نشرت وزارة الدفاع الروسية ترويجًا لهجمات كيماوية ستستهدف المناطق المحررة في الشمال الغربي من سوريا الكائن في محافظة إدلب ومثلث أرياف حلب وحماة واللاذقية، وتناقلت وسائل إعلام روسية هذا الخبر عن وزارة الدفاع الروسية، وحتى وسائل إعلام موالية لنظام الأسد كان لها دور فاعل في نشر الخبر والترويج له، بطريقة ما.
وتتهم روسيا خلال هذا الترويج أن من سيستهدف المناطق المحررة هم “المسلحون” كما تزعم، وتقصد هنا قوات المعارضة المسلحة التابعة للجيش السوري الحر أو هيئة تحرير الشام التي تعارض النظام السوري، وكثفت وزارة الدفاع الروسية من هذه التصريحات، لإلقاء التهم على المعارضة المسلحة في حال شن النظام هجمة بالأسلحة الكيماوية.
وتأتي هذه التصريحات في ظل الحملة العسكرية التي تهدد المناطق المحررة والأخيرة في الشمال السوري، هذه الحملة التي يحاول النظام الترويج لها عبر إعلامه منذ شهر تقريبًا بعد سيطرته على الجنوب السوري بعد خضوع فصائله لمصالحات، وعلى الرغم من التفاهمات التركية الروسية لتجنيب إدلب سيناريو المناطق السابقة، والمحادثات الروسية الأمريكية، فإن روسيا تسعى لترويج هجمات كيماوية تنفذها “هيئة تحرير الشام”، والمعارضة على حد سواء وبفبركة من الدفاع المدني كما تدعي، وتعد روسيا كل العسكريين في الشمال السوري تابعين لهيئة تحرير الشام، وهذا ما تناوله اللقاء الأخير بين وزيري الخارجية التركية ونظيره الروسي في 13 من أغسطس/آب الحاليّ، الذي ينص على تحديد الإرهابيين.
إدلب تحت سيطرة المعارضة المسلحة
كيف ردت المعارضة على اتهامات وزارة الدفاع الروسية؟
لم تتوقف المعارضة المسلحة في الشمال السوري عن تعهداتها بالحفاظ على أمن المناطق المحررة وتأمين ساكنيها من بطش النظام وتجنيبهم دائرة الحرب التي تعد ذات الأمد الطويل لأن الشمال يعد ترسانة المعارضة، وخلال تعهدات المعارضة صرحت وزارة الدفاع الروسية أن إرهابيي هيئة تحرير الشام يستعدون للقيام باستفزاز لاتهام دمشق باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد السكان المدنيين في محافظة إدلب السورية، بحسب وكالة سبوتنيك الروسية.
وقال الناطق الرسمي لوزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف، السبت 25 من أغسطس/آب: “وفقًا لمعلومات مؤكدة من عدة مصادر مستقلة في آن واحد تستعد الجماعة الإرهابية هيئة تحرير الشام (النصرة) لاستفزاز آخر، وتمثيل أن القوات السورية استخدمت الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في محافظة إدلب”.
وأضاف أنه تم إرسال 8 عبوات من الكلور ونقلت إلى قرية تبعد بضعة كيلومترات عن جسر الشغور بعد أن سلمت إلى الجماعة الإرهابية “حزب التركستان الإسلامي” من أجل تمثيل الهجوم الكيميائي في مدينة جسر الشغور في محافظة إدلب من قبل هيئة تحرير الشام، وأوضح أنه يخطط لمشاركة مسلحين مدربين من شركة خاصة بريطانية “أوليف” لتمثيل دور إنقاذ الضحايا من الهجوم الكيميائي الذي يعدونه في إدلب، مشيرًا إلى أن مجموعة من المسلحين المدربين وصلوا إلى منطقة جسر الشغور.
من جانبه الناطق الرسمي في الجبهة الوطنية للتحرير النقيب ناجي مصطفى قال لـ”نون بوست”: “هذه الاتهامات التي تروج لها روسيا والنظام، كلها غير منطقية وغير واقعية، فلا يمكن للثوار أن يشنوا هجومًا على مناطق سيطرتهم ويقذفوا الاتهامات تجاه النظام، وهذه الاتهامات هي تمهيدًا لاستخدام النظام وروسيا الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في إدلب”.
المعارضة: “الاتهامات التي تزعمها وسائل الإعلام الروسية هي محض كذب وافتراء لا غير وتمهد للنظام لشن هجمات كيماوية وتلفيق هذه التهمة لقوى الثورة والفصائل العسكرية”
وأضاف ناجي أن “النظام هو الوحيد الذي يمتلك هذه الأسلحة، وسبق واستخدمها في العديد من المناطق منها الغوطة الشرقية وخان شيخون وسراقب وداريا، وقد تم تحديد من قام بها من قبل لجان الأمم المتحدة، وأثبتت هذه اللجان أن النظام هو من قام بها ضد المدنيين، وهذه من طبيعته الإجرامية، فهو من يقوم بهذه الجرائم بالأسلحة المحرمة دوليًا لإيقاع المجازر في صفوف المدنيين”.
وأوضح أن الاتهامات التي تزعمها وسائل الإعلام الروسية هي محض كذب وافتراء لا غير وتمهد للنظام لشن هجمات كيماوية وتلفيق هذه التهمة لقوى الثورة والفصائل العسكرية، وأكد قائلاً “نحن ننفي نفيًا قاطعًا هذه الاتهامات والأباطيل”، وبخصوص الادعاءات الروسية التي تتحدث عن وجود خبراء بريطانيين تقوم بتدريب أشخاص لفبركة الهجمات يقول ناجي: “لا يوجد أي مساعدة أمريكية وبريطانية لفصائل الثوار، ولا يمكن أن تقوم الفصائل العسكرية بهذه الهجمات التي يحرض لها النظام عبر منصاته الإعلامية لأنها لا تمتلك هذا النوع من السلاح المحرم دوليًا”.
الخوذ البيضاء خلال انتشال الجرحى من تحت الأنقاض التي سببتها طائرات الأسد
“الخوذ البيضاء” متهمة بفبركة الهجمات
كان الناطق في وزارة الدفاع الروسية كوناشينكوف قد صرح أنه “تم تكليف المسلحين بمهمة تمثيل إنقاذ ضحايا الأسلحة الكيميائية على غرار الخوذ البيضاء”، وتحاول الدفاع الروسية اتهام الخوذ البيضاء والدفاع المدني السوري بفبركة المشاهد لنقلها إلى الإعلام الغربي والأجنبي، كما سبق أن اتهمت الدفاع المدني بفبركة مشاهد المجزرة الكيماوية التي ارتكبها النظام في مدينة دومة في غوطة دمشق قبيل تهجير ساكنيها إلى الشمال.
وفي لقاء مع مدير إعلام الدفاع المدني في حلب قال أبو الليث لـ”نون بوست”: “في الحقيقة إن النظام والروس يروجون دائمًا قبل أي عملية يقومون بها وخاصة في الضربات الكيماوية”، وأضاف هم من يستهدفون المدنيين بالأسلحة الكيماوية ليلفقوا الأكاذيب عن الدفاع المدني السوري.
وأوضح أبو الليث: “نحن نخدم المدنيين وطواقمنا في جميع المناطق السورية على استعداد تام لمواجهة أي طارئ يواجه المدنيين ونحن في الدفاع المدني السوري على مدار الخمس سنوات نعمل على إنقاذ المدنيين وانتشالهم من تحت الأنقاض وإسعافهم”، مؤكدًا “غايتنا وهدفنا حماية المدنيين من أي شيء يتعرض لهم”، وتواجه منظمة الدفاع المدني السوري حملات تشويه من إعلام النظام وروسيا للحد من عملهم الإنساني والأخلاقي ودورهم في إنقاذ المدنيين العزل.
ومن جانبه قال النقيب ناجي لـ”نون بوست”: “إنهم يدعون أن الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) من سيقومون بفبركة هذه الهجمات، ويريدون أن يلقوا التهمة عليه، والخوذ البيضاء هي أكثر منظمة مدنية تعمل على الأرض لخدمة المدنيين، ورفع الأنقاض عن المواقع المدمرة لانتشال المدنيين”. وأضاف: “للدفاع المدني مصداقية عالية، عن طريق توثيق الهجمات وجرائم الحرب التي يرتكبها النظام ضد المدنيين، من رجال ونساء وأطفال وشيوخ، وله دور مهم في المناطق المحررة”.
مراقبون: يخطط النظام لعملية عسكرية على إدلب وهو يعلم أنها عملية صعبة عليه لا يمكنه القيام بها لأنه يعرف أنها ستكبده خسائر فادحة لذلك يلجأ إلى الترويج لاستخدامه الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين والفصائل العسكرية في المناطق المحررة شمال غرب سوريا
وأوضح ناجي أن النظام والروس يستخدمون الحرب النفسية والإشاعات والأكاذيب لإضعاف المدنيين عن طريق كسر ثقتهم في المنظمات الثورية الفصائل العسكرية، وأشار أن مركز المصالحة الروسي استخدم مروجي المصالحات في المناطق المحررة ومن جانبهم قاموا بحملات أمنية موسعة لإلقاء القبض عليهم.
ويخطط النظام لعملية عسكرية على إدلب وهو يعلم أنها عملية صعبة عليه لا يمكنه القيام بها لأنه يعرف أنها ستكبده خسائر فادحة لذلك يلجأ إلى الترويج لاستخدامه الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين والفصائل العسكرية في المناطق المحررة شمال غرب سوريا.
إلى ذلك، تدعي وزارة الدفاع الروسية أن الهجمات الكيماوية ستكون تبريرًا لقصف أمريكي يستهدف مواقع قوات وميليشيات تابعة للنظام، وذلك في محاولة من أمريكيا لمنع روسيا والنظام من شن حملة عسكرية على الشمال السوري وإدلب بشكل خاص، وتبدو حملات الترويج التي تسعى إليها روسيا لإنهاء ملف إدلب الذي أصبح بمثابة عقدة بين روسيا وتركيا وحتى أمريكا التي تبدو متخوفة من شن هجمات كيماوية وتكرار العمليات العسكرية التي شنها النظام في المناطق التي خضعت لتسويات بعد معارك برعاية روسية.
وتبقى محافظة إدلب والأرياف المجاورة لها شمالي غرب سوريا بين جنبات التهديدات العسكرية بأسوأ أنواع الأسلحة العالمية التي تحوي آلافًا من المهجرين، عرضة لحملة عسكرية يروج لها النظام وروسيا، وتركيا تسعى لتسليم زمام أمور المنطقة للجبهة الوطنية للتحرير التي تدعمها، فكيف سينتهي سيناريو إدلب؟