ترجمة وتحرير: نون بوست
في كتابه “الصورة السوداء في العقل الأبيض”، كتب المؤرخ جورج م. فريدريكسون “في السنوات التي سبقت سنة 1800 وبعدها مباشرة، غالبا ما أظهر الأمريكيون البيض من خلال أقوالهم وأفعالهم أنهم يعتبرون [السود] عنصرًا غريبًا وغير قابل للاندماج في المجتمع”. وفي سياق الهيمنة الأمريكية البيضاء، تم تصوير السود من خلال الصور النمطية العنصرية المعادية على أنهم بطبيعتهم غير لائقين، ومفتعلين للمشاكل، ومنفصلين عن فئة البشر التي كانت تُرادف البياض.
فهم الباحث الفرنسي التونسي ألبرت ميمي في كتابه “المستعمِر والمستعَمر” هذه التبريرات العنصرية كأنها سلسلة من النفي. ولاحظ أن “المستعمَر ليس هذا، ولا ذاك. [لا يُنظر إليهم] أبدًا من منظور إيجابي، وإذا كان الأمر كذلك، فإن السمة التي يُعترف بها تكون نتيجة لفشل نفسي أو أخلاقي”. وفي إطار هذه الأنظمة الثنائية العنصرية، يصبح من الضروري أن تعمل مجموعة معينة كـ “الغير”.
في جميع أنحاء العالم مجموعات تعتبر “غيرية”، ويتم فرض “غيريّتها” من قبل أولئك الذين يسيطرون على أشكال الخطاب السائدة – أولئك الذين لديهم القوة التمثيلية لإذلال وتهميش وتشويه سمعة الآخرين. تاريخيًا، ساعدت المدارس والمؤسسات الدينية في دعم مثل هذا الخطاب اللاإنساني.
في هذه المقابلة الحصرية، تناقش نوريت بيليد-إلهانان، وهي محاضرة متقاعدة في تعليم اللغات من الجامعة العبرية وكلية ديفيد يلين الأكاديمية في القدس، ومؤلفة العديد من الكتب، كيفية عمل الكتب المدرسية الإسرائيلية (وبالتالي المدارس الإسرائيلية) على تأطير الخطاب المعادي للفلسطينيين بقوة، مما يغرس الشك والخوف والكراهية تجاه الفلسطينيين في أذهان الأطفال الإسرائيليين. ويقدم عمل بيليد-إلهانان تحليلاً عميقًا للعلاقة بين القوة التربوية التي تمتلكها الدولة الإسرائيلية والأيديولوجية العنصرية المعادية للفلسطينيين.
جورج يانسي: قدمي بعض الأمثلة على كيفية تصوير الفلسطينيين بطرق عنصرية من خلال الكتب المدرسية الإسرائيلية.
نوريت بيليد-إلهانان: تهدف الكتب المدرسية في إسرائيل، وجميع أنحاء العالم، إلى إضفاء الشرعية على الدولة وأفعالها وإلا لما كانت لدينا كتب مدرسية، بل كانت لتكون مجرد كتب فقط. لذا فإن الهدف من وجود الكتب المدرسية هو إضفاء شرعية على الدولة، خاصة الأفعال المثيرة للجدل التي تقوم بها الدولة مثل ما يسمى بالجرائم التأسيسية.
وفي حالة إسرائيل، يتعلق الأمر بتبرير استعمار فلسطين والاحتلال المستمر. ويجب على إسرائيل تبرير سياساتها. لذا فإنها، مثل جميع القوى الاستعمارية، تصوّر المستعمرين على أنهم بدائيون وأشرار أو زائدون عن الحاجة. تصور إسرائيل الفلسطينيين كمجموعة عنصرية لا يمكن تغييرها ولن تتغير أبدًا.
في أحد كتب الجغرافيا المدرسية، مثلا، توجد فقرة تناقش العوامل التي “تمنع” تطور القرى العربية. ويُزعم أن العرب لا يدركون أن القرى العربية بعيدة عن المراكز الحضرية، وأن الطرق المؤدية إليها صعبة، وأنها ظلت بعيدة عن عمليات التغيير والتنمية. كما يُقال إنهم لا يتعرّضون للحياة الحديثة، وأن هناك صعوبات في ربطهم بشبكات الكهرباء والمياه. قد يتصور المرء أننا نتحدث عن منطقة بحجم أستراليا، لكن إسرائيل أصغر من ولاية نيوجيرسي. إذًا، أين تقع هذه القرى النائية التي بقيت بعيدة عن التنمية؟
كما يُزعم أن المجتمع العربي تقليدي ويعارض التغييرات بطبيعته، ويُبدي مقاومة لتبني المستجدات. ويُنظر إلى التحديث على أنه تهديد، وهم غير مستعدين للتخلي عن أي شيء من أجل الصالح العام. ويُصوَّر العرب أيضًا كمشكلة وتهديد ديموغرافي وأمني. ويُستخدم هذا التصور لتبرير المذابح والقضاء عليهم، حيث تُعتبر المذابح مثل مذبحة دير ياسين التي دفعت الفلسطينيين للفرار، حلاً لمشكلة ديموغرافية مقلقة. وحتى حاييم وايزمان، أول رئيس لإسرائيل، وصف فرار الفلسطينيين بالمعجزة، قائلاً إن الإسرائيليين يجب أن يتفوقوا عدديًا على الفلسطينيين لضمان أمنهم.
يقارنون باستمرار بين أعداد العرب واليهود في جميع المواد في الكتب المدرسية، بما في ذلك الرياضيات. يشير الكتاب المدرسي إلى الفلسطينيين كـ “عرب إسرائيل” أو “القطاع غير اليهودي”، ويفتقر الوصف إلى أي سياق إيجابي، حيث يُذكر الفلسطينيون فقط في سياق الإرهاب. فعلى سبيل المثال، يُشار إلى المجتمع البدوي الذي عاش على الأرض لآلاف السنين بـ “الشتات البدوي”، لتقديم انطباع على أنهم لا ينتمون إلى هذا المكان. وتتجاهل الخرائط في الكتب المدرسية تمامًا وجود فلسطين والفلسطينيين، حتى في الخرائط التي تُظهر السكان العرب، ولا تظهر أي مدينة عربية، بما في ذلك الناصرة.
إنهم يبررون القوانين العنصرية مثل قانون المواطنة الذي يحظر على الزوجين العيش معًا إذا كان أحدهما مواطن إسرائيلي والآخر من الأراضي المحتلة. ويُستخدم هذا النوع من القوانين العنصرية وغير القانونية وغير الدستورية لتبرير تقييد الحقوق بناءً على تصريحات رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية السابق، الذي قال إن “حقوق الإنسان للفلسطينيين لا ينبغي أن تكون وصفة للانتحار الوطني”.
وهكذا، فإن الصورة الكاملة هي أنك تعلم أنهم يشكلون تهديدًا، وبالتالي لا ينبغي التعامل معهم كبشر. لذا يتم تبرير التمييز والقضاء والاحتجاز للمواطنين العرب بهذا العذر، وهو الحاجة إلى أن يكونوا أغلبية والحفاظ على الطابع اليهودي للدولة. ذات يوم، كانت هناك سياسة لتشجيع الأسر اليهودية على إنجاب أربعة أطفال لكل أسرة، بهدف زيادة عدد السكان اليهود مقارنة بالعرب، مع منح مكافآت للأسر الكبيرة، والتي كانت تُسمى “الأسر المباركة”. مع ذلك، توقفت هذه السياسة عندما أصبح بنيامين نتنياهو وزيرًا للمالية، حيث أوقف المخصصات المخصصة للأسر الكبيرة، ولكنها كانت سياسة تهدف أساسًا للتفوق العددي عليهم.
متى يتم تقديم هذه الكتب للأطفال الإسرائيليين؟
من مرحلة رياض الأطفال. وتعكس الكتب المدرسية الخطاب. كما أشار اللغوي غونتر كريس فإن النصوص هي علامات ترقيم للدلالة أو صناعة المعنى في فترة زمنية معينة. ولهذا السبب تتغير الكتب المدرسية من حكومة إلى أخرى. هذا هو الخطاب، الخطاب الاجتماعي. وينعكس في الكتب المدرسية، التي لا تخترع هذا النوع من الخطاب.
ما يُبرزه عملك هو أن الصور الموجودة في الكتب المدرسية ليست حميدة أو عرضية أو مجرد ترفيه. ما تظهره هو أن الصور العنصرية تحمل آثارًا وجودية عميقة. إن تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم عبر الكتب المدرسية الإسرائيلية يسهم في تمكين إبادتهم. وبعد كل شيء، إذا نشأ الأطفال الإسرائيليون على قبول “الحقائق غير المشروطة” لما هو مكتوب أو مصور في كتبهم والأماكن التربوية، فإن قتل الفلسطينيين من خلال العقاب الجماعي لا يحمل نفس الثقل الأخلاقي مقارنة بإزهاق أرواح الإسرائيليين.
في كتاب “فلسطين في الكتب المدرسية الإسرائيلية: الأيديولوجيا والدعاية في التعليم”، كتبتِ: “غالبًا ما يُصوّر الفلسطينيون غير المواطنين في الأراضي المحتلة على أنهم إرهابيون، ويعزز هذا التصوير السياسات المعروضة في الكتب المدرسية باعتبارها ضرورة متفقا عليها، مثل سياسة السيطرة المستمرة، وتقييد الحركة، وحتى الاغتيالات خارج نطاق القضاء”. وهناك مفارقة عميقة هنا، نحن نعلم أن الشعب اليهودي تعرض لدعاية لاإنسانية في ألمانيا النازية، حيث تم تصوير اليهود على أنهم “طفيليات” يجب إزالتها وإبادتها لنقاء “العرق الآري”. ومن الواضح أن الفلسطينيين هم المجموعة الخارجية. كيف ترين الصهيونية على وجه التحديد كقوة أيديولوجية تخلق مجموعة داخلية يجب ألا “تتلطخ” بالمجموعة الخارجية؟ في النهاية، الصهيونية كأيديولوجية بناء الأمة لا تقتصر فقط على استخدام الصور النمطية العنصرية، بل تشمل أيضًا السيطرة على الحيز الجغرافي. وهل يمكنك مناقشة كيف يعمل هذان الشكلان من العنف معًا من خلال المشروع الصهيوني ذاته؟
إن الهوية الإسرائيلية هويةٌ إقليمية، حيث يتداخل المفهوم الوطني مع الإقليمي بشكل وثيق. وتعد الأرض عاملًا أساسيًا في تحديد هذه الهوية، فنحن من أهل الأرض، ويجب أن نحتل الأرض. لكنني أعتقد أن الطريقة التي تعاملت بها الصهيونية منذ بداياتها مع السكان الأصليين هي الطريقة التي تعامل بها الاستعماريون مع السكان الأصليين، حيث صُور هؤلاء السكان على أنهم بدائيون، وأننا نجلب التقدم لهم. ويقال عنهم إنهم غير موجودين وهم يعتبرون جزءًا من المشهد الطبيعي.
وأعتقد أن كل القوى الاستعمارية تعاملت مع السكان المحليين بنفس الطريقة. لذا تهدف الصهيونية، كحركة وطنية أوروبية ومثل غيرها من الحركات الأوروبية، إلى تمييز من هو “الإنسان” ومن هو “الغير”. وهذا “الآخر” هو الشرقي بالمعنى الجغرافي أو الثقافي، في إشارة إلى اليهود الذين كانوا يُسمّون بالشرقيين في أوروبا. وكأنهم عرق “شرقي”، وكانوا يريدون التخلص منه. لقد أرادوا أن يغرّبوا أنفسهم.
هذا أحد الأمور التي يتم التأكيد عليها بشكل كبير في الكتب المدرسية: نحن الغرب. ولا يتم حتى ذكر تاريخ اليهود في الشرق أو في البلدان الإسلامية، على الرغم من أنهم عاشوا حياة متناغمة وثرية للغاية في البلدان الإسلامية لآلاف السنين. ولكن لم يتم حتى ذكر ذلك. لذا، أرادوا تغريب أنفسهم ومحو تاريخ البلاد لإعادة إنتاج أسطورة الاستمرارية وكأن اليهود القادمين من أوروبا قادمون إلى أرضهم.
لذا، تم محو التاريخ والثقافة، وكل ما كان موجودًا من قبل على أرض فلسطين أو إسرائيل العربية. لقد فعلوا ذلك في علم الآثار أيضًا. فلا تكاد تجد أي مكتشفات أثرية من فلسطين أو من العهد العثماني. ومع أن العثمانيين قد حكموا هنا 600 سنة، إلا أنه بالكاد يوجد أي أثر لذلك. وإذا ذهبت إلى حديقة في إسرائيل، يقولون لك إن هذا المكان كان كذا وكذا يعود للرومان، أو البيزنطيين، أو الصليبيين، أو البريطانيين أو الصهاينة. لقد تم محو ألفي سنة من التاريخ. إذًا، كل هذه الأشياء معًا يمكن أن تفسر الموقف الإسرائيلي. ويستخدم القادة الصهاينة بالطبع، مثل كل الاستعماريين، الخطاب العنصري لتشويه سمعة السكان الأصليين، وإضفاء الشرعية على التمييز ضدهم والقضاء عليهم.
يمكن القول إن اليهود الإثيوبيين هم مجموعة تعاني من نوع من “الغيرية” داخل إسرائيل. في كتابكِ “تعليم الهولوكوست ودلالات الغير في الكتب المدرسية الإسرائيلية”، تناقشين كيف أن اليهود العرب وغيرهم من اليهود غير الأوروبيين هم أنفسهم ضحايا أيضًا للصهيونية. وتصفين في كتابك اليهود غير الأوروبيين الذين استوطنوا في إسرائيل بأنهم “ضحايا الضحايا”. كيف تساهم الروايات الصهيونية في “إضفاء صفة الغيرية” على اليهود غير الأوروبيين؟
كما ذكرت، كانت الحركة الصهيونية حركة أوروبية. فعندما جاءوا إلى فلسطين، كان هدفهم أن يغرّبوا أنفسهم ويؤهّلوا أنفسهم في نفس الوقت – وكأنهم عائدون إلى أرضهم. وكانت الفكرة هي إنشاء وطن لليهود الأوروبيين، دون اهتمام كبير باليهود الآخرين من المناطق الأخرى، وخاصة الدول العربية أو الأفريقية. ولكن بعد الهولوكوست وإبادة اليهود الأوروبيين، كانوا في حاجة إلى توطين أشخاص في الدولة الإسرائيلية المستقبلية. لذا، بحثوا عنهم في دول أخرى، ووجدوهم في الدول الإسلامية.
مع ذلك، كانت النظرة إلى هؤلاء اليهود على أنهم همجيون وبدائيون ومليئون بالجراثيم والأمراض، وما إلى ذلك. وأنه ينبغي احتجازهم في معسكرات حتى يتمكنوا من الاندماج. وكان ينبغي أن يتخلوا عن ثقافتهم وعروبتهم أو أفريقيتهم، ولغتهم وموسيقاهم وعاداتهم ودينهم، وأن يتبنى هذا الدين الآخر، وهو عبارة عن الثقافة اليهودية التي نشأت في أوروبا الشرقية. لقد كتب العديد من الباحثين عن هذا الموضوع، مثل إيلا شوحاط وآخرين. وبذلك، تم تحويل هؤلاء الأشخاص إلى ضحايا للضحايا، لأن من عاملهم بهذه الطريقة كانوا هم الضحايا الحقيقيون، الناجون من الهولوكوست.
هم عالقون في ما يُعرف بالاستعمار الباطني، أو ما يُطلق عليه “الاستعمار الداخلي”. وحتى يومنا هذا، وبعد مرور أربعة أجيال على قدومهم إلى إسرائيل، لا يزال أحفادهم يُطلق عليهم أسماء مثل “المغاربة” أو حتى “المغاربة القذرين”. ويتم تصنيفهم وفقًا لأصولهم العرقية، بينما يُعتبر اليهود الأشكناز هم القاعدة غير المميزين. ولا يُطلق عليهم اسم عرقي، بينما غير الأشكنازيين، رغم وجودهم على الأرض منذ أربعة أجيال، ما زالوا يُسمون وفقًا لأعراقهم. إن الفجوات في التعليم والتوظيف والثروة تتسع بدلاً من أن تتقلص.
لقد كانت تلك تجربة مروعة، والطريقة التي عوملوا بها دمرت العائلات والمجتمع. لقد كانت كارثة حقيقية. وفي الواقع، لم تكن إسرائيل ترغب في قدوم الإثيوبيين لسنوات عديدة. وكان اليهود الإثيوبيون، أو بيتا إسرائيل كما يسمون أنفسهم، يريدون الانتقال إلى صهيون لأسباب دينية. وعلى الرغم من أن بعض اليهود العرب كانوا صهاينة إلى حد كبير، إلا أن دوافعهم كانت دينية في الأساس وليست سياسية. لقد كانوا يرغبون ببساطة في الذهاب إلى القدس. أما اليهود الإثيوبيون، الذين كانوا يعتقدون أنهم اليهود الوحيدون في العالم، فقد كانوا حريصين على الانتقال إلى صهيون. وعندما سمعوا أن هناك فرصة لذلك، بدأوا يطلبون الانتقال. ولكن إسرائيل لم تكن راغبة في استقبالهم. فقط بعد أن أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنة 1975 أن الصهيونية حركة عنصرية، قررت إسرائيل إدخالهم لإثبات أنها تقبل السود. مع ذلك، استغرق الأمر سنوات أخرى قبل أن يبدأ تدفقهم إلى البلاد.
كانت الطريقة التي أحضروهم بها مأساوية، فقد أجبروهم على السير على الأقدام حتى السودان ثم أبقوهم في السودان في ظروف معيشية سيئة للغاية لعدة شهور متتالية. كان عدد القتلى بالآلاف، ثم وصفوا ذلك بأنه عملية سرية رائعة قام بها “جنودنا الشجعان”. لقد أحضروهم ووضعوهم في معسكرات أطلقوا عليها معسكرات ومراكز الاستيعاب.
كانوا يعتمدون بشكل كامل على البيروقراطية الإسرائيلية، ولم يتمكنوا من اتخاذ القرارات المتعلقة برفاهيتهم الخاصة. كان عليهم التخلي عن كل عاداتهم وزعمائهم الدينيين ودينهم، لأنهم كانوا يتبعون التوراة وليس الشريعة اليهودية التي تم تطويرها في أوروبا الشرقية – بل إنهم لم يكونوا حتى على علم بها، ولم يكن بوسعهم اختيار المدارس لأطفالهم.
لا تزال الكتب المدرسية تروج لهذا الأمر حتى اليوم من خلال التعامل مع اليهود الإثيوبيين على أنهم “مشكلة” كان على الدولة التعامل معها. واليوم، وبعد مرور أكثر من 40 سنة على وصولهم، ما زالوا يعاملون كمشكلة. يجب عليهم أن يدرسوا جميع أنواع النصوص التي كتبها الأوروبيون في ستينيات القرن الماضي عن الحياة في إثيوبيا، وأن تتردد على مسامعهم ادعاءات بأنهم مجتمع يتسم بالسلطة الأبوية، وأنهم بدائيون، وأنهم يزوجون بناتهم في سن التاسعة وما إلى ذلك.
لا يُذكر أي شيء عن مساهمتهم في البلاد، فهناك فنانون ومغنون وراقصون وعلماء وكل شيء، لكن لا يتم ذكرهم إلا عندما يكونون “جنودًا جيدين”، وكل الكتب تذكر ذلك. يتم فصلهم في الجامعة وكلية التمريض والجيش في برامج خاصة للإثيوبيين، حتى لو كانوا مولودين في إسرائيل. هذه البرامج الخاصة تهدف إلى تغريبهم على طريقة إسرائيل الغربية، وهذا محض هراء. ومع ذلك، يجب عليهم قراءة هذه النصوص. جميع النصوص المتعلقة بهم مكتوبة من قبل اليهود الأشكناز، ولا يوجد نص إثيوبي واحد في جميع البرامج، على الرغم من أن لديهم كتّابا (وعلماء اجتماع وعلماء نفس) حصلوا على جوائز. واليوم، بدأ المثقفون الإسرائيليون الإثيوبيون الاعتراض ودحض رواية الإنقاذ، وهناك حركة مقاومة لكل ذلك. ولكن الأمر صعب للغاية.
تعاملهم الشرطة كما تعامل الشرطة السود في أمريكا وإنجلترا ويطلقون النار عليهم في الشوارع. ومؤخرًا، انتهت محاكمة شرطي أطلق النار على شاب إسرائيلي من أصل إثيوبي يبلغ من العمر 18 سنة بتبرئة الشرطي. وطوال فترة المحاكمة، تعامل القضاة مع الشرطي كما لو كان هو الضحية، وتعاملوا مع أهل هذا الفتى كما لو كانوا عائقاً.
قال رئيس الشرطة: نعم، ماذا بوسعنا أن نفعل؟ إنهم سود. وهذا موجود في الكتب المدرسية. الكتب المدرسية تخبرك أنهم لا يستطيعون الاندماج، أو أنهم يجدون صعوبة في الاندماج، لأن لديهم عادات لم نعتد عليها، مثل احترام كبار السن، وسلطة الوالدين، ولون البشرة؛ أشياء فظيعة من هذا القبيل. إن الكتب المدرسية تحاكي عنصرية الدولة. ودائمًا ما تظهرهم في الصور وهم يفترشون الأرض في الصحراء ولا ترى وجوههم حتى.
أسأل طلابي دائمًا، أين عاش اليهود الإثيوبيون في إثيوبيا؟ فيقولون: في الصحراء، وهذا خطأ. كانوا يعيشون فوق التلال لأنهم كانوا بحاجة إلى الماء للقطعان. أثناء جائحة كوفيد-19، ألقت محاضرة إثيوبية في كلية ديفيد يلين الأكاديمية محاضرة على هيئة التدريس وسألت نفس السؤال: “أين كانوا يعيشون في اعتقادكم؟ قال المحاضرون جميعًا: “في الصحراء”، لأن هذه هي الصورة الوحيدة التي نراها لليهود الإثيوبيين. هذا أمر فظيع.
لقد اعتدتُ أن أتطوع مع الأطفال في مركز استيعاب بالقرب من منزلي. كانت ظروفهم المعيشية سيئة، وكذلك معاملتهم في المدرسة. فالعنصرية في المدارس تحرمهم من المشاركة في جميع الأنشطة التي يمارسها الأطفال البيض. بالطبع، كانوا أطفالًا رائعين وأذكياء. وأنا على تواصل مع بعضهم حتى يومنا هذا. وكانت إحداهم تعمل فنية في سلاح الجو الإسرائيلي. ذهبت إلى حفل زفافها ولم يكن هناك شخص أبيض واحد في هذا الزفاف، لا أحد من أقرانها السابقين في الجيش، ولا أحد من أقرانها الحاليين. ولكن كيف يحدث هذا؟ أنا متأكدة من أنها دعت الجميع. هذه حكاية، لكني أذكرها لأوضح لك النظرة تجاه اليهود الإثيوبيين. سمعت معلمين يقولون إنهم مقرفون، وسمعت معلمين يقولون إنهم ليسوا مقدسين لأنهم يذبحون الأبقار بأنفسهم.
وهذا يذكرني بالواقع المروع للجيل المسروق، حين قام الأستراليون البيض بإجبار أطفال السكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس على الانفصال عن آبائهم بهدف محو أي علامات تدل على هويتهم الثقافية.
نعم، إن تعليم الأطفال الإسرائيليين الإثيوبيين بأكمله في هذه الحالة يهدف إلى تغييرهم، وليس التعرف عليهم أو التعلم منهم، أو التعرف على مساهماتهم في مجتمع متعدد الثقافات. سألت إحدى المعلمات عما إذا كانت تعتقد أن هذه التغييرات ستفصلهم عن ثقافتهم ومجتمعهم وعائلاتهم. فقالت: “نعم، أتمنى أن يعلّموا آباءهم أيضًا”. لذا فإن هذه هي نفس العمليات الاستعمارية التي حدثت في أستراليا وكندا. إنها نفس “المهمة الحضارية”، مهمة الرجل الأبيض الحضارية. وقد صُدم الإثيوبيون عندما جاءوا لأنهم اعتقدوا أنهم جاءوا إلى “أورشليم الذهب” وفجأة تمت معاملتهم مثل غير اليهود، مما تسبب في الكثير من حالات الانتحار. كانوا يعاملون كالبهائم، وهو ما لم يتغير حتى يومنا هذا.
ما هي الطريقة الفعالة التي ترينها لتفكيك القوالب النمطية المعادية للفلسطينيين في إسرائيل التي تسبب الكثير من العنف؟ كيف يمكن لإعادة التفكير في التعليم وإعادة النظر بشكل جذري في المناهج الدراسية في إسرائيل أن تحدث فرقاً؟
يمكن أن نضع منهجًا جديدًا تمامًا إذا أردنا. لقد كنت أتحدث عن الكتب حتى سنة 2014 تقريبًا، لأنك بعد ذلك لا تجد الفلسطينيين في الكتب المدرسية على الإطلاق، ولا تجد الإثيوبيين في الكتب المدرسية على الإطلاق. لديك بعض المشاكل المجردة المتعلقة بالإرهاب، لكن لا أحد يتحدث عنهم كأشخاص.
كان هناك بعض التغيير في نهاية التسعينيات عندما تحدث المؤرخون الجدد عن منظمة التحرير الفلسطينية، لكن اليوم لا يوجد شيء عنهم؛ وكأنهم غير موجودين. هذه الكتب أشبه بمنشورات تبشيرية. حتى الصور التي ترونها، كل الصور في الكتب المدرسية لأشخاص شُقْر بعيون زرقاء. في الواقع، معظم الإسرائيليين ليسوا شُقْرًا. وقد سألت أحد مصممي الغرافيك، الذي صمم كتابًا مدرسيًا، لماذا فعل ذلك. فقال: “حسنًا، إنه يبدو جيدًا”. هذه الكتب هي في الحقيقة كتب دعائية.
في كل سنة أتحقق من وجود أشياء جديدة في هذه الكتب، ولكن لا يوجد فيها “آخرون” على الإطلاق. إن الأمر يزداد سوءًا. لكن بالطبع، إذا أردنا أن نفرض أمرًا ما، فإن علينا أن نبني منهجًا جديدًا، ولن يحتوي فقط على ما يسمى بالسردية التربوية، بل أيضًا على السردية الأدائية، سردية الأشخاص الذين لم يتم إدراجهم أبدًا ضمن السردية التربوية أو السردية الرسمية، الأشخاص الذين لا تُسمع أصواتهم – سردية البدو والشركس والدروز والفلسطينيين واليهود الإثيوبيين واليهود العرب واليهود الروس – لأن إسرائيل مكان يضم العديد من اللغات، والعديد من المجموعات البشرية التي لا يوجد شيء مشترك بينها.
إنها ليست متعددة الثقافات، ولكن داخلها الكثير من الثقافات. والسبيل الوحيد للمضي قدمًا هو أن يكون لدينا سردية الأشخاص المهمشين، أو ما يسميه الباحث والمنظر النقدي الهندي هومي بهابها السردية الأدائية، السردية ذات الأهمية، السردية التي تؤثر حقًا على حياة الناس. في إسرائيل، لا يوجد تاريخ سوى التاريخ الصهيوني. نحن لا نعرف أي شيء، حتى عن اليهود الأوروبيين، نحن لا نعرف أي شيء باستثناء أنهم تعرضوا للإبادة.
ألّف الكاتب اللبناني الفلسطيني إلياس خوري كتابًا بعنوان “أولاد الغيتو: اسمي آدم” يروي فيه قصة رحلة رجل فلسطيني من الألم والحزن. يحكي في الكتاب قصة رجل أُحضر لدفن الجثث وحرقها بعد المجازر. يطلق خوري على هؤلاء الأشخاص اسم “سوندركوماندوس”. وهو يروي قصة أحدهم، ويجعل منه إنسانًا فردًا له قصة. وعندما تقرأ هذه القصة في مقابل القصة الإسرائيلية التي ترويها في كتب التاريخ، فإنك تجد الفرق بين الرواية التربوية أو الرسمية، إنها رواية المهمشين، رواية الناس الذين أصبحوا كائنات جماعية. وهذه هي الطريقة التي يجب أن يتم بها الأمر، لإعطاء صوت لمن لا صوت لهم. ولكنك لا تملك تاريخًا لليهود الإثيوبيين كتبه اليهود الإثيوبيون أنفسهم. إنهم يتناولون الأمر من وجهة نظر علم الإنسان البحت، وكله من وجهة نظر مركزية أوروبية عنصرية.
أعتقد أن الطريقة الوحيدة للتعامل مع الأمر هي بعدم وضع الروايتين الرسميتين في مواجهة بعضهما البعض، الفلسطينية ضد الإسرائيلية. وقد تم ذلك. فإسرائيل وفلسطين لا يسمحان باستخدامها في المدرسة. ولكن يجب أن نأخذ في الاعتبار روايات كل الناس؛ حيث سنجد أشياء رائعة عن الحياة المشتركة التي كانت في هذا المكان خلال الفترة العثمانية وما قبلها، والتي كانت غنية ومتناغمة ثقافيًا واقتصاديًا وزراعيًا. كان الناس متعددي الثقافات جدًا، وكان الجميع متجانسين دون أن يفقد أي شخص هويته وانتماءه الديني. أود أن أرى ذلك.
حاولنا القيام بذلك قبل الهجوم على غزة سنة 2009. حاولنا تشكيل مجموعة من الخبراء الذين كانوا سيبدأون في كتابة هذا المنهج. وجاءت مجموعة رائعة تطوعت بأكملها لأجل هذا الأمر. ولكن بعد ذلك هاجمت إسرائيل غزة، ولم يرغب الفلسطينيون ولم يتمكنوا من المشاركة بعد ذلك. لكنني أعتقد أن هناك الكثير من الناس الذين يرغبون في القيام بذلك، لأن الأمر دائمًا ما يكون أكثر إثارة للاهتمام من كل هذه الدعاية السياسية التي تقدمها الكتب المدرسية، والتي تدور كلها حول المذابح والحروب ومجازر اليهود.
إن الفكرة التي توحد الناس هنا اليوم هي أننا جميعًا ضحايا الهولوكوست، وأننا يمكن أن نكون ضحايا هولوكوست آخر إذا لم نكن حذرين، هذه هي الفكرة. يجب أن تصيب الأطفال بالصدمة لجعلهم مخلصين، حتى لا يغادروا البلاد. وهذا مكتوب في كل الكتب. ما حدث في أوروبا لليهود حدث لأنه لم يكن لديهم دولة وجيش. أنت تُجبر الناس على البقاء، وتخيف الشباب حتى الموت. كما تعلمون، يقول الناس “لا تذهبوا إلى تركيا، إنهم يكرهوننا”. ماذا تقصد؟ إنهم يكرهوننا. إنهم يحبونني عندما آتي إلى السوق وأشتري السجاد. أتذكر عندما أخذت ابني إلى اليونان عندما كان عمره 8 سنوات، قال ابن عمه: “لا تذهب إلى هناك! لقد أبادونا”. قبل خمسة آلاف سنة، دمروا الهيكل. وهذا التوجه قوي جدًا في إسرائيل. لا تذهب إلى أثينا، إنهم معادون للسامية. لا تذهب إلى هناك، فهناك عرب. لذا، فإن الهولوكوست هو ما يوحّد الجميع، ويحوم فوقنا طوال الوقت، إلى جانب احتقار ضحايا الهولوكوست الحقيقيين لأنهم لم يقاوموا.
يبدو هذا وكأنه عملية لنسب النازية للعرب
نعم، فمنذ بداية صداقة إسرائيل وألمانيا في سنة 1953، وقبول إسرائيل أموال التعويضات، انتقل دور الإبادة المحتملة إلى العرب، وإلا فلن يكون لدينا سبب للبقاء هنا، ولا لنكون مدججين بالسلاح. لقد استلم العرب دور الإبادة المحتملة بدون سبب، وبدون حجة. أعني أن العرب لم يبيدوا اليهود قط. نادرًا ما قام المسلمون بمذابح بحق اليهود. كانت هناك بعض الحوادث، نعم، لكنهم لم يفكروا أبدًا في الأمر كحل نهائي.
قال ديفيد بن غوريون في سنة 1953: “أنا آخذ أموال التعويضات الألمانية حتى نتمكن من الدفاع عن أنفسنا ضد العرب النازيين”، وهذا ما صاغ فكرة “العرب النازيين”. ثم قالوا نحن نعيش في حدود أوشفيتز. وقال مناحيم بيغن إن الهجوم على مخيمات اللاجئين في لبنان أنقذنا من “تريبلينكا أخرى”. هذا هو الخطاب السائد. وحتى اليوم يسمون الفلسطينيين في غزة بالنازيين. ما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر تمت مقارنته على الفور بالمحرقة النازية، الهولوكوست. وقد نجح الأمر. نحن قوة نووية، وهم لا يملكون شيئًا، ولكن يتم تصويرهم من جهة على أنهم بشر بدائيون لا قيمة لهم، ومن جهة أخرى على أنهم نازيون جبابرة. وقد نجح الأمر.
المصدر: تروث أوت