بعد أن كان توقيع المصالحة بين حركتي فتح وحماس قاب قوسين أو أدنى، واقترابهم من طي صفحة انقسام استمر عمره لأكثر من 11 عامًا، عاد من جديد مسلسل التراشق الإعلامي وتبادل الاتهامات لعرض حلقاته المملة على الساحة الفلسطينية.
فبعد حالة التفاؤل التي سيطرت على الشارع الفلسطيني خلال الأسابيع الثلاث الأخيرة التي صاحبت اللقاءات التي جرت بين الفصائل الفلسطينية في القاهرة برعاية وزير المخابرات المصرية اللواء عباس كامل، عادت خيبة الأمل والصدمة تُسيطران على المشهد وسرعان ما تبخرت آمال الوحدة والمصالحة.
أولى بشائر الفشل التي تلقاها الشارع الفلسطيني وأصابته بالصدمة، حين أعلنت مصر تأجيل استقبال وفود الفصائل على أراضيها التي كانت مقررة زيارتهم الإثنين الماضي، وسرعان ما صاحب هذا الإعلان موجه تحريض كبيرة من حركة فتح ضد حماس والتهديد بنسف كل جهود المصالحة، بسبب تمسك حماس بمفاوضات التهدئة مع “إسرائيل” التي تهدف بها لتخفيف الحصار المفروض على قطاع غزة.
ضربة لمصر
إلى ذلك، فقد كشف عضو في اللجنة المركزية لحركة فتح في الضفة الغربية المحتلة، رفض الكشف عن اسمه، أن عزام الأحمد قدم مساء الإثنين الماضي، رد حركته النهائي على الورقة المصرية التي طرحتها مؤخرًا على حركتي فتح وحماس ووافقت عليها الأخيرة بشكل رسمي.
حيث أكد أن حركة فتح رفضت الورقة المصرية بشكل نهائي، مع تقديم تبرير مفصل لرفضها على تلك الورقة، موضحًا أن قرار الرفض جاء بأمر مباشر من الرئيس محمود عباس، رغم نداءات من قيادات فتحاوية طالبت بقبول الورقة ومصالحة حماس.
وقال القيادي الفتحاوي لـ”نون بوست” إن “الرئيس عباس أبلغ مصر أنه لن يوافق على أي ورقة مصالحة مع حركة حماس، في ظل تحرك الأخيرة لإبرام تهدئة شاملة في قطاع غزة مع “إسرائيل”، وتجاهل دور السلطة الفلسطينية وكذلك فصائل منظمة التحرير”. موضحًا إلى أن “موقف فتح كان حازمًا بهذا الملف، بأنه يجب تحقيق مصالحة فلسطينية واضحة وحقيقية أولًا، ومن ثم تبدأ مفاوضات تهدئة مع “إسرائيل” تشارك فيها الفصائل كافة على رأسهم منظمة التحرير”، الأمر الذي اعتبرته حركة حماس وضع عصا في دواليب الجهود المصرية لتعطيلها.
وذكر القيادي الفتحاوي ذاته، أن كل جهود المصالحة التي تقودها المخابرات المصرية بعد تسلمها رد حركة فتح قد توقفت تمامًا، فيما ستشهد الساعات القليلة المقبلة تصعيد إعلامي متبادل بين الحركتين.
في 17 من أغسطس/آب الحاليّ، أعلنت حماس الانتهاء من جولة مشاورات بين الفصائل الفلسطينية – بشأن المصالحة الداخلية والتهدئة مع “إسرائيل” – اختتمت في القاهرة، على أن يتم استئنافها بعد عيد الأضحى لكن تم تأجيلها لعدة أيام
وكان رئيس وفد حركة فتح لحوار المصالحة الفلسطينية عزام الأحمد، أكد أن رد حركته وصل بشكل واضح ودقيق وإيجابي للجانب المصري، والطرف المصري الذي استلم الورقة عندما اطلع عليها قال “إنه تفاجأ للإيجابية العالية في رد حركة فتح”.
وقال الأحمد: “قمت بتسليم الرد على الورقة المصرية للمصالحة والآن أصبح رد فتح موجودًا في القاهرة، ولا يوجد في الورقة أي نقطة تحتاج إلى اتفاق جديدة بل تستند للاتفاقات السابقة الموقعة بالقاهرة”، مضيفًا “سبق وأن قلنا إننا لسنا بحاجة إلى حوارات واتفاقات جديدة بشأن المصالحة، وفتح تريد أن تطبق كل ما وقعنا عليها ولا نريد اتفاقات وآليات جديدة”.
وأضاف الأحد: “الأشقاء في مصر سلموا مقترحًا (الورقة المصرية) لحركة فتح وحماس قبل نحو 3 أسابيع ويتضمن مجموعة من الآليات المتعلقة بتنفيذ اتفاق المصالحة الذي وقع في 4 -5 /2011 والآليات التي تم توقيعها في 12 من أكتوبر الماضي”.
ليرد القيادي في حركة حماس سامي أبو زهري، على تصريحات الأحمد بالقول: “موقف فتح من المصالحة لم يتغير من خلال تمسكها بمصطلح التمكين الذي لا يعني إلا الإقصاء، وأي مصالحة بالنسبة للقوى الفلسطينية لن يكون لها قيمة ما لم تبدأ برفع العقوبات وإنهاء سياسة التمييز عن غزة”.
وفي 17 من أغسطس/آب الحاليّ، أعلنت حماس الانتهاء من جولة مشاورات بين الفصائل الفلسطينية – بشأن المصالحة الداخلية والتهدئة مع “إسرائيل” – اختتمت في القاهرة، على أن يتم استئنافها بعد عيد الأضحى لكن تم تأجيلها لعدة أيام.
السيناريوهات القادمة
في هذا السياق، أكدّ النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي حسن خريشة، أن السلطة الفلسطينية لا تتوفر لديها نية ورغبة لإجراء المصالحة، وتصر على شروطها اعتقادًا منها أن بإمكانها إرضاخ المقاومة الفلسطينية وحركة حماس تحديدًا من خلال سياسة الحصار والتجويع والعقوبات المفروضة ضد غزة.
وقال خريشة إن “حماس وافقت على المقترح المصري منذ البداية وأبدت موافقتها الكاملة على المصالحة، بينما فتح لا تزال تربط موافقتها بالشروط القديمة، والكرة في ملعب المصريين بممارسة الضغوط عليها لتقبل بالورقة المصرية والتوقف عن هذه الاشتراطات”.
وذكر خريشة أن القاهرة أعطت أملاً للجميع بأنه سيجري إنهاء الانقسام، ولهذه اللحظة لم تمارس ضغطًا على السلطة الفلسطينية التي تملي شروطها لإفشال الجهد المصري الرامي لتحقيق المصالحة، موضحًا أن هذه الشروط يجب ألا تكون بين الفلسطينيين أنفسهم، وكنت أتمنى أن تملك القدرة لتفرض شروطها على الإسرائيليين وتكون صلبة معهم كما تفعل حاليًّا في موضوع المصالحة.
وأشار خريشة إلى أن سياسة العقوبات هي التزام من السلطة الفلسطينية بالموقف الأمريكي الذي طلب في حينه بعدم إرسال الأموال لغزة تحت ذريعة عدم استفادة حماس منها، وصرّح بذلك رئيس السلطة محمود عباس في أثناء زيارته للبحرين، ويبدو أن السلطة تواصل التزامها بذلك.
الغريب: “هناك سيناريو أن تذهب الفصائل وحماس للقاهرة مرة ثانية منفردة وتوقع اتفاق التهدئة، وما سيترتب على هذه الخطوة تراجع كبير لدور السلطة في قطاع غزة”
لافتًا إلى أن حصة غزة تبلغ 85 مليون دولار أصبحت اليوم في خزينة السلطة، “فقد كان يراهن بعض مستشاري عباس أن هذه العقوبات ستدفع الناس للانتفاضة بعد شهرين أو ثلاثة على المقاومة، لكنهم تفاجأوا بمسيرات العودة وانتفاض الشعب الفلسطيني على الاحتلال لإدراكه بأنه العدو الوحيد له”.
من جانبه قال الكاتب والمحلل السياسي شرحبيل الغريب إن “السلطة لا تريد مصالحة حقيقة قائمة الشراكة وفق الاتفاقيات وتصر على التصلب في مواقفها”، وأضاف الغريب “السلطة تريد مصالحة على مقاسها تعيد غزة إلى بيت الطاعة الإسرائيلي الأمريكي، أما الضفة الغربية فلا سلطة وأصبحت مرتعًا للمستوطنين وتعيش تحت وطأة التعاون الأمني”.
ورأى الغريب أن الحل هو التفكير بطريقة جديدة، وتشكيل نواة وطنية لدولة فلسطينية قوية قادرة على اتخاذ قرار وطني مستقل وفرض معادلات معترف بها تمثل الفلسطينيين في غزة، تقود مشروع المقاومة حتى التحرير الكامل.
ونوه المحلل السياسي إلى أن الإصرار المصري على تطبيق المصالحة كمدخل رئيس لمشروع التهدئة يعكس حرص ومسؤولية كبيرة بأن المصالحة خيار إستراتيجي مصري لا بد من تحقيقه، وقريبًا سيزور غزة وفد مصري لدفع عجلة المصالحة.
مشيرًا إلى أن “غزة الآن أمام سيناريوهين: الأول بدء جولة مباحثات تجريها المخابرات المصرية مع وفد حركة فتح لإقناعه بالتوقيع على اتفاق التهدئة، ومن حيث فرص النجاح والفشل بشأن موافقة حركة فتح على مشروع التهدئة فإن فرص الرفض أكبر بكثير من فرص الموافقة، ففتح ما زالت تعطل المصالحة ولها حساباتها الخاصة. بينما السيناريو الثاني، أن تذهب الفصائل وحماس للقاهرة مرة ثانية منفردة وتوقع اتفاق التهدئة، وما سيترتب على هذه الخطوة تراجع كبير لدور السلطة في قطاع غزة، حسب الغريب”.
طبول الحرب
“إسرائيل” تراقب عن كثب وبقلق كبير تطورات ما يجري في القاهرة من مباحثات ليس على ملف المصالحة بين حركتي فتح وحماس كونه حاليًّا لا يعنيها كثيرًا، بقدر اهتمامها بملف التهدئة التي باتت تستجديها في قطاع غزة، وفشلها يعني الدخول بحرب رابعة جديدة على قطاع غزة.
وصرح وزير طاقة الاحتلال الإسرائيلي وعضو الكابينت يوفال شتاينتش، لقناة “كان” العبرية، أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، يحاول دفع “إسرائيل” لمواجهة عسكرية ضد حماس بغزة، مشددًا على أن أبو مازن سبب المشاكل المالية والإنسانية بقطاع غزة، مؤكدًا أنه ينوي فرض عقوبات جديدة على قطاع غزة الشهر القادم.
وقال الوزير الإسرائيلي إن “رئيس السلطة الفلسطينية يسعى لإفشال اتفاق التهدئة بين “إسرائيل” وحماس الذي يتم بلورته بالقاهرة هذه الأيام”، مضيفًا “على “إسرائيل” أن تتوصل إلى اتفاق تهدئة مقلص مع حماس بغزة، دون مشاركة السلطة الفلسطينية”.
كما قال موقع “واللا” العبري إن الجيش الإسرائيلي سيبحث احتمالات ما ستؤول إليه الأمور في غزة بعد رفض حركة فتح محادثات التهدئة التي تُجريها القاهرة مؤخرًا مع الفصائل الفلسطينية، وأوضح الموقع أن من بين تلك الاحتمالات أن تتجه الأمور نحو حرب جديدة، في حال رفض حركة فتح اتفاق التهدئة وفرض مزيدٍ من العقوبات على غزة، زاعمًا أن حماس ستدفع إلى زعزعة استقرار المنطقة الحدودية أو إطلاق الصواريخ نحو “إسرائيل”.
رغم حل حركة حماس اللجنة الإدارية بعد حوارات بالقاهرة في سبتمبر من نفس العام، فإن العقوبات تواصلت وزادت في أبريل الماضي ليصل الخصم من رواتب الموظفين إلى نحو 50%
وأشار الموقع إلى أن “حدوث سيناريو مماثل سيدفع بالجيش إلى توجيه ضربة عنيفة لحماس، لتدفيعها الثمن أو خوض عملية واسعة النطاق”، مشيرًا إلى أن قائد هيئة الأركان في الجيش غادي آيزنكوت تفقد قيادة المنطقة الجنوبية للاطلاع على جاهزية الوحدات العسكرية المختلفة حال عدم تحقق التسوية مع حماس في غزة.
وبيّن الموقع أن أمام السلطة الفلسطينية خيارين: إما قبول التهدئة وما تحمله من هدوء طويل الأمد، أو رفض الرئيس الفلسطيني لها بالطرق الدبلوماسية عبر وضع العقبات أمام حماس كجزء من رد متدحرج على الاتفاق ويشمل تقليص آخر على رواتب الموظفين وتقليص خدمات البنى التحتية في غزة.
إلى ذلك، فقد كانت فصائل فلسطينية قد أجرت قبل عيد الأضحى مشاورات ومباحثات مع المخابرات المصرية بشأن مقترحات لتحقيق المصالحة ووقف إطلاق النار، وتنفيذ مشاريع إنسانية في غزة، يشار إلى أن عضو المكتب السياسي في حركة حماس حسام بدران أعلن الإثنين تأجيل مباحثات الفصائل في القاهرة بخصوص التهدئة والمصالحة التي كانت مقررة اليوم، وذلك لعدة أيام.
وفرض الرئيس محمود عباس جملة من العقوبات على غزة في أبريل 2017 بدعوى إجبار حركة حماس على حل اللجنة الإدارية التي شكلتها في غزة، شملت خصم نحو 30% من الرواتب وتقليص إمداد الكهرباء والتحويلات الطبية وإحالة أكثر من 20 ألف موظف للتقاعد المبكر
ورغم حل حركة حماس اللجنة الإدارية بعد حوارات بالقاهرة في سبتمبر من نفس العام، فإن العقوبات تواصلت وزادت في أبريل الماضي ليصل الخصم من رواتب الموظفين إلى نحو 50%.