تعززت سياسات إسرائيل التي ما لبثت تنتهجها منذ وقت طويل؛ في شهر يوليو / تموز 2018، بإصدار ما يسمى “قانون أساسي”، وهو الشكل الإسرائيلي من القوانين الدستورية، وهو يحط من مكانة اللغة العربية، وينص على أن اليهود يتمتعون بحق تقرير المصير في إسرائيل، ويعلن أن “الدولة تعتبر تنمية الاستيطان اليهودي قيمة قومية وسوف تعمل على تشجيع وتوسيع إقامته وتعمل على تعزيزه وتقويته”.
تقول الزعبي إن منظمة التحرير الفلسطينية تخلت عن مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني. فبعد التزامها رسمياً بوضع الدولتين المنفصلتين في عام 1988، كما تقول، “أقرت المنظمة فعلياً بأن إسرائيل دولة يهودية”، دولة بات انعدام المساواة فيها بين اليهود وغير اليهود منصوصاً عليه في قوانينها. والآن لم يعد ثمة من يتحدى الصهيونية نفسها سوى المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، من خلال الإصرار على أن الدولة لا يمكنها حقيقة أن تكون ديمقراطية ويهودية في نفس الوقت. ونتيجة لذلك، أضحى المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل “خطراً أكبر على إسرائيل من منظمة التحرير الفلسطينية نفسها”. ومضت الزعبي تقول: “لقد حددت منظمة التحرير الفلسطينية نضالنا” – أي نضال المواطنين الفلسطينيين في سبيل المساواة – “بأنه قضية إسرائيلية داخلية. وبذلك تخلت عنا!”.
تنتقد حنين الزعبي بشدة الاحتلال الإسرائيلي، ولكنها تعتقد بأن الجذور الحقيقية للصراع تكمن في تعامل إسرائيل التاريخي مع الفلسطينيين
وانتقدت الزعبي بشدة القيادة الفلسطينية لدورها في إطالة أمد الاحتلال، ولامت محمود عباس، والشهير أيضاً بكنيته “أبو مازن”، رئيس منظمة التحرير ورئيس السلطة الفلسطينية، على أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرر الخروج على عقود من السياسة الأمريكية، فخالف أسلافه واعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل في كانون الأول/ ديسمبر الماضي. وخاطبتني حنين الزعبي قائلة: “لقد أجرى ترامب حسبته، وتساءل: ماذا عسى يكون رد الفعل على قراري؟ فقال له الجميع في الولايات المتحدة وفي إسرائيل، وكانوا على صواب، لن يغير أبو مازن من قواعد اللعبة، ولن ينهي التعاون الأمني مع إسرائيل، ولن يوقف اتفاق أوسلو. إذن، ما هو الثمن الذي ستدفعه إسرائيل أو الولايات المتحدة؟”. وقالت الزعبي إنها عندما سافرت إلى الخارج، إلى بلدان مثل إيرلندا وألمانيا والولايات المتحدة، “قال لي المسؤولون هناك إن سفير منظمة التحرير يعارضك في موقفك تجاه بي دي إس، فمن يجدر بنا أن نصدق؟”.
كيف يتفق اليمين مع “بي دي إس”؟
ومثل منظمة التحرير الفلسطينية، تنتقد حنين الزعبي بشدة الاحتلال الإسرائيلي، ولكنها تعتقد بأن الجذور الحقيقية للصراع تكمن في تعامل إسرائيل التاريخي مع الفلسطينيين. وتقول في ذلك: “المشكلة ليست في الاحتلال، وإنما تكمن المشكلة في المشروع الصهيوني. فإسرائيل تخشى أن الناس إن كانت عقولهم مفتوحة ورأوا ما الذي تفعله إسرائيل بالفلسطينيين، فستكون تلك هي النهاية. في اللحظة التي تقول فيها إن إسرائيل ليست دولة طبيعية، وأنها ليست كما يتصور البعض دولة ديمقراطية ترتكب بعض الأخطاء، وإنما هي دولة شاذة، تتصرف ضد حقوق الإنسان، فأنت عندها تحطم صورتها كدولة ليبرالية إنسانية لديها أكثر جيوش العالم التزاماً بالأخلاق. ما تقوم به حركة بي دي إس هو تقويض مكانة إسرائيل وسمعتها”.
رغم أهدافهما المتعارضة تماماً، إلا أن اليمين الإسرائيلي وزعماء حركة “بي دي إس” يتفقون في كثير من الأمور. كلاهما يؤكدان أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يدور من حيث الأساس حول الصهيونية والتهجير القسري لأغلبية الفلسطينيين عام 1948، وليس حول احتلال إسرائيل عام 1967 لغزة والقدس الشرقية وبقية الضفة الغربية. وكلاهما يقران بأنه لا ينبغي معاملة المستوطنات بشكل مختلف عن الحكومة التي أوجدتها. كلاهما يعتقدان بأن مطالب مواطني إسرائيل من الفلسطينيين بالمساواة وحق العودة الإسرائيلي؛ هي قضايا مركزية في النزاع لم تنل اهتماماً كافيا من قبل صناع السلام السابقين. وكلاهما يقولان إن معركة إسرائيل ضد حركة “بي دي إس” ليست نضالاً اقتصادياً بالدرجة الأولى، وكلاهما يعتبران حركة “بي دي إس” ممثلة للمطالب الفلسطينية المجمع عليها، رغم إقرارهما بأن الحركة لا تستطيع استنفار جماهير ضخمة، وأن الناشطين الرئيسيين فيها ليسوا شخصيات مهمة في السياسة الفلسطينية. وكلاهما يعتقدان بأن حركة “بي دي إس” سوف تكشف للعالم عن الطبيعة الحقيقية للصراع.
ولكن بينما تراهن حركة “بي دي إس” على أن هذا الكشف سيقود الناس إلى الاستنتاج بأن الصهيونية حركة عنصرية من حيث الأساس، وأنها ينبغي أن تُرفض، إلا أن كوبرواسر واحد من أولئك الذين لديهم قناعة بأن الفلسطينيين هم الذين سينزع القناع عنهم. ويقول في ذلك: “إن الفلسطينيين يجازفون بمخاطرة كبيرة. لأنه، من وجهة نظري، ثمة فرصة جيدة في أن يرفض العالم إطارهم المفاهيمي. سيقول الناس: هل هذا ما يريده الفلسطينيون؟ إذن نحن ضده تماماً… إنهم مجانين، يريدون لإسرائيل أن تختفي من الوجود”. ويضيف إنه إذا ما حدث ذلك، فإن الفلسطينيين لن يحصلوا ولا حتى على دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي يعتقد أن منظمة التحرير ما زالت تعتبرها مجرد مرحلة أولى في الطريق نحو تحرير فلسطين بأسرها.
“بي دي إس” والقيادة الفلسطينية
ويرى كوبرواسر أن حركة “بي دي إس” والقيادة الفلسطينية تشتركان في السعي لتحقيق نفس الأهداف، وأن الاختلافات بينهما لا تتعدى كونها مسألة تكتيكية. ويقول: “يدرك أبو مازن أكثر من حركة بي دي إس بكثير إنه عليك أن تكون حاذقاً”. ويضيف كوبرواسر إن قبول منظمة التحرير الفلسطينية بحل الدولتين، وتعهداتها بأن تأخذ بالاعتبار مخاوف إسرائيل الديمغرافية (السكانية)، وسكوتها عن حقوق المواطنين الإسرائيليين من الفلسطينيين، كل ذلك ما هو سوى خدعة بهدف الحصول على دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي يمكن فيما بعد أن تلعب دور منصة الانطلاق نحو النضال المستمر. ويقول كوبرواسر: “إن فكرة النضال الفلسطيني متجذرة بعمق في عقولهم، لدرجة أنهم لا يمكنهم في واقع الأمر التفكير بإمكانية التخلي عن النضال من أجل صنع السلام. لا يمكنني إحصاء عدد الفلسطينيين الذين كنت أقول للواحد منهم: اسمع، في هذا النضال أنتم تدفعون ثمناً أكبر بكثير مما ندفعه نحن. بل نحن نزدهر. حتى لو كنا ندفع ثمناً فإننا نزدهر”.
بالنسبة لحركة “بي دي إس” لم تكن تهمة الأبارتيد (الفصل العنصري)، التي أصبحت بارزة بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000، مجرد مقارنة مستفزة بما كان عليه الحال في جنوب أفريقيا، وإنما ادعاء قانوني يقوم على أساس من جريمة اسمها الأبارتيد
والقضية المهمة بالنسبة لإسرائيل، كما يقول كوبرواسر، هي كسب قلوب وعقول الليبراليين والتقدميين في الخارج، وليس أولئك الذين يتواجدون داخل المعسكر الصهيوني أو داخل المعسكر المعادي للصهيونية. ويقول إن ما زاد الأمر صعوبة هو أن بعض الإسرائيليين واليهود مذنبون “بالإهمال وتعمد الاستسلام في أرض المعركة”، ليس اليسار الراديكالي، وإنما الوسط الذي تبنى بكل سذاجة لغة العدو. وخص كوبرواسر بالكلام رئيس الوزراء السابق عن حزب العمل إيهود باراك، الذي حذر مراراً وتكراراً من أن إسرائيل “توشك أن تنزلق نحو الأبارتيد (الفصل العنصري)”، وهو التحذير الذي كان قد صدر أيضاً عن وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني، ورؤساء الوزراء السابقين إيهود أولمرت وإسحق رابين. يرى كوبرواسر أن مثل هذه التصريحات، التي يقصد منها إقناع الإسرائيليين بتقديم تنازلات عن الأرض مقابل السلام، ما هي سوى هدايا يقدمها أصحابها للأعداء.
بالنسبة لحركة “بي دي إس” لم تكن تهمة الأبارتيد (الفصل العنصري)، التي أصبحت بارزة بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000، مجرد مقارنة مستفزة بما كان عليه الحال في جنوب أفريقيا، وإنما ادعاء قانوني يقوم على أساس من جريمة اسمها الأبارتيد (الفصل العنصري)، كما تم تعريفها في المواثيق الدولية وفي النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية: “هو نظام حكم مؤسسي تمارس فيه مجموعة عرقية معينة القهر والهيمنة بشكل منتظم ضد أي مجموعة أو مجموعات عرقية أخرى بهدف الحفاظ على نظام الحكم”.
الأبارتيد كمهفوم مركزي لـ”بي دي إس”
غدا مفهوم الأبارتيد مركزياً بالنسبة لتأطير حركة “بي دي إس” للصراع. وفي حين تسعى السلطة الفلسطينية إلى التأكيد على استقلالها الذاتي ومواصفاتها التي تشبه الدولة، تسعى حركة “بي دي إس” إلى تسليط الضوء على خضوع السلطة الفلسطينية لإسرائيل وتبعيتها لها. بالنسبة لأنصار نموذج الدولتين، تعتبر السلطة الفلسطينية مشروعاً قومياً يعمل في سبيل تحقيق الاستقلال في نهاية المطاف، بينما يُنظر إليها من داخل إطار الأبارتيد على أنها مجرد مرزبان (حاكم مقاطعة في الدولة الفارسية القديمة) بالنسبة لإسرائيل. ويؤكد زعماء حركة “بي دي إس” على “واقع الدولة الواحدة” لإسرائيل- فلسطين والقائم فعلاً على الأرض – والذي بات الحديث عنه دارجاً وشائعاً حتى بين مؤيدي إسرائيل، والذين يشعر كثير منهم بالأسى إزاء احتمال أن تجبر البلد في نهاية المطاف على منح المواطنة الكاملة للفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال، وبذلك يتعذر أن تبقى البلد دولة يهودية.
بشكل متزايد في أوساط أصدقاء إسرائيل في يسار الوسط كما في أوساط أعدائها، لم تكن فكرة الدولة الواحدة خطة للمستقبل، يُسعى إليها أو يتم النأي عنها، وإنما هي توصيف دقيق للواقع القائم على الأرض، والذي لم يفتأ يزداد تعقيداً وصعوبة يوماً بعد يوم. كان اليهود يشكلون أقلية في المنطقة التي تقع تحت سيطرة إسرائيل، والتي نظمت شؤون الحدود والصادرات والواردات وموارد الجمارك وتصاريح السفر والعمل الخاصة بالفلسطينيين. ما من شك في أن اليهود والفلسطينيين كانوا متداخلين من الناحية القانونية والتجارية والإدارية.
وكلما تكرس بشكل أعمق واقع الدولة الواحدة، كلما تكررت على نطاق واسع تهمة الأبارتيد (الفصل العنصري)، وكلما زادت صعوبة تصور إنهائه من خلال تقسيم البلاد إلى دولتين منفصلتين. من الممكن إنهاء المعركة ضد الاحتلال ببساطة عبر الانسحاب العسكري، أما النضال ضد الأبارتيد فلا يمكن كسبه إلا من خلال إنهاء سياسات الدولة التي تمارس التمييز ضد غير اليهود. وفي حالة إسرائيل، توجد هذه السياسات ليس فقط داخل الأراضي المحتلة، وإنما في كل مكان يقع فيه احتكاك بين الفلسطينيين والدولة. في الضفة الغربية حرم الفلسطينيون من حق التصويت للحكومة التي تتحكم بحياتهم، وحرموا من حرية التجمع والحركة، وحظر عليهم استخدام الطرق كغيرهم، ومنعوا من الاستفادة من الموارد والأرض، وتعرضوا للسجن لمدد غير محدودة دون تهم أو محاكمة. وفي غزة، لم يكن بإمكانهم الخروج ولا الدخول ولا الاستيراد أو التصدير، ولا حتى الاقتراب من حدودهم دون إذن من إسرائيل أو من حليفتها مصر. وفي القدس، تم عزل بعضهم عن بعض وأحيطوا من كل جانب بنقاط تفتيش وبجدران عازلة. وفي إسرائيل، جرى طردهم من أراضيهم، وحيل بينهم وبين استعادة بيوتهم المصادرة، وسدت في وجوههم سبل الوصول إلى التجمعات السكانية المخصصة حصرياً لليهود. وفي الشتات، حيل بينهم وبين لم شملهم على عائلاتهم في إسرائيل-فلسطين، أو بينهم وبين العودة إلى ديارهم، لا لسبب سوى أنهم ليسوا يهوداً.
رغم أن زعماء العالم يتحدثون في العلن دون كلل أو ملل عن حل الدولتين، إلا أنهم يعبرون في المجالس الخاصة عن شكهم في أن هذا الحل ما زال ممكناً. وما فتئوا ينددون بانتظام بالمستوطنات (نظراً لأنها، خلاف الاحتلال، لم تكن قانونية)، ولكنهم لم يفعلوا شيئاً لوقف نمو وتوسع الاستيطان. صحيح أنهم دعوا إلى منح الفلسطينيين الحرية، ولكن ليس من خلال الحقوق المتساوية والمواطنة في دولة واحدة، وذلك لأسباب عديدة منها أن القانون الدولي يمنع إسرائيل من ضم الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بالقوة. لقد رأوا إسرائيل تقوض حل الدولتين وتتخذ إجراءات تحرم الفلسطينيين من حقوقهم، ولكنهم لا يمارسون أي ضغط حقيقي على إسرائيل، طالما أنها تتحدث عن نيتها في يوم من الأيام منح الفلسطينيين شكلاً مقيداً من الاستقلال. وبذلك سُمح لإسرائيل بأن تحتفظ بكل الأرض، بينما تستمر في إقصاء أغلبية سكانها من أصحاب البلاد الأصليين، تماماً كذلك الذي كانت جنوب أفريقيا تتطلع إلى فعله. من خلال إعادة تعريف الصراع على أنه حالة من حالات الأبارتيد، رأى نشطاء حركة “بي دي إس” سبيلاً للخروج من هذه المصيدة. إضافة إلى ذلك، يمكن لفكرة الأبارتيد أن تتغلب على أكبر نقاط الضعف عند الفلسطينيين، ألا وهي التشرذم، وذلك من خلال توحيد صفوفهم في نضال مشترك ضد نظام فصل عنصري واحد.
فلسطينيون.. والدولة الواحدة
في قطاع غزة، التقيت في كانون الثاني/ يناير من هذا العام مع حيدر عيد، أستاذ الأدب في جامعة الأزهر والمشارك في تأسيس حركة “بي دي إس” في غزة. حيدر في منتصف الخمسينيات من عمره، مكتنز، وصاحب لحية رمادية غير مهذبة وشعر رأس قصير أجعد، يهوى القمصان المنسوجة ذات القبة الخانقة. قال عيد إنه لم ير أبداً في حياته مثل هذا الإجهاد على وجوه الناس في غزة. كان ذلك قبل أسابيع من إطلاق مسيرات العودة في القطاع، وهي الاحتجاجات الأسبوعية على امتداد السياج الحدودي مع غزة، والتي قتل فيها القناصة الإسرائيليون ما يزيد عن مئة متظاهر غير مسلح، وجرحوا عدة آلاف آخرين.
تم تخفيض راتب حيدر في الجامعة بنسبة تزيد عن النصف، مثله في ذلك مثل عشرات الآلاف من موظفي القطاع العام، مما دفعه إلى البحث عن وظيفة ثانية. كان ما يزيد عن 40 في المئة من الغزيين، بما في ذلك الفتيان والشباب، عاطلين عن العمل. اضطر عيد إلى ترتيب مواعيده وتحركاته بناء على الأوقات التي يكون فيها مصعد البناية التي تقع شقته في الطابق العاشر منها عاملا، وذلك لأن غزة تصلها الكهرباء فقط ما بين ست إلى ثماني ساعات يومياً. بالإضافة إلى ذلك، حال نقص الطاقة دون إتمام معالجة المياه العادمة، فلا مفر من التخلص يومياً من عشرات الملايين من اللترات من المجاري من خلال إلقائها دون معالجة في بحيرات آسنة وفي البحر.
ومثلهم في ذلك مثل ما يزيد عن ثلثي سكان قطاع غزة، فإن عيد وعائلته لاجئون من قرية توجد حالياً داخل ما بات اليوم إسرائيل. عارض عيد اتفاق أوسلو لأنه تجاهل اللاجئين الفلسطينيين، وفي ذلك يقول: “أوسلو اختزلت الشعب الفلسطيني إلى مقيمين في الضفة الغربية ومقيمين في قطاع غزة”، وذلك على الرغم من أن اللاجئين هم الذين أسسوا الحركة الوطنية الفلسطينية والذين يشكلون أغلبية الفلسطينيين حول العالم. ولذلك يؤكد عيد: “القضية الفلسطينية عبارة عن شيء واحد: إنه حق العودة”.
خطر “الدولتين” على اللاجئين
تم تطهير قرية عيد، واسمها زرنوقة، من سكانها الفلسطينيين ولم تعد قائمة. إلا أن أراضي اللاجئين في مختلف أرجاء إسرائيل بقيت إلى حد كبير فارغة أو قليلة السكان، لدرجة أن بعض أشهر الباحثين، مثل المؤرخ الفلسطيني سلمان أبو ستة، وصل إلى قناعة من خلال أبحاثه بأن معظم اللاجئين بإمكانهم العودة دون الحاجة إلى إخراج الإسرائيليين من أماكن إقامتهم. وفي هذا السياق، يشير عيد إلى أن حل الدولتين يعني منع معظم اللاجئين من العودة؛ نظراً لأن إسرائيل ترفض كل ما من شأنه أن يهدد أغلبيتها السكانية اليهودية. (ثمة أسطورة يروج لها بعض أنصار إسرائيل مفادها أن الفلسطينيين هم الشعب الوحيد الذي يورث حالة اللجوء إلى أطفاله، وبناء على ذلك سعت إدارة ترامب وحلفاؤها في الكونغرس الأمريكي إلى وقف المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة لملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين ولدوا بعد حرب عام 1948. والحقيقة هي أن منح وضع لاجئ لنسل من لا دولة لهم عُرف متبع وممارسة تطبق في كل أنحاء العالم. خذ على سبيل المثال الحالة الأفغانية، حيث أن معظم اللاجئين الأفغان المسجلين هم من أبناء الجيل الثاني والثالث وولدوا خارج البلاد، مثلهم في ذلك مثل معظم أولئك الذين عادوا إلى أفغانستان خلال السنين الأخيرة).
ويرى عيد أن حل الدولتين كان في الأساس مقترحاً عنصرياً؛ لأنه إنما صمم للحفاظ على الأغلبية العرقية اليهودية وإضفاء مشروعية قانونية على التمييز ضد غير اليهود
قضى عيد ستة أعوام في جوهانسبيرغ (جنوب أفريقيا)، حيث حصل على الدكتوراة، ولذلك تجد في كلامه آثار لكنة جنوب أفريقية. تجده يقارن غزة والمخيمات الفلسطينية خارج حدود إسرائيل بالبانتوستانات التي كان السود في جنوب أفريقيا في عهد نظام الأبارتيد (التمييز العنصري)، يجبرون على العيش فيها دون غيرها. ويرى عيد أن حل الدولتين لن ينهي الأبارتيد وإنما سيعززه؛ لأنه سيخلق دولة هزيلة ومقطعة الأوصال في الضفة الغربية وقطاع غزة تدعي الاستقلال، ولكنه استقلال وهمي.
ويرى عيد أن حل الدولتين كان في الأساس مقترحاً عنصرياً؛ لأنه إنما صمم للحفاظ على الأغلبية العرقية اليهودية وإضفاء مشروعية قانونية على التمييز ضد غير اليهود. ولذلك، فهو يفضل دولة ديمقراطية واحدة غير عنصرية وغير دينية، والتي يقول إنها تمثل “تنازلاً كبيراً من الفلسطينيين”؛ لأنها ستمنح “المواطنة والعفو للمستوطنين والمحتلين”. وعارض عيد ما يعتبره تهديدات غير صادقة من منظمة التحرير للسعي لمثل هذه النتيجة، معتبراً المحاولة غير راشدة لأنها تدفع بالإسرائيليين إلى القبول بالفصل العرقي خوفاً على وضعهم. وقال: “أقصد القول إن المساواة لا تخيف. إذا كنت ضد المساواة والعدالة، فأنت ضد حقوق الإنسان”.
ويضيف إن التعويل على تصرف الدول بشكل أخلاقي قضية خاسرة، بل تحتاج الدول لأن تمارس عليها شعوبها الضغط من أسفل، من خلال تبني المجتمع المدني لنشاطات “بي دي إس”. وذكر بأن المجتمع الدولي استغرق 30 عاماً إلى أن تجاوب مع دعوات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على نظام الأبارتيد في جنوب أفريقيا، والذي كان رده العنيف على مقاومة السكان الأصليين محفزاً أساسياً لتشكل حركة التضامن الدولي. وكما أن مقاطعة نظام جنوب أفريقيا جاءت رداً على عمليات القتل التي مارسها النظام بحق المحتجين، يقول عيد: “لقد رويت شجرة بي دي إس وارفة الظلال بدم أهل غزة. وكل مجزرة ترتكب ضد غزة تزيدني قناعة بأن الأمل الوحيد لدينا يكمن في المقاومة الشعبية وفي حركة بي دي إس”.
المصدر: الغارديان