توفي مساء يوم السبت 25 من أغسطس/آب الحاليّ، السيناتور جون ماكين عن 81 عامًا، تاركًا وراءه سجلًا حافلًا من الخدمة العسكرية والسياسية في الولايات المتحدة، ومواقف مهمة تخص الشرق الأوسط والمنطقة العربية على وجه التحديد.
عُرِف ماكين بأنه من صقور الحزب الجمهوري والمحافظين الجدد، وكان على طرفي نقيض من مواقف الإدارتين السابقة والحاليّة تجاه قضايا المنطقة، مما جعل له شعبية في الأوساط المُعارِضة في المنطقة، وذلك لتشجيعه مزيدًا من التدخل الأمريكي على صعيد السياسة الخارجية.
مثلًا، دعا ماكين منذ عام 2012، في مقالة بصحيفة واشنطن بوست بعنوان “مخاطر عدم التحرك في سوريا”، كتبها إلى جانب عضوي مجلس الشيوخ جوزيف ليبرمان ولينزي غراهام، إلى تحرك جدي من الإدارة الأمريكية لدعم الثورة السورية، مُحذرًا من مخاطر جمة في حال غياب الدور الأمريكي.
ولكن هذه السياسة كان لها معنى آخر في مطلع العقد الماضي، قبل غزو العراق وبعد أحداث 11 من سبتمبر/أيلول، حين سادت التحذيرات من توجه المحافظين الجدد لتشكيل “نظام عالمي جديد” وتبني سياسة “الفوضى الخلاقة”.
ماكين وغراهام اللذين قد يشيد بدورهما وتصريحاتهما الثوار السوريون، ربما يكون رأي العراقيين فيهم مختلفًا
كان منطقيًا أن لا ينسجم جون ماكين وباراك أوباما في السياسة الخارجية، وذلك لاختلاف جوهري بين نظرة المحافظين الجدد والليبراليين إلى هذا الملف، فالليبراليون يميلون إلى استخدام القوة الناعمة، أو “القوة الذكية” كما وصفتها هيلاري كلينتون، المتمثلة في الموازنة بين القوتين الناعمة والصلبة والدبلوماسية والاقتصاد، أما المحافظون الجدد فيصرحون بوجوب نشر “القيم الأمريكية” مثل الديمقراطية ولو بالقوة، وذلك مثل حالة غزو العراق التي لا تخفى نتائج التجربة فيها على أحد.
لا تُقدم هذه المقالة تقييمًا كافيًا لهاتين المدرستين الفكريتين في السياسة الخارجية الأمريكية، ولكنها تدعو إلى مزيد من الدراسة والنظر في السياسة الخارجية الأمريكية، وعدم الاكتفاء بموقف واحد أو سياسة إدارة واحدة للخروج بخلاصات كافية.
فماكين وغراهام اللذين قد يشيد بدورهما وتصريحاتهما الثوار السوريون، ربما يكون رأي العراقيين فيهم مختلفًا، أيضًا أوباما الذي رفض التدخل في سوريا، رفض في السابق أيضًا التدخل في العراق.
في خطاب له أمام مُحاربين قُدامى خلال حملته الانتخابية، في 19 من أغسطس/آب 2008، انتقد السيناتور باراك أوباما منافسه الرئيسي جون ماكين، وقال إنه (ماكين) حول نظره بعد أيام قليلة من 11 من سبتمبر إلى العراق، وأصبح داعمًا رئيسيًا لغزو واحتلال دولة لم تكن لها بالتأكيد أي صلة بالهجوم”.
باعتباره محاربًا عسكريًا وسجينًا سابقًا في فيتنام وعضوًا في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، كان ماكين صوتًا بارزًا في أواخر عام 2001
وأضاف أوباما: “بقدر ما كان صدام حسين سيئًا، إلا أنه لم يشكل تهديدًا وشيكًا للشعب الأمريكي، أكبر اثنين مستفيدين من القرار هما تنظيم القاعدة وإيران التي واصلت التقدم في برنامجها النووي ودعمها للإرهاب، بالإضافة إلى زيادة نفوذها في العراق والمنطقة”.
لتناول المسألة بموضوعية أكثر يجدُر عدم الأخذ برأي أوباما في خصمه في تلك الانتخابات، ولذلك سنتناول موقف ماكين من الحرب في العراق خطوة خطوة.
باعتباره محاربًا عسكريًا وسجينًا سابقًا في فيتنام وعضوًا في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، كان ماكين صوتًا بارزًا في أواخر عام 2001، حيث شهدت الولايات المتحدة أخذًا وردًا بشأن كيفية الرد على هجمات 11 من سبتمبر.
ظهر يوم 12 من سبتمبر 2001، سأل كريس ماثيوز مُقدم برنامج “هاردبول” على قناة “إم إس إن بي سي” الأمريكية، ماكين عن الرد الأمريكي الملائم على تلك الهجمات، فقال ماكين: “الرد يجب أن يكون مسألةً قانونية أو مسألة عسكرية، فمن حق الشعب الدفاع عن نفسه، هذا أولًا، وثانيًا، هذه المنظمات (الإرهابية) لا يمكن أن تزدهر بفعالية إلا إذا كانت مدعومة من تلك الدول وتمتلك ملاذًا آمنًا فيها، وإنها ليست أفغانستان فحسب، بل سوريا والعراق وإيران وربما كوريا الشمالية وليبيا وآخرون”.
لم يخص ماكين العراق في حديثه مع كريس ماثيوز، ولكن في 18 من أكتوبر/تشرين الأول 2001، ظهر ماكين مع ديفيد ليترمان على قناة “إن بي سي”، حين ظهرت رسائل الجمرة الخبيثة، وكانت الانتخابات جاريةً في أفغانستان، فعلق ماكين على الأحداث في أفغانستان، ثم قال: “أعتقد أن المرحلة الثانية هي العراق، هناك بعض المؤشرات، لن أستبق الأمر، ولكن بعضًا من رسائل الجمرة الخبيثة هذه قد تكون أتت – ودعني أؤكد – من العراق”.
في 14 من يوليو/تموز 2002، صرح ماكين لبرنامج “ميت ذا بريس” على قناة “إن بي سي” الأمريكية، بأنه يُفضل بدائل للغزو والاحتلال الكامل، للإطاحة بصدام حسين، وقال: “طالما فضلت تجربة خيار المعارضة من الداخل، والتسليح والتدريب والتجهيز ومساعدة المعارضين من الداخل، الأكراد في الشمال، والشيعة في الجنوب”
وفي يناير/كانون الثاني 2002، وبينما كان يقوم بجولة في جسر الطيران لحاملة طائرات أمريكية في بحر العرب، صرخ ماكين: “التالي: بغداد!”، ثم وضح رؤيته لاحقًا في خطاب ألقاه في مؤتمر السياسة الأمنية لحلف الناتو في ميونيخ، في 2 من فبراير/شباط 2002، حين قال: “توجد معسكرات تدريب إرهابية على الأراضي العراقية، ومن المعروف أن مسؤولين عراقيين أجروا اتصالات مع القاعدة”.
أكد ماكين أن “الجبهة التالية (في محاربة الإرهاب) باتت واضحة، ولا ينبغي أن نتقاعس عن الاعتراف بها، الإرهابي يقيم في بغداد، بموارد دولة بأكملها في بلده، ويجمع الأموال من عائدات النفط غير المشروعة، كما أنه فخور بسجل يمتد لعقد من الزمن في تحدي مطالب المجتمع الدولي بترك برامج تطوير أسلحة الدمار الشامل”.
في 14 من يوليو/تموز 2002، صرح ماكين لبرنامج “ميت ذا بريس” على قناة “إن بي سي” الأمريكية، بأنه يُفضل بدائل للغزو والاحتلال الكامل، للإطاحة بصدام حسين، وقال: “طالما فضلت تجربة خيار المعارضة من الداخل، والتسليح والتدريب والتجهيز ومساعدة المعارضين من الداخل، الأكراد في الشمال، والشيعة في الجنوب، على الأقل نجرب هذا الخيار قبل أن نرسل الأمريكان إلى طريق الأذى”.
وبعد يومين، قال ماكين لبرنامج “فيس ذا نيشن” على قناة “سي بي إس” الأمريكية: “نحن بحاجة لتغيير النظام في العراق، إذا استطعنا فعل ذلك بثمن بخس من خلال عمليات تشمل القوات الخاصة فقط وبعض القوى الجوية والمعارضين في الداخل، فهذا جيد، ولكن علينا أن نكون مستعدين لفعل كل ما يلزم لإحداث تغيير في النظام”.
في بداية عام 2003، مع تزايد الدعوات إلى غزو العراق، وحينما أصبحت أكثر إلحاحًا، كان ماكين من بين الأصوات الأكثر تشددًا
وأضاف: “أعتقد أن علينا أيضًا أن نُعد الشعب الأمريكي من خلال إخبارهم بأن صدام حسين يمتلك هذه الأسلحة ويواصل محاولة تحسين قدراته، ولكن يكون كذلك مترددًا في تصديرها إلى دول أخرى”، وأضاف: “نحن بحاجة للاستمرار في إخبار الشعب الأمريكي بذلك، وبصراحة، إخافتهم، إخافتهم وإصابتهم بالرعب في كل يوم”.
في بداية عام 2003، مع تزايد الدعوات إلى غزو العراق، وحينما أصبحت أكثر إلحاحًا، كان ماكين من بين الأصوات الأكثر تشددًا، فقد كتب في 14 من فبراير/شباط 2003 مقال رأي بصحيفة “يو إس إيه تودي”، بأن “الحادي عشر من سبتمبر أظهر أن تنظيم القاعدة يشكل تهديدًا خطيرًا، وأن صدام حسين لديه القدرة على جعل اليوم أسوأ بكثير من خلال تحويله العراق إلى خط لتجميع الأسلحة لشبكة القاعدة”.
قال ماكين: “صدام مجرم دولي، انتهك مرارًا وتكرارًا شروط إفراجه المشروط ويخطط لارتكاب جرائم أخرى مع شركائه الإرهابيين، يجب أن يُقدم للعدالة مرة واحدة وإلى الأبد”.