على مدى أربع سنوات، ألحقت فضيحة الفساد التي عرفتها البرازيل ضررا بأكبر مشاريع البلاد، بما في ذلك إنشاء محطة ثالثة للطاقة النووية. ومع ذلك، يبدو أن الأمور في طريقها نحو التغيير حاليا، خاصة وأن البلد يعمل على الخروج من دائرة التحقيقات حول الكسب غير المشروع للمال والتعطيل الذي طال أعمال بناء المنشآت النووية، لا سيما محطة الطاقة النووية الثالثة. وبفضل امتلاكها سادس أكبر احتياطي يورانيوم في العالم، تتطلع البرازيل أيضا إلى استقطاب الاستثمارات في صناعة تعدين اليورانيوم، بما في ذلك منجم كايتيتي الواقع شمال شرق ولاية باهيا.
كما تأمل البرازيل، بشتى الطرق، في تلبية الطلب على المحطات النووية، وبناء مفاعل نووي متعدد الأغراض وزيادة تسخير الطاقة النووية للأدوية والزراعة. لكن من خلال تركيزها مجددا على الطاقة النووية، يمكن للبرازيل أيضا أن تترك الباب مفتوحا أمام إنتاج الأسلحة النووية، وهو ما يعتبر خطوة من شأنها أن تثير المزيد من المعارضة داخل البلاد وخارجها.
برنامج سيثير قلق واشنطن
شهد برنامج الطاقة النووية البرازيلي العديد من التقلبات، حيث بدأ العلماء في تطوير البرنامج النووي للبلاد بشكل جدي في أواخر الستينيات، وقد حصلوا على دعم خلال العقد التالي بفضل الشراكة التي عقدتها البلاد مع ألمانيا الغربية والتي أسفرت بدورها عن بناء محطتين للطاقة النووية في ولاية ريو دي جانيرو. وقد ازدهر التعاون في البداية، لكن اضطرت البرازيل لاحقا إلى الشروع في برنامج نووي أكثر استقلالية، بسبب مواجهتها لمعارضة قوية من قبل حليفتها خلال الحرب الباردة، الولايات المتحدة، التي كانت تخشى من أن تتمكن برازيليا أيضا من تطوير أسلحة نووية.
واصلت البرازيل العمل على برنامجها حتى أواخر التسعينيات، وقد وقعت معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية سنة 1998، بعد ثلاث سنوات من توقيع منافستها الإقليمية الرئيسية، الأرجنتين، عليها. ومع ذلك، أنشأت كل من برازيليا وبوينس آيرس وكالة مشتركة بين البلدين لمراقبة المواد النووية والتحكم فيها من أجل زيادة الشفافية بشأن برامجهما النووية منذ سنة 1991.
من غير المرجح أن تدفع عملية تسليم مسؤولية برنامج الطاقة النووية للجيش، البرازيل إلى الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية في المستقبل القريب لأن دستور البلاد يحظر إنتاج الأسلحة النووية
في الواقع، لم يكن القرار القاضي بالتوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية السبب الوحيد وراء توقف برنامج الطاقة النووية في البرازيل. فخلال التسعينيات، أجرت البرازيل سلسلة من الإصلاحات فيما يخص التحرير الاقتصادي لتخفيف التضخم، مما أدى إلى انخفاض تدريجي في حجم التمويل الحكومي لمواصلة عمل برنامج الطاقة النووية. ولكن، خلال سنة 2003، بدأ العمل على البرنامج النووي مرة أخرى تحت رعاية الرئيس السابق، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي سعى إلى إنشاء المزيد من محطات الطاقة النووية، بالإضافة إلى مفاعلات نووية للقوات البحرية للبلاد.
منذ البداية، سعت البرازيل إلى السيطرة على دورة الوقود النووي كاملة، مما أثار بعض المخاوف والشكوك في واشنطن. لكن على عكس الشرق الأوسط، حيث تعهدت قوى إقليمية مثل السعودية بإنشاء أسلحة نووية في حال قام منافسون لها على غرار إيران بذلك أولاً، لا يوجد حاليا تهديد أمني في أمريكا الجنوبية يجبر الدول الإقليمية على تطوير مثل هذه الأسلحة.
بغض النظر عن خلافاتها مع الولايات المتحدة، أفسدت فضيحة الكسب غير المشروع للمال آخر المشاريع النووية للبرازيل سنة 2014. وقد تم كشف النقاب عن فضيحة فساد كبيرة تنطوي على رشاوي حصل عليها سياسيون من خلال إبرامهم لعقود بين الشركات الكبرى المملوكة للدولة، على غرار شركة بتروبراز. كما أوقفت شركة إلتروبراس، وأكبر شركات الهندسة في البلاد بناء محطة طاقة نووية ثالثة، حتى بعد أن استثمرت البلاد مليارات الدولارات في المشروع. وقد أدت النتائج المترتبة عن الفضيحة إلى اعتقال رئيس شركة إلتروبراس. وفي الوقت نفسه، عانى مشروع الغواصة النووية في البرازيل أيضًا من تأخيرات كبيرة، حيث اعترفت إحدى الشركات المشاركة في المشروع التي تدعى، أودبريشت، برشوة السياسيين، وقد اعتبر ذلك جزءا من الفضيحة.
تكليف الجيش
بعد خروجها من فضيحة الفساد، فضلاً عن أزمة سياسية واقتصادية كبيرة استمرت من سنة 2014 إلى 2017، من المتوقع أن يدخل البرنامج النووي البرازيلي مرحلة جديدة. ومن جهتها، تخطط الحكومة البرازيلية، التي من المتوقع أن تقوم بتدشين جهاز الطرد المركزي السابع المخصص لتخصيب اليورانيوم مع نهاية آب/ أغسطس، لتقديم مقترح جديد لسياسة الطاقة النووية إلى الكونغرس لإنشاء محطات نووية جديدة والسماح للقطاع الخاص بالمشاركة في إنتاج اليورانيوم والدواء المشع. وتخضع هذه الصناعات حاليا لسيطرة شركة الصناعات النووية للبرازيل المملوكة للدولة.
في الوقت ذاته، لا يقتصر إحياء برنامج الطاقة النووية في البرازيل على استئناف الاستثمارات أو إدخال تعديلات على اللوائح التنظيمية. وخلال السنة الماضية، قامت إدارة الرئيس، ميشال تامر، بتجريد وزير الطاقة ورئيس ديوانه من مسؤوليتهما التي استمرت لعقود من الزمن من أجل صياغة سياسة جديدة للطاقة النووية، ومنح المهمة للجيش بدلاً من ذلك.
تعيد البرازيل توجيه جهودها نحو الطاقة النووية، ولكن لا تزال هناك تحديات أمام سعيها وراء برنامج نووي على المدى البعيد
لكن، من غير المرجح أن تدفع عملية تسليم مسؤولية برنامج الطاقة النووية للجيش، البرازيل إلى الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية في المستقبل القريب لأن دستور البلاد يحظر إنتاج الأسلحة النووية. ويعني ذلك أن المبرر الوحيد الذي سيسمح للرئيس البرازيلي بتوسيع البرنامج النووي خارج أهداف سلمية يتمثل في تحويرات في الميثاق الوطني. ولكن من خلال إتقان التكنولوجيا النووية، ستضع البرازيل نفسها في موقف يسمح لها ببناء أسلحة نووية في المستقبل.
عائق رئاسي محتمل
يرغب معظم المرشحين للرئاسة في البرازيل، بداية من مرشح وسط اليسار، سيرو غوميز، إلى المُشرّع اليميني، يائير بولسونارو، في استئناف برنامج الطاقة النووية، وخاصة مشروع المحطة النووية الثالثة. ويمكن أن يحصل البرنامج على دعم خاصة في ظل حكم بولسونارو، القائد العسكري السابق الذي سيعين جنرالا سابقا لمنصب نائب الرئيس. تجدر الإشارة إلى أن بولسونارو لطالما كان مدافعا قويا عن البرنامج النووي البرازيلي، وكان منتقدا قويا لقرار البلاد بالتوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية سنة 1998.
لكن، يمكن أن توقف إحدى المرشحين الأوفر حظا، مارينا سيلفا، وهي ناشطة بيئية وعضوة في حزب الاستدامة، البرنامج النووي بأكمله، حيث أنها قامت بحملة لتخصيص المزيد من المال للطاقة الشمسية وطاقة الرياح والتقليص من الأموال المخصصة لمنشآت الطاقة النووية. في الواقع، عارضت سيلفا علنا برنامج الطاقة النووية في البرازيل، بينما تطرقت إلى إمكانية إجراء استفتاء وطني للسماح للمواطنين بأن يقرروا ما إذا كانوا يدعمون الاستثمار في الطاقة النووية من عدمه. وفي الوقت الحاضر، تحتل سيلفا المركز الثاني في استطلاعات الرأي لانتخابات تشرين الأول/ أكتوبر بعد بولسونارو.
بعيدا عن الفضيحة، تعيد البرازيل توجيه جهودها نحو الطاقة النووية، ولكن لا تزال هناك تحديات أمام سعيها وراء برنامج نووي على المدى البعيد. وفي الوقت الذي يمكن لمرشحين رئاسيين كبار، على غرار سيلفا، إيقاف مسار البرنامج النووي، قد يجد حتى المنافسون الموالون للبرنامج النووي، على غرار بولسونارو، صعوبة في إحراز تقدم كبير بسبب العجز المالي المتزايد في البلاد. بالإضافة إلى أزمة الكونغرس التي من شأنها إعاقة عملية التشريع الذي يلغي الحظر الدستوري على الأسلحة النووية والعوائق المالية أمام إتمام المحطة النووية الثالثة، ناهيك عن تداعيات خروج البرازيل من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية على علاقتها مع الأرجنتين. وفي مثل هذه الحالة، من المرجح أن يغلب الحذر على مساعي البرازيل للسيطرة على دورة الوقود النووي.
المصدر: ستراتفور