بعد التدهور الذي أصاب العملة الإيرانية ومظاهرات الاحتجاج ضد السياسات الاقتصادية للحكومة، جاء الدور على مسؤولين كبار ليدفعوا تباعًا جزءًا من أثمان المرحلة الراهنة، ففي أقل من أسبوعين غادر وزيران من حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني فريقه الحكومي من بوابة البرلمان، لتفرض العقوبات الأمريكية كلمتها على حكومة روحاني.
المسؤولون الكبار يدفعون تباعًا جزءًا من أثمان المرحلة
لم يمض سوى أسبوعين على إقالة وزير العمل الإيراني علي ربيعي، حتى جاء الدور على وزير الاقتصاد مسعود كاربسيان الذي مر هو الآخر باستجواب برلماني انتهى إلى سحب الثقة منه تمهيدًا لعزله، على خلفية ارتفاع الأسعار وانهيار العملة المحلية.
ورغم الانقسام في الأصوات، وبفارق 13 نائبًا فقط، رفع مجلس الشورى الإيراني البطاقة الحمراء الثانية في وجه وزير ثانٍ في أقل من أسبوعين، في خطوة فسرها البعض على أنها محاولة لامتصاص غضب الشارع الإيراني جراء تدهور الوضع الاقتصادي، علمًا أنه بموجب الدستور الإيراني، يمكن للمشرعين مساءلة أي وزير وتقديم اقتراح بعزله، ولكن يتوجب أن يحصل على 10 توقيعات من النواب على الأقل.
إقالة وزير الاقتصاد الإيراني تهدف لإقصار الأزمة على الفشل الداخلي
وفي مطلع الشهر الحاليّ عزل البرلمان وزير العمل الذي حذر من أنه مع بدء العقوبات ستشهد إيران مليون عاطل عن العمل خلال أشهر، كما اتهم المتشددين في البرلمان باستهداف حكومة روحاني الذي تعرض لضغوط متزايدة، في الأسابيع الماضية، لإجراء تعديل على فريقه الاقتصادي.
وبعد تعرضه لتلك الضغوط اضطر روحاني لاستبدال رئيس البنك المركزي ولي الله سيف، في 25 من الشهر الماضي، في وقت يعاني اقتصاد البلاد من صعوبات جمة وانحدار في قيمة العملة المحلية آثار احتجاجات جماهيرية، مع دخول الجولة الأولى من العقوبات الأمريكية، حيز التنفيذ.
“استهدفت إيران مجموعة من الوزراء الإيرانيين كضحايا أو قرابين لتدهور الوضع الاقتصادي في البلاد” يقول موقع “jdn” الإلكتروني الإخباري الإسرائيلي
خطوات عُدت ترجمة لرغبة المرشد على خامنئي في شد أحزمة العمل الحكومي لمجابهة ما يُوصف من مسؤولي النظام بـ”الحرب الاقتصادية” على البلاد، في إشارة إلى ما تلوِّح به إيران من موجة عقوبات جديدة تنتظر الجمهورية الإسلامية، قالت واشنطن إنها ستكون “غير مسبوقة” في قسوتها.
من وراء العزل ملفات ترتبط بوضع اقتصاد إيران بعد العقوبات الأمريكية، حيث يرى من طالبوا بعزل الوزير أن وزارة کرباسیان لم تعد خططًا لمواجهة ما تسميها إيران حربًا اقتصادية تفرضها الولايات المتحدة عليها، بل هناك من حمَّل الوزير الذي تولى منصبه قبل سنة مسؤولية الأوضاع الاقتصادية في إيران حاليًّا وتدهور الأوضاع في سوق المال.
ومن داخل البرلمان هناك كذلك من برأ ساحة الوزير مما يعيشه اقتصاد إيران حاليًّا، لكن ذلك لم يمنع من إقالته، فبحسب ما أورده الموقع الإلكتروني الإخباري الإسرائيلي “jdn”، أمس الأحد، فإن إيران استهدفت مجموعة من الوزراء الإيرانيين، كضحايا أو قرابين لتدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، خاصة أنه ثاني وزير يعزل من منصبه منذ مطلع الشهر الحاليّ.
يضيق الشارع الإيراني ذرعًا على خلفية إجراءات واشنطن الأخيرة
فريق اقتصادي جديد في مواجهة العقوبات الأمريكية
تأتي تلك التغيرات في ظل إعادة فرض الولايات المتحدة العقوبات على إيران، التي شملت عدة قطاعات من بينها قطاع النفط، كما تأتي ضمن سلسلة من التغييرات لقيادات اقتصادية، لم يسلم من تبعاتها الرئيس الإيراني نفسه، فمن المقرر أن يمثل روحاني أمام البرلمان يوم 28 من أغسطس الحاليّ؛ ليجيب عن أسئلة تدور حول ملفات تتعلق بدور حكومته في الانهيار الاقتصادي، في أول إجراء من نوعه يتعرض له رئيس البلاد من البرلمان.
خمسة ملفات سيتعين على روحاني تقديم أجوبة عنها؛ أولها يتمحور حول فشل الحكومة في السيطرة على تهريب البضائع والعملة، والثاني عن استمرار العقوبات الدولية على المصارف الإيرانية، بالإضافة إلى امتناع حكومة روحاني عن اتخاذ تدابير صائبة لمكافحة البطالة، خاصة مع وجو 8 ملايين عاطل عن العمل.
الملف الرابع هو الركود الاقتصادي وسوء إدارة الحكومة في التعامل معه، أما الملف الأخير فيتعلق بالانهيار السريع لسعر العملة المحلية، وجميعها استجوابات وتساؤلات لروحاني وحكومته أمام البرلمان الذي يبدو عازمًا على جعل بعض وزرائها “كبش فداء”.
يبدو أن تلك الخطوات جاءت بتوجيهات من علي خامنئي الذي اعتبر أن سوء إدارة حكومة روحاني للملف الاقتصادي لها تداعيات أسوأ من العقوبات الأمريكية، وتلك محاولات لدفع الشعب الإيراني لتناسي دور حكامه في تمويل جماعات في الخارج بمليارات الدولارات سعيًا خلف أطماع النظام التوسعية، وذلك بدلاً من أن يعمل على تحسين المستوى المعيشي لشعب ضاق به الخناق.
يرى كثيرون أنه ربما اجتمعت رغبة حكومية بقرار برلماني باتجه تغيير الفريق الاقتصادي لحسن روحاني
وبين سطور قرار البرلمان بسحب الثقة من وزيري الاقتصاد والعمل وإنهاء الرئيس روحاني مهام رئيس البنك المركزي يرى كثيرون أنه ربما اجتمعت رغبة حكومية بقرار برلماني باتجه تغيير الفريق الاقتصادي لحسن روحاني، فلطالما ارتفعت أصوات تطالب بذلك، بل لطالما كانت أسواق المال تبحث عن فريق تكون له القدرة على مواجهة التحديات المقبلة.
هذه التحديات سترتبط على الأرجح وبشكل كبير بمسلسل العقوبات الأمريكية الذي قد يؤثر في علاقة إيران بالاقتصاد الخارجي، وبكل تأكيد سينعكس ذلك سلبًا على الوضع الداخلي لإيران، وهو ما لا تريده حكومة روحاني؛ لذا فإن قرار البرلمان بسحب الثقة من وزيري العمل والاقتصاد وخروج رئيس البنك المركزي من الحكومة بقرار من روحاني لا يُستبعد معه تشكيل فريق اقتصادي جديد.
هذا الفريق الجديد قد يرضي من خلاله الرئيس من طالبوه بالتغيير، وفي الوقت ذاته سيفتح الباب أمامه لتشكيل فريق اقتصادي جديد ربما يرى فيه القدرة على مواجهة صعاب العقوبات الأمريكية التي يهدد البيت الأبيض بمراحل قادمة غير مسبوقة في شدتها.
ما بعد العقوبات الأمريكية.. البسطاء يدفعون الثمن
منذ إعلان الولايات المتحدة انسحابها من الاتفاق النووي في مايو الماضي، وإعادة فرض العقوبات، يتراجع الاقتصاد الإيراني بوتيرة سريعة مع انسحاب شركات غربية من البلاد، آخرها “توتال” الفرنسية، في خضم احتجاجات في عدة محافظات، مطالبة بالتوظيف وتحسين الأوضاع المعيشية ووقف تدهور أسعار الصرف.
كما واصلت العملة الإيرانية تدهورها أمام الدولار رغم الإطاحة بوزير المالية الذي اتُهم بالعجز عن إدارة الأزمة الاقتصادية “الخانفة” التي تعاني منها طهران، في الوقت الذي توقفت فيه حركة البيع والشراء بالصرافات الرسمية والبنوك أمام المتعاملين الراغبين في تدبير احتاجاتهم من العملة الصعبة التي باتت أزمة متفاقمة في إيران مؤخرًا.
لن تكون الحكومة الإيرانية قادرة على إنهاء الشعور بالاستياء لدى المواطنين
فاقمت العقوبات على إيران من تدهور الوضع الاقتصادي ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة، الأمر الذي دفع أصحاب المتاجر في طهران إلى الاحتجاج في الشوارع منددين بانهيار قيمة الريال الإيراني الذي فقد نحو نصف قيمته في الأشهر الأخيرة مقابل الدولار الأمريكي، فيما عدّ من أكبر المظاهرات المناهضة للحكومة في العاصمة الإيرانية منذ فترة طويلة.
وبينما يبدو المسؤولون الإيرانيون الكبار في مأمن من تأثير العقوبات الأمريكية الأخيرة، يضيق الشارع الإيراني ذرعًا بما أصاب سكانه جراء تراجع مستوى المعيشة على خلفية إجراءات واشنطن الأخيرة، إثر الملف النووي لطهران وسياساتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة.
توقع اقتصاديون تفاقم أزمة إيران الاقتصادية على المدى القريب، مع سريان الجزء الثاني من العقوبات
بدأ سريان الحزمة الأولى من العقوبات الأمريكية الجديدة مطلع هذا الشهر، مستهدفًا صناعة السيارات الإيرانية وتجارة الذهب والمعادن الثمينة ومشتريات طهران من الدولار الأمريكي، ومع تصريحات ترامب بفرض حزمة أخرى من العقوبات، ستكون أقوى، في نوفمبر المقبل، وتستهدف مبيعات النفط الإيراني وقطاع البنوك، توقع اقتصاديون تفاقم أزمة إيران الاقتصادية على المدى القريب، مع سريان الجزء الثاني من العقوبات في ظل استمرار انسحاب كبرى الشركات العالمية منها.
ومع ذلك، سيكون بإمكان الاقتصاد الإيراني، على المدى القصير على الأقل، التغلب على معظم آثار العقوبات الأمريكية، كما تقول “ذا أتلانتيك“، فاحتياطات إيران من النقد الأجنبي قوية وهناك مؤشرات على أن بعض البلدان، وخاصة أكبر عملائها الذين يشترون نفطها، سوف تستمر في شراء النفط الإيراني وتسديد ثمنه بعملة أخرى غير الدولار الأمريكي.
كما أنه من دون أي شك، ستتخذ الحكومة خطوات تهدف إلى تعزيز الاقتصاد في الوقت الذي تستعد فيه لأوقات عصيبة في أعقاب الاحتجاجات في طهران، لكن هذا لا يعني أنها ستكون قادرة على إنهاء الشعور بالاستياء لدى المواطنين الإيرانيين الذين سئموا من ارتفاع الأسعار وسوء الإدارة والتقشف الاقتصادي الذي سوف يتعمّق الآن.