رغم أنه لم يتبق على موعد انعقاد أول جلسة للبرلمان العراقي في دورته الرابعة سوى 48 ساعة أو أقل، فإن القوى السياسية العراقية لم تحسم أمرها في تشكيل الكتلة البرلمانية الكبرى، وليكشف النقاب عن خلافات سياسية داخل الكتل ذاتها، كانت آخر مؤشرات هذه الخلافات إقالة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لرئيس هيئة الحشد الشعبي ورئيس جهاز الأمن الوطني ومستشار الأمن القومي فالح الفياض من مناصبه الثلاث. في الأسطر التالية نحاول قراءة أسباب هذه الإقالة وتأثيراتها على تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر وعلى كتلة النصر ذاتها.
ما احتمالية تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر قبل انعقاد البرلمان؟
ثمة من يرى أن هناك عدة سيناريوهات بشأن جلسة البرلمان التي ستنعقد في الـ3 من سبتمبر/أيلول الحاليّ، يقول الخبير القانوني العراقي محمد خالد إنه في حال عدم تشكيل الكتلة الأكبر خلال الساعات القادمة، فإن هناك احتمال أن يصار إلى طلب تأجيل انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان في حال عدم اكتمال النصاب القانوني لفسح مزيد من الوقت أمام السياسيين.
جلسة البرلمان الأولى لا تعني بالضرورة حسمًا لمعضلة الكتلة الأكبر والتصويت على رئيس دائم للبرلمان، فنصاب الجلسة قد يختل، وقد تبقى الجلسة في حال اكتمال نصابها مفتوحة، تكرارًا لسيناريو عام 2010
وأشار خالد في حديثه لـ”نون بوست” إلى أن هناك احتمال آخر يتمثل في انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب، دون انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه، وتكون الجلسة فقط لأداء اليمين الدستورية للنواب الجدد، وفي هذه الحالة ستبقى الجلسة مفتوحة وتستأنف بعد فترة يتفق عليها السياسيون، لكن مع خرق دستوري للمادتين 54 و55 من الدستور الذي يوجب انتخاب رئيس للبرلمان ونائبين له في الجلسة الأولى، بحسب الخبير القانوني محمد خالد.
وعلى صعيد ذي صلة، يقول الدكتور علي أغوان أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة “جيهان”: “جلسة البرلمان الأولى لا تعني بالضرورة حسمًا لمعضلة الكتلة الأكبر والتصويت على رئيس دائم للبرلمان، فنصاب الجلسة قد يختل، وقد تبقى الجلسة في حال اكتمال نصابها مفتوحة، تكرارًا لسيناريو عام 2010، حين عقد البرلمان جلسته الأولى في 14 من يونيو/حزيران، ولم يتم تكليف مرشح الكتلة الأكبر حتى 25 من نوفمبر/تشرين الثاني واستمر تشكيل الحكومة حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته.
أغوان أضاف في حديثه لـ”نون بوست” أنه من غير المستبعد أن يتكرر نفس السيناريو، إذ إن العراق حينها استغرق ثمانية أشهر في تشكيل الحكومة، وهو بذلك حطم رقمًا قياسيًا عالميًا في تشكيل الحكومات، متغلبًا بذلك على الرقم القياسي العالمي الذي كان مسجلاً باسم هولندا، بحسبه.
العبادي: “إقالة الفياض بسبب مزاولته العمل السياسي”
جاءت إقالة رئيس الوزراء العراقي لفالح الفياض وفق قرار صدر مساء الخميس 30 من أغسطس/آب 2018 نص على إعفاء فالح الفياض من رئاسة هيئة الحشد الشعبي وجهاز الأمن الوطني، وجاء في الأمر الديواني العراقي المرقم 286: “إنه بالنظر لانخراط فالح فيصل فهد الفياض بمزاولة العمل السياسي والحزبي ورغبته في التصدي للشؤون السياسية، وهذا ما يتعارض مع المهام الأمنية الحساسة التي يتولاها، واستنادًا إلى الدستور العراقي في حيادية الأجهزة الأمنية والاستخبارية وقانون هيئة الحشد الشعبي والأنظمة والتعليمات الواردة بهذا الخصوص، قررنا إعفاء فالح الفياض من مهامه كمستشار للأمن الوطني ورئاسة هيئة الحشد الشعبي وجهاز الأمن الوطني” بحسب القرار.
عزو: “الخلافات الشيعية اليوم ليست بين الكتل الشيعية ذاتها فحسب، بل امتدت إلى داخل الكتلة الواحدة، وهذه الخلافات ستجر مزيدًا من التدخلات الخارجية الإيرانية والأمريكية في مخاض تشكيل الكتلة الأكبر وتحديد الشخصية التي ستتبوأ منصب رئاسة الوزراء”
قرار الإقالة هذا، أثار عدة تساؤلات من محللين سياسيين وخبراء في الشأن العراقي، إذ يقول المحلل السياسي رياض الزبيدي في حديثه لـ”نون بوست” إن أسباب إقالة الفياض بحجة مزاولته العمل السياسي مستغربة للغاية، وأضاف الزبيدي أن فالح الفياض هو الأمين العام لحركة عطاء المنضوية أصلاً ضمن تحالف النصر الذي يتزعمه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وأن كتلة عطاء حصدت غالبية مقاعد النصر.
الزبيدي أضاف أن مزاولة الفياض للعمل السياسي كانت واضحة للعيان منذ ما قبل الانتخابات، وهذا يثير عدة تساؤلات عن احتمال تفاقم الخلاف السياسي بين العبادي والفياض المنوضيين ضمن الكتلة ذاتها، بحسبه.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل الدكتور محمود عزو يرى في حديثه لـ”نون بوست” أن الخلافات داخل البيت الشيعي لن تؤثر في حظوظ العبادي في توليه منصب رئاسة الوزراء لولاية ثانية، مشيرًا إلى أن العبادي يحظى بمقبولية دولية ووطنية، بحسبه.
عزو أضاف أن الخلافات الشيعية اليوم ليست بين الكتل الشيعية ذاتها فحسب، بل امتدت إلى داخل الكتلة الواحدة، وأكد عزو أن هذه الخلافات ستجر مزيدًا من التدخلات الخارجية الإيرانية والأمريكية في مخاض تشكيل الكتلة الأكبر وتحديد الشخصية التي ستتبوأ منصب رئاسة الوزراء، بحسبه.
سياسيون.. تأخير تشكيل الحكومة مرض مزمن منذ 2005
يعتقد كثير من السياسيين العراقيين أن تشكيل الحكومات العراقية هو معضلة مزمنة منذ عام 2005، يقول المرشح السابق عن كتلة عطاء المنضوية ضمن تحالف النصر زيد الطائي في حديثه لـ”نون بوست”: “كمواطن عراقي وسياسي، فإننا في العراق نعاني من مشكلة تشكيل الحكومات منذ عام 2005، وما زالت المشكلة مستمرة”، الطائي أضاف قائلاً: “الانتخابات الأخيرة أفرزت طائفة جديدة في العراق هي طائفة “المدنيين” إضافة إلى السنية والشيعية، وأن مشكلة جديدة برزت هنا، وهي هل المدنيون في العراق أقرب إلى الطائفة السنية أم الشيعية أم أنها تسير وفق نهج الأحزاب المدنية القديمة كالحزب الشيوعي؟” بحسب الطائي.
وعن الشخصية التي يعتقد الطائي أنها ستتبوأ منصب رئاسة الوزراء، أضاف أن زعيم كتلة الفتح هادي العامري الأقرب إلى تشكيل الحكومة، بناء على الكتل الكبيرة المتحالفة معه، لكن الطائي يشير إلى أن الضغوط الأمريكية ستحول دون تولي العامري المنصب، منوهًا إلى أن العامري قد يرشح الشخص الأقرب إليه المتمثل بفالح الفياض على اعتباره قريبًا من المحور الإيراني، فضلاً عن تمتعه بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة، بحسبه.
ما بين الخلافات الداخلية بين الكتل السياسية وداخل الكتل ذاتها، يترقب العراقيون ما ستؤول إليه أوضاع البلاد السياسية، واحتمال انسحاب تلك الخلافات على الوضع الأمني للبلاد، في ظل أزمة سياسية يملك جميع الأطراف فيها السلاح
وكان الموقع الرسمي لفالح الفياض قد نشر على الصفحة الرسمية له في 31 من أغسطس/آب الماضي ما مفاده أن قيادات ائتلاف النصر قد رشحت شخص فالح الفياض لتسلم منصب رئاسة مجلس الوزراء، إيمانًا منها بقدراته ومقبوليته الوطنية الواسعة، بحسب الموقع، وفي هذا الصدد، يشير الدكتور علي أغوان في حديثه لـ”نون بوست” إلى أن كتلة النصر مقسمة إلى ثلاثة أجزاء ما بين كتلة عطاء التي يتزعمها الفياض ومناصري العبادي وطرف ثالث محايد لم يحسم أمره بعد.
أغوان أشار في حديثه إلى أن الفياض يصر على أن يعنون شخصه بعنوان النصر، ولم يعلن انشقاقه عن الكتلة في موقعه الرسمي، بل أكد أنه جزء من الكتلة، ويحاول أن يعطي انطباعًا أنه المرشح الأوحد عن كتلة النصر بتأييد أغلبية أصواتها، ويعتقد أغوان أنه ومن خلال المعطيات الأخيرة، يتبين أن هناك صراعًا كبيرًا بين العبادي والفياض.
وفي ختام حديثه لـ”نون بوست”، أغوان أوضح أن هناك احتمالية في تقديم كتلتي الفتح والقانون مغريات كبيرة للفياض من أجل تفتيت كلتة النصر، وإن حدثت هذه المناورة من كتلتي الفتح والقانون تجاه الفياض ومحاولة استمالته، فإنها تعد مناورة ذكية، جعلت من العبادي وكتلة النصر تواجه أزمة داخلية بعد أن كانت تجابه الكتل الأخرى في محاولة تشكيل الكتلة الأكبر.
وما بين الخلافات الداخلية بين الكتل السياسية وداخل الكتل ذاتها، يترقب العراقيون ما ستؤول إليه أوضاع البلاد السياسية، واحتمال انسحاب تلك الخلافات على الوضع الأمني للبلاد، في ظل أزمة سياسية يملك جميع الأطراف فيها السلاح.