أعلن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر العمل على تأسيس “جبهة شعبية” دعا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لتأسيسها للتصدي للمخاطر والتحديات التي تواجهها البلاد، الأمر الذي طرح تساؤلًا بشأن الهدف من هذه الجبهة، إن كان يتعلق بحملة مسبقة للرجل الذي تدعوه الموالاة للترشح لولاية خامسة رغم متاعبه الصحية، أم أنه مجرد هجوم معاكس من السلطة لإرباك مبادرات المعارضة الداعية لتشكيل مرشح توافقي لإخراج الجزائر مما تسميه بـ”الأزمة”.
وقبل 8 أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها في أبريل/نيسان المقبل، لا يزال الشارع الجزائري يترقب من سيقود البلاد في السنوات الـ5 القادمة، في ظل عدم اتضاح الرؤي بشأن إمكانية مكوث بوتفليقة في كرسي الرئاسة لعهدة جديدة، أم أنه سيرفض مناشدات أحزاب الموالاة ويسمح بالتداول على السلطة لمرشح جديد لم يظهر بعد كمنافس جدير بالفوز برئاسة البلاد؟
عزف على وتر الاستقرار
ودعا بوتفليقة إلى بناء “جبهة شعبية قوية لضمان استقرار الجزائر وصمودها في وجه جميع المناورات الداخلية وكل التهديدات الخارجية”.
ولا يُفهم ما يعني بوتفليقة بالمناورات الداخلية، لكن البعض رجح أن تكون دعوات المعارضة المطالبة بعدم ترشحه لولاية خامسة، ومبادرة حركة مجتمع السلم التي دعت الجيش للتدخل لتحقيق التوافق الوطني.
وقال بوتفليقة في رسالة له بمناسبة اليوم الوطني للمجاهد: “أهيب بكم أبناء وبنات وطننا العزيز أن تتجندوا لكي يستمر البناء وتسخير جميع قدرات بلادنا، ولكي ترصوا بناء جبهة شعبية قوية لضمان استقرار الجزائر وصمودها في وجه جميع المناورات الداخلية وكل التهديدات الخارجية”.
وأضاف بوتفليقة “الأزمات الخارجية التي تدور على حدودنا مثقلة بمخاطر الإرهاب المقيت وشبكات الجريمة المنظمة، وهما آفتان لا حدود لهما اليوم”، وحسب بوتفليقة “بهذه الجبهة الشعبية الصلبة العتيدة ستواجهون جميع المناورات السياسوية، وكل المحاولات لزعزعة صفنا بتأويلات خاطئة أو بعرضة لتعاليم ديننا الحنيف، وكل الآفات وعلى رأسها الفساد والمخدرات التي تنخر اقتصادنا ومجتمعنا”.
وتشغل الجزائر هذه الأيام قضية حجز أكثر من7 قناطير من الكوكايين بميناء وهران غرب البلاد، التي تم تهريبها من أمريكا اللاتينية نحو إسبانيا في الجزائر، وأُقيل بموجبها مسؤولون أمنيون وعسكريون كبار، بحسب ما يرد في الصحافة الجزائرية.
البعض ينتقد الحكومة بأنها لا تملك مشروعًا اقتصاديًا حقيقيًا، كون مداخيل البلاد لا تزال عبيدة تقلبات أسعار النفط، وقيمة الدينار الجزائري في انهيار متواصل أمام العملات الأجنبية
وذكر بوتفليقة أن الجزائر استرجعت الاستقرار والأمن والسكينة بعد “تضحيات جسام” جراء المأساة الوطنية (فترة العنف التي عاشتها البلاد في التسعينيات وتسببت في مقتل أكثر من 200 ألف شخص)، وشدد الرئيس الجزائري على “صون هذه المكاسب لأنها الركيزة التي لا غنى عنها لاستكمال مشروعنا الاقتصادي والاجتماعي”.
لكن البعض ينتقد الحكومة بأنها لا تملك مشروعًا اقتصاديًا حقيقيًا، كون مداخيل البلاد لا تزال عبيدة تقلبات أسعار النفط، وقيمة الدينار الجزائري في انهيار متواصل أمام العملات الأجنبية.
وأعلن بوتفليقة بعد فوزه بولاية رابعة في 2014 خطة تقشف اقتصادي لمواجهة تهاوي أسعار النفط بهدف التقليل من حجم العجز في موازنة البلاد.
الأحزاب تستنفر قواعدها
تلبية لدعوة بوتفليقة، أكد الأمين العام للحزب الحاكم جمال ولد عباس أن نداء الرئيس بوتفليقة لتأسيس جبهة شعبية أمر ضروري وملح أمام التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها البلاد.
وقال ولد عباس: “أمام التحديات والمخاطر والغليان السياسوي الذي تشهده البلاد فإنه من الضروري تأسيس هذه الجبهة الشعبية الصلبة للحفاظ على المكاسب المحققة منذ الاستقلال – وبالخصوص خلال الـ20 سنة الأخيرة (فترة حكم بوتفليقة) – والاستقرار والأمن والطمأنينة”.
أكد ولد عباس أن حزب جبهة التحرير الوطني لا نية له في ترأس هذه الجبهة أو تزعمها، بل سيكتفي بالتنسيق الجماعي
وسار ولد عباس على نهج بوتفليقة قائلًا “الجزائر بالإضافة إلى المخاطر الخارجية التي تحدق بها سيما على الحدود الجنوبية، هناك أطراف من الداخل تحاول تشويه كل ما ينجز بالبلاد”، دون أن يذكر هذه الأطراف بالاسم، وبحسب مراقبين فهذه ليست المرة الأولى.
وأكد ولد عباس أن حزب جبهة التحرير الوطني لا نية له في ترأس هذه الجبهة أو تزعمها، بل سيكتفي بالتنسيق الجماعي، غير أنه أشار إلى أنه يوجد 26 ما بين حزب سياسي ومنظمة اتصلوا بالحزب للانضمام لهذه الجبهة التي يعمل الحزب على إعداد مشروع تمهيدي لميثاق شرفها.
عدم تحمس
وقبل إعلان ما سيرد في ميثاق الجبهة، يبدو أن أحزاب المعارضة غير تواقة للانضمام إليها، خاصة أنها ترى أن المخرج للبلاد يكون عبر مرشح توافقي لا يكون بوتفليقة من ضمنهم، في حين أكد الحزب الحاكم مرات عديدة أن أي تقارب بينه وبين أطياف المعارضة يجب ألا يمس الخطوط الحمراء التي على رأسها بقاء الرئيس بوتفليقة.
يعاني الرئيس الجزائري من متاعب صحية منذ إصابته بنوبة إقفارية في 2013، جعلت ظهوره نادرًا خلال الولاية الرئاسية الحاليّة
وقد تواجه هذه الجبهة انشقاقًا حتى من داخل قطب الموالاة، فالتجمع الوطني الديمقراطي الذي يتولى أمانته العامة الوزير الأول أحمد أويحيى لم يبد حتى اليوم موقفه من هذه الجبهة، رغم أنه أكد في أكثر من مرة وقوفه إلى جانب الرئيس بوتفليقة، لكن المقربين من أويحيى لم يخفوا أيضًا في العديد من المرات طموح الرجل في الوصول إلى كرسي الرئاسة في حال استجاب بوتفليقة لدعوات المعارضة ونأى بنفسه عن الدخول في جدل الولاية الخامسة.
ويوجد بوتفليقة منذ الإثنين في جنيف السويسرية لإجراء فحوصات طبية دورية، وفق ما جاء في بيان لرئاسة الجمهورية.
ويعاني الرئيس الجزائري من متاعب صحية منذ إصابته بنوبة إقفارية في 2013، جعلت ظهوره نادرًا خلال الولاية الرئاسية الحاليّة، رغم تحسن حالته مثلما يقول وزراؤه فإن وضعه لا يشبه حالته الصحية التي كان عليها في 1999 عند تسلم مقاليد الحكم، حقيقة يحرص أويحيى أكبر الطامحين لخلافته على التذكير بها لما يسأل من طرف الصحافة بشأن هذا الموضوع.
حملة مسبقة
لكن برأي مقاربين، فإن أحزاب الموالاة في حال تأكد ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة ستكون مضطرة للانضمام لهذه الجبهة الشعبية، لأن هذه الأخيرة ما هي إلا مداومة مسبقة للحملة الانتخابية للرئيس المترشح التي تطمح جميع الأحزاب الاستفادة من الأموال التي سترصد لها، وأن يكون لها دور في إنجاح وصول بوتفليقة لقصر المرادية من جديد بهدف الظفر بحقائب وزارية في الحكومة المترتبة عن نتائج الرئاسيات.
الانتخابات الرئاسية المقبلة لن تتحكم فيها الجبهة الشعبية للموالاة ولا مبادرات التوافق التي تهلل لها المعارضة، إنما الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة وتوازنات النظم ورأي المؤسسة العسكرية هي العوامل الوحيدة التي ستصنع الرئيس المقبل للبلاد
وجرت العادة خلال الانتخابات الرئاسية السابقة أن يحشد بوتفليقة أحزاب المعارضة وجمعيات المجتمع المدني الداعمة له للقيام بحملة مسبقة، ولكي تنوب عنه في تنشيط التجمعات الانتخابية مثلما حدث في 2014، لأن وضعه الصحي لا يسمح له بالقيام بحملته الانتخابية بنفسه.
غير أن البعض يعتقد أن هذه الجبهة الشعبية ستتولى في الأصل الدفاع عن إنجازات بوتفليقة للوقوف ضد انتقادات المعارضة ومبادراتها، منها مبادرة التوافق الوطني لحركة مجتمع السلم التي صنعت الجدل مؤخرًا وحركت النقاش السياسي في البلاد، خاصة أن حركة الراحل محفوظ نحناح مصممة على مواصلة البحث عن داعمين لمسعاها رغم انتقادات البعض، مثلما أكد رئيسها عبد الرزاق مقري.
وحسب متابعين للشأن الجزائري، فإن الانتخابات الرئاسية المقبلة لن تتحكم فيها الجبهة الشعبية للموالاة ولا مبادرات التوافق التي تهلل لها المعارضة، إنما الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة وتوازنات النظم ورأي المؤسسة العسكرية هي العوامل الوحيدة التي ستصنع الرئيس المقبل للبلاد.