تأسست حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات “بي دي إس” بإعلان بيان مبادئ عرف باسم “نداء بي دي إس” في التاسع من تموز/ يوليو من عام 2005، وكان ذلك بمثابة الملاذ الأخير. فقد تعرض الفلسطينيون لهزيمة ساحقة على أيدي الجيش الإسرائيلي في الانتفاضة الثانية، وتوفي رمز الحركة الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات. وأما خلفه محمود عباس، فكان أكثر الناس التصاقاً بعملية أوسلو للسلام من أي فلسطيني آخر. بدت زعامة عباس كما لو أنها تبشر باستراحة من العنف، ولكنها في نفس الوقت وعدت بالعودة إلى استراتيجية النشاط الدبلوماسي والتعاون، وهي الاستراتيجية التي لم تجد نفعاً في إنهاء الاحتلال. لو أريد للضغط أن يمارس على “إسرائيل” لمنح الفلسطينيون حريتهم، فلا مفر من أن يأتي الضغط من القواعد الجماهيرية ومن الخارج.
صدر نداء “بي دي إس” بمناسبة الذكرى السنوية الأولى للرأي الاستشاري التاريخي الصادر عن محكمة العدل الدولية، وكانت المحكمة قد قررت أن الجدار الفاصل الإسرائيلي لم يكن قانونياً، وأنه يتوجب على “إسرائيل” تفكيكه فوراً وتقديم تعويضات لأولئك الذين تضرروا بسببه، وأن كل دولة موقعة على معاهدة جنيف الرابعة وهذا يعني تقريباً أن كل دول العالم ملزمة بضمان أن تتقيد “إسرائيل” بالقانون الدولي الإسرائيلي. إلا أن “إسرائيل” تجاهلت الحكم الصادر عن المحكمة، ولم تبادر لا منظمة التحرير ولا المجتمع الدولي ببذل أي مسعى حقيقي لتنفيذ الحكم الصادر عن المحكمة. وفي هذا السياق، قالت لي إنغريد جرادات، وهي واحدة من الأعضاء المؤسسين لحملة “بي دي إس”: “لو أنه صدر عن المجتمع الدولي إجراء لتطبيق قرار محكمة العدل الدولية لما وُجد نداء بي دي إس”.
بادر ما يزيد على 170 من المنظمات الفلسطينية داخل المناطق المحتلة وفي “إسرائيل” وفي الشتات إلى إقرار نداء “بي دي إس”. تنتمي هذه المنظمات إلى كافة ألوان الطيف، ففيهم الإسلاميون واليساريون وأنصار حل الدولتين وأنصار حل الدولة الواحدة. واشتملت القائمة أيضاً على القوى الفلسطينية الوطنية والإسلامية – الكيان الذي ينسق مع كافة الأحزاب السياسية المهمة – إضافة إلى النقابات المهنية البارزة ولجان مخيمات اللاجئين وجمعيات الأسرى، والمراكز الفنية والثقافية، وجماعات المقاومة السلمية، بما فيهم أمانة الأراضي المقدسة التي يرأسها سامي عوض. والآن، يشكل 29 من هذه الكيانات اللجنة الوطنية لـ”بي دي إس”، أو ما يعرف اختصاراً باسم “بي إن سي”، وهو بمثابة المجلس القيادي لهذه الحركة.
حملات منظمة
لم يكن الإبداع الأهم لنداء “بي دي إس” متمثلاً في الأساليب التي دعت الحركة إلى انتهاجها. ففكرة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات كانت قد انتشرت على نطاق واسع في عام 2005، بل تم من قبل اقتراح تطبيق العقوبات وحظر السلاح، بما في ذلك من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة. ما كان جديداً في موضوع “بي دي إس” هو أنها لجأت إلى تنظيم حملات مختلفة للضغط على “إسرائيل” ووحدت كلمتها حول ثلاثة مطالب واضحة، يناط بكل واحدة منها مكون رئيسي من مكونات الشعب الفلسطيني. أولاً، الحرية لسكان المناطق المحتلة، وثانياً، المساواة لمواطني “إسرائيل” من الفلسطينيين، وثالثاً، العدل للاجئين الفلسطينيين في الشتات – وهي المجموعة الأضخم – بما في ذلك حقهم في العودة إلى ديارهم.
كان نداء “بي دي إس” بمثابة تحد ليس فقط لإسرائيل، بل أيضاً للقيادة الفلسطينية، حيث مثل إعادة تأطير مفاهيمي للنضال الوطني، وجاء أكثر انسجاماً مع المواقف الأصلية لمنظمة التحرير، قبل أن تجبر من خلال إلحاق الهزيمة العسكرية بها وبسبب الضغوط الدولية وبفعل البراغماتية السياسية؛ على التخلي عن هدف إقامة الدولة الديمقراطية الواحدة والخضوع لفكرة حل الدولتين بديلاً عن ذلك. أرادت القوى الدولية تصوير حل الدولتين كما لو كان هدية تمنح للشعب الفلسطيني، ولكن الهدية من وجهة نظر الفلسطينيين كانت بوضوح ممنوحة لإسرائيل؛ لأن حل الدولتين كان يعني بالنسبة لهم تخلي سكان البلاد الأصليين عن 78 في المئة من أراضيهم. كان العرب في الأيام الأولى للصهيونية في نهايات القرن التاسع عشر يشكلون أكثر من 90 في المئة من السكان، ثم باتوا يشكلون أكثر من ثلثي السكان في عام 1948 قبيل حرب استقلال “إسرائيل”. في ذلك العام تم تفريغ الأراضي التي أصبحت فيما بعد “إسرائيل” من 80 في المئة من سكانها الفلسطينيين، والذين منعوا بعد ذلك من العودة إلى ديارهم. تأسست منظمة التحرير الفلسطينية بعد ما يقرب من 16 عاماً، وتحديداً في عام 1964، قبل أن تحتل “إسرائيل” أياً من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. ولذلك كان الهدف الأساسي للقضية الفلسطينية هو تحرير الوطن بأسره وعودة كافة السكان الأصليين.
حل الدولتين
وبانطلاق الانتفاضة الأولى ثم توقيع اتفاقيات أوسلو، التي أنهت الانتفاضة في عام 1993، بات كثير من الفلسطينيين على استعداد للقبول بصيغة حل الدولتين، ليس لأن ذلك الحل بدا منصفاً لهم، وإنما لأنه كان أقصى ما بإمكانهم الأمل في الحصول عليه. ولكن مع بروز تفاصيل مختلف المقترحات المتعلقة بعملية السلام بدأ يظهر للعيان كم هي متعفنة تلك الصفقة. كان الفلسطينيون ملزمين بالتخلي ليس فقط عن 78 في المئة من وطنهم، ولكن أيضاً عن الأراضي التي استولت عليها المستوطنات الكبرى داخل الأراضي المحتلة. كما كان عليهم التخلي عن السيادة في أجزاء كبيرة من القدس الشرقية المحتلة، عاصمتهم المستقبلية، وعن البلدة القديمة التي تقع بالكامل في القلب منها. وكان يتوجب عليهم الموافقة على أن أي معاهدة سلام يتم التوصل إليها لن تسمح بعودة معظم اللاجئين إلى ديارهم على النقيض من معظم اتفاقيات السلام الأخرى التي تم التوقيع عليها؛ منذ أن تفاوض الإسرائيليون والفلسطينيون للوهلة الأولى على مسودة الاتفاق النهائي في عام 1995. وكان يتوجب عليهم التخلي عن أي مطالب يطلبونها من “إسرائيل”، بما في ذلك المطالبة بحقوق متساوية لمواطني “إسرائيل” من الفلسطينيين، والذين كانوا يشكلون أكثر من خمس السكان. وفي المقابل، كان الفلسطينيون سيحصلون على دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة طالما وصفها رؤساء وزراء “إسرائيل” – من إسحق رابين إلى بنيامين نتنياهو – بأنها “دولة ناقصة” أو “كيان أقل من دولة”.
أثناء المفاوضات مع “إسرائيل”، وافقت منظمة التحرير على كل واحد من هذه التنازلات، رغم أن قلة قليلة منها، إن وجدت، كانت مسنودة بالقانون الدولي. وعندما تبين في النهاية أنه حتى هذه التنازلات لم تكن كافية للوصول إلى إنهاء الاحتلال، بدأ عدد متزايد من الفلسطينيين يفقدون حماستهم واهتمامهم بفكرة حل الدولتين. لم يكن ذلك ناجماً فقط عن كون الفكرة الأصلية من حل الدولتين قد ذوت لدرجة أنه لم يعد من الممكن التعرف على ملامحها، بل إن النسخة المتآكلة منها حتى بدت الآن مجرد سراب.
عندما صدر نداء “بي دي إس” كان الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة قد مر عليه ما يقرب من أربعة عقود، ولم يكن ثمة مؤشرات على قرب انتهائه. تضاعف عدد المستوطنين تقريباً منذ أوسلو، ووصل في عام 2005 إلى نصف مليون تقريباً. معظم هؤلاء لم يكونوا يقيمون في مساكن متنقلة على قمم التلال، وإنما داخل مدن تشتمل على مراكز تسوق كبيرة وعلى حدائق ومسابح عامة وطرق سريعة متعددة المسارات تربطهم بسهولة تامة بإسرائيل، حتى بدت فكرة ترحيل حتى ثلث هذا التجمع السكاني الآخذ بالنمو تدريجياً غير واردة. وما فعلته الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية لم يتجاوز مجرد فرك أصابعهم. لقد وعدوا الفلسطينيين بأن الوضع سينتهي سريعاً بتأسيس دولة مستقلة لهم.
ومع مرور الوقت أضحى حل الدولتين شعاراً مفرغاً من كل مضمون. وكلما بدا أقل قابلية للتطبيق ارتفعت الأصوات المبشرة به، ولكن طالما أنه ظل من الممكن أن تتخيله الأذهان، فقد رفضت القوى الدولية الكبرى المطالبة بأن تمنح “إسرائيل” الفلسطينيين مواطنة وحقوقاً متساوية. وبذلك تحول مفهوم الدولتين من حل ممكن لمشكلة الاحتلال الإسرائيلي إلى ذريعة أساسية لحرمان الفلسطينيين من المساواة. كما أنه بات العذر الرئيسي لإبقاء أغلبية الفلسطينيين في المنافي. فللحفاظ على أغلبية “إسرائيل” اليهودية يجب أن يظل اللاجئون قابعين في المخيمات خارج حدود “إسرائيل” إلى أن توجد الدولة الفلسطينية القادرة على استيعابهم.
دولتان أم دولة واحدة؟
قدمت حركة “بي دي إس” بديلاً عن ذلك، حيث رفضت الحديث عن حلول وهمية، سواء كان حل الدولتين أم حل الدولة الواحدة. لم تكن المشكلة الأهم من وجهة نظرها تكمن في اتخاذ قرار بشأن ما نوع الترتيب الذي ينبغي أن يحل محل النظام الحالي، وإنما في إجبار “إسرائيل” على تغيير هذا الوضع بشكل كلي. وترى الحركة أن الجدل حول حل الدولتين مقابل حل الدولة الواحدة هو بمثابة الانهماك في إحصاء عدد الملائكة المتواجدين على رأس الدبوس، فطالما أن “إسرائيل” مرتاحة بما يكفي لكي تستمر إلى الأبد في احتلالها للمناطق الفلسطينية فلن تجد نفسها مضطرة للاختيار بين هذا الحل وذاك.
كان رد فعل “إسرائيل” على حركة “بي دي إس” بطيئاً، ولكن حينما وصل كان قوياً وحازماً. يوسي كوبرواسر، والشهير باسم كوبر، هو الذي قاد جهود الحكومة الإسرائيلية ضد حركة “بي دي إس” حتى عام 2014. يعمل كوبر الآن في مركز القدس للشؤون العامة، وهو عبارة عن مركز أبحاث محافظ يديره دوري غولد، سفير “إسرائيل” السابق في الأمم المتحدة وهو صديق قديم ومقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. كوبرواسر، الذي خفف شعر رأسه ويملك صوتاً مبحوحاً، ولديه القدرة على جذب محدثه بأسلوبه الحاسم في الحديث. يتكلم العربية بطلاقة هو وزجته تسيونيت (وهي بالعبرية تعني “صهيونية”) التي ولدت في “إسرائيل” لأب وأم من يهود العراق. كان كوبر يدير قسم الأبحاث في وكالة الاستخبارات العسكرية أثناء الانتفاضة الثانية، ثم عين مديراً عاماً لوزارة الشؤون الاستراتيجية في عام 2009.
“تهديد استراتيجي لإسرائيل”
كوبرواسر هذا هو الذي حول الوزارة إلى مركز قيادة إسرائيلي لما يطلق عليه المعركة ضد “بي دي إس”. بدأ العمل في وظيفته مباشرة بعد الحرب على غزة في نهايات 2008 ومطلع 2009، والتي قتل فيها 13 إسرائيلياً وما يقرب من 1400 فلسطيني، مما رفع وتيرة نشاط بي دي إس إلى أعلىالمستويات. وفي سبتمبر / أيلول من عام 2009، تلقت سمعة “إسرائيل” العالمية ضربة شديدة وجهها لها تقرير الأمم المتحدة حول الحرب، والذي حررته بعثة تقصي حقائق كان يترأسها القاضي الشهير من جنوب أفريقيا، ريتشارد غولدستون. خلص التقرير إلى أن “إسرائيل” والمجموعات الفلسطينية المسلحة ارتكبت جرائم حرب، وأن “إسرائيل” نفذت “هجمات متعمدة ضد المدنيين” وذلك “بنية نشر الرعب”. كما وجد التقرير أن الحصار المفروض على غزة (ويقصد به سلسلة الإجراءات التي تحرم الفلسطينيين من وسائل العيش ومن التوظيف ومن المساكن والمياه، وتحرمهم حرية الحركة وحق مغادرة بلدهم والرجوع إليها”) شكل ما يحتمل أن يكون جريمة ضد الإنسانية.
قال كوبرواسر إن تقرير غولدستون كان أول تنبيه لإسرائيل بالطبيعة الخطيرة للتهديد الذي يشكله ما تطلق عليه “نزع الشرعية”. في أواخر عام 2009، اعتبر نتنياهو “نزع الشرعية” واحداً من ثلاثة أمور خطيرة تهدد “إسرائيل” إضافة إلى برنامج إيران النووي وانتشار الصواريخ والقذائف داخل غزة وفي لبنان. منذ ذلك الحين، بات شائعاً أن تسمع كبار السياسيين الإسرائيليين يصفون “بي دي إس” ونزع الشرعية بالتهديد الوجودي أو الاستراتيجي.
إلا أن بعض المعلقين في يسار الوسط الإسرائيلي، وكلهم يعارضون بي دي إس، لديهم نظرة تتسم بالريبة تجاه الحملة التي تشنها الحكومة دولياً ضد بي دي إس. ويعتقد هؤلاء أن هذه الحملة منطلقة أساساً من اعتبارات سياسية محلية، ويشيرون إلى أنه منذ تأسيس “بي دي إس” قبل 13 عاماً، زادت التجارة الإسرائيلية مع العالم الخارجي في واقع الأمر، ويقولون إن علاقات “إسرائيل” الدبلوماسية مع الهند والصين والدول الأفريقية وحتى مع العالم العربي قد نمت. ويرى كثير من المعلقين الإسرائيليين من التيار العام بأن حركة “بي دي إس” والسياسيين الإسرائيليين من اليسار ومن اليمين على حد سواء؛ يعملون بشكل يشبه حالة من التعايش المتبادل، حيث يهدد اليسار الإسرائيلي بأن “بي دي إس” ونزع الشرعية سيتسببان في “تسونامي دبلوماسي” دولي ضد إسرائيل” بينما يقوم اليمين الإسرائيلي بما تعود عليه من نشر للخوف حول الأخطار الخارجية المحدقة لكي يحصل لنفسه على الدعم اللازم محلياً وخارجياً. وفي هذه الأثناء، تشير حركة “بي دي إس” بلهفة إلى كل تصريح إسرائيلي تطغى عليه المبالغة باعتباره دليلاً على نجاحها هي.
حقوق الفلسطينيين ومزايا المستوطنين
إلا أن كوبرواسر يقول إن التهديد الذي تشكله “بي دي إس” حقيقي جداً، وأن تجاهلها أو التعامل معها كما لو كانت مجرد إزعاج بسيط سوف يخفق، ويضيف: “حتى عام 2010، جربنا تلك السياسة، وكانت النتائج غير جيدة”. ويقول إن الأهم من ذلك أن قياس تأثير “بي دي إس” من خلال حجم تجارة “إسرائيل” كان خطأ كبيراً. ويؤكد أنه “ليست القضية الأساسية هي ما إذا كانوا سيقاطعوننا أم لا، وإنما ما إذا كانوا سينجحون في اختراق الخطاب الدولي وزرع فكرة أن “إسرائيل” غير شرعية كدولة يهودية”.
أكثر من عشرين في المئة من مواطني “إسرائيل” الذي يبلغ تعدادهم 8.8 مليون نسمة هم من الفلسطينيين. وهؤلاء هم الناجون الذين بقوا ومن ينحدر من أصلاب هذه الأقلية التي ظلت داخل حدود “إسرائيل” أثناء حرب 1948. ومن هؤلاء حنين الزعبي، الفلسطينية البالغة من العمر 49 عاماً، وهي مواطنة إسرائيلية من الناصرة، تشغل مقعداً داخل البرلمان، أو الكنيست الإسرائيلي، منذ عام 2009، وتشتهر بتأييدها لحملة “بي دي إس”. تعتبر حنين الزعبي من أشد منتقدي “إسرائيل” داخل الكنيست، حيث تندد بشكل منتظم بسياسات “إسرائيل” تجاه الفلسطينيين وتتهم “إسرائيل” بأنها دولة أبارتيد (تمييز عنصري). يكتظ موقع يوتيوب بمقاطع الفيديو التي تظهرها وهي واقفة بهدوء أمام المنصة تحاول التحدث، ولكنها تتعرض للمقاطعة والتشويش والتضييق من قبل البرلمانيين الإسرائيليين الساخطين عليها، والذين يُسمع بعضهم وهو يصرخ في وجهها قائلاً “خائنة” أو “اذهبي إلى غزة”. بل بلغ الأمر بعضو الكنيست عن الليكود ميري ريغيف أن طالبت بإبعادها من البلاد. وكانت حنان الزعبي قد تعرضت لتحقيق جنائي بتهمة التحريض، وعُلقت عضويتها في الكنيست عدة مرات، كان آخرها في شهر آذار/ مارس؛ لأنها قالت إن قتل الفلسطينيين على يد الجيش الإسرائيلي جريمة قتل.
وبينما تسمح “إسرائيل” للمواطنين الفلسطينيين من مثل حنان الزعبي بالتصويت في الانتخابات وباحتلال المناصب الحكومية، إلا أن الدولة ظلت باستمرار ترى في تملك المواطنين الفلسطينيين للأرض تهديداً محدقاً بها، ولذلك فقد نفذت خططاً حكومية رسمية لتهويد المناطق العربية وتقليص الوجود العربي فيها. يذكر أنه بعد حرب عام 1948، لم يبق سوى 20 في المئة من الفلسطينيين في المناطق التي أصبحت فيما بعد “إسرائيل”، وربع هؤلاء الذين بقوا كانوا من المهجرين داخلياً. أبقت “إسرائيل” مواطنيها الفلسطينيين عرضة لحظر التجول وقيود الحكومة العسكرية حتى عام 1966، وصادرت تقريباً نصف أراضيهم، وسنت قوانين تحول دون مطالبتهم باستعادتها، وما زالت سارية حتى هذا اليوم.
يقيم عشرات الآلاف من الفلسطينيين في قرى كانت قائمة قبل قيام “إسرائيل”، ولكنها تعتبر “غير معترف بها” من قبل الدولة، ولذلك يتعرض سكانها لهدم منازلهم وللإخلاء الإجباري بينما لا تكاد الدولة توفر لهم شيئاً من خدماتها، ولا حتى الماء أو الكهرباء. وإزاء فرض الدولة قيوداً تحد من تنمية وتمدد البلدات العربية، يضطر المواطنون الفلسطينيون إلى التقدم للحصول من خلال المزاد على وحدات سكنية داخل التجمعات السكينة اليهودية، إلا أن طلباتهم تواجه مراراً وتكراراً بالرفض. هناك المئات من التجمعات السكانية المخصصة حصرياً لليهود، وهذه لديها لجان قبول تملك صلاحيات قانونية برفض الطلبات بناء على “التوافق الاجتماعي”، وهو ما يوفر ذريعة لإقصاء غير اليهود وحرمانهم. وفي ذلك تقول حنان الزعبي: “ما نواجهه نحن الفلسطينيين داخل “إسرائيل” هو الأبارتيد (الفصل العنصري) وليس فقط التمييز. تحاول “إسرائيل” القول: “إننا “إسرائيل” الطيبة التي تضطر لعمل أشياء سيئة في الضفة الغربية وقطاع غزة”. لا، انظر إلى الطريقة التي تعامل بها “إسرائيل” مواطنيها (العرب) الذين لا يلقون الحجارة!”.
المصدر: الغارديان