عام 2016 أقرت وزارة الخارجية الألمانية بأن عدد جرائم العنف والكراهية تجاه اللاجئين في ألمانيا وصل إلى متوسط 10 جرائم لليوم الواحد، وهو ما نتج عنه إصابة أكثر من 500 لاجئ من بينهم أكثر من 45 طفلًا وارتفاع عدد الاعتداءات على اللاجئين داخل المنازل إلى نحو 1000 اعتداء عليهم في منازلهم، حيث وصل العدد في المجمل إلى عشرات الآلاف من الاعتداءات على مخيمات ومنازل اللاجئين وبضعة آلاف من الاعتداءات الفردية على اللاجئين وتسجيل أكثر من 200 اعتداء على المنظمات الخيرية لمساعدة اللاجئين في ألمانيا.
بعد احتلال ألمانيا المرتبة الأولى بين الدول الأوروبية بالنسبة لسياسة “الباب المفتوح” التي اتبعها الاتحاد الأوروبي لاستقبال مئات الآلاف من اللاجئين قبل بضع سنوات من الآن، صارت إحدى الولايات الألمانية تحتل المرتبة الأولى أيضًا ولكن في ترحيل اللاجئين قسريًا، فتعتبر ولاية “بافاريا” في المقدمة في ترحيل كثير من طالبي اللجوء في ألمانيا بقيادة رسمية من رئيس وزراء بافاريا.
عرض الأخير “خطة الهجرة” في 10 من يوليو/تموز الماضي قائلًا إن في عيد ميلاده الـ69 سيتم ترحيل 69 طالبًا للجوء، وقد أوضحت ألمانيا ذلك مع سياسة اللجوء والهجرة لهذا العام بأن كل من رُفض طلبه عليه الرحيل فورًا وإلا سيتم الأمر قسريًا، إلا أن رئيس وزراء “بافاريا” لم يذكر في خطته لترحيل اللاجئين وجود خطر من شأنه أن يجعلهم يهربون دون الحاجة للترحيل، هذا الخطر يكون متمثلًا في حزب اليمين المتطرف أو “البديل لأجل ألمانيا” الذي عاد في العام الماضي إلى البرلمان الألماني من جديد لأول مرة منذ عام 1945.
“هل ننتظر قتل اللاجئين على يد أعضاء حزب اليمين المتطرف حتى يتم اعتبارهم مشكلة أمن مركزي داخلي من شأنه أن يحتل رأس جدول أعمال الساسة الوطنيين”؟
اقتباس من مجلة “فونك” الألمانية، ثالث أكبر المجلات الألمانية مبيعًا
صبت الحكومة الألمانية تركيزها على الخطر المحتمل من قدوم المهاجرين واللاجئين إلى ألمانيا، ولم تنتبه قط أن الخطر قد يكون بين الألمان أنفسهم، متمثلًا في حزب اليمين المتطرف الذي جعل سجلات وزارة الداخلية الألمانية تحفل منذ عام 2015 وحتى اليوم بآلاف القضايا الجنائية التي يحمل عنوانها “جرائم العنف والكراهية” ضد اللاجئين، من بينها كثير من الحرائق المتعمدة للبيوت المستضيفة لهم والاعتداء الجسدي لهم من فرد أو جماعة في الأماكن العامة.
فيسبوك شريك في الجريمة
صورة لمارك زوكربيرغ في جلسة الاستماع من أعضاء الكونغرس الأمريكي شهر أبريل/نيسان الماضي
ربما انتشرت العديد من الدراسات النفسية والسياسية الاجتماعية بشأن كيفية تعامل اليمين المتطرف تجاه اللاجئين، وكان للأمر أبعاد حزبية كثيرة وتاريخية أحيانًا، إلا أن هناك دراسة فريدة من نوعها خرجت من بين باحثين ألمانيين أنفسهم يلقون اللوم على شريك في الجريمة لم يفطن الكثيرون إليه من قبل، ذلك الشريك كان محور الحديث لفترة لا بأس بها عن تأثيره في كثير من الأحداث السياسية المهمة في الفترة الأخيرة، من بينها الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة على سبيل المثال.
كانت شركة فيسبوك محل اهتمام الجميع قبل بضعة شهور من الآن، بداية من المستخدمين الحانقين من سياسات منصة فيسبوك وحتى أعضاء من الكونغرس الأمريكي الذين قرروا عقد جلسة استماع فريدة من نوعها في سياق مواجهة الحكومات والأنظمة للاستماع إلى صاحب ومدير الشركة مارك زوكربيرغ، للإدلاء بشهادته بشأن استخدام فيسبوك من شركة تحليل البيانات “كامبيردج أنالاتيكا” للوصول إلى البيانات الشخصية لأكثر من 50 مليون مستخدم في الولايات المتحدة من أجل استهدافهم بإعلانات مروجة ساعدت الحسابات الروسية المزيفة في نشرها.
لم ينته الأمر بالنسبة لفيسبوك عند هذا الحد، ولم يقبل الكثيرون اعتذارات مارك زوكربيغ غير المنتهية عن أفعال منصته، ولم يقتنع الأغلبية بتمثيل الأخير دور البرئ في جلسة الاستماع الأخيرة المعقودة في شهر أبريل/نيسان الماضي، واستمروا في تسليط الضوء على الأفعال والممارسات غير القانونية وغير الأخلاقية لإمبراطورية ضخمة مثل إمبراطورية فيسبوك، حتى تلك التي لا تخص الانتخابات الأمريكية ووصول دونالد ترامب للرئاسة، كان آخرها وصول مجموعة من الألمان إلى دراسة حديثة تربط منصة فيسبوك بأعمال العنف وجرائم الكراهية تجاه اللاجئين في ألمانيا.
فحصت الدراسة أكثر من 3000 حالة اعتداء على اللاجئين في ألمانيا منذ 2015 وحتى 2017، ووجدت علاقة مباشرة بين زيادة عدد مستخدمي فيسبوك في منطقة ما وزيادة جرائم الكراهية فيها
لا يمكن أن يكون زوكربيرغ مسؤولًا عن كل شيء سيء في هذا العالم، إلا أن بالتأكيد لمنصته دورًا مهمًا في تواصل البشر مع بعضهم البعض، وهذا هو الهدف الأساسي من استمرارها على مدار العقود الماضية في شكل متطور ومستمر، إلا أن تواصل الناس مع بعضها لن يكون فقط لكسر الحواجز وجعل العالم قرية صغيرة فقط كما يحب زوكربيرغ أن يتغنى بتلك الشعارات في أحاديثه العامة، وإنما تلعب منصته دورًا أيضًا في إيصال المجرمين ببعضهم البعض، والترويج لخطاب الكراهية والمساعدة في جمع كل من يحمل الرأي نفسه تجاه قضية ما، وهو ما حدث بالضبط مع كل من يحمل الرأي نفسه لكره اللاجئين في ألمانيا والميل للتعبير عن ذلك الرأي بالعنف ضدهم.
https://twitter.com/wa3i_2020/status/986000314057871360
ألمانيا ليست الدولة الوحيدة التي تعاني من جرائم كراهية ضد المسلمين أو اللاجئين بشكل عام
وجدت الدراسة نتائج فريدة من نوعها، لأنها أخذت في الاعتبار عدد المستخدمين لمنصة فيسبوك مقارنة بمتوسط عدد الهجمات التي وقعت ضد اللاجئين من سوريا وأفغانستان، حيث ارتفع عدد الهجمات على اللاجئين ومنازلهم كلما ارتفع عدد مستخدمي منصة فيسبوك في المنطقة ذاتها التي وقعت فيها الاعتداءات عن متوسط عدد المستخدمين في شكله الطبيعي، كما وجدت الدراسة تحديدًا أن أي منطقة وجد فيها عدد مستخدمي فيسبوك أكثر من عدد متوسط المستخدمين ارتفعت الاعتداءات على اللاجئين في المقابل بنسبة 50% أعلى.
أكدت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقريرها عن الدراسة أن نتائج تلك الدراسة تتمتع بالمصداقية تحديدًا ضد فيسبوك وليس الإنترنت بشكل عام
لا تتهم الدراسة منصات التواصل الاجتماعي في حثها على جرائم العنف والكراهية تجاه اللاجئين، وإنما تخص فيسبوك بنموذجه الذي ساعد على تكوين “فقاعات” يجتمع فيها الناس أصحاب الآراء المتطرفة تجاه قدوم اللاجئين إلى ألمانيا، ليبدو أن كل الألمان في ألمانيا لهم رأي متطرف تجاه اللاجئين حتى لو كان ذلك في أكثر المناطق ترحيبًا بهم، استطاعت تلك الفقاعات بنجاح خلق جو عام من الكراهية على فيسبوك جعل سكان أكثر المناطق ترحيبًا باللاجئين متحفزين بشكل متوتر تجاه كل اللاجئين الموجودين على أرضهم.
كما هو الحال في أكثر المحتويات براءة على فيسبوك، إن قمت بالإعجاب بصفحات تشرح طرق تربية الأطفال بشكل سليم، ستعمل خوارزميات فيسبوك على الترويج لمحتوى مشابه فيظهر لك أكثر من مرة على صفحتك الرئيسية وعلى شكل إعلانات، ذلك يحدث أيضًا مع أي محتوى يحمل خطاب كراهية تجاه فئة معينة، إن تصفح أحد الألمان من اليمين المتطرف في صفحات خاصة بخطاب الكراهية هذا، من السهل جدًا على فيسبوك أن يروج له محتوى مماثل قد يدعو إلى ممارسات أشد عنفًا ضد اللاجئين.
ليس من الصعب تصديق ذلك بخصوص فيسبوك، لأن هناك العديد من الدراسات البحثية على مستخدمي فيسبوك التي حفزت فضيحة “كامبيردج أنالاتيكا” القائمين عليها على البحث أكثر وأكثر عن ممارسات المنصة واستغلالها للمستخدمين، وجدت أن مستخدمي فيسبوك أقل اطلاعًا وعلمًا بالسياسة مقارنة بمن لا يستخدم فيسبوك من الأساس.
ضمت الدراسة أيضًا كثيرًا من أصوات المسؤولين عن مراكز رعاية اللاجئين السوريين والأفغان أدلوا بشهادتهم عن إغراق صفحاتهم على فيسبوك بلغة كراهية واضحة وغاضبة من كثير من الألمان المتطرفين، إلا أن هذا لا يبدو واضحًا بشكل كبير على فيسبوك بالقدر الذي يتضح فيه محتوى الكراهية ضد اللاجئين على الجانب الآخر، وهو ما دفع إلى استنتاج القائمين على الدراسة أن فيسبوك يُهمش محتويات بعينها على حساب محتويات أخرى.
لقد انخرط فيسبوك من قبل في أعمال العنف العرقي في بورما تجاه أقلية الروهينجا المسلمين هناك، وها هو ذا يُلام من جديد للترويج لخطاب كراهية يستهدف آلاف من الضحايا من اللاجئين في ألمانيا، من الصعب أن نقول إن فيسبوك السبب في أعمال العنف ولا هو المحفز الأساسي لجرائم الكراهية، ولكن من الصعب جدًا أن نقول إن فيسبوك يجعل الأمر أقل قسوة على اللاجئين كذلك كونه جزءًا من الوقود الذي يجعل حياتهم أكثر بؤسًا.