ترجمة وتحرير: نون بوست
تقول إسرائيل إنها قتلت الآلاف من مقاتلي حماس، وفككت البنية القيادية لجميع كتائبها تقريبًا، وقصفت شبكة أنفاقها. لقد كانت حملة القصف في غزة مدمرة للغاية لدرجة أن المشهد الحضري في المنطقة أصبح غير قابل للتعرف عليه.
لكن الجيش الإسرائيلي قال إن القضاء على حماس غير ممكن؛ حتى لو دعا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى “النصر الكامل” على الجماعة المسلحة.
ويؤكد أحد كبار المسؤولين في حماس، خالد مشعل، أن الجماعة تنتصر بالحرب وستلعب دورًا حاسمًا في مستقبل غزة.
وقالد مشعل في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز في الدوحة، قطر، حيث يقيم: “حماس لها اليد العليا. وقد ظلت صامدة وأدخلت الجيش الإسرائيلي في “حالة من الاستنزاف””.
إن منطق حماس بسيط؛ النصر يعني ببساطة البقاء، وقد نجحت الحركة، على الأقل في الوقت الحالي، من تحقيق ذلك، حتى لو كانت ضعيفة للغاية.
وقدمت تعليقات مشعل، 68 سنة، في المقابلة التي استمرت ساعتين في غرفة المعيشة في منزله في الدوحة، رؤى نادرة حول تفكير مسؤولي حماس. وهو أحد أبرز الشخصيات في المكتب السياسي لحماس، ويعتبر أحد المهندسين الرئيسيين لإستراتيجية الحركة.
وكان مشعل هدفًا لمحاولة اغتيال فاشلة من قبل إسرائيل في سنة 1997 في الأردن، وشغل منصب رئيس حماس السياسي لأكثر من عقدين من الزمان. وفي أوائل أيلول/ سبتمبر، كشف المدعون الفيدراليون الأمريكيون عن اتهامات ضده وقادة آخرين من حماس، متهمين إياهم بلعب دور مركزي في تخطيط وتنفيذ هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر على إسرائيل.
وفي المقابلة، أوضح مشعل أن مسؤولي حماس ليسوا في عجلة من أمرهم لإبرام وقف إطلاق النار مع إسرائيل بأي ثمن، ولن يتخلوا عن مطالبهم الرئيسية لإنهاء الحرب وانسحاب إسرائيل.
وقد أجرى محللون مستقلون تقييمات مماثلة لأولويات حماس؛ حيث قال غيث العمري، الخبير في الشؤون الفلسطينية: “إنهم يشعرون تمامًا أن الوقت في صالحهم. فهم يعتقدون أنهم الخيار الوحيد في القطاع”.
إنها ثقة يتم اختبارها باستمرار في ساحة المعركة في غزة، فبينما لا تزال حماس قوة قوية في القطاع، إلا أنها واجهت انتقادات من سكان غزة الذين يلومون الحركة على تعريضهم للأذى. وقد لا يعود تعريف حماس للنجاح صالحًا إذا ما استمرت الحرب لسنوات ونجحت إسرائيل في القضاء على الجزء الأكبر من القوة النارية المتبقية لحماس، وفقًا لمحللين فلسطينيين.
وفي بداية الحرب، أعرب الرئيس بايدن عن موقف مماثل لموقف نتنياهو – وهو أن حماس يجب القضاء عليها، لكن بايدن لم يعد يتحدث عن القضاء عليها، وقد شاركت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل في مفاوضات غير مباشرة مع حماس.
وقال مشعل إنه اعتبر أن ذلك يعني أن الولايات المتحدة تعترف بأن حماس لن تذهب إلى أي مكان.
وقال: “لم تكن الرؤية الإسرائيلية الأمريكية تتحدث عن اليوم التالي للحرب، بل عن اليوم التالي لحماس”، في إشارة إلى الموقف الأولي لإسرائيل والولايات المتحدة.
وقال إن الولايات المتحدة تقول الآن: “نحن ننتظر رد حماس. إنهم يعترفون عمليًا بحماس”، دون أن يذكر أن المجموعة صنفتها الولايات المتحدة وإسرائيل كمنظمة إرهابية.
ويقول بعض المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين الحاليين والسابقين أيضًا إنهم يعتقدون أن حماس من غير المرجح أن تُهزم في هذه الحرب.
وقال اللواء غادي شامني، القائد السابق لفرقة غزة في الجيش الإسرائيلي: “إن حماس تربح هذه الحرب. بينما يربح جنودنا كل مواجهة تكتيكية مع حماس، ولكننا نخسر الحرب، وبشكل كبير”.
ولا يزال الآلاف من مقاتلي حماس والمسؤولين الحكوميين يسيطرون على أجزاء كبيرة من غزة. وفي المدن التي سيطرت عليها القوات الإسرائيلية لفترة وجيزة، ترك رحيلهم في نهاية المطاف فراغًا ملأته حماس وغيرها من الجماعات المسلحة بسرعة.
وقال اللواء شامني إنه في حين أنه لا يمكن إنكار أن إسرائيل دمرت القدرات العسكرية لحماس، فقد استعادت حماس المدن في غضون “15 دقيقة” من الانسحابات الإسرائيلية، مضيفًا: “لا يوجد أحد يستطيع تحدي حماس هناك بعد رحيل القوات الإسرائيلية”.
وقال الجنرال شامني إن الفشل الأعظم هو أن نتنياهو لم يحاول تقديم هيئة حاكمة بديلة واقعية في غزة في أعقاب الانسحابات الإسرائيلية.
وفي أواخر حزيران/يونيو، رفض الأدميرال دانيال هاغاري، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، اقتراح السيد نتنياهو بأن حماس يمكن القضاء عليها.
وقال للقناة 13 الإسرائيلية: “حماس فكرة. وأولئك الذين يعتقدون أن بإمكاننا جعل حماس تختفي مخطئون. إن الاعتقاد بأنه من الممكن تدمير حماس، وجعل حماس تختفي هو ذر للرماد في عيون الجمهور”.
وفي الشهر الماضي، وصف وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت شعار “النصر الكامل” الذي رفعه نتنياهو بأنه “هراء”. وقال بعض المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين إن المعركة مع حماس سيرثها أبناؤهم.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه قتل أكثر من 17 ألف مقاتل في غزة. وقال مسؤول استخباراتي عسكري هذا الصيف إن إسرائيل نجحت في تقويض قدرة حماس على إطلاق صواريخ بعيدة المدى على إسرائيل، رغم أن لديها ذخائر أخرى أقل تطورًا.
وقال المسؤول إن عملية الاستيلاء على الأنفاق وهدمها هي مشروع هندسي معقد للغاية قد يستغرق سنوات.
وقد خلص بعض أعضاء القيادة العسكرية إلى أن وقف إطلاق النار مع حماس هو أفضل طريق للمضي قدمًا، حتى لو ادى إلى ترك الحركة في السلطة في الوقت الحالي.
وعلى الرغم من الخسائر الهائلة التي تكبدتها حماس، بما في ذلك مقتل العديد من كبار القادة على يد إسرائيل، قال السيد مشعل إنه واثق من أن الحركة ستلعب دورًا مهيمنًا في غزة بعد الحرب، ورفض المقترحات الأمريكية والإسرائيلية البديلة لإدارة القطاع بدون حماس.
وقال: “كل أوهامهم حول ملء الفراغ أصبحت وراء ظهورنا”.
وقد اقترحت الولايات المتحدة إحضار سلطة فلسطينية “متجددة” إلى غزة؛ واقترح وزير الدفاع الإسرائيلي أن تقوم قوات عربية بتوفير الأمن في القطاع، كما اقترح نتنياهو العمل مع “أصحاب المصلحة المحليين ذوي الخبرة الإدارية”.
وقال السيد مشعل: “إن افتراض أن حماس لن تكون في غزة أو تؤثر على الوضع هو افتراض خاطئ”، وأصر على أن الفلسطينيين وحدهم هم من سيحدد الترتيبات الخاصة بالقطاع.
كما أن ثقة حماس في الحفاظ على دور مهيمن في غزة في مرحلة ما بعد الحرب كانت واضحة أيضًا في الاجتماعات الخاصة مع السياسيين الفلسطينيين.
عندما اجتمع السياسي الفلسطيني سمير المشهراوي مع قادة حماس في الدوحة في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، بدا أن حماس مستعدة لتقاسم السلطة على نطاق واسع في غزة، حتى في مسألة الأمن الحساسة، وفقًا لفلسطينيين اثنين على دراية بالاجتماع. والمشهراوي هو أحد المقربين من محمد دحلان، وهو فلسطيني منفي ذو نفوذ يعمل لصالح رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة.
وعندما التقى مشهراوي بمسؤولي حماس بعد أكثر من ستة أشهر، كانت الرسالة التي أوصلوها أكثر صرامة: كانت الحركة مستعدة لمشاركة العمل في القضايا المدنية، لكن الجناح العسكري لحماس وأجهزة مخابراتها الداخلية كانت خارج نطاق الاتفاق، كما قال الفلسطينيان.
ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للحرب، سرد أكرم عطا الله، وهو كاتب عمود في صحيفة الأيام الصادرة في رام الله، إنجازات حماس: فقد منعت إسرائيل من تحقيق نصر حاسم؛ وأجبرت إسرائيل على إرسال ممثلين عنها للتفاوض معها؛ وحافظت على عدد كبير من المقاتلين.
وقال أيضًا إن قبضة حماس قد تزول مع مرور الوقت، وقال السيد عطا الله: “إذا انتهت الحرب الآن، فسيكون ذلك انتصارًا لحماس. ولكن إذا انتهت بعد عامين، فقد تتغير النتائج، ولا نعرف إلى أين ستصل الأمور”.
ومهما حدث لحماس، فإن المدنيين هم الذين دفعوا الثمن الأغلى في غزة. فقد قُتل عشرات الآلاف من الأشخاص، ونزح معظم سكانها البالغ عددهم حوالي 2 مليون نسمة.
وقد انتقد العديد من الفلسطينيين في غزة حركة حماس لشنها هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر على إسرائيل الذي خلف 1200 قتيل، متهمين الحركة بإعطاء إسرائيل ذريعة لشن حملة قصف واسعة النطاق حولت المدن إلى أنقاض.
ورفض السيد مشعل الانتقادات الموجهة لقرار حماس، وقال إن المنتقدين الفلسطينيين لحماس يمثلون أقلية.
وقال “كفلسطيني، مسؤوليتي هي القتال والمقاومة حتى التحرير”.
وأقر بأن الهجوم تسبب في دمار هائل، لكنه قال إنه “ثمن” يجب أن يدفعه الفلسطينيون من أجل الحرية.
وعند سؤاله حول الكيفية التي ساعد الهجوم الذي قادته حماس في تحسين الوضع بالنظر إلى الدمار الذي لحق بغزة، أصر على أن الأمر لا يتعلق بتحقيق نصر عسكري على إسرائيل بقدر ما يتعلق بجعلها تدرك أن سياساتها غير مستدامة.
وقال السيد مشعل: “قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، كانت غزة تموت موتًا بطيئًا. كنا في سجن كبير وأردنا التخلص من هذا الوضع”.
المصدر: نيويورك تايمز