يوجد الكثير من الدول الصغيرة أو المجهرية في العالم، كما يوجد أقاليم أو مقاطعات أعلنت حكمًا ذاتيًا على أراضيها أو أنها دول مستقلة ذات سيادة، ومن بين هذه الدول، هناك استثناء رئيسي واحد: دولة لا وجود لها رسميًا، وعملتها غير قابلة للتحويل، ولا حدود أو جوازات سفر معترف بها رسميًا، وتقع في واحدة من أكثر المناطق تقلبًا في إفريقيا، ومع ذلك، أصبحت مجتمعًا مسالمًا وحرًا وديمقراطيًا دون مساعدة من التدخل الأجنبي أو المساعدات، إنها أرض الصومال.
أرض الصومال: ولادة متعسرة
أرض الصومال أو صومالي لاند هي منطقة شبه صحراوية على ساحل خليج عدن، وبالتحديد في شمال الصومال، تحدها إثيوبيا من الغرب، وجيبوتي من الشمال الغربي، وخليج عدن من الشمال، ويعد ساحلها بوابة استراتيجية إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي، ما جعله مهمًا للطموحات الاقتصادية والسياسية في القارة، ومحور اهتمام دولي وإقليمي.
وباستثناء أن أرض الصومال دولة لا يمكن رؤيتها إلا من الداخل، فإن هذه البقعة الجغرافية الممتدة على مساحة 177 كيلومترًا مربعًا، انفصلت عن الصومال منذ عقود، ولم تكتف بإعلان نفسها دولة مستقلة من طرف واحد والتصرف على هذا النحو منذ ذلك الحين، بل تحولت على حين غرة إلى حليف وثيق لإثيوبيا الساعية للحصول على منفذ بحري.
وبالعودة قليلًا بالتاريخ، يمكن معرفة أن إقليم أرض الصومال كان محمية بريطانية سابقة في الشمال اندمجت بعد 5 أيام قصيرة من الاستقلال في عام 1960 مع الصومال التي كانت مستعمرة إيطالية سابقة في الجنوب حينها، وكانت قد نالت استقلالها للتو أيضًا.
وهكذا شكَّل الصومال وصومالي لاند معًا جمهورية الصومال، لكن شهر العسل بينهما لم يستمر طويلًا، حيث دخلا في صراع مرير أدى الى انزلاق الشمال إلى حرب أهلية دامية عام 1988، قتل خلالها الجيش الصومالي تحت قيادة صهر الرئيس الصومالي محمد سياد بري، عشرات الآلاف من قبيلة إسحاق التي تشكل غالبية السكان في الشمال، حتى أُطلق على العاصمة هرجيسا التي تحولت إلى أنقاض لقب “دريسدن إفريقيا”، في إشارة إلى مدينة دريسدن الألمانية، التي حولتها قنابل دول الحلفاء الحارقة إلى أنقاض ولهيب خلال الحرب العالمية الثانية.
وبحلول عام 1991، أعلنت أرض الصومال استقلالها “من جانب واحد” بعد الإطاحة بالرئيس الصومالي، وتولت الحركة الوطنية الصومالية التي ظهرت في الثمانينيات السيطرة على الشمال، لكنها لم تتمكن من الحصول على اعتراف دولي يسمح لها بتلقي التمويل من البنك الدولي أو المساعدات، لتبقى مجرد إدارة محلية يشبه حالها مناطق جغرافية أخرى عالقة في العالم مثل الصحراء المغربية وأرض التبت أو حتى تايوان التي تحظى باعتراف دولي أكبر.
وعلى مدى السنوات التالية بعد الانفصال عن الصومال، أنشأت الحركة الوطنية في صومالي لاند دستورًا جديدًا، وتمت الموافقة عليه في استفتاء عام 2001، وهو العام الذي كانت خلاله في صراع مع الصومال، وبحلول عام 2003، رفضت صومالي لاند الدعوات للمشاركة في محادثات سلام لإعادة توحيد الصومال.
وعلى الرغم من تمتع صومالي لاند باستقرار نسبي في وقت يتخبط فيه الصومال منذ عقود في أتون الحرب الأهلية والتمرد، فإن حكومة صومالي لاند لم تستفد كثيرًا من هذا الاستقرار، حيث لا تزال المنطقة فقيرة ومعزولة يقطنها نحو 6 ملايين نسمة يدين معظمهم بالإسلام، ويتحدثون ثلاث لغات: العربية والإنجليزية، وما يسمونها الصومالية الأم.
ومنذ الانفصال، كان سكان أرض الصومال قادرين على بناء دولتهم الخاصة دون مساعدة خارجية، وما زالت الدولة المستقرة والفقيرة أيضًا تعتمد على قطاعات اقتصادية محدودة مثل الزراعة والثروة الحيوانية والخدمات والتنقيب والنقل والتخزين والتجارة، لكن لا يمكن اعتبار أي منهم أمرًا مسلمًا به، فالقطاعات التي تعتمد على المياه تواجه تحديات غير مسبوقة، حيث لم تعد الأمطار كما كانت من قبل.
وتمثل التحويلات المالية التي تُرسل ببطء من لندن أو تورنتو أو دبي شريان آخر للاقتصاد، لكن المسؤولين يخشون أن يشعر الجيل الأصغر سنًا من سكان أرض الصومال، الذين ولدوا ونشأوا في الخارج، بارتباط أقل بوطنهم الأصلي.
وليس كل المستثمرين الأجانب يترددون في الاستثمار بأرض الصومال بسبب حالة عدم الاعتراف القانوني التي تسود البلاد، فمدينة بربرة الساحلية تروج لها الحكومة باعتبارها ممرًا تجاريًا مهمًا، ما جعلها عنصرًا أساسيًا في لعبة التنافس الاقتصادي على البحر الأحمر بعد أن كانت مجرد مدينة منسية مطلة على خليج عدن، وتأمل في جذب بعض حركة المرور البحرية التي تمر حاليًا عبر جيبوتي.
وتدعم الإمارات هذا الطموح، حيث وسَّعت نفوذها في منطقة البحر الأحمر كجزء من تنافسها مع القوى العربية الأخرى، خصوصًا منذ توقيع اتفاق ثلاثي بين أرض الصومال وشركة موانئ دبي العالمية وإثيوبيا في مارس/آذار 2018، لكن حكومة مقديشو تقول إن أبو ظبي “تطفلت على أرضهم باسم الاستثمار”، وترى أن الاتفاق يمنح أرض الصومال الساعية إلى الحصول على اعتراف دولي ثقلًا يساعدها على الاستقلال الرسمي.
ومع ذلك، فتح موقع الميناء عند مضيق باب المندب الباب أمام الكثير من أحلام الدولة الخليجية التي استثمرت ما يصل إلى 442 مليون دولار في تطوير الميناء وإنشاء منطقة اقتصادية خاصة، حيث يمكن للمستثمرين الاستفادة من الإعفاءات الضريبية، وبدأت في إنشاء قاعدة عسكرية لها بالمدينة التي تقع على بعد أقل من 300 كيلومتر إلى الجنوب من اليمن، والسماح لها بالبقاء فيها لمدة 30 عامًا، قبل أن تلغي حكومة أرض الصومال الاتفاق من طرفها بعد عامين.
دروب البحث عن الاعتراف
المطالبة بالانفصال عن الصومال هي الواقع المسيطر في أرض الصومال، فهذا الانفصال يضمن إدارة ذاتية تحظى باعتراف دولي أو إقليمي، وترى الطبقة السياسية المتحمسة والمتمسكة بالانفصال أن الاستقرار السياسي والأمني الذي حققته إدارة الإقليم على مدار أكثر من 30 عامًا يستحق اعترافًا دوليًا وإقليميًا بها، لكن تحقيق هذا الحلم ما زال بعيد المنال.
وعلى النقيض من انفصال جنوب السودان في عام 2011، فإن مطالبة أرض الصومال بإقامة دولة لا تستند إلى إعادة رسم الحدود الاستعمارية، بل إلى محاولة إعادة تأسيسها بالعودة إلى الحدود القديمة، وليس رسم حدود جديدة، وعلى النقيض من تايوان، فهي ليست مقيدة بدولة أكثر ثراءً وقوة، بل بدولة أفقر وأضعف.
وبالنظر إلى الواقع السياسي، فإن صومالي لاند تتمتع بنظام سياسي مستقل، وتنتخب حكومتها ورئيسها في اقتراع تستعرض فيه قدرتها على تنظيم استحقاق ديمقراطي وسلمي في منطقة مضطربة، ويشغل السياسي والضابط العسكري السابق موسى بيهي عبدي منصب الرئيس الخامس لأرض الصومال منذ ديسمبر/كانون الأول 2017.
وتمتلك أرض الصومال عملتها الخاصة، وتدير شؤونها الداخلية والخارجية، وتوقع صفقات استثمارية دولية، وتصدر جوازات سفر، كما لديها مؤسسات حكومية وجهاز أمني ومحاكم ومجلس نواب منتخب من 82 عضوًا، بينما يمثل مجلس الشيوخ الذي يضم هو الآخر 82 عضوًا غرفة ثانية في البرلمان، لكن عندما تظهر حدودها على الخرائط – إن وجدت – فإنها تبدو خطًا مؤقتًا رسمه المستعمرون.
ولم تكن أرض الصومال ديمقراطية أو آمنة تمامًا، لكنها كانت أفضل حالًا من الصومال، ويقارن العديد من سكانها الاستقرار النسبي لدولتهم التي بنوها بأنفسهم بصورة بائسة للدولة المضطربة التي تركوها، والتي يملأ المتمردون طرقها، ويسبح في بحارها القراصنة، ويرغب أي شخص في الهروب منها.
لكن كل هذا لم يغير من واقع الحال، فما زالت أرض الصومال تواجه تحديات كثيرة للاعتراف بها، يبدأ أولها من رفض حكومة مقديشو مطلب الانفصال واعتبار صومالي لاند جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، وتقول إنها لا تستطيع التفاوض بشكل مستقل على الاتفاقيات الدولية، وقد لا تنتهي هذه التحديات عند عدم وجود توجه دولي للاعتراف بها ككيان مستقل في القرن الإفريقي.
في الولايات المتحدة وبريطانيا مثلًا، يدافع عدد قليل من المشرعين عن سيادة أرض الصومال، لكن الحكومات الغربية، التي ضخت الأموال لبناء الدولة في الصومال، تقول إنها لا تريد الاعتراف بأرض الصومال قبل أن تفعل الدول الإفريقية ذلك، بينما الحكومات الإفريقية، التي يواجه العديد منها حركات انفصالية خاصة بها، مترددة في تغيير الوضع الراهن.
وتشمل التحديات أيضًا معارضة كثير من الدول الجارة لمثل هذا الاستقلال الكامل، خاصة بين دول الاتحاد الإفريقي الذي يرى أن الاعتراف الرسمي من شأنه أن يشجع الحركات الانفصالية الأخرى في القارة الإفريقية مثل بيافرا في نيجيريا أو الصحراء الغربية في المغرب على السعي أيضًا للاستقلال وخلق بؤر توتر جديدة في القارة.
ومن أجل الانتصار على بعض معوقات الاستقلال الكثيرة، تحتفظ أرض الصومال بعلاقات مع عشرات الدول، وتتعامل أكثر من 20 دولة معها باعتبارها واقعًا، وتقيم معها علاقات اقتصادية ودبلوماسية غير رسمية، ولديها مكاتب تمثيلية في أمريكا وبريطانيا والإمارات وتايوان، وتستضيف بعثات من تركيا وتايوان وبريطانيا وإثيوبيا وجيبوتي والإمارات.
من المقرر أن يقوم رئيس (صوماليلاند) أرض الصومال، السيد موسى بيهي، بزيارة رسمية إلى دويلة الإمارات (الكفيل الجديد) . ومن المقرر أن يتوجه الرئيس بيهي بعد ذلك إلى العاصمة الأمريكية واشنطن (الكفيل الكبير) ، حيث من المتوقع أن يضع اللمسات النهائية على اتفاقية إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية… pic.twitter.com/pNepRndcVp
— Dr.Sam Youssef Ph.D.,M.Sc.,DPT. (@drhossamsamy65) January 4, 2024
وتعد علاقات صومالي لاند مع تايوان الأكثر إثارة للجدل، فمنذ سبتمبر/أيلول 2020، فتحت أرض الصومال ممثلية لها هناك لتعزز علاقاتها مع دولة أخرى تتمتع بحكم ذاتي من دون اعتراف دولي واسع بها، وهي بالطبع خطوة أثارت غضب الصين التي ترى تايوان مقاطعة منشقة سيُعاد ضمها إلى البر الصيني في نهاية المطاف.
كما تثير اليوم صومالي لاند غضب الصومال ومصر وجيبوتي وغيرها من العرب، حتى إن الصومال يجن جنونه من أي زيارة رسمية لسلطات أرض الصومال إلى الخارج، رغم ذلك، ما زالت العلاقات بينهما قائمة وإن كان الحبل السياسي بينهما مقطوعًا، ويصل حد السجن أو الترحيل في هيرجيسا، أمَّا العاصمة الصومالية مقديشو فتحاول ثني الشمال عن الانفصال، ولا تزال جهود المفاوضات بينهما مستمرة.
بؤرة توتر جديدة
في ذروة اضطرابات البحر الأحمر التي تسببت بها هجمات الحوثيين ضد السفن التجارية، ومع وصول مفاوضات مصر والسودان مع إثيوبيا حول سد النهضة إلى طريق مسدود، كان آخر ما تفتق عنه ذهن الرئيس الإثيوبي آبي أحمد التوجه إلى أرض الصومال ليُحدث فيها أزمة جديدة.
ولأن آبي أحمد سيبذل الغالي والرخيص ليخرج من قوقعة لعنة الجغرافيا والسياسة التي تجعل بلاده حبيسة، ما كان منه إلا أن وقَّع، في مطلع هذا العام، اتفاقًا مفاجئًا مع أرض الصومال ليدمر بجرة قلم ما اتفق عليه الصومال وأرض الصومال لاستئناف المفاوضات بينهما بعد جهود وساطة قادتها جيبوتي لتسوية المسائل العالقة بعد سنوات من التوتر السياسي والعرقلة.
وبالطبع هذا الاتفاق، وهو الخطوة الأولى نحو ما سيكون “صفقة تاريخية”، أغضب الصومال الذي هبَّ على الفور ليقر قانونًا يلغي الاتفاق مع دولة لا يعترف بها أصلًا بعد أن استدعت سفيرها في إثيوبيا للتشاور، وأكدت عزمها الدفاع عن أراضيها بشتى السبل القانونية الممكنة، لكن بحسب صحيفة “الغارديان” البريطانية، فإن مقديشو تسعى لحل الوضع دبلوماسيًا.
كان هذا الاتفاق كفيلًا باستنفار مصر التي سارعت إلى الصومال لتخبره بأن القاهرة جاهزة لتقديم كل الدعم الذي يريد من أجل إفشال مخطط إثيوبيا في البحر الأحمر، وكذلك فعلت جيبوتي، التي قادت الوساطة لحل القضايا العالقة بين الطرفين، واستشاطت غضبًا حتى إن رئيسها إسماعيل عمر جيلي وبَّخ السفير الإثيوبي لدى بلاده بسبب إخفائه تفاصيل المفاوضات الجارية مع صومالي لاند.
كما أصدرت الجامعة العربية بيانًا تدعم فيه حق الصومال بالسيادة على أراضيه، وتجرِّم فعل صومالي لاند وإثيوبيا غير الساحلية التي سيمكنها الاتفاق من استغلال شريط ساحلي بطول 20 كيلومترًا حول ميناء بربرة على الساحل الجنوبي لخليج عدن عند مدخل البحر الأحمر المؤدي إلى قناة السويس بهدف استخدامه كقاعدة عسكرية أو لأغراض تجارية لمدة 50 عامًا، ليس فقط مقابل إعطاء صومالي لاند حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة، بل السبب الحقيقي أن أرض الصومال لم تحصل على اعتراف دولي واسع النطاق.
أمَّا اليوم، فيبدو الأمر مختلفًا جذريًا لأن أرض الصومال – التي بدا رئيسها حريصًا على توقيع الاتفاق – لو نجحت في الحصول على اعتراف إثيوبي، فإنها ستمارس نوعًا من السيادة بعقد اتفاقيات، ما يؤهلها لتكون طرفًا في الأمم المتحدة، وربما يؤهلها أيضًا للسماح بإنشاء قواعد أجنبية لدول ترغب في التواجد بهذا الإقليم.
ويؤيد أغلب سكان أرض الصومال طموح بيهي الذي يواجه معركة صعبة لإعادة انتخابه في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، ومن شأن الاعتراف أن يعزز سمعته، التي تضررت العام الماضي عندما طردت قوة متمردة في المناطق الحدودية الشرقية جيش أرض الصومال من لاس عانود، أكبر مدينة في منطقة سول والعاصمة الإدارية لها، وأعلنت الولاء للصومال بدلًا من ذلك، وكانت هذه هزيمة مهينة للسياسيين في هرجيسا، وتحديًا لفكرة أرض الصومال نفسها.
ويأمل الصومالانديون أن يؤدي الاعتراف الإثيوبي إلى جلب الاستثمارات والمساعدات والفخر الوطني، لكن كثيرين يشعرون بالقلق إزاء تفاصيل الاتفاق، التي لم يتم الكشف عنها، ويخشى البعض أن إثيوبيا لم تتخل بعد عن عاداتها التوسعية القديمة، ونتيجة لذلك، اندلعت احتجاجات ضد الاتفاق في منطقة عدل، حيث من المقرر بناء القاعدة البحرية، واستقال وزير الدفاع عبد الغني محمود عاتيي، واصفًا إثيوبيا بأنها “عدو”.
ومع إتاحة الاتفاق لإثيوبيا الحبيسة الاستحواذ على حصة من الميناء والوصول إلى البحر الأحمر كما تعهد آبي أحمد رغم معارضة مصر والصومال وجيبوتي وغيرهم من بقية الجيران الذين يرون في صومالي لاند خنجرًا بخاصرتهم، فإن بؤرة توتر جديدة يبدو أنها توشك على الانفجار في منطقة القرن الإفريقي وباب المندب شديدة الاضطراب.
وفي خطوة هي الأولى من نوعها منذ أكثر من 4 عقود، أرسلت مصر قوات ومساعدات عسكرية إلى الصومال، وكان ذلك نتاج اتفاق عسكري بين البلدين تم توقيعه في 14 أغسطس/آب الماضي بهدف تعزيز العلاقات بين البلدين، وهو الاتفاق الأحدث في سلسلة من اتفاقيات مماثلة أبرمتها القاهرة مع دول حوض النيل والقرن الإفريقي.
وهنا يمكن رؤية الاتفاق من منظور يحمل أهمية سياسية بالغة كونه يفتح المجال أمام احتمال اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال كدولة مستقلة في مرحلة لاحقة، وبالتالي يدفع بقوة في مساعي صومالي لاند نحو الاعتراف الدولي الذي تخشاه الصومال ومعها كثير من دول العرب مثل مصر وجيبوتي.
وهذا ما تنبَّه له آبي أحمد بعد ردود الفعل العنيفة من جانب جيبوتي وإريتريا والصومال، فقد حاول رئيس وزراء إثيوبيا أن يخفف من لهجته عندما قال إنه لن يغزو أي بلد من أجل حلمه في الوصول للبحر الأحمر إلا أن موافقة صومالي لاند تبدو كفيلة بأن يحقق حلمه دون أي غزو أو قوة عسكرية، ليعوض ما فقدته إثيوبيا عند خسارتها ميناء “عصب” البحري عقب انفصال إريتريا في التسعينيات.
وفي حال حدث ذلك، ستغدو إثيوبيا في قلب مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، ما يعزز قدرتها على التدخل في الصراعات والأزمات الكبرى، وتناطح مصر في كثير من الملفات خاصة القوة البحرية، مع قطع الطريق على أي محاولة لوقف إمدادات البلاد عبر البر، وهو ما حاولت فعله جبهة تحرير تيغراي، إضافة إلى الاستغناء عن جيبوتي كشريان بحري وحيد لإثيوبيا، وكل هذا سيتحقق لأديس أبابا وآبي أحمد بفضل أرض الصومال.
وبين حلم الانفصال عن الجنوب الصومالي لتكون الدولة الدولة الإفريقية الـ55 وتحقيق الرفاهية للمجتمع المحلي، تبقى صومالاند تراوح مكانها بين اللاعودة إلى الوحدة مع صومال لم يعد مستقرًا بعد في نظر القيادات السياسية في هيرجيسا وبين متغيرات جيوسياسية تفرض توازنات إقليمية تنبذ التفكك وتدعم الوحدة لا الانفصال.