البداية كانت في الـ10 من يناير/كانون الثاني 2016 حين أعلن رئيس الحكومة المغربية السابق عبد الإله بنكيران قسمه ورفضه المطلق التنازل إلى 8000 أستاذ متدرب عن مرسومي فصل التكوين عن التوظيف ورفع المنحة، ولو أدى الأمر إلى سقوط الحكومة.
استمرت احتجاجات الأساتذة لأشهر مع تدخل القوات الأمنية لفضها في كثير من الأحيان بالعنف المفرط، إلى أن تنازلت الحكومة في الـ13 من أبريل/نيسان من العام ذاته وأعلنت محضرًا ينهي أزمة استمرت أزيد من نصف سنة.
المندوبيات والمصالح الحكومية المختصة بالإحصاء والتخطيط كانت تنجز وتصلها تباعًا دراسات وتقارير منذ 2010 تشير إلى قدوم البلد على أكبر عملية مغادرة تقاعدية وخصاص بأطر التعليم في تاريخ المغرب، وقتها لم تؤخذ تحذيرات الخبراء محمل الجد من طرف الأوساط الرسمية إلى حين حدوث ما يشبه دخول البلد النفق المظلم، اكتظاظ غير مسبوق في الأقسام وصل إلى نحو 60 تلميذًا في الصف أو الفصل الواحد وفقدان التعليم العمومي لجودته، إضافة إلى تشكيك المنظمات الدولية بمدى صحة وجدية التقارير الحكومية التي تتحدث عن منجزات وأشواط الإصلاح في هذا القطاع، سيما مع تأرجح ترتيب البلد عالميًا في جودة التعليم إلى مراتب متدنية جدًا.
سارع المسؤولون في وقت وجيز إلى إعداد مذكرة وزارية وإعلانها للعموم يوم 1 من نوفمبر/تشرين الثاني 2016 تنص على تفويض الصلاحية للأكاديميات الجهوية لتوظيف الأساتذة بموجب عقود، بعيدًا عن أي تصور أو تدبير معقلن لهذا القطاع الإستراتيجي الحيوي ودون فتح أي نقاش أو حوار مع فعاليات المجتمع ونقابات التعليم، حتى إن هذه المذكرة وما سيأتي بعدها من مقررات خطيرة تم في فترة تصريف الأعمال ومشاورات تشكيل الحكومة أي مباشرة بعد انتخابات الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول التشريعية.
استمرت احتجاجات الأساتذة لأشهر مع تدخل القوات الأمنية لفضها في كثير من الأحيان بالعنف المفرط، إلى أن تنازلت الحكومة في الـ13 من أبريل/نيسان من العام ذاته وأعلنت محضرًا ينهي أزمة استمرت أزيد من نصف سنة
في أقل من عام ونصف أُلحق بالقطاع أكثر من 55 ألف أستاذ على 3 دفعات، دون أي قانون أو سند ينظم عملهم ويضمن استقرارهم سوى وثيقة العقد التي أرغم الأساتذة في بداية عملهم على توقيعها، بعد ذلك صادقت الأكاديميات في دورات استثنائية على ما يسمى بالنظام الأساسي الخاص بأطر الأكاديمية الذي سيدخل حيز التنفيذ ابتداءً من فاتح سبتمبر/أيلول 2018، فبالإضافة للفراغ القانوني الذي ساد لأزيد من سنة، هناك ثغرات وقصور على مستوى هذا النظام الأساسي الذي لا يمت بأي صلة لقانون الوظيفة العمومية أو قانون الشغل بالمغرب، تكريس للتمييز والهشاشة وتغييب للاستقرار الاجتماعي والنفسي وسلب متعمد للكثير من الحقوق البسيطة مع إمكانية فسخ العقد وإنهائه دون إشعار أو تعويض في حالة حدوث تجاوزات بسيطة.
أغلبية الأحزاب المشكلة للحكومة والمعارضة أعلنت في السابق معارضتها لنظام التعاقد، فالأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار المكون للحكومة أكد في مارس الماضي معارضة حزبه للتوظيف بالتعاقد، واقتراحه إحداث كلية لتخريج نساء ورجال التعليم بكفاءة عالية، نفس الأمر بالنسبة لأحزاب المعارضة، فالمنظمة الديمقراطية للتعليم (الذراع النقابي لحزب الأصالة والمعاصرة) أكدت في بيان سابق لمكتبها الوطني رفضها التوظيف بالعقد، معتبرة أن هذا الأمر يشكل ضربًا للمكتسبات المادية والاعتبارية للأساتذة خاصة فيما يتعلق بالأجور والترقي والاستقرار، مطالبة بالإدماج في نظام أساسي موحد.
كذلك الأمين العام لحزب الاستقلال المعارض ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي انتقد في نوفبر/تشرين الثاني الماضي قرر الاتجاه إلى التوظيف بالتعاقد، مضيفًا أن مثل هذا القرار ستكون له تداعيات خطيرة في المستقبل.
يعود الحديث الآن عن حكومة ضعيفة برئيس تنازلات لا توافقات، وسط تحذيرات تقر بفشل الحكومة في وضع تصور واضح المعالم للنهوض بالقطاعات الحيوية للدولة والاتجاه لإنتاج جيش من المحتجين في المستقبل القريب
اَخر منتقدي هذا القانون كان تقرير والي بنك المغرب الذي قدمه أمام الملك منتصف هذا الشهر، معتبرًا أن اعتماد حكومتي بنكيران والعثماني على نظام التعاقد لا يبدو أنه يشكل إجابة ملائمة للتحدي الذي يفرضه الإصلاح، في الوقت الذي يدافع فيه رئيس الحكومة عن هذا الخيار الذي اعتبره خلال جلسة المساءلة الشهرية اَلية رائدة مكنت من توظيف عشرات الاَلاف من المغاربة.
التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد دعت لخطوة تصعيدية غير مسبوقة، تتمثل في اعتصام بالعاصمة الرباط يومي 29 و30 أغسطس/آب لإجبار حكومة العثماني على التراجع عما بات يعرف على شبكات التواصل الاجتماعي بعقود الذل والإذعان.
أحزاب التحالف الحكومي المغربي تعيش حالة ترقب وانقسام في رؤية العمل، اَخرها الإطاحة بكاتبة الدولة المكلفة بالماء المنتمية لحزب التقدم والاشتراكية من طرف زميلها في الحكومة وزير التجهيز والنقل المنتمي لحزب العدالة والتنمية، وعودة الحديث عن تفعيل رسمي لإلغاء مجانية التعليم وتحركات وزير التربية الوطنية للحديث عن الحوار الاجتماعي ومحاولة استمالة النقابات للحيلولة دون مشاركتها في احتجاجات الأربعاء والخميس بالعاصمة.
بين هذا وذاك يعود الحديث عن حكومة ضعيفة برئيس تنازلات لا توافقات، وسط تحذيرات تقر بفشل الحكومة في وضع تصور واضح المعالم للنهوض بالقطاعات الحيوية للدولة والاتجاه لإنتاج جيش من المحتجين في المستقبل القريب.