صادق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس السبت، على القانون رقم 180 لسنة 2018، الخاص بتنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. القانون الذي أقره مجلس النواب في 16 من يوليو الماضي بغالبية ثلثي أعضائه، يعد واحدًا من أخطر التشريعات المهددة لحرية التعبير في مصر، حتى إن الجماعة الصحفية أطلقت عليه “قانون إعدام الصحافة”.
ورغم الاعتراضات الكثيرة التي أبداها عدد من أعضاء مجلس نقابة الصحفيين ومئات من العاملين في بلاط صاحبة الجلالة الذين رأوا في هذا القانون اعتداءً سافرًا على الدستور وردة عن الحريات وتكريسًا للاستبداد، مرر السيسي القانون الذي يكتب شهادة وفاة مهنة الصحافة عمليًا. ولكن، كيف يغتال هذا القانون حرية التعبير ومهنة الصحافة؟
صحفي مع إيقاف التنفيذ
تُعرف المادة الأولى من الباب الأول بالقانون، الصحفي بأنه “كل عضو مقيد بجداول نقابة الصحفيين”، وتعرف الإعلامي بأنه “كل عضو مقيد بجداول نقابة الإعلاميين”. والمادة 43 من باب المؤسسات الصحفية تشترط على المؤسسات الصحفية ألا تقل نسبة المحررين بها من المقيدين بنقابة الصحفيين ابتداءً عن 70% من طاقة العمل الفعلية.
الطريف أنه على الرغم من تجاهل القانون لصحفيي المواقع الإلكترونية، غير النقابيين، فإن أغلب مواده خاطبتهم وقيدت حريتهم ووضعتهم تحت طائلته مثلهم مثل الصحفيين النقابيين، بل إنها خاطبت، كما سنرى، رواد موقع “فيس بوك” ممن يمتلكون 5000 متابع فأكثر!
والقانون بذلك يتجاهل مئات بل آلاف الصحفيين بالمواقع الإلكترونية، وينزع عنهم صفة المهنة من الأساس، ذلك أن نقابة الصحفيين لا تقيد إلا العاملين بالصحف الورقية فقط، والأخيرة هي التي ترشح الصحفيين للقيد بالنقابة، ناهيك عن صعوبة الالتحاق بالنقابة في ظل سياسة استغلال الصحفيين المبتدئين ماديًا والتي تتبعها أغلب المؤسسات والصحف، كذلك تتجاهل المادة مئات المدونين و”اليوتيوبرز” الذين يقدمون محتوى مرئي “أون لاين” في عشرات المجالات، وتفوق شهرة كثير منهم مقدمي برامج ماسبيرو والفضائيات الخاصة.
الطريف أنه على الرغم من تجاهل القانون لصحفيي المواقع الإلكترونية، غير النقابيين، فإن أغلب مواده خاطبتهم وقيدت حريتهم ووضعتهم تحت طائلته مثلهم مثل الصحفيين النقابيين، بل إنها خاطبت، كما سنرى، رواد موقع “فيس بوك” ممن يمتلكون 5000 متابع فأكثر!
الغريب أن يتم تمرير ذلك القانون في وقت تندثر فيه الصحافة الورقية لصالح الصحافة الإلكترونية في أغلب أنحاء العالم، وفي وقت تعاني فيه الصحافة الورقية في مصر تحديدًا من تراجع كبير على مستوى التوزيع دفع الدولة مؤخرًا إلى التفكير في زيادة أسعار الصحف.
تناقض فج
على الرغم من تأكيد المادة الثانية من فصل الأحكام العامة بباب “حرية الصحافة والإعلام” بالقانون على أن “الدولة تكفل حرية الصحافة والإعلام والطباعة والنشر الورقي والمسموع والمرئي والإلكتروني”، وكذلك الفقرة الأولى من المادة الثالثة بذات الفصل على أن “يُحظر بأي وجه، فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية، ويحظر مصادرتها، أو وقفها، أو إغلاقها”، فإن الفقرة الثانية من المادة الثالثة بددت كل هذه المكتسبات بنصها على استثناء في هذا السياق يقضي بـ”فرض رقابة محددة على الصحف في زمن الحرب أو التعبئة العامة”.
وأعطت هذه المادة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام حق إصدار قرار بضبط نسخ الصحيفة الورقية أو حذف أو حجب المادة المخالفة لتعليمات الرقابة في حالة نشرها بصحيفة، أو موقع إلكتروني أو وقف إعادة بثها في الوسيلة الإعلامية، وهو ما اعترض عليه عدد كبير من أعضاء الجماعة الصحفية، ذلك أن الاستثناء الخاص بالحرب وظروف التعبئة العامة غامض للغاية، وسبق استخدامه كغطاء لحجب مواقع وإغلاق أخرى.
تهم فضفاضة تذهب بالصحفي إلى السجن
في مخالفة صريحة للمادة 70 من الدستور المصري، التي تنص على أن “حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقي والمرئي والمسموع والإلكتروني مكفولة، وللمصريين من أشخاص طبيعية أو اعتبارية، عامة أو خاصة، حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ووسائط الإعلام الرقمي”، حظرت المادة 4 – من فصل الأحكام العامة بباب “حرية الصحافة والإعلام” بالقانون – على المؤسسة الصحفية والوسيلة الإعلامية والموقع الإلكتروني نشر أو بث أي مادة أو إعلان تخالف النظام العام والآداب العامة، أو يحض على التمييز أو العنف أو العنصرية أو الكراهية أو التعصب.
وباسم “الأمن القومي” و”تكدير السلم العام”، أعطت المادة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام حق منع مطبوعات أو صحف أو مواد إعلامية أو إعلانية، صدرت أو جرى بثها من الخارج، من الدخول إلى مصر أو التداول أو العرض.
كذلك المادة 5 من الفصل ذاته تحظر ترخيص الوسائل الصحفية والإعلامية والمواقع الإلكترونية التي يقوم نشاطها على “التعصب الجهوي” أو “التحريض على الكراهية والعنف” أو “معاداة مبادئ الديمقراطية”.
المادة 29، السابق ذكرها، على سبيل المثال، تهدد الصحفيين بالحبس في حال نشر مواد تحرض على العنف وتميز بين المواطنين وتطعن في الأفراد، وفي ظل المناخ العام السالب للحريات الذي تعيشه مصر حاليًّا، يصبح من السهل جدًا تسمية أي مادة بأنها تفعل ذلك كله مرة واحدة
وكذا المادة 29 التي تنص على أنه “لا تُوقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي تُرتكب بطريق النشر أو العلانية، فيما عدا الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد”.
وخطورة تلك المواد أنها استخدمت مصطلحات وعبارات وتهم فضفاضة لا يمكن ضبطها بمعايير ويمكن توجيهها لأي صحفي نشر أي مادة تراها السلطة مخالفة لسياساتها، من قبيل “تهديد الأمن القومي وتكدير السلم العام والتحريض والكراهية…”، وقد تم استخدامها بالفعل من قبل في إنزال العقاب على معارضي السلطة وبينهم صحفيين ومدونين.
المادة 29، السابق ذكرها، على سبيل المثال، تهدد الصحفيين بالحبس في حال نشر مواد تحرض على العنف وتميز بين المواطنين وتطعن في الأفراد، وفي ظل المناخ العام السالب للحريات الذي تعيشه مصر حاليًّا، يصبح من السهل جدًا تسمية أي مادة بأنها تفعل ذلك كله مرة واحدة، فهذه التهم تم توجيهها مثلًا للمستشار هشام جنينة، حينما كان رئيسًا للجهاز المركزي المحاسبات، عندما أطلع الرأي العام على تقارير تثبت تورط عدد من مؤسسات الدولة في جرائم فساد، فعزله رئيس الجمهورية من منصبه، وتم مقاضاته بعدة تهم منها تكدير الأمن العام والتحريض.
احذر لو يتابعك 5000 شخص!
واحدة من أخطر مواد هذا القانون، المادة 19، التي تُعامل (المواقع الإلكترونية الشخصية والمدونات الإلكترونية الشخصية والحسابات الإلكترونية الشخصية) التي يبلغ عدد متابعيها 5000 شخص أو أكثر، معاملة الصحف والمواقع الإخبارية، فيما يتعلق بنشر الأخبار الكاذبة أو التحريض على القانون أو العنف أو الكراهية، أو نشر تدوينات تدعو للعنصرية والتعصب.
فإذا ثبت على أي مدونة أو حساب شخصي على مواقع التواصل الاجتماعي أي من التهم السابقة، وهو أمر غاية في اليسر والسهولة بالنظر إلى الطبيعة الفضفاضة والواسعة لهذه التهم من جهة، وبالنظر كذلك إلى عشرات المحبوسين في قضايا رأي بتهمة اعتيادية ومعلبة مثل “بث أخبار كاذبة”، يمكننا تخيل كم مستخدمي مواقع التواصل الذين سيتعرضون لوقف حساباتهم ومدوناتهم من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
وقد رأى عدد من المهتمين بالشأن العام في مصر أن هذه المادة وضعت خصيصًا لقمع الإعلام البديل، الممثل في مئات بل آلاف الشخصيات المعارضة المؤثرة على السوشيال ميديا، الذين يمتلكون بالطبع أكثر من 5000 متابع.
المجلس الأعلى.. إله الإعلام
أحد أوجه اعتراض الجماعة الصحفية على “قانون إعدام الصحافة” أنه ينتهك قانون نقابة الصحفيين الذي يقصر محاسبة الصحفيين على النقابة فقط، فالقانون الجديد منح المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام حق توقيع عقوبات على الصحفيين، والحق كذلك في مراقبة الصحف وحجب المواقع.
ومن ضمن المواد التي تجعل من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلهًا فوق الصحافة:
– المادة 6 من القانون تنص على أنه لا يجوز تأسيس مواقع إلكترونية في مصر أو إدارتها أو إدارة مكاتب أو فروع لمواقع إلكترونية تعمل من خارج الجمهورية إلا بعد الحصول على ترخيص من المجلس الأعلى. وتعاقب المادة 105 من يخالف هذه المادة بغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تزيد على ثلاثة ملايين جنيه، وتقضى المحكمة فضلًا عن ذلك بالغلق ومصادرة معدات وأجهزة المؤسسة.
– المادة 19، السابق ذكرها، التي تجعل آلاف المدونين ورواد مواقع التواصل الذين يتابعهم أكثر من 5000 شخص، تحت رحمة المجلس.
– المادة 36 التي تحرم المساهمين من غير المصريين، من تملك نسبة من الأسهم تخول لهم حق الإدارة، دون الحصول على موافقة كتابية مسبقة من المجلس الأعلى، كذلك تحرم مُلاك الصحيفة من التصرف فيها أو في حصة منها كليًا أو جزئيًا إلى الغير أو الاندماج مع أو في مؤسسة أخرى، دون موافقة كتابية أيضًا من المجلس، وقد أقرت المادة 102 عقوبة مخالفة المادة 36 بغرامة لا تقل عن مائتي ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه.
– المادة 59 التي تضع نشاط الصحافة والإعلام في يد المجلس الأعلى، بنصها على ” ألا يجوز إنشاء أو تشغيل أي وسيلة إعلامية أو موقع إلكتروني أو الإعلان عن ذلك، قبل الحصول على ترخيص من المجلس الأعلى، الذي يتولى تحديد شروط ومتطلبات الترخيص. وتعاقب المادة 105 من يخالف هذه المادة بغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تزيد على ثلاثة ملايين جنيه، وتقضى المحكمة فضلًا عن ذلك بالغلق ومصادرة معدات وأجهزة المؤسسة.
– المادة 107 تعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن مئة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمئة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام – دون الحصول على موافقة المجلس الأعلى – باستيراد أو إنتاج أو تصنيع أو تجميع أو عرض بقصد البيع أو التأجير أو التسويق بالداخل بأي صورة لأجهزة البث أو فك الشفرة Decoder الخاصة باستقبال البث المسموع والمرئي، وكذلك حيازة أو تركيب أو تشغيل أي أجهزة بث.
– المادة 108 تسلب مالكي المؤسسات الصحفية والإعلامية حقهم في التصرف في ممتلكاتهم، حيث تعاقب هذه المادة “كل من تنازل عن مؤسسة صحفية أو وسيلة إعلامية أو موقع إلكتروني، جزئيًا لأي شخص أو جهة، دون موافقة مُسبقة من المجلس الأعلى، بمقابل أو دون مُقابل، بغرامة تُعادل ضعف قيمة الحصة المتنازل عنها، مع اعتبار التنازل كأن لم يكن، فإذا كان التنازل كليًا أوعن حصة تُجاوز أغلبية أسهم الشركة، يُوقف الترخيص لمُدة عامين، مع الزام المخالف بدفع الغرامة المنصوص عليها في ذات المادة”.
– المادة 110 تعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات كل من قام باستيراد أجهزة البث المحمولة عبر الأقمار الصناعية أو شبكة المعلومات الدولية” الإنترنت”، عن غير طريق الهيئة الوطنية للإعلام أو الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي أو الشركة العاملة في هذا المجال والمملوكة للدولة.
إحكام السيطرة على الصحافة “القومية”
يتعامل القانون الجديد في معظم نصوصه مع المؤسسات القومية باعتبارها شركات هادفة للربح وهو الطريق الأمثل للاتجاه لخصخصة هذه المؤسسات، كما يضعها تحت رقابة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بحسب ما أكده عدد من أعضاء مجلس نقابة الصحفيين.
وفقًا للمادة 94، يضع المجلس الأعلى لائحة بالجزاءات والتدابير الإدارية والمالية التي يجوز توقيعها على المؤسسات الصحفية القومية والمؤسسات الإعلامية العامة، حال مخالفة أحكام هذا القانون وإجراءات التظلم منها
وفي هذا الشأن، تنص المادة 91 على أن “قرارات المجلس الأعلى ولوائحه واجبة النفاذ وملزمة لكل من المؤسسات الصحفية القومية والمؤسسات الإعلامية العامة”. ووفقًا للمادة 94، يضع المجلس الأعلى لائحة بالجزاءات والتدابير الإدارية والمالية التي يجوز توقيعها على المؤسسات الصحفية القومية والمؤسسات الإعلامية العامة، حال مخالفة أحكام هذا القانون، وإجراءات التظلم منها.
عوار دستوري بشهادة مجلس الدولة
لم يلتفت مجلس الشعب الذي أقر هذا القانون في 16 من يوليو الماضي، أو السيسي الذي صدّق عليه لتوه، لملاحظات قسم التشريع بمجلس الدولة عليه. تحفظ مجلس الدولة مثلًا على المادة 6 التي تحظر تأسيس مواقع إلكترونية في مصر أو إدارتها أو إدارة مكاتب أو فروع لها تعمل من خارج البلاد، إلا بعد الحصول على ترخيص من المجلس الأعلى للإعلام، واعتبر أن تلك المادة تثير شبهة عدم دستورية، لأن القانون يستهدف تنظيم ممارسة وحماية حرية الصحافة والإعلام من خلال ملكية المؤسسات الصحافية والإعلامية، ومن ثم كان لزامًا عليه أن يضع الإطار العام الذي يحكم منح التراخيص.
وانتقد مجلس الدولة كذلك إغفال القانون تحديد الطريقة أو الأداة التي يتم بموجبها تحصيل الضرائب والرسوم من الوسائل الإعلامية، أو المواقع الإلكترونية أو رسوم تراخيص إعادة البث من مصر وإليها، فضلًا عن إغفال القانون لنص يسمح بالطعن أمام محكمة القضاء الإداري على قرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بإغلاق المواقع الإلكترونية المؤسسة في مصر، أو مكاتب وفروع المواقع الإلكترونية التي تعمل من الخارج دون الحصول على ترخيص مسبق من المجلس، وانتقد كذلك عدم السماح بالطعن لمسؤولي المواقع وأصحاب الحسابات الشخصية والمدونات التي يُقرر المجلس حجبها.