تخطو الشركات أولى خطواتها في عالم المال والأعمال بكثير من الحيوية والحماسة، لكن مع الوقت قد تختفي هذه الملامح عندما تتصادم بالمصاعب والموانع التي تعرقل طموحاتها وتشوش تطلعاتها المستقبلية، وعادةً ما تحتاج إلى سياسات واستراتيجيات لتخطي هذه العوائق بأقل قدر من الخسائر حتى تحافظ على تماسكها في السوق.
إذا واجهت هذه الشركات الإفلاس وهي الضربة الأكثر قسوة لأنها النهاية الحتمية لحاضرها ومستقبلها، تضطر الشركات إلى اتخاذ قرارات طارئة في محاولة منها للتعافي واسترجاع الحياة إلى مكاتبها ومصانعها. في هذا التقرير، نستعرض بعض قصص أهم الشركات التي واجهت حافة الإفلاس ولكنها استطاعت بطريقة ما القفز عن هذه الفجوة بنجاح، ومنها:
شركة آبل.. التعاون مع العدو
من الصعب تصديق أن شركة آبل الأمريكية للتكنولوجيا التي تجاوزت قيمتها السوقية حد التريليون دولار كانت على وشك الإفلاس والانهيار قبل 20 عامًا، لكنها بصورة ما انتشلت نفسها من هذا المأزق لتصبح الآن أكبر شركة عالمية في قطاع التقنية.
عام 1997 وبعد 12 عامًا من الخسارات المالية المتكررة، طُرد جيل أميليو من منصب الرئيس التنفيذي ليتولى مكانه ستيف جوبز الذي كُلِف بمهمة إعادة هيكلة الأمور الإدارية والمالية للشركة، وعلى هذا الأساس أقال جوبز نحو 3000 موظفًا من الشركة واستغنى عن عشرات المشاريع والإصدارات المتنوعة من الأنظمة والأجهزة، ليقل عدد منتجات الشركة بنسبة 70%.
جاءت هذه القرارات بناءً على حكمة آمن بها جوبز وهي “تحديد ما لا يجب فعله أمر مهم في تحديد الأمور الأكثر أهمية”؛ ما ساهم بعد ذلك في التركيز على الجودة والجوانب الابتكارية، لكن الأمور كانت لا تزال على حافة الفشل، لا سيما أن المبيعات السنوية استمرت في التراجع، حيث بلغ سعر السهم في البورصة نحو 86 سنتًا فقط.
لم تكن شركتا آبل ومايكروسوفت على علاقة وطيدة وسلمية، فلقد وقعت بينهما العديد من الخلافات؛ ما دفع الجميع إلى الشك في استثمارات مايكروسوفت في آبل
بعد 90 يومًا من الإفلاس، التفت شركة مايكروسوفت المسيطرة على السوق التكنولوجية في العالم آنذاك إلى آبل واستثمرت فيها بمبلغ 150 مليون دولار لمدة 5 سنوات، مقابل أن تتنازل آبل عن قضية رفعتها ضد مايكروسوفت بتهمة انتهاك براءة اختراع، ورغم عدم ارتياح أنصار آبل لهذه الاتفاقية، فإنها جاءت في وقت مناسب بالنسبة للشركة.
مع العلم أنه لم تكن شركتا التكنولوجيا على علاقة وطيدة وسلمية، فلقد وقعت بينهما العديد من النزاعات والخلافات؛ ما دفع الجميع إلى الشك في نوايا مايكروسوفت بشأن هذه الخطوة، لكن اتضح لاحقًا أن الشركة التي ظهرت في صورة المنافس النبيل كانت تتعرض إلى تهم قضائية من الحكومة بسبب ممارساتها الاحتكارية على قطاع التكنولوجيا.
من جانب آخر، ساعدت هذه المبادرة آبل على الاستقرار تدريجيًا في سوق البورصة، ومع إدراجها منتجًا جديدًا بدأت أمورها المالية تتعافى شيئًا فشيئًا، وفي الوقت نفسه اختفت أي شكوك عن خطوة مايكروسوفت، إذ قال جوبز في أحد خطاباته إن “المنافسة بين آبل ومايكروسوفت انتهت، ومن المهم أن تتعافى الشركة من أجل أن تزدهر مجددًا”.
يمكن أن نلاحظ من خلال هذا التصريح، أن نظرة جوبز إلى مايكروسوفت اختلفت تمامًا، فلم تعد العدو اللدود بل أصبحت شريكًا ضروريًا لإعادة آبل إلى المسار الصحيح، ما يعني أن عالم الأعمال لا يعرف أعداءً أو أصدقاءً وتحديدًا عند اشتداد الضغوط المادية.
وفقًا لشركة Engadget، فإن استثمار شركة آبل الذي بلغ 150 مليون دولار كان سيبلغ نحو 52.6 مليار دولار من قيمة الشركة الحاليّة لو استمرت بصفقتها
حاليًّا، ينتشر نحو 499 من مراكز شركة آبل في 22 دولة وتحقق أكثر من 127 مليون دولار في اليوم الواحد، ووفقًا لشركة Engadget، فإن استثمار شركة مايكروسوفت الذي بلغ 150 مليون دولار كان سيبلغ نحو 52.6 مليار دولار من قيمة الشركة الحاليّة لو استمرت بصفقتها، لا سيما أن آبل تحقق نموًا مستمرًا في سوق التكنولوجيا، ففي عام 2016، حققت نموًا بنسبة 27% مقارنة مع مايكروسوفت التي ارتفعت بنسبة 1.5%.
شركة الطيران الأمريكية American Airlines.. تنازلات مبدئية
تأسست هذه الشركة عام 1930 وتعتبر أكبر شركة طيران في الولايات المتحدة الأمريكية حيث سجلت أرباحًا بلغت قيمتها 10.6 مليار دولار بحسب إحصاءات عام 2016، ويسافر من خلالها نحو 28 مليون مسافر سنويًا أي 77 ألفًا كل يوم، ورغم الاعتماد الكبير عليها في الرحلات السفرية فإنها كغيرها تعرضت للإفلاس قبل 18 عامًا.
عانت الشركة من 29.6 مليار دولار من الديون وارتفاعًا في أسعار الوقود والعمالة ما دفعها في نهاية الأمر إلى إعلان إفلاسها عام 2011، الأمر الذي أثار تساؤلات العملاء الذين لديهم تذاكر محجوزة مسبقًا، لذلك حاولت الشركة التعامل مع هذه المخاوف من خلال بيان أعلنت فيه أن هذه الأزمة لن تؤثر على جدول الرحلات قائلةً: “العملاء الأمريكيون هم دائمًا على رأس أولوياتنا ويمكنهم الاستمرار في الاعتماد علينا من أجل السفر الآمن والجدير بالثقة والخدمة عالية الجودة التي يعرفونها ويتوقعونها منا”.
بحسب الفصل الحادي عشر من قوانين الإفلاس الأمريكية فإنه يُسمح للشركات بإعادة هيكلة نفسها وتنظيم أعمالها، بحيث تبقى عملياتها مستمرة ولكن تحت سيطرة المدين ومراقبة المحكمة وسلطتها التشريعية
فبحسب الفصل الحادي عشر من قوانين الإفلاس الأمريكية فإنه يُسمح للشركات بإعادة هيكلة نفسها وتنظيم أعمالها ودفع ديونها خطوة فخطوة، بحيث تبقى عملياتها مستمرة تحت سيطرة المدين ومراقبة المحكمة وسلطتها التشريعية، كما يجدر على المدين اقتراح خطة إعادة الهيكلة على الدائنين خلال مدة تصل إلى 120 يومًا وعلى الدائنين الموافقة عليها.
الجيد في هذا البند القانوني أنه يضمن للشركة الحماية القضائية ويكفل بقائها في السوق ويساعدها على تجميع قواها من جديد لاستبدال خسائرها بأرباح تساعدها على الوقوف بقوة بين منافسيها، لكن التحدي يكمن في إقناع الدائنين بالخطة البديلة والحصول من جديد على تمويل وقروض لتنفيذها، وذلك ما قامت به شركة “أميركان آيرلاينز” التي قررت الاندماج مع شركة الخطوط الجوية United عبر صفقة وصلت قيمتها نحو 11 مليار دولار، إلا أن هذا القرار لم يحصل على رضى وموافقة جميع الأطراف المعنية بسهولة.
رأت المحكمة أن هذه الصفقة قد تفيد المساهمين والدائنين لكنها ستضر بالمستهلك لأنها ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ما يعني أن الشركات الصغيرة المنافسة ستنهار وستقل الخيارات أمام المسافر
في بداية المفاوضات، رأت المحكمة أن هذه الصفقة قد تفيد المساهمين والدائنين لكنها ستضر بالمستهلك لأنها ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار، كما لاحظت الإدارة أن الشركة ستسيطر على 69% من البوابات ومنافذ البيع في مطار رونالد ريغان؛ ما يعني أن الشركات الصغيرة المنافسة ستنهار وستقل الخيارات أمام المسافر، لكن بعد جولة مطولة من المفاوضات الإدارية والمساءلات القانونية أكدت الشركة أن أسعار خطوط الطيران ستكون مثل الشركات الأخرى متبعةً قوانين العرض والطلب في السوق حتى توفر أفضل الخيارات وأكثرها جودةً للمستهلكين.
بناءً على هذا التوضيح، طالب القضاء الشركة المندمجة بالتخلي عن خدماتها وبواباتها في المطارات الصغيرة والمتوسطة لفتح فصل جديد من المنافسة للشركات الأخرى التي تعمل في نفس القطاع، وبالرغم من أن هذا القرار يحرم الشركة من العمل بشكل واسع في عدة مناطق إلا أن تغاضيها عن أطماعها التجارية وقبولها بهذا الطلب تبعه الحصول على موافقة الاندماج، ارتفعت الأسهم الجديدة اليوم التالي لمجموعة أميركان إيرلاينز من 45 سنتًا إلى 24.55 دولار، وتوالت نجاحاتها حتى أصبحت أكبر شركة طيران في العالم.
سلسلة مطاعم بيتزا سبارو الإيطالية والعودة إلى الأصل
أسست عائلة مهاجرة إيطالية الجذور هذه الشركة في عام 1956 بمدينة بروكلين، واستطاعت تدريجيًا أن تخطف إعجاب المستهلكين من مختلف أنحاء العالم، ما جعلها تفتتح 800 فرعًا وتحقق أرباحًا سنوية بقيمة 290 مليون دولار سنويًا.
بعد سنوات من الانتشار والازدهار في الثمانينيات والتسعينيات في قطاع الوجبات السريعة، واجهت سبارو مشاكل مادية وتنظيمية حادة في إدارة فروعها، ما أرغمها على إعلان إفلاسها مرتين خلال 3 سنوات، وذلك بعد أن ارتفعت أسعار مأكولاتها وتدهورت جودة مأكولاتها، كما كان اعتماد الشركة على مراكز التسوق في بيع منتجاتها جزءًا من المشكلة، فارتفاع التكاليف العقارية والركود الذي أصاب هذه المواقع عام 2008 أثر بشكل كبير على مبيعاتها، وبالتالي تراكمت الديون على الشركة بقيمة وصلت إلى 350 مليون دولار.
المرة الأولى، كانت في عام 2011، لكن خلال 10 شهور فقط خرجت سبارو من هذا المأزق بعد أن تخلصت من 200 مليون دولار من ديونها وأغلقت نحو 25 فرعًا من مطاعمها وغيرت فريقها الإداري، لكن هذه التغييرات لم تكن كافية إلى أن وافقت المحكمة على خطتها لإعادة الهيكلة المسمى بـ “خطة المائة يوم” وتسليم ملكيتها لمقرضيها.
إلى جانب ذلك قرر المدير التنفيذي آنذاك باختبار 10 أنواع من المأكولات التي يمكن تقديمها للمستهلك بطريقة مختلفة ومرضية لتقديم أفضل، كما افتتح أفران تعمل على الحطب لخبز البيتزا، وهي الخطوة التي أعادت النكهة التقليدية إلى البيتزا الإيطالية الهشة والطازجة، عدا عن أنه أعاد صياغة وصفة البيتزا نفسها باستخدام مكونات طبيعية بالكامل لإرجاع المذاق الأصلي، وما دفعها في النهاية إلى تحقيق مبيعات معقولة أنقذتها من الانهيار.