ترجمة وتحرير: نون بوست
ناقش ماتيس عدم مواكبة الولايات المتحدة للخطط الطموحة للصين والدول الأخرى. كما أشار ماتيس في آخر التطورات إلى المقال الذي نشره وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر مؤخرا، والذي دعا فيه إلى تشكيل لجنة رئاسية قادرة على “إلهام الجهد الوطني كاملا بما يضمن بقاء الولايات المتحدة في الصدارة، ليس في مجال الدفاع فقط وإنما في ‘تحول وضع البشر’ على نطاق أوسع”. وقد أرفق ماتيس نسخة من مقال كيسنجر في مذكرته المكونة من أربع فقرات.
تعكس مذكرة ماتيس، التي لم يتم الإبلاغ عنها من قبل، والتي اطلعت عليها صحيفة نيويورك تايمز، شعورًا متزايدًا ملحا لدى مسؤولي الدفاع بشأن الذكاء الاصطناعي. ومن جهتهم، يعتقد الخبراء الاستشاريون وواضعو الخطط، الذين يحاولون التنبؤ بالأخطار المحدقة، أنالذكاء الاصطناعي قد يكون العامل التكنولوجي الأبرز في الحرب القادمة. فقد رفعت الحكومة الصينية رهانات إستراتيجيتها الوطنية. كما أصبحت المنظمات الأكاديمية والتجارية في الصين مفتوحة للعمل بشكل وثيق مع الجيش لإنجاز مشاريع تتعلق بالذكاء الاصطناعي، ضمن ما يعرف باسم “الانصهار العسكري المدني”.
أعلن البنتاغون عن إنشاء مركز للذكاء الاصطناعي المشترك. ولم يكشف مسؤولو الدفاع عن عدد الأشخاص الذين سيتم تكريسهم للبرنامج الجديد أو عن مقره الذي من المقرر أن يفتح أبوابه خلال الشهر المقبل
وليس من الواضح طبيعة الأثر المترتب عن مذكرة ماتيس، إن وُجد. فعلى الرغم من إعلان البيت الأبيض في أيار/مايو، أي قبل حوالي ثلاثة أسابيع من إرسال مذكرته، عن تشكيله للجنة من المسؤولين الحكوميين لدراسة المسائل المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، إلا أن النقاد يعتبرون أن الإدارة لم تفعل ما يكفي بغية إرساء سياسة اتحادية. ومن جهتهم، قال المسؤولون في مكتب سياسات العلوم والتكنولوجيا، الذين من المرجح أن يكون لهم دور بارز في وضع أجندة المشاريع المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، إن الذكاء الاصطناعي أولوية وطنية للبحث والتطوير وأنها جزء من استراتيجيات الرئيس للأمن القومي والدفاع.
ومع ذلك، يبدو أن البنتاغون يواصل طريقه بمفرده، باحثًا عن طرق لتعزيز علاقاته مع الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي، لا سيما المتمركزين منهم في وادي السليكون، خاصة في ظل وجود حذر شديد من العمل في هذا المجال مع الجيش ووكالات الاستخبارات.
في أواخر شهر حزيران/ يونيو، أعلن البنتاغون عن إنشاء مركز للذكاء الاصطناعي المشترك. ولم يكشف مسؤولو الدفاع عن عدد الأشخاص الذين سيتم تكريسهم للبرنامج الجديد أو عن مقره الذي من المقرر أن يفتح أبوابه خلال الشهر المقبل، خاصة وأنه من المرجح أن يتم افتتاح العديد من المكاتب في جميع أنحاء البلاد. علاوة على ذلك، ترغب وزارة الدفاع في تحويل 75 مليون دولار من ميزانيتها السنوية إلى المكتب الجديد بإجمالي 1.7 مليار دولار تقدم على مدى خمس سنوات، وفق أحد المطلعين الذي لم يُسمح له بالتحدث عنه علانية.
قد تكون هذه الاحتجاجات مفاجئة لمسؤولي البنتاغون، حيث أن شركات التكنولوجيا الكبرى كانت من بين متعاهدي وزارة الدفاع منذ ظهور وادي السيليكون
عموما، يوصف هذا المركز الذي يُعرف باسم “جايك”، بأنه وسيلة لتسهيل العشرات من مشاريع الذكاء الاصطناعي في وزارة الدفاع. ويشمل مشروع “مافن”، وهو مشروع يهدف لوضع تكنولوجيا قادرة على التعرف على الأشخاص والأشياء من خلال مقاطع الفيديو التي تلتقطها الطائرات من دون طيار، والتي أصبحت رمزا للفجوة الأيديولوجية بين الحكومة ووادي السيليكون. وفي الوقت الذي كتب فيه ماتيس مذكرته إلى ترامب، كان الآلاف من موظفي غوغل يحتجون على انخراط شركتهم في مشروع “مافن”. وبعد أن أصبحت الاحتجاجات علنية، انسحبت شركة غوغل من المشروع.
في الواقع، قد تكون هذه الاحتجاجات مفاجئة لمسؤولي البنتاغون، حيث أن شركات التكنولوجيا الكبرى كانت من بين متعاهدي وزارة الدفاع منذ ظهور وادي السيليكون. كما أنه من المثير للسخرية أن يتردد أرباب تلك الصناعة في العمل مع الجيش في مجال الذكاء الاصطناعي، بالنظر إلى أن المسابقات البحثية التي ترعاها وزارة الدفاع، والتي تدعى “داربا”، قد بدأت العمل على تكنولوجيا المركبات ذاتية القيادة، وتحاول العديد من شركات التكنولوجيا في الوقت الراهن تسويقها. ولكن بالنسبة لبعض الباحثين، هناك فرق شاسع بين اختراع سيارات روبوتية وتطوير أسلحة روبوتية. فضلا عن ذلك، يخشى الباحثون الأسلحة المستقلة نظرا لأنها تشكل تهديدًا غير تقليدي للإنسان.
في هذا الصدد، قالت إلسا كانيا الزميلة المساعدة في مركز الأمن الأمريكي الجديد، وهو عبارة عن خلية تفكير تستكشف السياسات المتعلقة بالأمن القومي والدفاع: “هذه لحظة فريدة من نوعها خاصة مع بروز الكثير من النشاطات من وادي السيليكون”. وأضافت كانيا قائلة: “تعكس هذه اللحظة في جانب منها الوضع السياسي، كما تعكس أيضًا القلق العميق حيال عسكرة هذه التقنيات بالإضافة إلى تطبيقها في مجال المراقبة”. وفي هذا السياق، يأمل المسؤولون في مركز الذكاء الاصطناعي المشترك في سد هذه الفجوة.
من جانبه، قال الضابط السابق في البحرية وصاحب مؤسسة ناشئة في الذكاء الاصطناعي، بريندان مكورد، خلال اجتماع عام في وادي السيليكون عُقد الشهر الماضي إن “الابتكار والموهبة التي يتميز بها قطاعنا الخاص والمؤسسات الأكاديمية هي أحد أعظم مواطن قوتنا الوطنية، التي يدعمها المجتمع الحر والمفتوح”، وأضاف مكورد قائلا: “سيساعد المركز في تطوير شراكتنا مع الصناعة والأوساط الأكاديمية”.
بالإضافة إلى ذلك، أشار مكورد إلى أن المركز سيعمل مع “المبتكرين التقليديين وغير التقليديين على حد سواء”، أي هؤلاء المتعاهدين الحكوميين منذ فترة طويلة على غرار شركة لوكهيد مارتن بالإضافة إلى الشركات الحديثة المنتصبة في وادي سيليكون. وتجدر الإشارة إلى أن البنتاغون عمل حتى الآن مع أكثر من 20 شركة في مشروع “مافن”، ولكنه يأمل في توسيع هذا العمل والتغلب على الريبة المستشرية بين العاملين في هذا القطاع.
في هذا الصيف، عمل باحث في البنتاغون جنباً إلى جنب مع مختبر صغير للذكاء الاصطناعي في وادي السيليكون وهو مختبر “فاست آي”، من أجل إعداد تكنولوجيا قادرة على تسريع تطور أنظمة الذكاء الاصطناعي. وتعتمد الأنظمة المستقلة على الخوارزميات التي يمكن أن تتعلم القيام بأشياء على غرار التعرف على الكائنات من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات. وسيعمل مشروع “فاست آي” على تسريع “تدريب” الذكاء الاصطناعي.
يخشى نائب وزير الدفاع السابق الذي أسس مشروع “مافن”، روبرت وورك، من أن يكون احتجاج غوغل قد أفسد تصور المشروع، الذي لا ينطوي حتى الآن على أية أسلحة فتاكة
في الحقيقة، لم يبد البنتاغون ردة فعل عنيفة تجاه ناقديه في وادي السيليكون. فأثناء الكشف عن مركز الذكاء الاصطناعي المشترك، قال مكورد إن تركيز المركز سيتمحور حول “الأخلاق، والاعتبارات الإنسانية، وسلامة الذكاء الاصطناعي على المدى القصير والطويل”.
صرحت صوفي شارلوت فيشر، الباحثة في مركز الدراسات الأمنية في مركز الدراسات الأمنية التابعة للمعهد الفدرالي للتكنولوجيا في زيوريخ بسويسرا، المتخصصة في دراسة العلاقة بين صناعة التكنولوجيا والحكومة، إنها كانت بمثابة خطوة مهمة نحو بلوغ الباحثين أرضية مشتركة في مجال الذكاء الاصطناعي. وفي هذا الصدد، قالت فيشر: “هناك حاجة لأن يكون هناك فهم واضح لما يعنيه تطوير ونشر تقنيات الذكاء الاصطناعي”. لكن، هل سيكون هذا كافيًا؟ فالمشككون يرغبون في مشاهدة التفاصيل. وعلى العموم، أفادت فيشر قائلة: “لا تزال الخطط مجردة للغاية حتى اللحظة. وما نوع الأنظمة التي يريدون السماح بها؟ وهل يريدون دمج أنظمة الأسلحة بالذكاء الاصطناعي؟”
في المقابل، يخشى نائب وزير الدفاع السابق الذي أسس مشروع “مافن”، روبرت وورك، من أن يكون احتجاج غوغل قد أفسد تصور المشروع، الذي لا ينطوي حتى الآن على أية أسلحة فتاكة، وأعاق النقاش العام حول كيفية تطور التكنولوجيا العسكرية. وخلال مقابلة أجريت معه حديثا، قال وورك: “نحن بحاجة لإجراء نقاشات مفتوحة حول الذكاء الاصطناعي وعواقبه وسماع حجج جميع الأطراف”.
المصدر: نيويورك تايمز