير 2011 وحتى بداية ولاية المجلس الانتقالي، مع تقنين لأحكام عدالة انتقالية في الحقيقة والمصارحة والمصالحة، والإفراج الفوري عن كل المحبوسين في قضايا الرأي، مع تعويضات عادلة ومجزية لكل ضحايا هذه الفترة بواسطة لجنة قضائية مستقلة يحددها المجلس الأعلى للقضاء.
جاءت حملات الاعتقال الجماعية في مناخ يسوده مصادرة الحريات وتأميم المجال العام وتكميم الأفواه، وقبل كل ذلك خطاب سياسي من رأس الدولة يهدد المعارضة ويجرم المظاهرات ويفرض الصوات الواحد
في نهاية المبادرة، حمّل مرزوق النظام عواقب عدم الاستجابة لهذا النداء، ودعا إلى عقد مؤتمر شعبي في ميدان التحرير لدراسة الخطوات التالية، وذلك من بعد صلاة الجمعة، يوم 31 من أغسطس 2018، وحتى الساعة التاسعة مساءً نفس اليوم، يحضره كل من يوافق على ما تضمنه هذا النداء.
على الفور، انطلقت الفضائيات الموالية لنظام الحكم الحاليّ في الهجوم على مرزوق وتخوينه، ولم تكتفِ أذرع السيسي بذلك الهجوم، بل انطلقت حملة البلاغات ضد الرجل، تتهمه بإثارة الرأي العام وقلب نظام الحكم، وكان أحد تلك البلاغات المسوغ القانوني لعملية اعتقاله وحبسه.
السيسي: متسمعوش كلام حد غيري
جاءت حملات الاعتقال الجماعية في مناخ يسوده مصادرة الحريات وتأميم المجال العام وتكميم الأفواه، وقبل كل ذلك خطاب سياسي من رأس الدولة يهدد المعارضة ويجرم المظاهرات ويفرض الصوات الواحد، ففي أكثر من مناسبة، حذّر السيسي من دعوات التظاهر ضد سياسات حكمه، وفي واحدة منها، قال بالحرف الواحد مهددًا: “احذروا.. الكلام اللي كان اتعمل من سبع تمن سنين (في إشارة إلى أحداث ثورة 25 يناير) مش هيتكرر تاني في مصر.. هو اللي منجحش ساعتها مش هتنجحوه دلوقتي.. أنتو باين عليكم متعرفونيش صحيح”.
وفي 24 من فبراير 2016، فقد السيسي أعصابه، خلال كلمته باحتفالية تدشين إستراتيجية التنمية المستدامة مصر 2030، وطلب من الشعب المصري عدم الاستماع إلى أي شخص آخر غيره، قائلًا: “أنا عارف مصر وعلاجها، لو سمحتوا متسمعوش كلام حد غيري، أنا فاهم أنا بقول إيه، خلي بالكو، أنا لن أسمح بذلك”.
وفي مطلع شهر مارس الماضي، حذّر السيسي وسائل الإعلام من الإساءة للجيش والشرطة، خلال تدشين مشروع مدينة العلمين الجديدة، قائلًا: “الإساءة للجيش والشرطة هي إساءة لكل المصريين، وبالتالي فهذا الأمر لم يعد حرية رأي، وهو يساوي عندي خيانة عظمى”.
وخلال كلمته، هدّد السيسي كل صاحب وجهة نظر عندما قال: “لن أحاسب أحد على وجهة نظره، لكن لن أسمح أن يتم تحويلها إلى صيغة يتم طرحها على الناس”.
وخلال إحدى جلسات مؤتمر الشباب السادس الذي عُقد بجامعة القاهرة نهاية يوليو الماضي، عبّر السيسي عن غضبه من هاشتاغ “ارحل يا سيسي” الذي ظل متصدرًا تريندات موقع “تويتر” لفترة طويلة، وبنبرة “توبيخ”، قال: “إحنا دخلونا في أمة ذات عوز.. عارفين أمة العوز؟ أمة الفقر.. دخلونا فيها.. وأما آجي أخرج بيكم منها، يقول لك هاشتاج ارحل يا سيسى.. عايز أخرجكم من العوز وأخليكم أمة ذات شأن تعملوا هاشتاج ارحل يا سيسي؟ أزعل ولا مزعلش؟ … في دي أزعل”.