رغم كل المحاولات التي فعلها الأسد للتخلص من الشعب المعارض له، بقيت عدد من المناطق الخارجة عن سيطرته تحت سيطرة المعارضة المسلحة التي خضعت لعدة سنوات من الحصار منذ اندلاع الثورة في منتصف 2011 المطالبة بالتغير الديموقراطي.
لكن الأسد لم يتخل عن سلطته، بل واجه المنتفضين ضدها بشتى أنواع الأسلحة التي استخدمها في العديد من المناطق، للقضاء على المعارضة، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل حتى سيطر على مناطق المعارضة المسلحة باتفاق جرى بين حليف النظام الروسي وفصائل المعارضة المسلحة التي قاومت عددًا من السنوات في ريف دمشق.
ورغم تنوع الأسلحة التي استخدمها النظام السوري ضد شعبه، من براميل متفجرة وصواريخ جوية ومدفعية، إلا أنه لم يواجه أي انتقادات من دول العالم بل حافظت على صمتها عن المجازر التي ترتكبها قواته في شتى الأراضي السورية، ولكنها أدانت قصف قوات النظام لمناطق المعارضة بالأسلحة الكيماوية، وجل الإدانات تلك لم تجن شيئًا.
أبرز المناطق التي استهدفها الأسد بالأسلحة الكيماوية
مئات القتلى من المدنيين نتيجة هجوم بالأسلحة الكيماوية
محافظة ريف دمشق
استخدمت قوات النظام في قصفها على الغوطة الشرقية غاز السارين في 21 من أغسطس/آب 2013، ولكن بشكل أكبر، حيث ظن المدنيون آنذاك أنه قصف جوي أو مدفعي كما تعودوا، إلا أن سرعان ما اتضحت آثاره على المدنيين من حالات اختناق وضيق التنفس والسعال وذبحة في الصدر.
أودى القصف بحياة ما لا يقل عن 1500 شخص، وإصابة 5 آلاف آخرين، معظمهم من الأطفال والنساء، ويعد هذ الهجوم الأكبر لقوات النظام الذي استهدفت فيه المدنيين في الغوطة الشرقية، للقضاء على المعارضة التي كانت تهدد معقله في دمشق، وعلى إثر هذا القصف الشنيع تلقى الأسد العديد من الإدانات من منظمات إنسانية وحكومات لأكبر الدول العالمية.
وفي شهر فبراير/شباط 2016 استخدمت قوات النظام في قصفها على مواقع للمعارضة قنابل محملة بغاز يعتقد أنه سام تسببت في حالات اختناق لعناصر بالمعارضة في عربين بريف دمشق.
كما استهدفت قوات النظام مدينة دوما في 7 من أبريل/نيسان الماضي الواقعة بالغوطة الشرقية بصواريخ تحتوي على غاز الكلور السام وأخرى تحتوي على غاز السارين السام، خلال هجمة النظام الشرسة على الغوطة الشرقية للسيطرة عليها، التي انتهت باتفاق بين روسيا والمعارضة، وأودى القصف بحياة 200 مدني وإصابة المئات، وفق ما أكد ناشطون لـ”نون بوست”.
محافظة حلب
استخدمت قوات النظام السوري الأسلحة الكيماوية في الأراضي السورية، حيث قصفت قوات النظام منطقة خان العسل في حلب بغاز السارين، في مارس/آذار 2013، وكانت المرة الأولى التي تستخدم فيها قوات النظام تجربة غاز الأعصاب على نطاق ضيق في منطقة موالية للنظام، حتى تلصق التهمة بالمعارضة باستخدام الغازات السامة، أودى القصف بحياة 20 من المدنيين و80 مصابًا وجلهم من الأطفال والنساء، ومن بين القتلى جنود تابعين لقواته، وجددت قوات النظام قصفها في 10 من أغسطس/آب على مناطق المعارضة المسلحة في حي الزبدية بمدينة حلب، وذلك عبر براميل متفجرة تحوي غازًا سامًا، مما أدى لمقتل طفل وإصابة آخرين بحالات اختناق.
محافظة حمص
قصفت قوات النظام محافظة حمص بغاز (BZ) في ديسمبر/كانون الأول 2013، وهذا الغاز يؤدي إلى الارتباك والهلوسة كما وصف بالسام من وكالة حظر السلاح الكيمائي، ويحظر استخدامه في الحروب إلا أن الأسد قصف المدنيين به.
ألقت مروحيات تابعة للنظام أسطوانات تحمل موادًا كيميائية على منازل المدنيين في بلدة كفر زيتا بريف حماة مما أدى لمقتل عشرات المدنيين وإصابة آخرين
محافظة إدلب
استخدمت قوات النظام في قصفها على مدينة سراقب بريف إدلب غاز السارين في أبريل/نيسان 2014، مما أدى لمقتل عشرات المدنيين وإصابة آخرين، فيما اعتبرت الأمم المتحدة مدينة سراقب إحدى المدن التي استهدفها النظام بالكيماوي، كما تجدد قصف النظام مدينة سراقب بغاز الكلور السام في أغسطس/آب 2016 مما أدى لمقتل عدد من المدنيين وإصابة آخرين بحالات اختناق، حيث استهدف في هجماته حيًا سكنيًا.
وجددت قوات النظام قصفها لمدينة سراقب بمواد كيماوية سامة في مطلع عام 2018، كما وجدت آثار من غاز الكلور خلال قصف النظام لمدينة إدلب بالبراميل المتفجرة في العامين الفائتين والتي أودت بحياة العشرات من المدنيين.
وقصفت قوات النظام مدينة خان شيخون بريف إدلب غرب سوريا، بالأسلحة الكيماوية، حيث استخدمت في القصف غاز السارين في منطقة سكنية مما أدى لمقتل أكثر من 100 مدني وإصابة 450 بحالات اختناق معظمهم من الأطفال.
محافظة حماة
ألقت مروحيات تابعة للنظام أسطوانات تحمل موادًا كيميائية على منازل المدنيين في بلدة كفر زيتا بريف حماة مما أدى لمقتل عشرات المدنيين وإصابة آخرين.
الأسد يحاول التخلص من ملف الكيماوي برعاية روسية
الأسد يحاول التخلص من ملف الكيماوي بحماية روسية
بعد العديد من الإدانات التي قدمتها منظمات إنسانية وحكومات دولية لنظام الأسد، لا تزال قواته تماطل في هذا الملف، وذلك بنفي استخدامه للأسلحة الكيميائية التي قتل بها المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرته، إذ يتهم المعارضة المسلحة بقصف المدنيين، إلا أن روسيا تحاول أن تقف بجانب النظام وإلقاء التهم على دول وجهات غير النظام السوري باستهداف المنطقة بالأسلحة الكيمياوية.
إلا أن الأمم المتحدة أكدت استخدام قوات النظام للأسلحة الكيماوية على العديد من المدن والبلدات في الأراضي السوري، إذ أكدت استخدام النظام للأسلحة الكيماوية في أثناء قصفه الغوطة الشرقية في 2013، كما أكدت استخدام الأسلحة الكيماوية على خان العسل وسراقب وحي الزبدية والأشرفية في صنحايا، وغيرها، ومن جانبه الأسد متمسك بنفيه لقصف هذه المناطق.
أبرز الشواهد التي اتهم الأسد الدفاع المدني السوري بالفبركة هي مجزرة الكيماوي في العام الحاليّ التي ارتكبتها قوات النظام في مناطق المعارضة التي أودت بحياة المئات من القتلى والمصابين من المدنيين
ويحاول الأسد خلق أدلة غير مؤكدة عن نفيه استخدام الأسلحة الكيماوية، إلا أن الأسد يمتلك ترسانة للأسلحة الكيميائية ضخمة جدًا في دمشق، ويريد الأسد أن يلقي التهم على الدفاع المدني السوري الذي أكد استخدام الأسلحة الكيميائية في مناطق متفرقة من سوريا وخلال ذلك يتهم الأسد الدفاع المدني بالفبركة الإعلامية لهذا القصف وفق تعبير مواليه، إلا أن الدفاع المدني عمله إنساني ويتبرأ من هذه التهم التي يلقيها النظام عليه.
ولعل أبرز الشواهد التي اتهم الأسد الدفاع المدني السوري بالفبركة هي مجزرة الكيماوي العام الحاليّ التي ارتكبتها قوات النظام في مناطق المعارضة التي أودت بحياة المئات من القتلى والمصابين من المدنيين خلال تنفيذ النظام على قبو تحت الأرض فيه مئات العوائل والأسر، كما صور موالو النظام فيديو يعبر عن فبركة الدفاع المدني لمشاهد انتشال القتلى نتيجة القصف الكيماوي على مدينة دوما.
ومن جانبها نفت روسيا حليفة النظام السوري استخدام النظام للأسلحة الكيماوية في مدينة دوما، إلا أن واشنطن أكدت قصف النظام لمدينة دوما، ودعت للرد على الأسد نتيجة استخدامه للأسلحة الكيماوية، ويبقى المجتمع الدولي مكتفيًا بإدانة الأسد وقواته لاستخدام الأسلحة الكيماوية.
كما حاولت روسيا من جهة والنظام من جهة أخرى عرقلة عمل فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة خلال البعثة التي أتى من أجلها إلى مدينة دوما للتحقيق في استخدام النظام لمواد كيماوية ضد المدنيين، حيث أطلقت قوات النظام نارًا في مدينة دوما مع دخول وفد الأمم المتحدة، كما شن الحلف الثلاثي المتكون من فرنسا وبريطانيا وأمريكا غارات على العاصمة دمشق في محاولة لإتلاف ترسانة الأسد الكيميائية، كرد على هجوم النظام على دوما بالأسلحة الكيميائية.
وفي السياق شنت قوات النظام حملات اعتقال في ريف دمشق طالت الأطباء والمسعفين والممرضين إلى جانب عاملين في النشاط الإنساني والإغاثي، وهؤلاء خرجوا إلى مناطق النظام خلال هجمته الشرسة على الغوطة الشرقية عبر ممرات آمنة تحت رعاية حليفة النظام روسيا، كما وضعت قوات النظام بعض المسعفين والأطباء تحت الإقامة الجبرية في أحياء العاصمة دمشق لمنع خروجهم وذلك لأسباب تتعلق بمجازر الكيماوي التي نفذتها قوات النظام بين عامي 2013 و2018، بحسب ناشطين من الغوطة الشرقية.
لم يعد مستغربًا لجوء النظام إلى استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرته، لأنه الحل الوحيد لإخضاع المعارضة والقضاء عليها
وذكرت المصادر أن قوات النظام تحاول احتجاز الناشطين الإنسانيين والمسعفين الذين عبروا الممرات الآمنة نحو مناطق سيطرته في وقت سابق للحصول على الوثائق والأدلة التي تدينه أمام المجتمع الدولي في استخدام الأسلحة الكيماوية، وتعتقلهم قوات النظام من أجل الحصول على الوثائق التي تحتوي على أعداد القتلى وصور وفيديو المجازر التي ارتكبتها قوات في الغوطة الشرقية.
وفي ظل هذه الادعاءات التي يقدمها الأسد تحاول روسيا الاستفراد بالقرار السوري والدفاع عن النظام السوري، ويبقى المجتمع الدولي صامتًا محذرًا فقط النظام من تكرار هجمات الكيماوي وآخرها تحذيرات للنظام من استخدام الأسلحة الكيماوية بالتزامن مع وصول تعزيزات للنظام محيط إدلب شمال غرب البلاد، في حرب يعزز لها الأخير.
ولم يعد مستغربًا لجوء النظام إلى استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرته، لأنه الحل الوحيد لإخضاع المعارضة والقضاء عليها، واستخدامات النظام للأسلحة الكيماوية في مناطق متفرقة في سوريا دون محاسبة دولية أعطاه الحرية في قصف المدنيين، ومع غياب الرقابة على استخدام السلاح الكيماوي دون محاسبة، استخدم الأسد القصف بالأسلحة الكيماوية 216 مرة، بحسب إحصائية الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وتحاول روسيا هنا حماية النظام من أي حملة يمكن أن تشنها دول كبرى ضده في ظل استخدامه للأسلحة الكيماوية، ويبقى المجتمع الدولي مكتفيًا بالإدانات دون رادع حقيقي للنظام السوري.